منذ تصاعُد الاشتباك العلنى بين إسرائيل وإيران فى 13 أبريل 2024، حين أطلقت طهران أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ باليستى نحو العمق الإسرائيلى، مرورا بالضربات المتبادلة فى أبريل 2025 وعمليات "الموساد" داخل العمق الإيرانى، دخل الشرق الأوسط طورا أمنيا جديدا تجاوز "حرب الظل" التى امتدّت لعقود. لم تعُد الهجمات تُقاس باغتيالات أو تخريبٍ محدود، بل بصواريخٍ باليستيةٍ طويلة المدى ومسيراتٍ ضاربة تعبر الحدود، وبحربٍ سيبرانيةٍ تُعطِّل القطاعات المالية والخدماتية. فى هذا الواقع يبرز ما تصفه النظرية الواقعية البنيوية بـ "معضلة الأمن": فكلّما عزّز أحد الطرفين قدراته لردع خصمه، ازداد شعور الطرف الآخر بالتهديد، فتتسارع سباقات التسلّح وتتعاظم احتمالات الانزلاق إلى مواجهةٍ شاملة[1]. كذلك يؤطّر خبراء العلاقات الدولية المشهد فى سياق "المركّب الأمنى الإقليمي" لبوزانوويفر، حيث تتشابك تهديدات الوحدات بحكم القرب الجغرافى وغياب منظومة أمنٍ جماعى فعّالة. انعكاسات هذا التحوّل تمسّ البُنى الدفاعية للدول العربية، وأمن الطاقة العالمى، واستقرار الممرّات البحرية، وتوازنات عدم الانتشار النووى، فضلا عن النُّظُم السياسية الهشّة التى تواجه ضغوطا شعبية واقتصادية متزايدة[2]. بهذه الخلفية تنطلق الدراسة لتحليل أبعاد الحرب وتأثيراتها فى تسعة محاور متكاملة.
أوّلا- من "حرب الظل" إلى المواجهة المفتوحة:
شهد الصراع بين إسرائيل وإيران تحولًا كبيرًا فى 13 أبريل 2024، حين أطلقت إيران هجومًا غير مسبوق شمل نحو 170 طائرة مسيّرة و120 صاروخًا باليستيًا استهدفت العمق الإسرائيلى. ورغم حجم الهجوم، إلا أن فعاليته كانت محدودة، فقد نجحت منظومة الدفاع الجوى الإسرائيلية، بدعم مباشر من قوات أمريكية، وبريطانية، وفرنسية، وأردنية، فى إسقاط نحو 99% من المقذوفات[3]. هذا النجاح عكس ترابطًا دفاعيًا إقليميًا قويًا، وأظهر أن أمن إسرائيل لم يعد شأنًا داخليًا فقط، بل أصبح جزءًا من تحالف دولي-إقليمى واسع، ما رفع من مستوى الردع المتبادل بين الطرفين.
فى يونيو 2025، ردّت إسرائيل بهجوم كبير داخل العمق الإيرانى، استهدف منشآت حيوية لتصنيع الوقود الصاروخى ومنصات الإطلاق فى مناطق، مثل أصفهان وياتر. العملية اعتمدت على معلومات دقيقة حصلت عليها الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وتمكّنت من تدمير أكثر من 800 منصة صاروخية، مما أدى إلى تقليص قدرة إيران على الردّ إلى نحو خُمس ما كانت تُقدّر به سابقًا. هذا التطور غيّر ميزان الردع لصالح إسرائيل، وأربك حسابات طهران العسكرية[4].
هذا التحول من عمليات سرّية محدودة إلى ضربات جوية مباشرة وعميقة يُجسّد مبدأ "الهجوم كأفضل وسيلة للدفاع"، وهو من المبادئ الأساسية فى المدرسة الواقعية الهجومية فى العلاقات الدولية. ويمكن فهم تصعيد إيران على أنه جاء نتيجة ضغوط داخلية، خاصة بعد استهداف قنصليتها فى دمشق، إلى جانب رغبتها فى إثبات قوتها أمام جمهورها فى الداخل والخارج[5]. فى المقابل، رأت إسرائيل فرصة استراتيجية لتقليل الخطر الإيرانى قبل أن يتفاقم، واستندت فى قرارها إلى توصيات مؤسساتها الأمنية والعسكرية، مثل الموساد وسلاح الجو، فيما يعرف بتحليل "مستويات صنع القرار"[6].
بهذا التصعيد، انتقل الصراع من مرحلة "حرب الظل" التى استمرت سنوات طويلة إلى مواجهة مفتوحة واضحة، استخدمت فيها أسلحة دقيقة وتقنيات متقدمة. ونتيجة لذلك ارتفعت احتمالات الانفجار الأمنى فى المنطقة، واتسعت دائرة التهديد لتشمل دولا عربية مجاورة، وسط غياب منظومة أمن إقليمى حقيقية قادرة على ضبط التوتر أو احتوائه.
