تحليلات - عالم عربى

ارتدادات سورية:|تداعيات أزمة التفجيرات المتصاعدة في لبنان

طباعة

9 فبراير 2014

على خلفية انعكاس الأزمة السورية على الأوضاع الأمنية في لبنان، فقد شهدت البلاد خلال الأسابيع الأولى من عام 2014 كثافةً في التفجيرات الانتحارية، لا سيما في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الله، بوقوع خمسة تفجيرات خلال الأسابيع الخمسة الأولى من ذلك العام، تُضاف إلى ثلاثة تفجيرات بدأت في لبنان منذ يوليو 2013، إثر إعلان حزب الله من خلال أمينه العام اشتراكه في القتال الدائر بسوريا إلى جانب قوات بشار الأسد.

وفي إطار ذلك، جاء استهداف حافلة للركاب في منطقة "الشويفات" جنوب بيروت في 3 فبراير 2014، اقتصرت ضحاياه على مقتل الانتحاري، وإصابة اثنين، وذلك بعد يومين من تفجير أوقع أربعة قتلى في منطقة "الهرمل"، التي كانت قد تعرضت قبل ذلك بأسبوعين إلى تفجير بسيارة مفخخة أسفر عن مقتل 5 أشخاص، أعقبه تفجير آخر في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 21 يناير، أسفر عن وقوع أربعة قتلى. وقد أعلنت "جبهة النصرة في لبنان" مسئوليتها عن تلك التفجيرات، ردًّا على تورط حزب الله العسكري في النزاع السوري.

طبيعة التفجيرات ودور حزب الله في سوريا

من المعروف أن حزب الله كان قد برر تدخله بالقتال في سوريا، بأنه يأتي تحت راية الدفاع عن مقام "السيدة زينب" قرب دمشق، وأكدت تقارير عدة مشاركة المئات من عناصره في الحرب السورية، وبدت هذه المشاركة أكثر وضوحًا وعلانيةً في معارك بلدة "القصير" في ريف حمص، بوصفها منطقةً حدوديةً تتداخل فيها قرى لبنانية ذات غالبية شيعية بقرى سورية، ثم شارك بعد ذلك في معارك "القلمون" الاستراتيجية على حدود لبنان الشرقية، دعمًا للنظام السوري، ومن أجل الحفاظ على الطريق الدولي الذي يربط دمشق بالساحل السوري.

وفي ضوء ذلك، ومنذ إعلان الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" منذ مايو 2013 مشاركته صراحةً في النزاع السوري إلى جانب قوات النظام؛ فقد تعرضت المناطق التابعة للحزب داخل الأراضي اللبنانية لثمانية تفجيرات، تثير ملاحظتين رئيسيتين.

الملاحظة الأولى: ترتبط بتعدد التنظيمات التي تستهدف حزب الله؛ ففي حين تبنت "جبهة النصرة في لبنان" التفجيرات الأربعة الأخيرة التي وقعت في الضاحية الجنوبية ومنطقة "الهرمل"؛ فإن "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، كان قد أعلن تبنيه التفجير الذي استهدف في 2 يناير منطقة "حارة حريك" في الضاحية الجنوبية، وذلك إثر إعلان قيادي سلفي أردني أن زعيم "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني المعروف بـ"الفاتح" وأمير "داعش" أبو بكر البغدادي الملقب بـ"الكرار"؛ اتّخذا قرارًا شاملا بالدخول عسكريًّا إلى لبنان حتى خروج حزب الله من جميع الأراضي السورية، وتحرير الأسرى الموجودين لديه.

وفي 19 نوفمبر 2013، استهدف انتحاريان، أحدهما بسيارة مفخخة، مقر السفارة الإيرانية في منطقة "بئر حسن" المتاخمة لمنطقة نفوذ حزب الله في الضاحية الجنوبية، وأسفر التفجيران عن سقوط 25 قتيلا، أبرزهم المستشار الثقافي بالسفارة وأحد قادة حزب الله الأمنيين، وتبنتهما جماعة جهادية معروفة باسم "كتائب عبد الله عزام" مرتبطة بتنظيم القاعدة، هددت باستمرار عملياتها حتى انسحاب عناصر حزب الله من سوريا، وتحرير عدد من عناصرها المعتقلين في لبنان.

