أجرى الحوار: أحمد ناجى قمحة - أمنية السيد حجاج
تمثل الثقافة جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومى الشامل لأي دولة، فهى إحدى الركائز الأساسية التي تسهم في استقرار المجتمعات، مع أهميتها فى حماية الهوية الوطنية والتراث الحضاري من التشويه والغزو الفكرى. ولا جدال أن دور الثقافة المهم في بناء الدول والنهوض بها، يظل مرهونًا بدعم الدولة للثقافة بسائر مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية. وإذا كانت القوة الناعمة تتمثل فى القدرة على التأثير غير المباشر في المجتمعات من خلال الجاذبية والقيم الفكرية والسياسية والأخلاقية، بدلاً من فرض السيطرة بالقوة العسكرية أو الاقتصادية، فإن دور الثقافة يبقى هو الأبرز فى هذا الشأن. ومن هنا جاء هذا الحوار مع وزير الثقافة الأسبق الكاتب الصحفى حلمى النمنم والذى تولى مسئولية الوزارة فى فترة مهمة من عمر الوطن (أغسطس 2015 - يناير 2018)، وهى الفترة التى شهدت ذروة معركة دحر الإرهاب وتجفيف منابع التطرف، حول الثقافة المصرية وشئونها وعلاقتها بالأمن القومى المصري وعملية تنمية المجتمع كان هذا اللقاء.
بداية .. نتقدم لكم بجزيل الشكر على هذا الحوار والاستجابة السريعة التى منحتنا فرصة ثمينة نُجرى من خلالها هذا الحوار الفكرى رفيع المستوى لمجلة الديمقراطية .. هذا الحوار يهدف إلى استجلاء رؤيتكم الفكرية العميقة المستندة إلى تجربتكم وسنتحدث فيه عن الديناميكيات المعقدة التى تحكم العلاقة بين الثقافة، والدراما، والأمن القومى، ومسارات التحول الديمقراطى، وحقوق الإنسان فى مصر، بشكل خاص الحقبة الفارقة التى أعقبت ثورة 30 يونيو.
حقيقة أنا الذى أشكر لكم وجودى على صفحات مجلة بحثية رصينة من أهم إصدارات مؤسسة الأهرام، التى لا أعتبرها مؤسسة صحفية قومية فقط، لكن الأهرام مؤسسة كل المصريين، ومن أقوى مؤسسات القوة الناعمة المصرية. أما بالنسبة لمركز الدراسات السياسية، فأنا مدين لهذا المركز لأن قراءاتى الأولى كانت من إصدارات هذا المركز، فكان يصدر كتبا منذ زمن بالغة الأهمية بسعر 30 قرش للكتاب، وأنا قرأت لبطرس بطرس غالى والسيد ياسين، وعلىّ الدين هلال، وجميل مطر، وكمال المنوفى، وغيرهم الكثير مع حفظ الألقاب، وحتى فى الإصدارات فيما بعد فقد تعلمنا منها الكثير، ودائما أقول إن مركز الدراسات ثروة قومية مهمة ينبغى الحرص عليه والحفاظ عليه وتدعيمه، وهذا ينطبق على مجلتى «السياسة الدولية» و«الديمقراطية».
إن الثقافة المصرية والمجتمع المصرى كانا يمران بمشكلة تجلت قبل 30 يونيو ولكنها بدأت مع احتلال العراق
كيف تُقيمون التحولات البنيوية التى شهدها الواقع الثقافى المصرى بعد ثورة 30 يونيو؟ وما هى أبرز السياسات والمبادرات التى تبنتها وزارتكم الموقرة آنذاك، بهدف تعزيز الهوية الوطنية الجامعة ومجابهة سرديات التطرف؟ وما هى التحديات الموضوعية التى واجهت تنفيذ هذه السياسات، وكيف تغلبتم عليها؟
فى الواقع أن الثقافة المصرية والمجتمع المصرى بشكل عام كانا يمران بمشكلة ربما تجلت قبل 30 يونيو2013، ولكن أعتقد أن جذور هذه المشكلة ظهرت وكان من الممكن الوقوف عندها حين تم إسقاط نظام صدام حسين واحتلال العراق، وأنا قلت وقتها فى مكتبة الإسكندرية إن إسقاط النظام العراقى واحتلال العراق يشير إلى أن إسقاط الدول فى الفترة القادمة سيتم تحت مسمى الديمقراطية وليس أى شعارات أخرى ، بحيث تتهم هذا النظام بأنه ليس ديمقراطيا، ليصبح هذا مبررا كافيا للغزو وإسقاط النظام. وبالتالى كان ينبغى أن نعمل إصلاحا حقيقيا من وقتها، لكن هذا لم يحدث، ومع الأسف كانت هناك قوى تعطل هذه المسألة، وأتصور أن القيادة السياسية وقتها ممثلة فى الرئيس الراحل حسنى مبارك كان مقتنعا بهذه الرؤية، وكان يرى المخاطر مبكرًا، لكن قوى مؤثرة فى المجتمع وقتها كانت رافضة لهذه المسألة.
لم يكن الخطر علينا من القوى الرافضة للديمقراطية فقط والتى لا تريد الإصلاح، لكن كان هناك تيار متنام يزداد قوة متمثلا فى تيار ما يُسمى بالإسلام السياسى. وأقول إن مصر فى عهد الرئيس الراحل مبارك خاضت تجربة بالغة الأهمية، ومن الواضح أنه كان يتصرف بقناعة بأنه من الممكن إدماج هذا التيار فى بنية النظام وفى الحياة السياسية العامة، ومع الوقت سيتحول إلى الديمقراطية والمدنية، وثبت أن هذا التيار أخذ مكاسب التجربة لكى يعمل على هدم النظام والدولة.
هذا التيار كان موجودًا بقوة وكشف عن وجهه الحقيقى والقبيح يوم 28 يناير 2011، وأخطر ما قام به هذا التيار فى 28 يناير ليس عمليات العنف والإرهاب فقط، ونحن نعرف تاريخهم منذ الأربعينيات من موجات الاغتيالات وتخريب المؤسسات، لكن الجديد فى 28 يناير هو استعانتهم بميليشيات أجنبية جاءت عبر الأنفاق بسيناء، لم يكونوا مصريين، دخلوا ونفذوا عمليات وتوفرت لهم الحماية الكاملة، فهو تيار غير مدنى وغير وطنى. ثم نصل لما بعد 3 يوليو 2013 مباشرة عندما وقعت أحداث الحرس الجمهورى والعناصر التى تم القبض عليها، كان من ضمنها عناصر غير مصرية، وهذا مثبت فى التحقيقات والملفات، وبالتالى أصبحنا نواجه تيارا ضد مدنية الدولة وضد وجود فكرة الدولة ذاتها، لأنه لا يريد دولة وضد المفهوم الوطنى فى حد ذاته. أنا حصلت على مقال لسيد قطب قال فيه: «ما الوطن إلا من طين عفن»، فقالوا لى هذه مبالغة كاتب، لكن الأحداث أثبتت عكس ذلك، وكان لابد من مواجهة هذه المسألة. هنا المعركة مع التنظيم والعنف يكون الدور الأول فيها للمؤسسات الأمنية فى الدولة، لكن المعركة مع الأفكار والمعركة النفسية التى تكون مع العقل، هى دور المثقفين بكافة أطيافهم سواء الموجودين داخل وزارة الثقافة أو خارجها، ولا أنحى دور المؤسسات الصحفية القومية من هذه المسألة لأن الذى خاض الحملة تاريخيًا كانت المؤسسات الصحفية القومية وهذا الدور ينبغى أن يُذكر لها، فلماذا نُسقط من الذاكرة محاولات اغتيال الأساتذة مكرم محمد أحمد، وإبراهيم نافع، وإبراهيم سعدة وكبار الكُتاب فى المؤسسات القومية وكلهم فى ذمة الله رحمهم الله جميعا، كانوا على قوائم الاغتيالات بلا استثناء ومعهم أيضًا أنيس منصور والسيد يسين وعشرات الأسماء غيرهم، لماذا؟ لأن المعركة الحقيقية مع العقل، والأجهزة الأمنية تقوم بدورها الواجب عليها مع الدولة ومع المجتمع، لكن دورنا كمثقفين وكُتاب أيا كان موقع كل منا هو مواجهة هذه الأفكار والتصدى لهذه القضية.