ثانيًا- الأبعاد العسكرية المباشرة.. سباقُ الصواريخ والمسيّرات ومركزية الردع:
يشهد الصراع الإسرائيلي–الإيرانى تصعيدًا ملحوظًا فى سباق التسلح، لا سيما فى مجال الصواريخ الباليستية والمسيّرات، وهو ما يعكس الطبيعة المعقّدة لميزان الردع بين الطرفين. طوّرت إيران خلال السنوات الأخيرة صواريخ من طراز "خرمشهر-4" بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر وبنسبة دقة تقل عن 10 أمتار، إلى جانب تعزيز قدراتها الهجومية بالمسيّرات الانتحارية مثل "شاهد-238"، القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة وعميقة. فى المقابل، كثّفت إسرائيل من تطوير ترسانتها الهجومية والدفاعية، فاعتمدت على صواريخ "سبايس-250" الجو–أرض، وطورت نظام "آرو-4" لاعتراض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات عالية، بدعم مباشر من الولايات المتحدة[7].
من الناحية العملية، استهدفت إسرائيل فى يونيو 2025 مواقع إنتاج الوقود الصاروخى فى أصفهان وكرمان ضمن عملية تهدف إلى تقليص قدرة إيران الشهرية على إطلاق الصواريخ إلى أقل من 50 صاروخًا. هذا النوع من العمليات لا يهدف فقط إلى الردع، بل إلى إضعاف البنية التحتية الصاروخية الإيرانية بشكل دائم، عبر تدمير خطوط الإنتاج ومخازن الإمداد.
تنظر نظرية "توازن التهديد" التى طرحها ستيفن والت إلى أن الدول تتحالف أو تتسلّح بناءً على تقييمها المشترك للنيات والقدرات العسكرية للخصوم. فى هذا السياق يُمكن تفسير اندفاع إيران نحو الصواريخ الدقيقة والطويلة المدى كوسيلة لتعويض تفوّق إسرائيل فى سلاح الجو، بينما تسعى تل أبيب إلى توسيع مجالها الدفاعى ليشمل تغطية إقليمية مشتركة، تشمل قواعد باتريوت وthaadالأمريكية فى الخليج، بما يشبه "مظلّة دفاعية جماعية"[8].
نجاح إسرائيل فى اعتراض أكثر من 90% من الصواريخ التى أُطلقت خلال جولات التصعيد الأخيرة دعم موقف المعسكر الأمنى داخل الحكومة الإسرائيلية، الذى يدفع باتجاه اعتماد "الردع المطوّق"، أى الإبقاء على تفوق مستمر عبر ضربات استباقية تُضعف قدرات الخصم قبل أن تتشكل. من جانبها ردّت إيران برسائل ردع بحرية، حيث لوّحت فى يونيو 2025 بإغلاق مضيق هرمز فى حال تعرّضت منشآتها النووية لضربات جديدة، وهدّدت باستخدام صواريخ كروز "شأنباد" الساحلية، بما ينقل المواجهة من البر والجو إلى مستوى الملاحة والطاقة العالمية.
بهذا الشكل، بات الصراع بين الطرفين قائمًا على معادلة ردع متغيرة، تتعدى حدود المواجهة التقليدية، وتُدخل المنطقة فى حالة من الترقب الأمنى، حيث يكفى خلل صغير فى الحسابات لإشعال مواجهة أوسع نطاقًا.
ثالثًا- الحرب بالوكالة.. تشابُك الجبهات الممتدة وتحليلها من منظور "المركّب الأمنى الإقليمي":
فى موازاة التصعيد المباشر بين إسرائيل وإيران، لعبت حروب الوكالة دورًا محوريًا فى توسيع رقعة المواجهة، حيث تحوّلت أربع جبهات رئيسية لبنان، واليمن، والعراق، وسوريا، إلى مساحات ضغط متبادل بين الطرفين. هذا التمدد الميدانى يعكس أحد أهم أساليب إيران فى إدارة صراعاتها الإقليمية، والذى يقوم على مبدأ "التكلفة المنخفضة مقابل التأثير المرتفع"، من خلال دعم حركات مسلحة تابعة لها دون الدخول فى مواجهة مباشرة. وتندرج هذه الاستراتيجية ضمن ما يسميه بوزانوويفر فى نظرية "المركّب الأمنى الإقليمي"، حيث تكون الدول مرتبطة أمنيًا بحكم الجغرافيا وتداخل مصادر التهديد، بحيث يصبح أى تصعيد فى نقطة ما قادرًا على إشعال توترات فى باقى المناطق[9].
فى لبنان ورغم التوصل إلى وقف إطلاق نار فى الجنوب خلال فبراير 2025، فإن آثار المعارك لا تزال حاضرة بقوة، حيث لم يعد سوى 25% فقط من سكان البلدات الحدودية مثل المطلة، نتيجة الدمار الواسع والخوف من تجدّد القصف. حزب الله الذى يُعتبر الذراع القوية لإيران فى المشرق، لا يزال يحتفظ بترسانة صاروخية ضخمة، ويملك القدرة على فتح جبهة كاملة فى حال انهيار الهدنة.
أما فى اليمن فقد استغل الحوثيون الصراع الإقليمى لتعزيز قوتهم إلى ما يُقارب 350 ألف مقاتل، وتلقّوا صواريخ "حاتم-2" المضادة للسفن من الحرس الثورى الإيرانى، مما مكّنهم من تهديد الملاحة الدولية فى البحر الأحمر، بما فى ذلك مهاجمة سفن إسرائيلية وإطلاق مسيّرات باتجاه ميناء إيلات. هذا التهديد البحرى لا يُمثل فقط أزمة أمنية، بل يمسّ مباشرة استقرار حركة التجارة العالمية عبر قناة السويس، مما يجعل من الأزمة اليمنية جزءًا لا يتجزأ من الصراع الإسرائيلي–الإيرانى الأشمل.