وفي منتصف أغسطس 2013، قُتل أكثر من 30 شخصًا، وأصيب أكثر من 300 آخرين، بتفجير سيارةٍ مفخخةٍ في منطقة "الرويس" تبنته مجموعة مجهولة باسم "سرايا عائشة أم المؤمنين"، وسبق ذلك استهداف منطقة "بئر العبد" على بعد 300 متر من منطقة "الرويس" بسيارة مفخخة في شهر يوليو، أدى إلى إصابة أكثر من 50 جريحًا.

الملاحظة الثانية: ترتبط بالتغير التكتيكي في عمليات التنظيمات المسلحة ضد حزب الله؛ إذ عمدت إلى نقل المعركة ضد الحزب من سوريا -حيث يقاتل إلى جانب قوات الأسد- إلى لبنان حيث مقاره ومصالحه. وقد تطورت طرق استهداف مناطق حزب الله من إطلاق صواريخ في مايو الماضي، إلى تفجير سيارتين ملغومتين في يوليو وأغسطس الماضيين في "بئر العبد" و"الرويس" في الضاحية الجنوبية، إلى تفجير انتحاري مزدوج ضرب السفارة الإيرانية في نوفمبر، وصولا إلى التفجيرات التي استهدفت مناطق تابعة لحزب الله في الضاحية الجنوبية وفي منطقة "الهرمل" بشرق لبنان خلال الأسابيع الأولى من 2014.

وأخيرًا جاء تفجير "الشويفات" بتكنيك جديد، كونه التفجير الأول الذي يقع في حافلة نقل ركاب، بعدما درجت العادة على استخدام سيارات مفخخة، بعضها يقودها انتحاريون، الأمر الذي رده البعض إلى عجز السيارات المفخخة عن التوقف في شوارع تابعة لمناطق نفوذ حزب الله، والتي شهدت تدابير استثنائية على خلفية تكرار حوادث التفجيرات بسيارات مفخخة. ومع الإشارة إلى أن تفجير "الشويفات" وقع لأول مرة في منطقة سكنية خارج عمق الضاحية الجنوبية، بعدما وقعت أربعة تفجيرات داخلها؛ حيث تقع الشويفات شرق الضاحية الجنوبية، ولا تخضع للإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها حزب الله في مناطقه.

إخفاق سياسة "النأي بالنفس":

أكدت التفجيرات الأخيرة في لبنان إخفاق سياسة "النأي بالنفس" التي كان قد دعا إليها الرئيس اللبناني ميشال سليمان منذ أغسطس الماضي، وباتت تلك السياسة شعارًا غير قابل للتطبيق في ظل انخراط جهات لبنانية في القتال السوري، وخصوصًا حزب الله، مما حدا بالرئيس اللبناني إلى تكرار تحذيره الحزب من دون أن يسميه؛ من انعكاسات مشاركته في المعارك السورية على الوضع اللبناني، محذرًا "من مغبة التمادي في التورط في تداعيات الأزمة السورية مما بات يشكل ثمنًا باهظًا يدفعه اللبنانيون".

بل إن هناك رموزًا شيعية أعلنت بوضوح رفضها دفع شباب الشيعة إلى القتال في سوريا، مؤكدةً أن الحرب هناك ليست دفاعًا عن المراقد الشيعية كما يدعي حزب الله، ولكنها لصالح إيران تنفيذًا لأجندات خاصة بها، والأهم أنها تترك انعكاسات أمنية خطيرة على الساحة اللبنانية.

فمن ناحية أولى: هناك تأهب داخل الأجهزة الأمنية اللبنانية لاحتمال أن تصبح لبنان ساحةً يوميةً للتفجيرات الانتحارية كما هو الحال في سوريا والعراق، وتتضاعف تلك المخاوف على خلفية ما كشفه وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال "مروان شربل" عن معلومات حول تزايد عمليات سرقة السيارات في الفترة الأخيرة بلبنان، موضحًا خروج عددٍ منها من لبنان إلى سوريا حيث تفخخ، ثم تعود إلى لبنان سالكةً مناطق وعرة، في إشارة إلى المعابر غير القانونية الموجودة بين البلدين.