عندما دخلت الوزارة وضعت أمامى نتائج انتخابات الرئاسة عام 2012 ونتائج التصويت فى البرلمان وقتها، نتائج الانتخابات كانت تقول إن هذا التيار كان موجودًا بكثافة فى محافظات بعينها، فى الوجه البحرى (البحيرة على سبيل المثال)، وفى مناطق من الوجه القبلى (جنوب الجيزة، وبنى سويف، والمنيا، وأسيوط)، فكان لابد أن نعمل على هذا، فطرحت على دولة رئيس الوزراء قبل أن أحلف اليمين مفهوم «العدالة الثقافية»، بحيث تذهب الدولة للمواطن أينما كان، تذهب بالقوى الناعمة، بمعنى أننا نطلب من المواطن ضرائب فيدفعها، ثم يضحى المواطن ويقف فى ظهر الدولة، ويقدم لنا ابنه يخدم فى القوات المسلحة وفى الأمن المركزى، وعندما يُستشهد يقول «ياريت عندى ابن تانى أقدمه»، فهذا النبل وهذا الكرم الوطنى ينبغى أن يُقابل بدور ثقافى أن نذهب لهؤلاء الناس إلى أماكنهم، لكن بعض الناس بل وبعض الصحفيين كانوا يسخرون ويقولون وزير الثقافة «نازل القرية الفلانية فى الصعيد»، نعم أنزل، وفعلاً ذهبت لقرية اسمها «دلجا» على حدود المنيا وأسيوط، المحافظ وقتها لم يصدق أن الوزير سيزور هذه القرية، لكن بدأنا هذا التوجه، وهذا يحتاج أن تعمل قصور الثقافة على أرض الواقع، لأنه كان لدينا نسبة الأمية الأبجدية من 23 إلى 25% وقتها ومنتشرة أكثر فى الأقاليم خارج القاهرة والإسكندرية، وهذه النسبة بالطبع غير مهتمة بالقراءة، فأنا أحتاج إلى ثقافة سمعية وبصرية، فلابد أن أدعم النشاط الفنى من مسرح وسينما ، وتم عمل ذلك فعلاً، وتوسعنا فى إنشاء المهرجانات الفنية، وتوسعنا فى أن قصور الثقافة لابد أن تكون فرقا فنية من أبناء الأقاليم. وفى الوقت نفسه أعطينا اهتماما أكبر للمركز القومى للترجمة ووصلنا عام 2017 إلى أن أصدر المركز القومى نحو 358 عنوانا، و كان عندما بدأنا العمل يصدر الحد الأقصى 70 عنوانا فقط، وفى اختيار الكتب كانت الأولوية للكتب التى تكشف هذا التيار الظلامى، والكتب التى تدعم الدولة الوطنية والدولة المدنية، وقلت وقتها إنه لا يليق بمصر فى القرن الحادى والعشرين أن تقيم معرض القاهرة الدولى للكتاب مرة واحدة فى السنة لمدة أسبوعين، ثم بعد ما تنتهى مدته فى القاهرة يذهب إلى الإسكندرية لمدة أسبوع، هذا لا يليق، فلابد أن يكون لكل محافظة معرض، وبدأت بالبحيرة وعملت معرض دمنهور الدولى للكتاب، وأنا سعيد جدًا إنه مستمر حتى اليوم، وفى السنة التى تأسس فيها معرض دمنهور الدولى للكتاب فاقت مبيعات الكتب وإصدارات وزارة الثقافة معرض القاهرة الدولى للكتاب.
وكذلك أنشأنا معرضا فى الأقصر وآخر فى أسوان، وعندما غادرت الوزارة كان لدينا 120 معرضا فى العام، والحقيقة أقول إن القيادة السياسية- ممثلة فى سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى شخصيًا كانت داعمة إلى أقصى درجة، وأنا لم أطلب شيئا إلا وتحقق، وكان أحيانًا ضد التقاليد والبروتوكولات المعتادة، بل قد يكون هناك شئ متفق عليه وأبلغت به الرئاسة، فيقول الرئيس ارجعوا لوزير الثقافة، فيأتى وزير الثقافة ويطلب بعض التغييرات، وأحيانا تكون هذه التغييرات عصية. على سبيل المثال كان السيد الرئيس متفقا مع الصين قبل ما أحلف اليمين أن يكون هناك عام ثقافى مصرى-صينى، وأنا عندما حلفت اليمين وجدت أن الافتتاح سيتم فى متحف المنيل (قصر المنيل) والرئيس الصينى سيحضر ويغادر وتمت الترتيبات اللازمة والأجهزة المختصة عاينت المكان من الجانبين، وأنا تقابلت مع السفير الصينى ثم تقابلت مع عدد من المسئولين عن الإجراءات التنفيذية وقلت لهم أريد أن يكون الافتتاح فى الأقصر، لأنها العاصمة التراثية والأثرية لمصر، وكانت رؤيتى أن ندعم الأقصر ونخرجها من الحالة التى كانت عليها فى هذا الوقت، فبعد حلفى اليمين بثلاثة أيام ذهبت إلى الأقصر ففوجئت بأن الفنادق أبوابها مغلقة من الخارج وعليها خشب بمسامير، لأنه من عام 2011 والمدينة خالية من الزوار وغادر كل من فيها، وتقابلت مع المحافظ فقال حاولنا أن نوفر لهم عمل وكان ردهم أننا نعمل فى السياحة فقط، وقد زرت فندقا فوجدت رجلا جالسا فى الداخل، عرفته شكلاً وعرفت أنه مدير الفندق وفتح لى ورحب بى ودخلت وذكرنى بنفسه وتذكرته لأنه كان زوج ابنة أحد وزراء الداخلية الراحلين، وقال لى إنه يحاول العمل على السياحة الداخلية كى لا يفصل العمال الموجودين من أشغالهم، فطلبت رئيس جامعة القاهرة وقتها د. جابر نصار وقلت له الجامعات منذ زمن كانت تعمل رحلات سنوية للأقصر وأسوان، قال لى نعم، فقلت له هل هذا التقليد اختفى، وأن معى فلان والفنادق هنا مستعدة لعمل خصم يصل إلى 75% للطلبة على السعر، فأجاب بأنه ليس لديه مانع، بل ووعد بأن الجامعة ستدعم الطالب بـ50% من تكلفة الرحلة، وبدأت الأمور تسير على ما يرام، لكننى فكرت أنه إذا حضر الرئيس الصينى للأقصر فإن التأثير سيكون هائلا بلا شك. وفجأة قالوا ماذا نعمل، حتى وصل هذا المطلب إلى فخامة الرئيس الذى قال لهم يُنفذ ما يريده وزير الثقافة وهو ما تم بالفعل.