فى العراق تصاعدت هجمات "المقاومة الإسلامية" الموالية لإيران، خاصة عبر المسيّرات التى استهدفت النقب وميناء حيفا، كما أعلنت هذه الجماعات عن بدء "المرحلة الثانية من حظر البحر المتوسط على إسرائيل"، فى إشارة إلى توسيع نطاق العمل العسكرى ليشمل البعد البحرى، بما يعزز من تعقيد المشهد الإقليمى.
أما فى الجبهة السورية–العراقية، فقد أدّى قصف إسرائيلى لقافلة صواريخ إيرانية قرب البوكمال فى ديسمبر 2023 إلى ردّ إيرانى بصواريخ باليستية على أربيل وتل طيطا فى يناير 2024، ما أسفر عن مقتل أربعة مدنيين وأثار موجة احتجاجات واسعة فى العراق، تطالب بإبعاد البلاد عن لعبة تصفية الحسابات الإقليمية.
هذه الأمثلة توضح كيف أن إيران تنفّذ استراتيجيتها من خلال "مسافة إنكار" تسمح لها بتوسيع نفوذها دون التورّط المباشر، بينما تضطر إسرائيل إلى التعامل مع تهديدات متعددة فى آنٍ واحد. ونتيجة لهذا التشابك، باتت حسابات الردع أكثر تعقيدًا، إذ إن أى تصعيد فى إحدى هذه الجبهات الفرعية قد يتحول إلى شرارة تشعل مواجهة شاملة يصعب احتواؤها، خاصة فى ظل غياب قواعد اشتباك واضحة أو قنوات اتصال ثابتة بين الأطراف المتنازعة.
وبهذا، تتحول "حرب الوكالة" من أدوات ضغط ثانوية إلى مكوّن أساسى فى معادلة الردع الإقليمى، تفرض على الدول العربية القريبة من مناطق التماس تحديات أمنية وسياسية متزايدة، وتدفعها لإعادة النظر فى سياساتها الدفاعية وخياراتها الاستراتيجية فى ظل خارطة أمنية جديدة آخذة فى التشكل[10].
رابعًا- الفضاء السيبرانى.. الجبهة اللامرئية ومستوى جديد من التوازن:
شهد الصراع الإسرائيلي–الإيرانى فى عام 2025 مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا، عندما تحوّلت الحرب إلى الفضاء السيبرانى، حيث لم تعد المواجهة تدور فقط فى السماء أو على الأرض، بل امتدت إلى الشبكات الرقمية التى تمثل العمود الفقرى للاقتصاد والخدمات الحيوية. ففى يونيو 2025، شنّت مجموعة تطلق على نفسها اسم "العُصفور المُفتَرِس" هجومًا إلكترونيًا واسعًا على بنوك إيرانية بارزة مثل "بنك سپه"، وتمكّنت من شلّ أنظمتها المالية مؤقتًا، إلى جانب سرقة ما يقارب 100 مليون دولار من بورصة العملات المشفّرة "نوبيتكس"، والتى ترتبط بتمويل وحدات من الحرس الثورى الإيرانى. هذا النوع من الضربات لم يعد يستهدف منشآت عسكرية تقليدية أو أجهزة طرد مركزى فحسب، بل بدأ يصيب البنية التحتية الاقتصادية الحيوية، مما دفع طهران إلى تقييد الإنترنت محليًا وفرض قيود رقمية صارمة فى محاولة لحماية شبكاتها من مزيد من الاختراقات.
فى المقابل شنّت خلايا إلكترونية موالية لإيران هجمات سيبرانية على مزوّدى خدمات الكهرباء والمياه فى تل أبيب، من خلال أسلوب دي–دوس (DDoS)"الذى يعتمد على إغراق الخوادم بطلبات وهمية لتعطيل الخدمة[11]. ومع أن هذه الهجمات سبّبت بعض الانقطاعات المؤقتة، إلا أن تأثيرها العملى كان محدودًا، بسبب التحصينات الرقمية التى تعتمدها إسرائيل بالتعاون مع شركاء أجانب.
هذا التصعيد السيبرانى يعكس ما يُعرف فى النظريات الأمنية الحديثة بـ"الردع متعدد المجالات (Multi-Domain Deterrence)"، حيث لم يعد الردع مقتصرًا على الأسلحة التقليدية أو النووية، بل يشمل الفضاء الإلكترونى كمجال حيوى للتأثير والسيطرة. وتُشير الدراسات إلى أن طبيعة الهجمات السيبرانية، خاصة الغموض فى تحديد مصدرها الحقيقى، تجعل من الانتقام المباشر أمرًا معقدًا، مما قد يدفع إلى تصعيد "أفقي"، أى بالرد فى مجال مختلف، مثل الهجمات العسكرية أو الاقتصادية، بدلًا من التصعيد "الرأسي" فى المجال نفسه.