ومن ناحية ثانية: لا تقتصر ارتدادات النزاع السوري على ما تتعرض له الأرض اللبنانية من تفجيرات فحسب؛ إذ إن الحدود الشرقية للبنان مع سوريا هي عرضة بدورها لقذائف الصواريخ السورية من النظام والمعارضة على السواء؛ حيث ينفذ الطيران السوري بين الحين والآخر غارات جوية على الحدود، سواء لاستهداف عناصر من المعارضة أو أسر سورية فارة إلى لبنان، في حين أن المعارضة السورية أحيانًا ما تستهدف معاقل تابعة لحزب الله بالصواريخ، في إطار ردها على مشاركة الحزب في الحرب السورية.

وكانت قد اتسعت دائرة استهداف مناطق البقاع الشمالي بشرق لبنان بالصواريخ وصولا إلى بلدة "عرسال" التي استُهدف أحد أحيائها الداخلية بثمانية صواريخ في 17 يناير، وأدى القصف إلى مقتل ثمانية أشخاص، بينهم خمسة أطفال من عائلة واحدة، وجرح 20 آخرين، وتزامن ذلك مع سقوط أكثر من 20 صاروخًا على مناطق أخرى في المنطقة، وتضاربت الأنباء حول مصدر الصواريخ، مع تراجع الجيش اللبناني عن تقديراته الأولية بسقوطها من سوريا، مؤكدًا أن مصدر الصواريخ هو المناطق الواقعة شرق البلدة، مما يفتح الباب واسعًا أمام الخلاف الداخلي بعد اتهام سكان البلدة السنيّة حزبَ الله باستهدافهم بسبب موقفهم المؤيد للثورة السورية، غير أن الحزب نفى لاحقًا تورطه في القصف.

من ناحية ثالثة: فإن التفجيرات التي تشهدها لبنان في مناطق نفوذ حزب الله، لها ارتدادات خطيرة على الوضع الطائفي بلبنان، وذلك على مستويات متعددة، يمكن إبرازها في النقاط التالية:

‌أ)    على الرغم من أن الضاحية الشمالية لمدينة طرابلس كانت تشهد منذ ديسمبر الماضي حالةً من الهدوء بعد جولات قتال عدة خلال عام 2013 بين منطقتي "جبل محسن" ذات الغالبية العلوية و"باب التبانة" ذات الغالبية السنية؛ فقد تجددت الاشتباكات بين المنطقتين إثر تفجير "الهرمل" الذي وقع في 16 يناير، موقعةً في جولتها الـ19 ثمانية قتلى و80 جريحًا. وكذلك في أعقاب تفجير "الشويفات" الأخير، رمى مجهولون قنبلةً يدويةً على شارعٍ مؤدٍّ إلى منطقة الطريق الجديدة ذات الغالبية السنية في بيروت، في سيناريو مشابه لحادثة رمي قنبلة نحو باحة قريبة من مسجد "الخاشقجي" على مدخلٍ ثانٍ لمنطقة الطريق الجديدة بعد ساعات على تفجير الهرمل الذي وقع في الأول من فبراير، ولم تؤدِّ القنبلة إلى وقوع إصابات.

ب)     كان لتفجيرات لبنان الأخيرة انعكاسها السلبي على المنطقتين الجارتين، "الهرمل" ذات الغالبية الشيعية و"عرسال" ذات الغالبية السنية، وصلت إلى حد إصدار "بيانٍ تهديدي" نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي في الرابع من فبراير موقعًا من "عشائر الهرمل"؛ إذ تضمن البيان تهديدًا لأهالي عرسال على خلفية معلومات أفادت بأن سيارة انتحاري الهرمل جاءت من تلك المنطقة، ودعا البيان "كل من لا ينتمي إلى التكفيريين في البلدة بالمغادرة خلال 48 ساعة، حرصًا على دمائه"، والتركيز في هذا الصدد على ضرورة مغادرة السوريين عرسال التي توفر الملاذ الآمن للاجئين السوريين، وتُتّهم كذلك من جانب عناصر حزب الله بتحولها إلى قاعدة خلفية للمعارضين السوريين.