فأنت فى فترة بها إرهاب والدولة مستهدفة والأقصر مدينة مفتوحة من حولك صحراء وجبال من كل مكان. ورغم أننى كنت أرى أبناءنا من رجال القوات المسلحة والشرطة واقفين ليلاً ونهارا فى كردونات أمنية، ومع ذلك نجحت الفكرة وبعدها مباشرة بدأت الأفواج الصينية والألمانية أيضًا تأتى إلى الأقصر وعادت الحركة السياحية، وعملنا على تكرار هذا على مستوى كل المدن السياحية والأثرية من أبو سنبل وحتى سيناء، وعندما وقعت حادثة طائرة شرم الشيخ تحدثت مع المحافظ وقتها فى جنوب سيناء، قلت له جنوب سيناء ليست شرم الشيخ، وعندنا ما هو أهم دير سانت كاترين ووادى الراحة الذى كان ينزل به الرئيس السادات، وقمنا بعمل مهرجان هناك، وبدأت الأمور تزدهر وتنفتح على السياحة. لماذا؟ لأن الثقافة لم تجلس فى برج عالٍ، فلا المثقف ولا المؤسسات الثقافية جلسوا فى برج عالٍ، أنت جزء من مجتمع ومن دولة، وهذا ما ركزنا عليه ولله الحمد.
دور الثقافة الحقيقى هو الدفاع عن الهوية والوطنية المصرية والتنبيه للمخاطر التى تهدد المجتمع والعقل المصرى ودور المثقف والمؤسسات الثقافية ألا تجلس فى برج عال، فهى جزء من دولة ومجتمع
كيف يمكن للسياسات الثقافية أن تساهم فى ترميم جسور الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة من ناحية، وأن تشكل رافعة حقيقية لجهود التنمية المستدامة من جهة أخرى، بحكم تجربتك باعتبارك جزءا من مؤسسات الدولة المصرية نفسها؛ٍ وزير فى حكومة بدأت تطبق تجربة التنمية الشاملة والمستدامة، وركزت على العدالة الثقافية، والدولة كانت معنية بالعدالة الاجتماعية، هل هذا مكون من المكونات التى شغلت تفكيرك، لكى يكون هناك توزيع عادل للموارد الثقافية؟وكيف يمكن أن تكون استراتيجية عملية ومؤسسية تستمر مع الوقت؟
بداية، فى مؤسسات الدولة المصرية يُقال تقليديا «إن كل مسئول جديد يمحو إنجاز الذى قبله»، ويبدأ من جديد، وهذا غير صحيح لأن كل مسئول جديد فى منصبه يغير بعض الرءوس الموجودة فقط، لكن فيما يتعلق بالسياسات (لا)، لذلك أنا سعيد بوزير الثقافة الحالى د. أحمد فؤاد هنو لإنى سمعته يقول: نحن نطبق سياسة «العدالة الثقافية»، هذه السياسة موجودة، وهذا المصطلح أنا دخلت به، لأنك تعمل بالسياسة فى النهاية بإمضاء وزير الثقافة ويعتمدها رئيس الحكومة، بغض النظر عن الاسم، لكن فى النهاية السياسة والاستراتيجية مستمرة وموجودة، لماذا؟ لأنها لم تكن سياسة واستراتيجية شخص بعينه ولكنها استراتيجية وزارة الثقافة فى حكومة لا تزال قائمة، وبالتالى الاستراتيجية موجودة إلى اليوم.
أما عن العدالة فمن المفروض أن تطبق فى كافة المجالات؛ العدالة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية، والعدالة فى التعليم، والعدالة فى الثقافة، والعدالة فى كل المناحى، العدالة لا ينبغى أن تسير على سطر وتترك الآخر، تماما مثل الديمقراطية والحرية، فالديمقراطية ليست أناسا تهاجم الحكومة أو تسبها، هذه ليست ديمقراطية، نحن نتكلم عن عمل مؤسسى يرتبط بالإنسان ويصبح جزءا من سلوكه، الثقافة هى حلقة الوصل الناعمة بين المواطن ومؤسسات الدولة، الثقافة ليست جزيرة منعزلة، لابد أن تكون هناك علاقة جيدة بالمؤسسات كافة، مع احترام هيبة الدولة، والأهم من ذلك أنك فى موقعك لا تخاف ولا تستسلم لما هو سائد. أتذكر أنه مع أول معرض للكتاب وأنا فى المسئولية جاء أحد الزملاء الصحفيين وقال إن البلد غير مستقرة والإرهاب لا يزال موجودا والناشرين العرب خائفون من الحضور، وأقترح تأجيل المعرض ذلك العام، ثم فوجئت بأن هذا الكلام بدأ يتنامى إلى حد أن كُتابا كبار بدأوا يرددوه ووصل إلى مسامع بعض جهات الدولة المسئولة، هنا قلت إذا لم نقم المعرض هذا العام وتم تأجيله فقد حققنا للإرهابيين هدفهم، فالتحدى الحقيقى أن نقيم المعرض، وبالفعل هذا ما تم، وكانت المفاجأة أن الناشرين العرب حضروا، وباعترافهم فقد حققوا مبيعات ضخمة تزيد على السنوات السابقة، وبحضور4 ملايين مواطن، وكان هذا حديث بعض السفراء والأجانب فى القاهرة، وكان التعليق من السفيرين العراقى واللبنانى أن المصريين متعبون من فترة الفوضى السابقة ويريدون أن يعيشوا حياتهم العادية ويذهبون إلى المعرض. فماذا لو كنا استسلمنا ولم نقم المعرض ذلك العام؟! والشئ نفسه تكرر عندما أقمنا مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وترددت بعض التحذيرات والتهديدات بأنه مهرجان «الفسق والفجور» وسوف نفجره، وأنا أتذكر أن رئيس لجنة تحكيم الفيلم الأجنبى فى هذه الدورة من المهرجان كان فنانا بريطانيا جاء من لندن وسلمت عليه وصعد ليقول الكلمة التقليدية وبعدها قال: من هنا أخاطب رئيس وزراء بريطانيا، أنا فى القاهرة يا رئيس الوزراء، وقد حذرتنى بأن لا أسافر لأن مصر غير آمنة وبها إرهابيين يعيثون فيها، لكن أنا فى القاهرة الآن وأعطى محاضرة طويلة على الهواء وقال أن الأماكن التى زارها، مثل خان الخليلى وغيره من الشوارع آمنة تمامًا. فلو كنا استسلمنا لما يُقال أو لبعض التهديدات الرخيصة والمبتذلة كنا أعطيناهم فرصة للنجاح، فهذا جزء من عمل المسئول، وفى سبيل ذلك يمكن أن تُهاجم أو تُنتقد، فلابد أن تكون مستعدا لذلك.
