من المجلة - مكتبة السياسة الدولية

الثورات العربية ومستقبلها وأثرها علي السياسة الأمريكية في كتب‮ ‬2014

طباعة
مع قرب انتهاء العام الرابع علي موجة الثورات العربية،‮ ‬التي أدت إلي إسقاط أربعة أنظمة سلطوية‮ (‬نظام‮ "‬بن علي‮" ‬في تونس، ونظام‮ "‬مبارك‮" ‬في مصر، ونظام‮ "‬معمر القذافي‮" ‬في ليبيا، ونظام‮ "‬عبد الله صالح‮" ‬في اليمن‮)‬،‮ ‬لا‮ ‬يزال هناك اهتمام‮ ‬غربي ببحث ودراسة أسباب تلك الثورات التي كانت بمنزلة صدمة للكثير من الكتاب والباحثين الغربيين، لا سيما للذين كانوا ينظرون إلي شعوب المنطقة علي أنها عصية علي الثورة والانتفاض علي حكامهما السلطويين والديكتاتورين، وأن الدولة العربية استثناء من موجة التحول الديمقراطي‮.‬
 
وقد ركزت تلك الكتابات التي صدرت هذا العام‮ (‬2014‮) ‬علي بحث أسباب الثورات العربية‮ (‬اجتماعيا، وسياسيا، واقتصاديا‮)‬، مع التركيز علي أهمية وسائل التواصل الاجتماعي في إحداث حراك شبابي‮ ‬غير متوقع، مع استشراف المستقبل السياسي للشباب العربي الذي لعب الدور الرئيسي في الثورات العربية، لكنه‮ - ‬حتي وقتنا هذا‮ - ‬لم يتقلد مقاليد السلطة في الدول التي ثار فيها علي حكامه‮.‬
 
وهناك اتجاه آخر من الكتابات الغربية ركز علي تقييم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي فقدت فيها الولايات المتحدة عددا من حلفائها التقليديين بعد الثورات العربية، وإخفاق الإدارة الأمريكية في حلحلة كثير من الأزمات التي تشهدها المنطقة، وتركها تعم بالفوضي،‮ ‬وعدم الاستقرار، فضلا عن كتابات ترصد وتقيم الموقف الأمريكي من الثورات العربية‮.‬
 
الاتجاه الأول‮- ‬كتب تبحث عن أسباب الثورات العربية وتستشرف مستقبلها‮:‬
 
حاول كتاب‮ "‬شرح الانتفاضات العربية‮: ‬السياسات الجديدة المثيرة للجدل في منطقة الشرق الأوسط‮"‬، الذي يضم عددا من الأوراق البحثية لخبراء في شئون المنطقة،‮ ‬أن يفكك أسباب الثورات العربية في المنطقة،‮ ‬وانتقالها من تونس إلي عدد ليس بالقليل من الدول العربية، ولماذا نجحت الثورة في عدد من الدول العربية،‮ ‬في حين أنها أخفقت في الأخري، وما تحقق من الطموح والمطالب التي رفعها الثوار في العالم العربي‮. ‬وهدفت الأوراق البحثية التي تضمنها الكتاب بحث أسباب،‮ ‬وديناميات،‮ ‬وآثار الثورات العربية‮. ‬ويساعد هذا الكتاب في طرح إعادة تفسير للأحداث التي تشهدها المنطقة،‮ ‬منذ بداية الثورات العربية،‮ ‬ويتناول الفاعلين والقطاعات المؤثرة في المنطقة وتحولاتها‮.‬
 
ويقول مارك لينش،‮ ‬أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جورج واشنطن،‮ ‬محرر الكتاب،‮ ‬في مقدمته،‮ ‬إن الهدف من الكتاب هو تفادي الأخطاء التي وقع فيها الخبراء والمتخصصون في منطقة الشرق الأوسط عند كتابتهم عن المنطقة،‮ ‬والتي كانت تركز علي التمدد السلطوي في الدول العربية،‮ ‬وضعف المجتمع المدني،‮ ‬وإغفال تأثير الثورة التكنولوجية والاتصالاتية في أوضاع المنطقة‮.‬
 
ويناقش كتاب‮  ‬ليندا هيريرا الذي حمل عنوان‮ "‬الثورة في عصر وسائل الإعلام الاجتماعي‮: ‬التمرد الشعبي المصري والإنترنت‮" ‬الصعود الإلكتروني للشباب، فيدور التساؤل الرئيسي للكتاب حول ماهية دور وسائل الإعلام الاجتماعي‮ (‬الفيسبوك وتويتر‮) ‬في السياسة والثورات، وكيف يمكن أن تعتمد عليه بعض القوي لكسب تعاطف الجماهير‮. ‬فتشير الكاتبة إلي أن وسائل الإعلام الاجتماعي أصبحت صوت الشعوب،‮ ‬في ظل التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم‮. ‬وكشفت المؤلفة عن دور الفاعلة الهائلة للساحات الافتراضية، والتي تبين كيف يمكن لوسائل الإعلام الاجتماعي أن تسهم،‮ ‬ليست كمواقع للتحرر فحسب، بل كمكان للقوي الفاعلة التي تتنافس من أجل السيطرة علي قلوب وعقول الشباب‮.‬
 
وعن دور الشباب العربي في الثورات العربية،‮ ‬صدر كتاب تحت عنوان‮ "‬العرب الجدد‮: ‬كيف يغير جيل الألفية الشرق الأوسط؟‮". ‬في هذا الكتاب،‮ ‬يناقش خوان كول، المتخصص في شئون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، دور الشباب العربي في الثورات العربية وما بعد نجاحها في عدد من الدول العربية، وكيف سيؤثرون في السياسة العالمية‮. ‬واستعرض كول كيف أن جيلا من الشباب العرب استخدموا مفاهيم مبتكرة للحقوق الشخصية لمقاومة الاستبداد والفساد الذي أصاب مجتمعهم‮.‬
 