كما يتجلى هنا مفهوم "التشابك المعقّد" الذى طرحه روبرت كيوهان وجوزيف ناى، والذى يرى أن الأمن الوطنى والاقتصاد الرقمى باتا مترابطَين إلى حدّ يصعب فيه الفصل بينهما. فعندما تُصاب البنية الرقمية، فإن التأثير يتجاوز الاقتصاد ليطال السياسة، والاستقرار الداخلى، وسمعة الدولة فى الخارج، مما يجعل الفضاء السيبرانى ساحة حساسة ومعقّدة فى ميزان القوى بين الدول[12].
فى المحصلة، لم تعد الحرب تدور فقط بالصواريخ والمسيّرات، بل أصبحت البرمجيات والخوارزميات أدوات ردع وتحييد بقدر لا يقل خطورة، مما يفرض على الدول تطوير استراتيجيات شاملة للأمن السيبرانى توازى فى أهميتها الدفاعات العسكرية التقليدية.
خامسًا- أمن الطاقة والممرّات البحرية.. عقدة هرمز والبحر الأحمر فى منظور الاعتماد المتبادل:
تمثل مضائق الملاحة الحيوية، وخاصة مضيق هرمز والبحر الأحمر، أحد أخطر نقاط التماس فى الصراع الإسرائيلي–الإيرانى، نظرًا لما تشكّله من شرايين اقتصادية حساسة تمرّ عبرها تجارة النفط والغاز والبضائع العالمية. ففى مضيق هرمز وحده، يمرّ نحو 20 مليون برميل نفط يوميًا، ما يعادل نحو 30% من تجارة النفط العالمية. ومع أن هناك بدائل برية مثل خطوط الأنابيب الخليجية، إلا أنها لا تستوعب سوى 4.2 مليون برميل يوميًا، مما يجعل أى إغلاق أو تعطيل طويل للمضيق كفيلًا برفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 أو حتى 150 دولارًا للبرميل، كما حدث فعليًا بعد الغارات الإسرائيلية فى يونيو 2025.
أما البحر الأحمر وقناة السويس، فقد تحوّلا إلى ساحة توتر إضافية بسبب الهجمات الحوثية على السفن، وهو ما دفع العديد من شركات الشحن إلى تغيير مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، بتكلفة إضافية تصل إلى مليونى دولار لكل رحلة بحرية. هذا التحوّل أدى إلى تراجع فى إيرادات قناة السويس المصرية من عشرة مليارات دولار عام 2023 إلى أقل من أربعة مليارات فى 2024، بحسب تقديرات رسمية. الخسائر هنا لم تكن اقتصادية فقط، بل أثّرت على ميزان المدفوعات المصرى وزادت من الضغط على العملة المحلية، ورفعت تكلفة الواردات[13].
وامتدت الأزمة أيضًا إلى شرق المتوسط، حيث تعطّل حقل "تمار" الإسرائيلى للغاز لمدة ثلاثة أشهر نتيجة التهديدات الصاروخية، مما أثّر بشكل مباشر على تصدير الغاز إلى مصانع الأسمدة فى مصر. ووفقًا لتقارير شركة "يارا" النرويجية، ارتفعت أسعار اليوريا بنسبة 40% عالميًا، وهو ما انعكس بدوره على أسعار الغذاء، خاصة فى دول تستورد المواد الأولية للزراعة. هكذا لم تعد تهديدات الممرات البحرية وأمن الطاقة مجرد ملف جيوسياسى، بل أصبحت تمسّ الأمن الغذائى العالمى وتفاقم مخاطر التضخم المستورد، خاصة فى الدول النامية.
تحليل هذه التطورات من منظور نظرية "الاعتماد المتبادل المعقّد(Complex Interdependence)"يُظهر كيف أن التشابك الاقتصادى بين الدول، وإن كان يفترض نظريًا أنه يُقلل من احتمالات النزاع، يمكن فى الواقع أن يُحوّل أدوات الاقتصاد إلى وسائل ضغط مباشرة. فعندما لوّحت إيران بإغلاق مضيق هرمز، أعادت إلى الأذهان نموذج "سلاح النفط" القديم الذى استخدم فى سبعينيات القرن الماضى، لكن ضمن سياق جديد أكثر تشابكًا وأكثر خطورة.
كما أن ارتفاع أسعار النفط فى أعقاب التصعيد الأخير، وإن تسبب فى أزمة تضخم عالمية، فقد منح دول الخليج فوائض مالية كبيرة فى الأجل القصير، من شأنها أن تُستخدم فى تعزيز الإنفاق الدفاعى، أو توسيع النفوذ الجيوسياسى، وهو ما يعيد رسم موازين القوى فى المنطقة على أكثر من صعيد[14].
فى هذا السياق تصبح الطاقة والممرات البحرية أدوات استراتيجية لا تقل أهمية عن الصواريخ والطائرات، بل قد تكون أكثر تأثيرًا فى معادلات الضغط والردع، خاصة حين تمتزج بالأدوات المالية، والدبلوماسية، والرقمية فى لحظة صراع معقّدة كالتى يعيشها الشرق الأوسط اليوم.
سادسًا- التداعيات الاقتصادية والاجتماعية فى الدول العربية.. بين الضغوط الداخلية و"لعبة المستويين":
تُظهر الأزمات الناتجة عن التصعيد الإسرائيلي–الإيرانى كيف تتداخل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية مع حسابات السياسة الداخلية فى العديد من الدول العربية، لتُشكّل ما يُعرف فى نظرية "اللعبة ذات المستويين" التى قدّمها روبرت بوتنام، حيث يسعى القادة إلى التوفيق بين التزاماتهم على الساحة الدولية واستقرارهم الداخلى فى آنٍ واحد[15].