عبقرية مشهد «ماكرون فى خان الخليلى»، تجسد فى فهم العقل الفرنسى ومدى تأثره بالثقافة والأجواء الشعبية
ذكركم لنموذج رئيس لجنة التحكيم، هذا الرجل البريطانى المحترم، يقودنا للحديث عن توظيف أدواتنا من القوى الناعمة ؟
ربما هذا يستدعى أن ننتقل إلى «مشهد تاريخى»، وهو مشهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فى خان الخليلى، وكيف وصلنا لعبقرية تصميم مشهد مثل هذا المشهد معتمدين على فهم العقل الفرنسى ومدى تأثره بالثقافة والأجواء الشعبية، فهم يحبون الحياة، وكيف حصلنا على هذه اللقطة وكيف تنعكس على المستقبل خصوصًا أن مدلولات الزيارة والمكون الثقافى والتعليمى عالى جدًا.
إن «مشهد ماكرون» يعود الفضل الأول والأخير فيه إلى فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فهو من هذه المنطقة ويعرفها جيدًا، ويعرف تأثير هذه المنطقة على الفرنسيين وعلى ماكرون شخصيا. فقد شاهدنا مشهدا تلقائيا بعبقرية؛ أحد الأشخاص كان يقف ويشير للرئيس وقال له: يا فخامة الرئيس أنا فلان الفلانى ابن الحاج فلان، ليرد عليه قالًا (إزيك يا ابن الغالى)، فهم أهله وعزوته ويوجد أفراد من أسرة الرئيس لا يزالون موجودين هناك، وبالتالى هو يعرف جيدا منطقته الحميمية ومدى تأثيرها.
إنك عندما تقترب من سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى وتتعامل معه على المستوى الإنسانى تجده بسيطًا جدًا إلى أقصى درجة ممكنة، فلو أن طفلا أو طفلة طلبوا التقاط صورة معه فى أى مكان يوجد به، ستجده مرحبا ويلبى هذا الأمر ويتقبله بروح عالية، هذه الروح قريبة من كل الناس وهى موجودة فى تكوين سيادة الرئيس. فالرئيس رجل متدين لكن جزءا من هذا التدين يذهب ناحية التصوف، الروح الصوفية قائمة فى المقام الأول على روح الحب والمحبة والتواضع مع الناس. وكان من الممكن بروتوكوليًا أن يذهب الرئيس الفرنسى إلى المنطقة منفردًا ومعه ضيف شرف كوزير الآثار أو وزير الثقافة كما هو متبع، لكن نلاحظ أن سيادة الرئيس حرص على النزول معه بنفسه، وبدون زى رسمى، وبالتالى صناعة هذا المشهد بهذه الصورة يعود لسيادة الرئيس.
وكان مردود هذا هائلا ثقافيًا، إنك أمام رئيس ينزل للناس؛ وسط الشعب؛ ولديه هذه المحبة فى نفوسهم، رئيس ذهب مع ضيفه إلى مطعم بسيط وتناولوا عيش وجبنة (الطعام البسيط للمصريين) ، فى مطعم «نجيب محفوظ» الذى يحمل اسم نجيب وعبقه، فى المنطقة التى وُلد وتربى فيها نجيب محفوظ، وكذلك الحال مع سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضًا، والتى انتصر فيها لقيمة التسامح الدينى، فعندما تذهب إلى الحسين وهذه المنطقة حوله فى رمضان وتجلس على موائد الرحمن لا يسألك أحد عن اسمك أو جنسيتك ولا دينك وهذه هى روح التسامح الحقيقية.
هذه هى الثقافة ليس بالمفهوم التقليدى لكنها ثقافة التعامل مع الناس. ففى التقاليد المصرية منذ زمن بعيد لو كان أحد يسأل عن دورة المياه لا يقول «دورة المياه فين» لكنه يقول «بيت الأدب فين أو بيت الراحة»، وهناك فرق، فالمصرى لو لم يكن متعلمًا فهو مثقف. إن هذا المشهد هو مشهد ثقافى وحضارى بامتياز، وأظن أنه سيدرس فى التاريخ، لأننا فى تاريخ مصر نُدرس زيارة خروشوف عام 1964 لمصر ومعه الرئيس جمال عبدالناصر، لكن هذه كانت زيارة سياسية بمناسبة أعمال مشروع السد العالى، وندرس أيضًا زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون لمصر بعد حرب أكتوبر 1973 لكن الرئيس الراحل أنور السادات كان يدشن لمرحلة فتح علاقات جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. لكن فى زيارة ماكرون والجولة التى قام بها فى خان الخليلى، نحن نتحدث عن زيارة ثقافية بامتياز، فنحن نتحدث عن فرنسا القوة الثقافية الكبيرة فهى زيارة ثقافية فى المقام الأول.والمنطقة التى ذهب إليها ماكرون هى التى كانت هدفا لمدافع نابليون فى حملته على مصر. فالتاريخ المصرى والإنسانى يتطور.
تمثل مبادرة (كشك كتاب) التى تتبع رئاسة الجمهورية من خلال مشروع « حياة كريمة»، محطة مهمة فى مجال توفير الكتاب بسعر مدعم، كيف يمكننا نشر مبادرات مماثلة من أجل دعم ثقافة المجتمع المصرى والأسرة المصرية؟
فى مسألة الكتاب والثقافة نحن دخلنا فى مرحلة الكتاب الإلكترونى، وبالتالى لم يعد الكتاب الورقى هو المصدر الوحيد للإطلاع والمعرفة بسبب هيمنة العولمة الرقمية.
أما عن مبادرة (كشك كتاب) فلدينا بيوت ثقافية منتشرة فى أنحاء مصر- إلى أن غادرت الوزارة كان عندنا 604 تقريبًا-؛ قصور، وبيوت، ومراكز، ومكتبات مصر العامة، وأتمنى أن يحدث تعاون بين وزارة الثقافة ووزارات التربية والتعليم، والتعليم العالى، والشباب، والمجتمع الأهلى. ليصبح لدينا فى كل قرية مكتبة. وعندما أقول هذا الكلام ليس معناه إنه لا يوجد، فنحن نركز على بيوت الثقافة ومراكزها لأنها تُعد المصدر الوحيد للثقافة ولا توجد روافد أخرى فى كثير من الأماكن، فكل قرية ستجد فيها مركز شباب، ومركز الشباب جزء من تكوين وبناء الشباب به مكتبة وأمين مكتبة، وعندما كنت فى الوزارة كنا نرسل لهم كتب، وفى كل قرية ستجد مسجدا أو اثنين أو كنيسة، وفى كل مسجد ستجد مكتبة بها كتب ليست دينية فقط لكن كتب أدبية أيضًا، وبالتالى الكتب متوفرة، ويمكن التوسع فى إنشاء مكتبات عامة ومتخصصة تحديدًا فى القرى. فتجربة «حياة كريمة» والتجارب التى يفكر فيها فخامة الرئيس أنا سعيد بها لأن بها إنجازا ضخما؛ فمنذ ثورة 1952 ونحن نعانى تجربة الهجرة من الريف إلى المدن الكبرى (القاهرة والإسكندرية) وأساتذة علم الاجتماع والعلوم السياسية يحذرون وينبهون إلى ترييف المدن. حياة كريمة، وتبطين الترع، كل هذه المشاريع التى تتم هى رد اعتبار إلى المدن الإقليمية وإلى القرية بحيث تصبح المدينة الإقليمية جاذبة. وبالمناسبة لعلنا نتذكر أنه وقت أُصدرت مكتبة الأسرة كان الدكتور سمير سرحان يُهاجم هجومًا ضاريًا، فهذه المشاريع التى تتم الآن، فى رأيى سيظهر مردودها فى السنوات المقبلة، لكن أنا سعيد بالاهتمام بالقرى والمدن الإقليمية ورد الاعتبار لها.
