تحليلات

أسباب وتداعيات إيقاف الولايات المتحدة الحرب الإسرائيلية-الإيرانية

طباعة

دخلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية حيز الهدنة فجر الثلاثاء 24 يونيو 2025 بعد أن استمرت لمدة 11 يومًا من القصف المتبادل.. إسرائيل عن طريق سلاحها الجوى وإيران عن طريق الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة.. ثم تدخلت الولايات المتحدة عن طريق طائراتها الشبحية B2بتوجيه ضربات بالقنابل الثقيلة على منشآت إيران النووية فى ناتنز، وأصفهان، وفورودو.. وقد أكدت الولايات المتحدة أن الضربة قد حققت أهدافها بتدمير المقدرات النووية الإيرانية، فى حين ردت إيران بأن هذه المواقع كان قد تم تفريغها من محتوياتها من اليورانيوم المخصب ويقدر بـ 400 كلجم وتم نقلها إلى مكان مجهول وبذلك انتقل البرنامج النووى الإيرانى إلى الظل أو العمل السرى بعد أن كان معلنًا وخاضعًا للرقابة الدولية.

لكن ما هى الأسباب التى أدت إلى توقف الحرب؟ الأمر يرجع إلى حسابات الأطراف الثلاثة المتورطين فى الأزمة ووساطات بعض الأطراف.

إسرائيل وأزمة منتصف الطريق:

فإسرائيل التى بدأت الحرب فى فجر 13 يونيو 2025، وقامت بضرب منشآت نووية وعسكرية واغتيال قيادات صف أول من القوات المسلحة، ومنهم رئيسا الأركان على التوالى، وقائد الحرس الثورى الإيرانى، وعدد من أكبر علماء إيران فى مجال الطاقة النووية.. إسرائيل المعتدية فوجئت بوابل من الصواريخ بعيدة المدى والمسيرات التى شنتها إيران على المدن والمنشآت الإسرائيلية والتى لم تتوقف طوال أيام الأزمة، حيث أسقطت القبة الحديدية العديد منها لكن الكثير منها استطاع الإفلات وإلحاق تدمير هائل وخراب كبير فى تل أبيب، وحيفا، وباقى المدن الإسرائيلية، وهذا القصف الإيرانى تمكن من شل الحياة بالكامل فى إسرائيل فى الاقتصاد، والسياحة، والتعليم، وكافة مناحى الحياة، وبات الشعب الإسرائيلى فى الملاجئ، هذا غير الآثار النفسية والمجتمعية التى لحقت بالشعب الإسرائيلى، فلأول مرة تقصف تل أبيب على هذا النحو المدمر، وسقوط عدد من الضحايا والمصابين، وتدمير منشآت حيوية عسكرية واقتصادية، وشعور الكثيرين بالهلع والرعب مما دفعهم إلى السفر إلى الخارج، وهذا بلا شك وضع ضغوطًا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية، وسيترك آثاره المستقبلية على مستقبل هذه الحكومة.

وبعد استمرار الطرفين فى القصف المتبادل، أدركت إسرائيل أنها لم تحقق أهدافها من الحرب، وأنها فى منتصف الطريق، فلا هى استطاعت أن تغير النظام الإيرانى ولا هى استطاعت أن تنهى البرنامج النووى، كما أن الاستمرار فى الحرب له كلفته المالية والاقتصادية الهائلة التى لا تستطيع إسرائيل تحملها، والانسحاب يعنى هزيمة مذلة لتل أبيب، فلم يكن أمام حكومة نتنياهو سوى الإلحاح على الرئيس الأمريكى بالتدخل وتوجيه ضربة قوية للبرنامج النووى الإيرانى، يحفظ ماء وجهها.

أما إيران، فرغم ظروفها الاقتصادية الصعبة جراء الحصار والعقوبات الدولية والأمريكية التى تتعرض لها منذ سنوات، إلا أنها استطاعت الصمود فى وجه الهجمات الإسرائيلية أو الضربة الأمريكية، بل إنها استطاعت الرد بهجمات مماثلة ومستمرة، واستطاعت اختراق القبة الحديدية المزعومة وأصبح أمن إسرائيل على المحك.

تحدى مجاراة القوة العظمى:

كما واجهت إيران أيضًا ضغوطا كثيرة، تمثلت فى الهجمات الإسرائيلية التى نالت من مواقع مفصلية للنظام الإيرانى، وألحقت خسائر مباشرة فى المواقع الاستراتيجية والمنشآت، فضلًا عن خسارة القادة والعلماء وهى خسارة لا تقدر بمال، وقد رأت إيران أن الاستمرار فى الحرب يعنى التضحية بالنظام لأنها بالتأكيد لن تستطيع مجاراة القوة الأمريكية العظمى خاصة إذا أخذت واشنطن قرار الدخول فى الحرب الشاملة ضد إيران، وهذا أيضًا فى ضوء ما أعلنته طهران من أن الضربة الأمريكية للمنشآت النووية لم تحدث ضررًا كبيرًا، بل نسب إلى قادة إيران تصريحات تفيد بأنها نقلت مخزون اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزى إلى أماكن سرية بديلة، إذا فالخسارة ليست ضخمة، والأهم من ذلك أن النظام الإيرانى لم ينهار لا بعد الضربة الإسرائيلية الأولى، ولا فى ظل استمرار القصف الإسرائيلى، ولا حتى بعد الضربة الأمريكية، وذلك بفضل تماسك الجبهة الداخلية والالتفاف حول القيادة الإيرانية، حتى القوى المعارضة رفضت تأليب الشعب وخروجه على النظام وأعلنت تأييدها للحكومة الإيرانية فى مواجهة أعداء الوطن، على حد قولهم.. ولا شك أن هذا التماسك الداخلى كان هو السبب الرئيسى فى صمود إيران حتى النهاية.