ويشير كول في كتابه إلي فشل الشباب العرب في ترجمة نجاحهم التنظيمي في الحشد،‮ ‬والاحتجاج،‮ ‬والصمود إلي نجاح سياسي وانتخابي، فسرعان ما تراجعت التنظيمات الشبابية إلي الوراء،‮ ‬مفسحة المجال أمام قوي الإسلام السياسي‮. ‬وأوضح الكاتب أنه لا تزال هناك فرصة كبيرة أمام هؤلاء الشباب لتحقيق آمالهم في المستقبل، رغم وجود أسباب تدعو للتشاؤم علي المدي القريب،‮ ‬وربما المتوسط‮ -‬من وجهة نظر الكاتب‮- ‬لما شهدته بعض الدول العربية من ثورات مضادة، وحروب أهلية،‮ ‬ونزاعات داخلية‮. ‬وتوقع أنه بعد ثلاثة عقود زمنية،‮ ‬سيتولي الشباب العربي الحكم في بلدانهم‮.‬
 
الاتجاه الثاني والأخير‮ - ‬كتب تقيم السياسة الأمريكية في المنطقة‮:‬
 
تتعدد الكتب التي تقيم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وتبحث عن أسباب الإخفاق الأمريكي في المنطقة، وإن كانت هناك مقاربات مختلفة بين تلك الكتب بشأن الاستراتيجية التي علي الولايات المتحدة تبنيها لعودة دورها ونفوذها في المنطقة‮. ‬ومن تلك الكتابات كتاب مايكل روبين،‮ ‬الخبير بمعهد‮ "‬أميركان إنتربرايز‮"‬،‮ ‬المعنون بـ‮ "‬الرقص مع الشيطان‮: ‬خطايا التورط مع الأنظمة المارقة‮" -‬نقدم له في هذا العدد عرضا تفصيليا‮- ‬الذي يقدم تقييما للسياسات الأمريكية تجاه عدد من دول المنطقة،‮ ‬والتي صنفتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق،‮ "‬جورج دبليو بوش‮"‬،‮ ‬علي أنها دول مارقة،‮ ‬في إشارة إلي العراق، وإيران،‮ ‬وسوريا لتبنيها سياسات معارضة للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة‮. ‬وينطلق الكتاب من إخفاق السياسة الأمريكية تجاه تلك الدول،‮ ‬والتي كانت قائمة علي الدبلوماسية والحوار،‮ ‬طارحا ضرورة استناد السياسة الأمريكية تجاه تلك الدول إلي القوة الصلدة‮ ‬"Hard Power"‮.‬
 
وفي سياق متصل،‮ ‬صدر كتاب‮ "‬جويل مجدال‮"‬،‮ ‬المعنون بـ‮ "‬الرمال المتحركة‮: ‬الولايات المتحدة في الشرق الأوسط‮"‬،‮ ‬الذي يناقش فيه السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط التي تمر بتحولات كبري منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي الثورات العربية‮. ‬ومن دراسته للسياسات الأمريكية تجاه المنطقة،‮ ‬يخلص الكاتب لخلاصة رئيسية،‮ ‬مفادها أن عدم الاهتمام الأمريكي الكافي بالتحولات الكبري في المنطقة أدي إلي كثير من الأخطاء الأمريكية في المنطقة‮.‬
 
ويري مجدال أن الفرصة سانحة للولايات المتحدة لوضع سياسة استراتيجية جديدة،‮ ‬وأكثر عملية، كما يخلص إلي‮  ‬ضرورة وضع خطة لكسب موطئ قدم ثابتة لدعم سياسة الولايات المتحدة في المنطقة،‮ ‬في الوقت الذي ستظل فيه المنطقة ساحة تنافس بين القوي الكبري بسبب الضعف العربي،‮ ‬وأزمات المنطقة المشتعلة،‮ ‬وحالة الفوضي التي تفرض علي القوي الدولية التدخل في شئون المنطقة، واعتماد دول لا تملك القوة العسكرية لحماية ذاتها علي القوي الدولية،‮ ‬وفي مقدمتها الولايات المتحدة،‮ ‬لتحقيق أمنها‮. ‬وأضاف أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في المنطقة ينبغي أن تقوم علي الانتقال من القوة إلي الإقناع، ومن التدخل العسكري إلي المفاوضات‮. ‬ويؤكد دور الولايات المتحدة في المنطقة كلاعب مهم في المنطقة، علي الرغم من القيود المفروضة علي دورها بسبب التوترات القائمة في المنطقة‮. ‬وأشار إلي أنه ينبغي أن تستغل نفوذها في المنطقة،‮ ‬من خلال ثلاث ركائز أسياسية، هي‮: ‬لعبها دور الوسيط النشط في النزاعات الإقليمية، والاشتراك في مفاوضات مباشرة مع خصومها، والعمل علي بناء تحالفات إقليمية جديدة‮ - ‬بعد أن فقدت كثيرا من حلفائها التقليديين في المنطقة بعد الثورات العربية‮ -  ‬في إطار سعيها لبناء دور فعال ونشط في الشرق الأوسط‮.‬
طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو عبد العاطي

    عمرو عبد العاطي

    باحث ومحرر في مجلة السياسية الدولية متخصص في الشئون الأمريكية