لا ينبغى أن ننظر إلى الثقافة بالمفهوم التقليدى فهى تتسع لثقافة التعامل مع الناس
على ذكر الحديث حول الرقمنة، وهيمنة العولمة الرقمية وتحديات المحتوى العابر للحدود، بالتأكيد تنبهتم لها أثناء وجودكم بالوزارة، ولكن هل أتخذتم خطوات لتحقيق الأهداف الوطنية من حماية ووقاية عقل الشباب المصرى من هذه المخاطر؟
هذا أخذ منا مجهودا ضخما ليس من وزارة الثقافة فقط بل من الحكومة بأكملها وكانت منتبهة لهذا، ولعل تأسيس بنك المعرفة كان من أهدافه مواجهة هذه التحديات، ولعلى أذكر أنه أثناء بحثى عن مفهوم العدالة الاجتماعية فى مصر، ومن الذى صك هذا المصطلح؟ خاصة أن كثيرا من الإسلاميين ينسبوه إلى سيد قطب فى كتابه «العدالة الاجتماعية فى الإسلام» الذى صدر فى أواخر 1948، قد وجدت كتابا صدر فى القاهرة سنة 1946 بعنوان: «العدالة الاجتماعية فى مصر» بقلم صالح ميخائيل الذى كان يعمل موظفًا فى هيئة التجارة والصناعة وقتها، إذن المصطلح موجود من سنة 1946 على الأقل، وهو كتاب بالغ الأهمية وأنا اشتريته من سور الأزبكية، ووجدت نسخة من الكتاب مرقمة فى دار الكتب المصرية، لكن عندما دخلت على الشبكة العنكبوتية وجدت الكتاب وعليه شعار المكتبة الوطنية الإسرائيلية، وبالتالى فأنا تراثى ذهب إلى هناك وكتب أخرى كثيرة جدًا خرجت فى مصر وتُطبع خارج مصر ولا أحد يعلم أنها مصرية ونُشرت فى مصر. كذلك لا أحد نبه بأن الخطر فى فلسطين كان منذ نهاية القرن التاسع عشر، وكان فى مصر هذا الاهتمام من خلال كُتاب مصريين وفى صحف مصرية. و نحن منتبهيون لإعادة تجديد القديم وتقديمه للناس ليكون لدينا وعى به، وبالتالى نحمى تراثنا. وسأعطى نموذجا آخر أعتبره نموذجا مؤسفا، ففى أواخر الثمانينيات قامت معركة وهمية حول من الذى له الريادة مصر أم بيروت، وهذه من المعارك الوهمية العربية، وبدأ يُقال إن بيروت أول عاصمة أُقيم فيها معرض للكتاب، وأنتم كمصريين جاء معرضكم متأخرا، ولكنى وجدت فى مجلة المصور سنة 1946 تغطية لمعرض القاهرة للكتاب، وتابعت هذا المعرض ومن السبب فى إقامته، لأجد أن هذا المعرض ظل يُقام باستمرار فى القاهرة منذ عام 1946 إلى أن جاء العدوان الثلاثى عام 1956، ومع العدوان الثلاثى لم يقم المعرض حتى الستينيات، ولذلك أقول إن معرض القاهرة الدولى للكتاب تأسس عام 1969 فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر والوزير ثروت عكاشة، وكانت فكرة الرئيس عبدالناصر الاحتفال بألفية القاهرة، لكن قيمة وزارة الثقافة وفريق العمل آنذاك أنه أمسك بالفرصة وحافظ على هذا التقليد، لكن لم تكن هذه أول علاقة لنا بمعرض الكتاب. وأنت تجد هنا جزءا كبيرا يرتبط بمحافظتك على هويتك وشخصيتك والدور المصرى والحفاظ على تراثنا الثقافى وحمايته. لقد أعدنا تشكيل اللجنة التى تتعامل مع اليونسكو لكى نسجل تراثنا، وعندما سجلنا لعبة التحطيب أخدناها فى اليونسكو، بينما وجدنا «الطعمية» مسجلة باسم إسرائيل وهى اختراع مصرى أصيل. فهل هذا يؤثر على التنمية؟ نعم، هذا جزء أساسى من عملية التنمية، وإذا رأينا التنمية فى الصين نجد جزءا كبيرا منها مرتبط بالمواد التراثية، ونحن نعلم أن الزميل الراحل حامد العويضى بدأ حياته خطاطًا ثم سافر إلى اليابان .. لماذا؟ لأن هناك شركة ملابس تريد التعامل مع المنطقة العربية ولكى تقبل هذه الملابس فهى تحتاج خطوطا عربية تُكتب عليها، فكان العويضى هو المرشح لذلك، يكتب بيت شعر أو آية قرآنية أو حديثا نبويا أو حكمة . فالثقافة لا تنفصل نهائيًا عن التنمية لأنها جزء أساسى منها، وهذا المفهوم كان موجودًا فى وزارة الثقافة حين تولاها د. محمد عبدالقادر حاتم، لذلك فإن قصور الثقافة التى تأسست فى عهده ومنها قصر موجود حتى الآن فى شبين القناطر جزء كبير منه يهتم بالحرف التراثية والحفاظ عليها، ويمكن أن تكون مصدر دخل كبير جدًا مثلما هو الحال فى الصين ودول جنوب شرق آسيا، لذا، فالوزارة جزء من الحكومة أو الدولة، وأنت مؤثر فى المجتمع، وبالتالى فإن عملية التنمية واجبة لأنه مادام هناك تنمية فالمواطن فى حاجة إلى الثقافة.
على ذكر أثر صديقنا الراحل الفنان حامد العويضى فنان الخط الأصيل، وخطوطه التى غمرت إصدارات مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، وقصور الثقافة ودورها. وإذًا كان هناك تلازم بين الثقافة والدراما والفن باعتبارهما أحد روافد الثقافة وأحد المكونات والمؤثرات فى القوى الناعمة للدولة المصرية . هل تعتقد أننا استطعنا تقديم ما يوفر دعما من أجل إنتاج سينمائى ودرامى فى الفترة السابقة يعبر عن حقيقة المفاهيم التى تناقشنا حولها وتعبر عن حقيقة التراث المصرى وعن حقيقة البطولات المصرية .. وإذا كان هناك تقصير فى هذه المساحة فما سببه وكيف نعالجه؟
التقصير لم يكن بسبب رواد هذا المجال أى من الفنانين أو المخرجين أو الكُتاب، فمثلاً لو أنا بصدد تجهيز عدد من الأهرام أو المصور أو آخر ساعة، يمكن أن يكون عندى كُتاب مقالات عظماء ومحققون ومخبرون صحفيون أيضًا يرسلوا أخبار جاذبة، لكن هذا ليس معناه أنى سأُصدر جريدة أو مجلة جيدة، لأن هناك عقلا يقول إن الأهرام لابد أن يكون به صفحة تحقيقات، وحوادث، ومقال اقتصادى، وسياسى، ومقال اجتماعى وفيه رسم كاريكاتورى يسعد القارئ، وحظك اليوم.. إلخ، وهذا لم يحدث فى الدراما. فهل أنا فى الدراما أهتم سنويًا بأن أقدم مسلسلا للأطفال مثلما كنت أقدم شخصيات مثل، بكار وفطوطة هذا غير موجود، وكذلك الحال مع الأعمال التاريخية والوطنية، هذا غير موجود أيضًا، المفروض فى الدراما كل عام سواء فى رمضان أو غير رمضان أن يُعرض على المشاهد باستمرار أعمال من تاريخ مصر وعن البطولات المصرية، وإذا كانت المشكلة فى الكتابة فلنفتح المكتبات ونبحث، ويوجد عشرات البطولات ولدينا عمليات المخابرات المصرية التى لا أول لها ولا آخر، وبطولات فى الحرب على الإرهاب، هل قصة ضابط الشرطة الذى تقدم لينقذ ثلاثة أطفال عندما وقع حريق هائل فى شارع عباس العقاد وبعد إنقاذهم أُصيب هو بحروق شديدة، فى هذا الموقف الشرطة قوة خشنة أم ناعمة، مثل هذا النموذج ألا يستحق أن يكون هناك عمل يكرمه.