كما بدا لإيران بشكل لافت ضعف الإسناد من القوى الحليفة لها سواء كانت روسيا أو الصين، وأن الدعم سيكون مقصورًا على الدعم الدبلوماسى أو تزويدها بالأسلحة، ولذا أدركت طهران بأنها ستدفع فاتورة الاستمرار فى الحرب بمفردها، وهذا الأمر سيلحق ضررًا كبيرًا لها قد يؤدى فى مرحلة ما إلى انهيار النظام.. لكن إيران كانت فى حاجة إلى توقف الحرب لكن دون أن يعنى ذلك استسلامها أو تنازلها عن طموحاتها النووية.. وفى الوقت ذاته أرادت أن تخرج بنتيجة تحفظ ماء وجهها أمام شعبها وأمام حلفائها والعالم، ومن ثم كان قرار طهران باستهداف قاعدة العديد فى قطر وهى أكبر قاعدة أمريكية فى الشرق الأوسط -وكانت الولايات المتحدة قد أفرغتها من الجنود والمعدات فى وقت سابق- وعمدت طهران إلى التنسيق مع الدوحة وأخبرت الولايات المتحدة بموعد الضربة المرتقبة رغبة منها فى عدم استفزاز واشنطن وتوسعة الصراع، فكانت النتيجة انه لم يصب جندى أمريكى واحد بأذى، ولهذا تقدم الرئيس ترامب بالشكر لإيران لأنها أخبرت الولايات المتحدة مبكرًا بموعد الضربة.

الخروج الآمن:

أما الولايات المتحدة، فقد أعطت إسرائيل الضوء الأخضر للقيام بضربتها دون أن تتوقع أن إيران سوف ترد الضربات بضربات مماثلة نالت من أمن إسرائيل ومن هيبتها الإقليمية، وقد أدركت الولايات المتحدة أن طهران لن تستسلم وأنها مستمرة فى الطريق حتى آخره، وأنها لديها قدرة كبيرة فى استيعاب الهجمات لمدة أطول فى ضوء خبراتها التاريخية فى الحروب، وفى الوقت ذاته عدم قدرة إسرائيل المجتمعية على الاستمرار فى الحرب، كما رأت أن عدم تدخلها يصيب إسرائيل بانتكاسة إقليمية، وينال من سمعة الولايات المتحدة عالميًا فى عدم قدرتها على مساعدة حليفتها إسرائيل.

أما الرئيس ترامب فقد واجه ضغوطا كبيرة فى اتخاذ قراره بالتدخل العسكرى وضرب المنشآت النووية الإيرانية سواء من خلال انقسام الإدارة ذاتها بين غلاة اليمين الذين رأوا بضرورة دعم إسرائيل، وبين تيار الماجا الذى يفضل العزلة وتحقيق شعار أمريكا أولًا، والبعد عن التورط فى النزاعات العسكرية وتحقيق المصالح الاقتصادية، كما أن الرئيس ترامب اتخذ قرار التدخل بدون موافقة الكونجرس وهو بذلك يتحمل المسئولية كاملة عن قراره، مراهنًا بذلك على مستقبله السياسى، فى ضوء رفض بعض أعضاء الكونجرس تورط الولايات المتحدة فى الحرب داعين تفعيل قانون صلاحيات الحرب لمنع الإدارة من الاستمرار فى الحرب.

هذا فضلًا عن المظاهرات الضخمة التى شهدتها بعض المدن الآسيوية والأوروبية، والأمريكية حيث رفض الآلاف من المتظاهرين استمرار الولايات المتحدة فى الحرب ضد إيران، متهمين الإدارة الأمريكية بالإمبريالية وانتهاك القانون الدولى، محذرين من اتساع نطاق الصراع ليصبح صراعًا عالميًا،، وقد وصلت المظاهرات حتى البيت الأبيض ذاته.

كما أن الولوج فى طريق الحرب يخالف التوجهات الرئيسية لحملة ترامب الانتخابية التى وعد فيها الجمهور الأمريكى بعدم التورط فى حروب خارجية والتركيز على مبدأ أمريكا أولًا وجعل الولايات المتحدة عظيمة.

لكل هذه الأسباب راجعت الإدارة الأمريكية مواقفها وتحينت الفرصة لوقف الحرب، واستثمرت الوساطات الدولية لإقناع إيران بوقف الحرب، لكن المعضلة كانت فى رفض إيران الاستسلام كما كان يطمح الرئيس ترامب، وكان لابد من مخرج يحفظ ماء وجهها فكانت الضربة الإيرانية لقاعدة العديد فى قطر، ولقاعدة عين الأسد فى العراق.

ومن ثم فقد رأى جميع الأطراف أن الاستمرار فى الحرب سيشكل خسارة كبيرة لهم، كما أدرك كل طرف أنه حصل على ما يحفظ ماء وجهه وأنه حقق نصف انتصار فى مقابل نصف هزيمة يمكن معالجتها لاحقًا.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أبو بكر الدسوقي

    د. أبو بكر الدسوقي

    مستشار تحرير مجلة السياسة الدولية، مؤسسة الأهرام