ج)     يُلاحظ أن كثافة التفجيرات الانتحارية بلبنان مع بداية عام 2014، جاءت إثر حادث اغتيال وزير المالية السابق محمد شطح التابع لقوى "14 مارس"، وذلك في تفجير استهدفه في 27 ديسمبر ببيروت، أدى إلى مقتله وأحد رفاقه مع خمسة آخرين، وقد اتهم البعض من فريق "14 مارس" حزب الله ومن ورائه النظام السوري باغتيال شطح، في رسالةٍ مباشرةٍ إلى زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، قبيل بدء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تنظر في اغتيال والده الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري، بتوجيه الاتهام العلني لأربعة أعضاء في حزب الله، اثنان منهما يشغلان مواقع في القيادة العسكرية للحزب، اتهمتهما المحكمة، مع آخرين لم تفصح عنهما، بالإعداد للتفجير الذي استهدف الحريري وتنفيذه.

العلاقة بين الانفلات الأمني والخلاف السياسي:

لا شك أن حالةَ الانفلات الأمني في لبنان لا يمكن فصلها عن حالة الجمود السياسي بالبلاد؛ إذ تأتي سلسلة التفجيرات وسط فراغ حكومي مستمر منذ مارس 2013، على وقع الخلاف بين التيارات السياسية اللبنانية المختلفة حول تشكيل الحكومة برئاسة تمام سلام، مع تواضع أداء الجيش، وعجزه عن التصدي لأنشطة حزب الله وغيره من المجموعات المسلحة الأخرى.

وقد أثارت التفجيرات الأخيرة في لبنان الكثيرَ من ردود الفعل، التي شدد معظمها على ضرورة تأليف حكومةٍ في أسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات والأخطار التي يتعرض لها لبنان؛ حيث بدا واضحًا التساهل المتبادل من جانب فريقي "14 مارس" و"8 مارس"، بعد أن أعرب رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، عن استعداده للمشاركة في حكومة مع حزب الله لكونه حزبًا سياسيًّا له حضوره وحلفاؤه السياسيون على الساحة اللبنانية، متجاوزًا شرط انسحاب مقاتليه من سوريا. وكذلك تراجع حزب الله عن تمسكه بصيغة 9-9-6 التي تتضمن الثلث المعطل لصالح قبوله بصيغة 8-8-8، التي يؤيدها كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ويتمسك بها رئيس الحكومة المكلف تمام سلام وقوى "14 مارس"، بحيث يتم تشكيل حكومة جديدة من 24 وزيرًا توزع الحقائب فيها على أساس ثمانية مقاعد لحزب الله وحلفائه، وثمانية مقاعد للحريري وحلفائه، وثمانية مقاعد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الوزراء المكلف تمام سلام.

ولكن على الرغم من ذلك فإن المفاوضات الهادفة إلى تشكيل الحكومة الجديدة ما زالت في دائرة البحث في البيان الوزاري، في ظل إصرار فريق "8 مارس" على إدراج معادلة "الجيش والشعب والمقاومة" في بيان الحكومة العتيدة، في حين يصر فريق "14 مارس" على التخلي عن تلك المعادلة، والاستعاضة عنها بـ"إعلان بعبدا" الذي يدعو إلى تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية.

وفي ظل هذا الخلاف القائم في لبنان، تستمر حالة الانفلات الأمني الذي تتطلب معالجته اتفاقًا سياسيًّا داخليًّا على أهمية البحث عن مخرج لأزمة السلاح غير الشرعي في لبنان من جانب، وتشكيل حكومة لبنانية تتبنى "إعلان بعبدا" لجهة تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية، وفي المقدمة منها الحرب السورية، من جانب آخر.

طباعة

تعريف الكاتب

إيمان أحمد عبد الحليم

إيمان أحمد عبد الحليم

باحثة متخصصة في الشئون العربية