لا أرى أن هناك تناقضا بين الحفاظ على الأمن القومى والثقافة فهى جزء مهم من أى عملية تنموية ناجحة
لكم مقولة شهيرة: «إن الأيدى المرتعشة لا يمكن لها أن تواجه الإرهاب، ولا تتمكن من العزف» .. ما هى السياسات والبرامج التى ترى ضرورة أن نستكملها، لأن التوقف عنها سيعود بنا لدائرة التمكن من العقول؟
لنبدأ بـ« التعليم» ، وتنمية الإيمان بالدولة (معنى الدولة)، ومفهوم الدولة، لأن لها احترامها وهيبتها، بغض النظر عمن يحكم وعن شكل النظام، وبالتالى فإن مناهج التعليم التى تُدين مرحلة بعينها من تاريخ مصر أو مراحل مختلفة ينبغى أن يتوقف هذا .. لماذا؟ لأنه عندما يجئ أحد ويدين العصر الملكى أو العصر الناصرى أو الساداتى، ماذا يريد طيور الظلام أكثر من ذلك؟ تاريخ مصر ليس كذلك، وبالتالى يجب أن نقدم الصورة الإيجابية لتاريخنا، ولمفهوم الإيمان بالدولة، فالدولة غير الحكومة وغير النظام السياسى. ومفهوم الإيمان بالدولة الوطنية والدولة المدنية، إن المناهج الدراسية للطفل من مرحلة ما قبل المدرسة ينبغى أن تراعى هذا، ولا يصح أن طالبا يتخرج فى الجامعة ولا يعرف تاريخ مصر، ولا جغرافيتها ولا خريطتها، وربما يدخل طالب مدرسة أجنبية وبعدها يدخل الجامعة الأمريكية أو كلية الطب، لكنه لم ير خريطة مصر ويدرسها. إن الخلافات والمِحن السياسية لا ينبغى أن تدخل فى مناهج التعليم، بمعنى أن أحدهم لم تعجبه نتائج حرب أكتوبر أو سيرة أسرة «محمد على»، هذه مسألة يجب أن ينشغل بها الجميع فى البرامج التلفزيونية والإذاعية والمدرسية لأنها مسلمات ليس لها معنى، هذا وضع طبيعى ألا تقتنع بنظام الرئيس عبدالناصر وسياسته أو تكون مختلفا مع سياسة الرئيس السادات، لكن أن تقول إن مصر تحت الحكم الإنجليزى كانت أفضل فترة فى تاريخها فهذا كلام صعب وقاس ومجاف للحقيقة، فلابد أن ننتبه لهذا، لتنمية الإيمان بالدولة ودولة القانون.
نحن الآن فى عام 2025 ذكرى مرور 100 عام على صدور كتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم» عندما نقرأ هذا الكتاب ربما من الناحية الفكرية ليس فتحا عظيما، حيث يقول شيئا يكاد الكل يتفق عليه، وهو أن الخلافة ليست أصلاً من أصول الإسلام وليست أصلاً من أصول الإيمان، فطوال التاريخ الإسلامى نجد أهل السُنة عندما يتحدثون عن الفوارق بين السُنة والشيعة يذكرون أن فكرة الإمامة عند الشيعة أصل من أصول الإيمان لكنها ليست عند السنة كذلك، وبالتالى الشيخ على عبدالرازق ذكر الفكر القائم بالفعل، لكن قيمة الكتاب أنه جاء فى لحظة معينة كانت الخلافة تسقط فيها، وتدور أحاديث كثيرة جدًا حول ذلك، لذا غضب الملك فؤاد. وكثير من الناس ظنوا أن الملك فؤاد غضب بسبب موضوع الخلافة، ولكن الخلافة لم تكن فى بال الملك فؤاد وهو مظلوم فى ذلك، ولكن كانت المشكلة أن الإعجاب بمصطفى كمال أتاتورك وقتها كان متناميا جدًا فى مصر، والإسلاميين ينظرون إليه كشخص علمانى، لكن الملك فؤاد كان شيئا آخر، لأن أتاتورك ألغى الملكية وأعلن الجمهورية، وبالتالى ظُن أن الكتاب دعوة للنظام الجمهورى وهذا ما أزعج الملك فؤاد من الكتاب، وعندما تدخل أحمد شفيق باشا للإصلاح بين الديوان الملكى والأحرار الدستوريين قال أنا أريد سطرين فقط يكتبهم الشيخ على عبدالرازق بأنه لا يدعو إلى إقامة نظام جمهورى فى مصر، والشيخ على عبدالرازق شيخ صعيدى قال «أنا قلت اللى عندى وخلاص»، وفيما بعد عندما تأكدوا أن الكتاب لم يقصد ذلك عُين وزيرًا للأوقاف فى زمن الملك فاروق، وبالمناسبة الذى فكر فى تأسيس مكتبة لكل مسجد هو الشيخ على عبدالرازق.
ولكن فى هذا السياق ما الذى يمكننا أن نضعه كروشتة علاج للخروج من دائرة «الأيدى المرتعشة»؟
أحيانًا يكون هناك مخاوف زائدة على الحد اللازم وليس لها ما يبررها، ويجب أن ندخل فى صلب الموضوع مباشرة. وسأضرب لك نموذجا ليس فى مصر. الآن فى سوريا مشكلة تتعلق بالدروز فى محافظة السويداء، وتم اللقاء من قبل المسئولين السورييين مع الإسرائيليين من أجل حل المشكلة، وبدأت مباحثات معهم، وهذا فى رأيى ليس صائبا فمن الأسهل أنك تذهب للدروز مباشرة وتجلس معهم ويسهل عليك هذا الحوار، بمعنى فكرة «اللف والدوران»، عندك قضية أدخل من الباب مباشرة، يمكن أن تتعب فى البداية وتُهاجم لكن الأفضل هى المباشرة .. السياسة فن الممكن، ليس فيها مستحيل، وأنا أعتبر أن السياسى الناجح هو الذى يعمل بقدر الإمكان على أن يقلل من حدة الخصوم ويقلل من عددهم، بل يكسب المزيد من الأصدقاء والمؤيدين له. وأنا لا أرى أن هناك تناقضًا بين الحفاظ على الأمن القومى والثقافة.