ففى دول مجلس التعاون الخليجى، ساهم ارتفاع أسعار النفط فى دعم الموازنات العامة وتحقيق فوائض مالية، لكن هذه المكاسب تُقابلها تحديات حقيقية على صعيد جذب الاستثمارات، واستمرار المشاريع التنموية الكبرى، مثل "رؤية السعودية2030" و"خطة دبى 2040"، بسبب تقلب الأسواق ونزوح رءوس الأموال والسياح عن منطقة باتت تُوصَف بأنها غير مستقرة[16].
فى الأردن ومصر فإن الأوضاع أكثر حساسية. تعتمد الدولتان بشكل كبير على السياحة، وتحويلات العاملين فى الخارج، ورسوم العبور عبر قناة السويس، وكلها مصادر رئيسية للعملة الصعبة[17].
أما إيران فالمفارقة أكثر تعقيدًا. على الرغم من أنها أحد أطراف التصعيد، إلا أن العقوبات الاقتصادية وتراجع صادراتها النفطية، خاصة إذا ما أُغلق مضيق هرمز الذى تمرّ عبره صادراتها إلى الصين، تضع النظام الإيرانى أمام "سلاح ذى حدين": فكلما صعّد خارجيًا خسر داخليًا. التضخم الذى تجاوز 65%، والبطالة المرتفعة، واحتجاجات متكررة ضد القمع الاقتصادى والاجتماعى، دفعت المحافظين إلى توظيف خطاب "المظلومية القومية" لتبرير تشديد القبضة الأمنية بدلا من تقديم إصلاحات اقتصادية حقيقية.
وفى إسرائيل شكّل الخطر الإيرانى وسيلة تعبئة داخلية فعّالة، فقد استخدم الائتلاف اليمينى الحاكم أجواء التهديد الخارجى لتوحيد الصفوف، وصرف الانتباه عن أزمة الفساد والانقسام المجتمعى الواسع على خلفية محاولات تعديل النظام القضائى. بهذه الطريقة وظّف الطرفان –الإيرانى والإسرائيلي– التوتر الإقليمى لتقوية مواقفهما السياسية داخليًا، وهو ما يُعدّ مثالًا عمليًا على منطق "اللعبة ذات المستويين"، حيث تتحوّل الحروب الخارجية إلى أدوات للهروب من الأزمات الداخلية، وإن كان ذلك على حساب استقرار المنطقة بأكملها.
سابعًا- إعادة تشكيل التحالفات والبُنى الأمنية.. بين موازين القوى وتوازن الخارج:
أسهم التصعيد الإسرائيلي–الإيرانى فى تسريع إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية، ودفع الدول إلى مراجعة استراتيجياتها الأمنية بما يتجاوز الأطر التقليدية. فقد بدأت ملامح تحالفات جديدة بالظهور، من أبرزها مبادرة"I2U2" التى تجمع الهند، وإسرائيل، والإمارات، والولايات المتحدة. تُقدَّم هذه المبادرة كنواة لتحالف رباعى آسيوي–غربى، يهدف إلى تطويق النفوذ الإيرانى، مع تعويض التراجع الأمريكى فى الانخراط المباشر بالمنطقة، من خلال الاعتماد على "القيادة من الخلف" والتنسيق التكنولوجى والاستخباراتي[18].
فى المقابل حاولت الصين أن تُرسّخ نفسها كوسيط دبلوماسى عبر رعايتها المصالحة السعودية–الإيرانية عام 2023، وهو ما منحها نقاطًا دبلوماسية مهمة، لكنها اصطدمت بحدود تأثيرها العملى حين عجزت عن كبح جماح طهران فى أوقات التصعيد، ما أربك حساباتها النفطية، وأثر على استقرار خطوط إمداد الطاقة المرتبطة بمبادرة "الحزام والطريق"[19].
وفى الخليج نشطت سلطنة عُمان والكويت فى الوساطة الهادئة بين الأطراف، فى حين تبنّت الإمارات سياسة "توازن صفر مشكلات" مع الجميع، حرصًا على حماية نموذجها الاقتصادى والاستثمارى من الاضطرابات الإقليمية. أما السعودية فبدأت بدفع اتجاه بناء تحالفات أمنية-تكنولوجية أوسع مع قوى آسيوية وغربية، كجزء من سعيها لخلق توازن إقليمى لا يصطدم مباشرة مع الصين، شريكها الاقتصادى الأكبر.
ضمن هذا السياق تجلّت واحدة من أهم فرضيات المدرسة الواقعية فى العلاقات الدولية، وهى فرضية "توازن القوى –"خارج الإقليم (Offshore Balancing)"، والتى تفترض أن القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، تسعى إلى المحافظة على نفوذها البحري–الجوى فى مناطق استراتيجية كالخليج والبحر الأحمر، دون التورط فى وجود برى دائم. وهكذا فضّلت واشنطن دعم أنظمة دفاع إقليمى مشترك، دون الدخول فى صدامات مباشرة، مما يفسّر دعمها غير المباشر لعمليات إسرائيل، وتعاونها الوثيق مع دول الخليج فى الدفاع الجوي[20].
فى الوقت نفسه سعت روسيا إلى استغلال الفراغات الأمنية لتكريس حضورها عبر دعم الحلفاء الإيرانيين فى سوريا وتوريد صواريخ كروز متطورة، مقابل مكاسب سياسية وجيوسياسية، ما يعكس ما يُعرف بـ “تسليح الفراغ" كأداة لتثبيت النفوذ فى مناطق النزاع[21].
أما عربيًا فقد شهدت قمة الجامعة العربية فى 2025 تطورًا لافتًا عبر إقرار "غرفة التنسيق الأمنى العربى المشترك" بقيادة بغداد، لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وعلى الرغم من محدودية هذه المبادرة، فإنها تعكس اتجاها لبناء مظلة أمنية عربية ذاتية، ولو بشكل رمزى، فى ظل التحديات الإقليمية المعقّدة.
بهذا الشكل يعاد رسم خريطة التحالفات فى الشرق الأوسط، حيث تمزج الدول بين التحوّط (hedging)، والاصطفاف، والوساطة فى محاولة لتجنّب التورط المباشر، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الأمنية والاقتصادية ضمن بيئة مضطربة ومفتوحة على احتمالات متغيرة.
ثامنًا- المخاطر النووية ومنظومة عدم الانتشار.. معضلة الردع والتسابق الإقليمى:
يمثّل استهداف إسرائيل لمنشآت نووية إيرانية خاضعة لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرّية نقطة تحوّل خطيرة فى نظام عدم الانتشار النووى، ليس فقط من حيث الأضرار المادية، بل من حيث الرسائل السياسية والأمنية التى تُبعث إلى باقى دول الإقليم. فهذا الفعل غير المسبوق، من قبل دولة غير موقّعة على معاهدة عدم الانتشار (NPT)، يُقوّض شرعية النظام الدولى القائم على الرقابة والشفافية النووية، ويدفع أطرافًا إقليمية للتفكير فى امتلاك برامج ردع خاصة بها[22].
فقد ردّت طهران على الهجمات بتلميحات وتسريبات حول احتمال الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، وهو ما يثير مخاوف حقيقية من تحوّل المنطقة إلى ساحة مفتوحة لسباق تسلّح نووى. الدول التى أبدت فى فترات سابقة اهتمامًا بتطوير برامج نووية مدنية، قد تجد فى السلوك الإيرانى والإسرائيلى مبرّرًا للبدء بمشاريع ردع نووى خاص بها، مما يعمّق أزمة الثقة ويزيد احتمالات "توازن الرعب" فى منطقة تعانى أصلًا من هشاشة أمنية، وصراعات مفتوحة، وضعف فى آليات الرقابة المتبادلة[23].
هذا المشهد يُعيد إلى الواجهة نظرية "الدومينو النووي"، التى تشير إلى أن انهيار التزام دولة واحدة بعدم الانتشار قد يتبعه انهيار جماعى فى دول الجوار، مما يصعّب لاحقًا إعادة ضبط التوازن. كما يُبرز نموذج "الضربة الوقائية" فى الواقعية الهجومية، وهو ما تلجأ إليه إسرائيل عادة لضرب القدرات النووية للخصوم قبل أن تصل إلى مرحلة التهديد الفعلى،كما فعلت سابقًا مع المفاعل النووى العراقى فى 1981، والموقع السورى المشتبه به فى 2007[24].
لكن التجارب السابقة أثبتت أن الضربات الوقائية، وإن أبطأت البرامج النووية، فإنها نادرًا ما تُنهيها بالكامل. بل غالبًا ما تدفع الدولة المستهدفة إلى تطوير برنامج بديل بشكل سرى، وبعيد عن أعين الرقابة الدولية، مما يقلل من الشفافية، ويزيد من خطر الحسابات الخاطئة وسوء التقدير.
وفى ظل انشغال روسيا بالحرب فى أوكرانيا، وتذبذب الموقف الأمريكى بين الانخراط والانكفاء، تغيب القوة الرادعة الكفيلة بفرض سقف آمن لسباق الردع فى الشرق الأوسط. النتيجة المرجّحة هى دخول المنطقة فى مرحلة من "عدم اليقين النووي"، حيث تزداد الشكوك، ويضعف الاستقرار الاستراتيجى، ويصبح الأمن الإقليمى أكثر ارتباطًا بتوازنات خطرة، بدلا من منظومات أمن جماعى راسخة.
وباختصار فإن المسألة النووية لم تعد مجرّد خلاف فنى حول التخصيب أو أجهزة الطرد المركزى، بل أصبحت معضلة جيوسياسية تهدّد بانفجار توازنات الردع القائمة، وتدفع المنطقة نحو مرحلة أكثر تعقيدًا، تتشابك فيها الطموحات الوطنية مع الانكشاف الأمنى والارتباك الدولى.
تاسعًا- سيناريوهات مستقبلية وخيارات السياسات.. بين الاحتواء والتصعيد والتفاوض:
مع دخول الحرب الإسرائيلية–الإيرانية طورًا علنيًا وشديد الخطورة، تبرز أمام صُنّاع القرار فى المنطقة ثلاثة سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب، تتفاوت فى فرص نجاحها وتكلفتها السياسية والأمنية.