فى 30 يونيو لم يكن هناك أى مطلب فئوى ولا اجتماعى، لكن مطلب وحيد فقط هو سقوط حكم المرشد وحماية الهوية الوطنية المصرية الوسطية
كنت تدير وزارة الثقافة وخرجت من إدارة الوزارة وعُدت مثقفًا وإعلاميًا وكاتبًا مرموقًا، ما العلاقة الجدلية بين السياسات الثقافية وبين متطلبات الأمن القومى .. إلى أى مدى تعاملت مع هذه العلاقة الشائكة وانتصرت لحلمى النمنم المثقف والمواطن المصرى المؤمن بحدود الأمن القومى؟ خاصة وقد لعبت الثقافة المصرية والمثقفون المصريون فى 30 يونيو أدوارًا غير مسبوقة، لكن للأسف بعض مُدعى الثقافة قدموا أنفسهم إلى المجتمع باعتبارهم مثقفين، ثم أساءوا للثقافة المصرية، وهذا مقلق جدًا؟
هذا مهم لصانع القرار الذى يجب أن يميز بين هؤلاء جميعًا، هناك فرق بين المثقف الحقيقى وما نسميه مثقفا بالسمع، هؤلاء الأدعياء موجودون بكثرة ولا يجب أن ندخل معهم فى معارك صغيرة. عندما أدى الدكتور طه حسين اليمين القانونية وزيرًا للمعارف العمومية عام 1950 أمام الملك فاروق فى حكومة النحاس باشا، والمجتمع المصرى فى حالة سعادة بهذا الفتى الضرير الذى جاء من الصعيد وأصبح وزيرًا، فأحد الكارهين كتب مقالا يقسم بالله أن طه حسين ليس ضريرا، وأنه يمثل إنه ضرير ليكسب تعاطف المجتمع، ويقسم بالله إنه رآه وهو يجرى وراء الترام وقفز بداخله والباب مفتوح. فأنت ستجد من هؤلاء كثيرون طوال الوقت حتى منذ أيام أبو العلاء المعرى والمتنبى. فهؤلاء موجودون المهم ألا يأخذون مساحات كبيرة فى الإعلام ونهتم بفرزهم والتمييز بينهم. وفى الفترة من 2011 إلى أن انتهينا من الإرهاب فى 2019-2020 هذه الفترة كانت كافية للفرز وأنت ترى بوضوح من وقف مع الدولة الوطنية والمدنية ومع المجتمع، ومن وقف ضدهم وهذه هى القضية.
ولكن هل يوجد تناقض فى العلاقة بين الثقافة بالمفهوم الذى مارستها من خلاله والأمن القومى؟
أنا لم أر تناقضا، الثقافة دورها أن ترعى الهوية المصرية وتحافظ عليها، وهذه تعد قضية أمن وطنى وأمن قومى، والثقافة دورها أن تنبه إلى المخاطر التى تهدد المجتمع والعقل المصرى، والحفاظ على الوثائق المصرية والمخطوطات المصرية وصيانتها هو فى قلب الأمن الوطنى والقومى، وبالتالى فأنا لا أرى أى تناقض بين المسألتين، ومحاولة تصور أن هناك تناقضا هى شئ آخر، لكن المشكلة متى بدأ ذلك؟ إن الثقافة المصرية منذ عام 1990 أو حتى قبلها شهدت مجموعة من الأفكار الجديدة، مثل فكرة العولمة ووصم الحديث عن الوطنية وعن الدولة الوطنية بأنه حديث قديم وكلاسيكى وشمولى، فهذه التيارات هى الوجه الآخر للتيار الذي ينادى بدولة الخلافة أو دولة الطائفة والإمارة وليست الدولة الوطنية، لذا لم يكن غريبًا أن التيارين يتحالفان مع بعضهما بعضا فى فترة 2001- 2013. فلا تناقض بالمرة بين الوطنية والأدوار السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية وبين تحقيق مفهوم الأمن القومى.
عندما نراجع من كتبوا عن الشخصية المصرية، نجد مثلا رفاعة الطهطاوى عندما كتب مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب العصرية، وبدأ يتحدث عن مصر باعتبارها الوطن، هذا أول كتاب، وكتاب مستقبل الثقافة فى مصر لطه حسين، وكتابات محمد عوض محمد، ونعمات أحمد فؤاد، وجمال حمدان وغيرهم، بل إن د. حسين فوزى عندما أعلنت الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958، تجده يؤلف كتابا صدر سنة 1959 اسمه سندباد مصر، هذا الكتاب فى حقيقته هو احتجاج على غياب اسم مصر. وأنا لم أر أى تعارض، فدور الثقافة الحقيقى هو الدفاع عن الوطنية المصرية، والقومية المصرية، والهوية المصرية.
فى كتابك «سيد قطب وثورة يوليو» فى الفصل الثانى تحديداً الذى حمل عنوان «سيناريو الإخوان» .. كيف تنبأت بسردية الإخوان وأفكارهم وتحولهم؟
كتاب «سيد قطب وثورة يوليو»، صدر فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 1998 وكان يتنبأ وينبئ بأشياء من الكوارث التى شاهدناها فيما بعد، الإخوان أفكارهم واضحة منذ أن نشأوا وتكونوا فى نهاية العشرينيات، هى بدأت باسم جمعية الإخوان المسلمين وأخذت موافقة من وزارة الداخلية بالإسماعيلية باعتبارها جمعية خيرية وذلك فى شهر فبراير سنة 1929. فحسن البنا قدم عليها فى 1928 وأخذ الموافقة فى 1929 لكن السيناريو لديهم واضح ومتكرر ولم يغيروا كثيرًا، هم يغيرون فى التكتيكات فقط لكن هم ضد المجتمع الحديث وضد مفهوم الدولة الوطنية وضد مفهوم المدنية، وبما أنهم ضد مفهوم الدولة الوطنية فهم لديهم عداء خاص تجاه الدولة الوطنية المصرية تحديدًا لأسباب كثيرة، وهو عداء حقيقى تجاه الدولة المدنية المصرية، ويكرروا هذا، وكل التجارب جربناها معهم، منذ استعملوا العنف فاتخذت إجراءات إدارية بحلهم، وقال منتصر الزيات إنهم لم يروا حضن دافئ. فماذا فعل الرئيس مبارك منذ 1984، لقد أعطاهم هذا الحضن الدافئ من 1984 حتى 2011، إلى درجة أنى قلت بعد 2011، أن الشركاء الحقيقيين للرئيس مبارك فى حكم مصر طول فترة حكمه كانوا تنظيم الإخوان، وليس الوفد، ولا التجمع، ولا الناصريين، ومنذ عام 1984 كانوا موجودين فى مجلس الشعب (أى فى التشريع)، وأنا ذات مرة سألت أحد السادة الوزراء فى زمن الرئيس مبارك قلت له كيف تتعاملون مع نواب الإخوان، قال لى التعليمات عندنا تقول لابد أن نستجيب لهم فى الأشياء البسيطة، فقلت له ماذا يعنى ذلك، قال بمعنى لو يريدون تعيين أحد فهذا شئ بسيط، والذين تم تعيينهم فى الثمانينيات والتسعينيات أصبحوا الآن وكلاء وزارة، ولو عايزين يعينوا معيد جامعيا أيضًا، حتى أصبح لهم تواجد فى الجامعة، والأسلوب نفسه قامت بتجربته المملكة الأردنية، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج فى زمن الرئيس جمال عبد الناصر، احتضنوهم يعيشون ويعملون لكن غير مسموح لهم أن يأخذوا موقف عدائيا تجاه مصر. ومع ذلك عندما غزا صدام حسين الكويت فى 2 أغسطس 1990 وهدد الخليج قامت مظاهرات لجماعة الإخوان وهتفت «ادخل .. ادخل يا صدام من صنعاء للدمام» صنعاء (اليمن) والدمام (السعودية)، وهذا نموذج مختلف من دول الخليج. لقد جربنا النموذج الإدارى والبيروقراطى والأمنى ونموذج محاولة الإدماج والعطف والاحتضان فهل تغيروا (لا) لماذا؟ لأنهم مجموعة قائمة لكى تحكم ولم يكن عندهم مشروع للحكم، أخطر شئ صدروه للمجتمع ومع الأسف الشديد بعض الحكومات العربية صدقتهم، نحن جماعة دعوة .. اتركوا لنا الدعوة ونترك لكم السياسة .. أخطر شئ أن تترك لهم الدعوة لأنهم سيعبثون بالفكر والتراث الدينى، وسيقدمون أفكارهم هم، والأخطر أنهم يقولون لك نحن نريد جماعة دعوية فقط، لكنهم عندما يدخلون ساحة السياسة سوف ينكشفون.
مطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان لابد أن تراعى خصوصية المجتمعات، فلن تجد مشروعا مثل «حياة كريمة» فى الولايات المتحدة
« الثقافة المصرية» وقد كنت وزيرا للثقافة فى توقيت حرج جدًا، كيف راعيت هذه الأبعاد لتهيئ المناخ العام لتقبل هذه السياسات فى سبيل تحقيق العدالة الفكرية ونشر مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان من وجهة نظر مصرية؟
عندما نرى ما بعد تجربة 2011 ومجئ «جماعة حسن البنا» ثم رحيلهم السريع، والتجاوب الضخم للمجتمع والدولة كان سببه أننا نملك تراثا ثقافيا وفكريا قويا، الناس مقتنعة به، وبمجرد ما رأوا هذا العدوان على الدستور وهذا التهديد للوطنية المصرية والهوية المصرية انتفضوا. ففى ثورة 25 يناير كنا نقول «حرية .. عيش .. عدالة اجتماعية»، وفى 1952 كانوا يقولون لا للفساد والإقطاع، لكن فى 30 يونيو لم يكن هناك أى مطلب فئوى ولا اجتماعى، لكن مطلب وحيد فقط هو رحيل الإخوان وسقوط حكم المرشد وحماية الهوية الوطنية المصرية الوسطية، ومدنية الدولة، وهذا ما تم باقتناع رجل الشارع وليس من فراغ بل من جهد إعلامى قديم ومن جهد ثقافى مترسخ فيه، ونماذج ثقافية، مثل طه حسين والعقاد ومن تجارب كثيرة جدًا أثرت فيه.
ولكن ماذا فعلنا لكى نوصل المنظور المصرى الذى تؤمن به وتراه فى فكر سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، القائم على إدراك معين لقيم الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان وفقًا للمنظور المصرى، هل تم إنجاز شئ فى مجمل العملية الثقافية ؟
فى مجمل العملية الثقافية هى تعمل على ذلك حتى الآن، فعندما نتحدث عن الديمقراطية يتصور بعض الناس أنه يوجد (قالب) فى العالم اسمه الديمقراطية. الديمقراطية الفرنسية غير البريطانية، غير الأمريكية، غير الهندية..، فلكل مجتمع آلياته الخاصة، وبالتالى أنا لست مُلزما بتجربة أحد، وعندما جاءوا فى الدستور وقالوا رئيس الجمهورية 4 سنوات وفترتين فقط قلت لهم نحن لسنا فى الولايات المتحدة الأمريكية، فهذه تُعد أمركة للنظام المصرى، وأحدهم سألنى أنتم فى نقابة الصحفيين النقيب سنتين فقط لماذا لا تصبح 4 سنوات أو 6 سنوات قلت له هذا الذى يناسبنى كنقابة وارتضينا به، فالديمقراطية وحقوق الإنسان لابد أن تراعى الإطار المصرى وظروف المجتمع المصرى والدولة المصرية. إنك لا تجد فى الولايات المتحدة مشروعا مثل «حياة كريمة»، ولكى تفهم الفرق فى المفاهيم، انظر ببساطة إلى تجربة نقل العشوائيات فى الدويقة -بالمناسبة أول تحقيق صحفى أجريته فى حياتى عندما احترفت الصحافة كان فى الدويقة وخرجت من هناك مفزوعا من الحياة غير الآدمية بالمرة، شئ يفوق الخيال- والدولة قالت سننقلهم للأسمرات وهى العمارات، التى كانت مخصصة فى البداية للصفوة. نحن بحاجة إلى التركيز على مفهوم وطنى مصرى للديمقراطية وقضايا حقوق الإنسان.
فى ختام هذا الحوار، إذا طلبنا منكم بكل تاريخكم المهنى وبالاستناد إلى مسيرتك الوطنية والتنويرية كمفكر ومؤرخ مرموق لمرحلة من أهم المراحل التى مرت بها الدولة المصرية أن ترسل رسائل موجزة وسريعة.. فماذا تقول لكل من :
النخبة المثقفة: خلفكم تاريخ مشرف من الاستنارة والدفاع عن الوطنية المصرية والدولة المصرية، وحريتها واستقلالها وأنا واثق أنكم ستستمرون على هذا الدرب.
السيد وزير الثقافة: أقول له أمامك مهمة صعبة جدًا ربنا يعينك عليها وتجد المعاونة اللازمة من الجميع.
السيد رئيس الهيئة العامة للكتاب: أتمنى أن يزداد عدد معارض الكتب فى المدن المصرية المختلفة.
دوائر صنع القرار: لا شك أننا فيما يخص القرار الخارجى نحقق نجاحاحقيقيا ونحظى باحترام العالم، وفى قضايا الداخل لدينا إنجازات ومشروعات كبرى. فقط أتمنى أن نعطى فرصا، أكثر للكفاءات والوجوه الجديدة.
الأجيال الشابة: فليتسلحوا بالعلم والمعرفة، والعمل ثم العمل، العمل الجاد والدءوب المخلص ولا يجعلوا من بعض المقولات المحبطة قيدًا عليهم.
أخيرا، كيف ترى المستقبل؟ هل سنتمكن من إحداث تفاعل خلاق بين الثقافة المصرية ودورها فى بناء مستقبل مصر المنشود؟
لا بديل عن ذلك، نحن لا نملك رفاهية الاختيار بالنسبة للدولة الوطنية المدنية، مثلما أننا لا نملك إلا أن يكون لدينا جيش وطنى قوى يحمى الحدود. هناك أشياء كثيرة لابد للثقافة أن تتفاعل بها مع القضايا الوطنية وبناء المستقبل.ـ والتجارب التى حولنا تؤكد ذلك ـــ ولقد رأينا الحروب الأهلية فى بلاد مجاورة .
وفى نهاية اللقاء أتمنى لمجلة الديمقراطية المزيد من الازدهار، وللمؤسسات الصحفية القومية أن تحافظ على دورها التاريخى.