السيناريو الأول هو "الاحتواء المُدار"، ويقوم على فرضية استمرار التصعيد العسكرى ولكن ضمن حدود مضبوطة لا تصل إلى الحرب الشاملة. هنا يُمكن أن تستمر الضربات الجوية أو السيبرانية المتبادلة بشكل متقطع، ولكن مع فتح قنوات وساطة،تقودها سلطنة عُمان أو قطر، لمنع خروج الوضع عن السيطرة. قد تُربط هذه الوساطات بتخفيف جزئى للعقوبات المفروضة على إيران، مقابل تقليص نشاطاتها العسكرية فى ملفات حساسة كالصواريخ الباليستية أو دور الميليشيات التابعة لها فى الإقليم. هذا السيناريو واقعى لكنه هش، ويعتمد على التزام الأطراف بخفض سقف التصعيد وعدم الانجرار إلى ردود فعل غير محسوبة.
السيناريو الثانى هو "تدهور تدريجي"، حيث تفشل قنوات الاتصال الساخنة، وتُنفّذ إسرائيل ضربة استباقية واسعة على منشآت نووية أو صاروخية إيرانية، مما يُثير ردًّا انتقاميًا عنيفًا من طهران، ربما عبر إغلاق مضيق هرمز أو استهداف منشآت خليجية حساسة. فى هذه الحالة ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتدخل عسكريًا، ولكن فى نطاق محدود لتأمين الملاحة الدولية وردع مزيد من التصعيد. هذا السيناريو يحمل مخاطر عالية على أمن الطاقة العالمى، وقد يُدخل المنطقة فى مرحلة طويلة من عدم الاستقرار، وانكماش اقتصادى حاد.
أما السيناريو الثالث فهو "مسار تفاوضى شامل"، وهو الأكثر طموحًا وإن كان الأصعب تحقيقًا. يتطلّب هذا السيناريو إطلاق حوار إقليمى شامل يشمل البرنامج الصاروخى الإيرانى، وأنشطة الجماعات المسلحة الموالية لطهران، فى مقابل تقديم ضمانات اقتصادية وأمنية لها، وربط هذا المسار بمشروعات إعادة إعمار غزة وجنوب لبنان. هذا السيناريو لا يمكن أن يتحقّق إلا بتغيّر فى حسابات صانعى القرار فى كلٍّ من طهران وتل أبيب، وبوجود توافق نادر بين القوى الكبرى: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا حول مستقبل الأمن فى الشرق الأوسط.

-
فى جميع هذه السيناريوهات، يقف القرار العربى أمام تحدٍ دقيق يتمثل فى حماية الأمن الوطنى دون الانجرار إلى محاور استقطاب. تفرض المرحلة الراهنة سياسة واقعية تقوم على "تصفير المخاطر"، عبر تعزيز الدفاع الجوى المشترك، وتحصين الموانئ والممرات البحرية، وتأمين سلاسل الإمداد الحيوية، خاصة فى الغذاء والطاقة. كما يبرز دور الوساطة العربية كخيار استراتيجى لتقليل التوترات، واستباق الانهيار الاقتصادى الإقليمى، ومنع الانزلاق نحو ركود تضخّمى يهدّد الاستقرار الاجتماعى فى دول كثيرة.
وعلى مستوى التحليل النظرى، يتطلب تجنّب الأسوأ تفعيل آليات الأمن الجماعى وبناء الثقة الإقليمية، بما يتجاوز الانقسامات الطائفية، والهوياتية، والجيوسياسية التى عطّلت فى السابق أى مبادرات فعالة. هنا تصبح الحاجة ملحّة لصياغة منظومة أمنية شرق أوسطية جديدة، تُوازن بين مصالح الدول، وتُدمج الفاعلين التقليديين والجدد فى معادلة واحدة تضمن الحدّ الأدنى من الاستقرار طويل الأمد.
خاتمة:
الحرب بين إسرائيل وإيران ليست مجرد صراع بين دولتين، بل هى مرآة لتعقيدات أمنية وجيوسياسية تطال الشرق الأوسط بأكمله. فقد أصبحنا أمام مشهد مركّب، تختلط فيه الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة بالحروب السيبرانية، ويقترن فيه التهديد العسكرى بالتأثير الاقتصادى والضغط النفسى على الشعوب. ما كان يُدار سابقًا فى الخفاء، عبر "حروب ظل"، بات اليوم صراعًا علنيًا مفتوحًا قد يشعل المنطقة فى أى لحظة بسبب خطأ حسابى أو تصعيد غير محسوب.
لقد تغيّرت معادلة الردع التقليدية فى المنطقة منذ أن دخلت إيران على خط التوازنات عقب الثورة الإسلامية عام 1979، حيث لم تعد المواجهة محصورة فى الجغرافيا العربية–الإسرائيلية، بل تحوّلت إلى مواجهة متعددة الجبهات تشمل العراق، ولبنان، وسوريا، واليمن، وتمتد إلى المضائق البحرية وفضاءات الإنترنت.
ومن زاوية تحليلية يكشف هذا الصراع عن تشابك المدارس الفكرية فى العلاقات الدولية، فالواقعية تفسّر سباق التسلّح والردع العسكرى، والبنائية توضّح كيف تُصنع التهديدات فى وعى النخب والجمهور، أما الليبرالية فتركّز على غياب المؤسسات الأمنية الفعالة وعدم قدرة النظام الدولى على ضبط التوازن. وإلى جانب كل ذلك تؤكّد نظريات "اللعبة ذات المستويين" أن الحسابات الداخلية للأنظمة تلعب دورًا حاسمًا فى دفعها نحو التصعيد أو التهدئة.
لكن ما هو مؤكد أنّ الاستقرار فى الشرق الأوسط لن يتحقّق فقط عبر الردع العسكرى، بل يتطلب مقاربة شاملة: نهجًا أمنيًا جماعيًا يضم جميع الفاعلين الإقليميين، ودبلوماسية حقيقية لا تكتفى بتهدئة الأزمات بل تعالج جذورها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ومنع الانتشار النووى، وتخفيف التوترات الطائفية والأيديولوجية.
وفى ظل عالم متحوّل تسوده الأزمات الاقتصادية، واضطرابات المناخ، وصعود القوى غير التقليدية، لم يعد مقبولًا أن تبقى المنطقة رهينة لحروب الوكالة وردود الفعل. المطلوب اليوم هو هندسة أمنية جديدة، ترتكز على المصالح المشتركة، وتضمن أمن الطاقة والممرات البحرية، وتحفظ كرامة الشعوب قبل حسابات الأنظمة. فغياب هذه الرؤية سيُبقى الشرق الأوسط فى دائرة "التوازن على حافة الهاوية"، حيث يكفى شرارة صغيرة لتندلع نار كبيرة يصعب إخمادها.
المراجع:
[1]Kenneth Waltz, Theory of International Politics (Reading, MA: Addison-Wesley, 1979), p. 105.
[2]Barry Buzan and Ole Wæver, Regions and Powers: The Structure of International Security (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), pp. 40–45.
[5]C. L. Yordán, "John Mearsheimer: The Tragedy of Great Power Politics: New York: W.W. Norton, 2001, 555 pp.," Journal of International Relations and Development 6, no. 1 (2003): 89–92.
[6]Graham T. Allison and Philip Zelikow, Essence of Decision: Explaining the Cuban Missile Crisis, vol. 327, no. 729.1 (Boston: Little, Brown, 1971).
[7]Seth J. Frantzman, "Israel’s Arrow-4 Missile Defense System Advances with US Partnership," The Jerusalem Post, February 23, 2023, https://www.jpost.com/israel-news/article-732799.
[8]Walt, Stephen M. The Origins of Alliances. Ithaca, NY: Cornell University Press, 1987.
[9]Phillips, David L. The great betrayal: How America abandoned the Kurds and lost the Middle East. Bloomsbury Publishing, 2018.
[10]Pollack, Kenneth M. Armies of sand: The past, present, and future of Arab military effectiveness. Oxford University Press, 2018.
[12]Pollack, Kenneth M. Armies of sand: The past, present, and future of Arab military effectiveness. Oxford University Press, 2018.
[13]Ustaoğlu, Murat. "Gulf Cooperation Council (GCC)." In The Palgrave Encyclopedia of Islamic Finance and Economics, pp. 1-6. Cham: Springer Nature Switzerland, 2025.
[14]Keohane, Robert O., and Joseph S. Nye Jr. "Power and interdependence." Survival 15, no. 4 (1973): 158-165.
[15]Putnam, Robert D. "Diplomacy and domestic politics: the logic of two-level games." In International organization, pp. 437-470. Routledge, 2017.
[16]Saudi Vision 2030, Annual Report 2024–2025, Riyadh: Kingdom of Saudi Arabia, 2025.
[17]البنك المركزى الأردنى، “جمعية البنوك تعقد القمة المصرفية الأردنية لعام 2025” (عمان: البنك المركزى الأردنى، 2025)، يتضمن بيانات عن الدخل السياحى وحوالات العاملين بالخارج؛ وانظر: “ارتفاع تحويلات المغتربين الأردنيين 3% إلى 889 مليون دولار بالربع الأول”، العربية بزنس، 15مايو 2025.
[18]Sheikh, Mohmad Saleem. "I2U2 and Regional Stability in the Middle East: India’s Involvement and Prospects." Contemporary Arab Affairs 17, no. 4 (2024): 556-582.
[20]Cordesman, Anthony H. "The Gulf and the Challenge of Missile Defense." (2019).
[21]Mearsheimer, John J., and Stephen M. Walt. "The case for offshore balancing." Foreign Affairs 95, no. 4 (2016): 22.
[22]Oliver Meier، "Containing the Non-Proliferation Damage from Israel’s Attacks on Iran’s Nuclear Programme," European Leadership Network, June 18, 2025، حول تآكل شرعية النظام الدولى لعدم الانتشار Nuclear Non‑Proliferation Treaty (NPT)
[23]Understanding a Crisis: Iran, Israel and the United States, Fletcher School (Tufts University), June 25, 2025, بشأن احتمال انسحاب إيران من معاهدة NPT وتحذيرات من تأثير الدومينو النووي
[24]Waltz, Kenneth N. "The spread of nuclear weapons: More may be better." In Conflict After the Cold War, pp. 475-486. Routledge, 2015.