تحليلات - عالم عربى

رهانات الانهيار:|هل تدفع الدولة اللبنانية تكلفة تورط حزب الله في سوريا؟

  • 10-9-2013

طباعة

2 سبتمبر 2013

ما زال استقرار لبنان رهين موازين القوى بين الطوائف المختلفة ومن خلفها تحالفاتها الإقليمية، فلم تُثبت الاستحقاقات الطائفية -كما أقرها اتفاق الطائف- قدرتها على إدارة التوازنات المذهبية في لبنان طوال سنوات عديدة، بل إنها رسخت لها بدلا من احتوائها، إلى درجة أصبحت تعيق مسار العملية السياسية والأمنية على أرض الواقع، الأمر الذي يثير احتمالات مراجعتها، أو مراجعة تطبيقاتها شديدة التأثر بالخارج، والتي تنسحب من حين لآخر على الداخل اللبناني إلى الحد الذي يهدد مفهوم الدولة في لبنان.

فعلى الرغم من المحاولات الدبلوماسية الحثيثة التي حاول بها لبنان أن ينأى بنفسه عن الصراع الدائر في سوريا على مدار ما يقرب من 3 أعوام، فإن الإعلان رسميًّا عن تورط حزب الله في معركة القصير بمحافظة حمص في شهر يونيو الماضي مساندًا قوات الأسد جاء ليمثل نقطة تحول في مسار الصراع، ويصبغه بصبغة طائفية خالصة، وعليه فمن البديهي ألا يَسْلَمَ الداخل اللبناني من تداعيات الصراع السوري السياسية والدبلوماسية، ومؤخرًا الأمنية، فقد شهد لبنان تفجير سيارة مفخخة في منطقة "الرويس" في الضاحية الجنوبية، وتسبب في مقتل أكثر من 27 شخصًا، وفي تدمير حي بكامله، واعتبر ذلك ردًّا على مشاركة الحزب إلى جانب قوات النظام السوري، وقد أعلنت مجموعة تطلق على نفسها اسم "سرايا عائشة أم المؤمنين" تبنيها مسئولية الانفجار.

أمن لبنان ثمن تورط حزب الله في سوريا

وبدا على خلفية التفجير أن على حزب الله تحمل تكاليف تحالفاته الإقليمية، وحماية سياسته الخارجية، حتى وإن تعارض ذلك مع الأمن اللبناني، وثوابت الدولة الوطنية، وتبنى الحزبُ على إثر التفجير إجراءات ضمان الأمن الذاتي للمناطق الخاضعة لنفوذه، والمتمثلة في انتشار عناصر "حزب الله" الأمنية في الضاحية والجنوب وبعلبك والقرى المختلفة، الأمر الذي يعكس ميل حزب الله إلى تحدي الأطراف اللبنانية، في ظل أزمة سياسية مستمرة منذ فترة تتمثل في عدم قدرة الأطراف السياسية على تشكيل حكومة وحدة وطنية.

وتعيد إجراءات حزب الله الأمنية بعد التفجير مظاهر "الأمن الذاتي" التي اتسمت بها حقبة الحرب الأهلية اللبنانية في السبعينيات، وحقبة التواجد السوري العسكري على الأرض اللبنانية، فقد آثر الحزب التعامل مع تداعيات التفجير من خلال نشر عناصره لضمان تأمين المنطقة، بدلا من العمل على نشر القوى الأمنية الرسمية، ووضع خطط أمنية من قبل الجيش الوطني وقوى الأمن الداخلي بالتعاون مع فرع المعلومات للتصدي للتهديدات الأمنية، بما يعيد الثقة الشعبية في الدولة ومؤسساتها السياسية وأجهزتها الأمنية، وليس الانقلاب عليها.

مثل هذه الإجراءات من شأنها أن تصنع حالة من عدم الثقة، وعدم الاطمئنان لدور المؤسسات الشرعية للدولة، في ظل وجود تنافس على فرض السيطرة فيما بين عناصر الأمن الوطني والجيش وعناصر الحزب، فضلا عن التلميحات التي يوجهها حزب الله من حين لآخر للأجهزة الأمنية، واتهامها بالعمالة لجهات غير لبنانية، ولم يقتصر الأمر على الإجراءات الأمنية فحسب، بل نجد أنه في حين بدأ الجيش اللبناني عملية مسح للأضرار باسم الهيئة العليا للإغاثة، قامت مؤسسة "جهاد البناء" التابعة لحزب الله بعمل مسح مماثل، وهو ما يعكس تنوع مظاهر منافسة مؤسسات الدولة.

ولعل هذه الإجراءات أثارت المخاوف والقلق الشعبي بشأن احتمالات تحول الأمر -في حال تنامي التهديدات الأمنية- إلى دويلات طائفية تعتمد سياسة ضمان الأمن الذاتي في حال تَقَبَّلَ المواطنُ اللبناني مثل هذه الإجراءات الأمنية غير التابعة للدولة الوطنية، ووفقًا للانتماء الطائفي (سني، شيعي، مسيحي، درزي..) دون دور الدولة في القيام بهذا الدور، بل والعمل على ترسيخ مظاهر اللا شرعية المتمثلة في سلاح الحزب، الأمر الذي أثار اتهامات ضد حزب الله بقيامه باستغلال التفجير، وإيثار تبني هذه السياسة الأمنية، مما يساهم في زيادة إضعاف الدولة اللبنانية، وكذلك عرقلة إدارة الاستحقاقات الطائفية بما يعيق العملية السياسية.

وفي السياق ذاته، ثمة مخاوف من تداعيات هذه التفجيرات على معضلة تشكيل الحكومة التي تواجهها كافة الأطراف اللبنانية، وأن تصبح الورقة الأمنية إحدى أوراق الضغط على التشكيل الحكومي الجديد لصالح تحالفات حزب الله العابرة للحدود، والتي ترفضها القوى السياسية المعارضة له، والمتمثلة في قوى 14 آذار، والتي ترفع شعار استقلالية القرار اللبناني، والنأي بالنفس عن المستنقع السوري، والتصدي للتبعية الإيرانية التي تمثلها قيادات حزب الله.

وترى بعض الآراء أن من شأن تفجير الضاحية الجنوبية دعم موقف حزب الله المساند لسوريا في ظل اتهام حزب الله لمعارضي نظام الأسد بالقيام بهذا التفجير، بحيث يصبح هناك مبرر قوي لعدم تراجع الحزب عن دعمه لنظام الأسد بالتصدي لأعدائه المباشرين بعد استهدافه في أراضيه، وليس أعداء الأسد بالوكالة، الأمر الذي يمهد جماهيريًّا لتقبل عمليات جديدة لحزب الله في سوريا، خاصة في ظل ترقب دولي وإقليمي لمعركة حلب.

كما أن الاتهام المستمر لحزب الله بميله للهيمنة على مناطق لبنانية كاملة، الأمر الذي قد يعيق إدماجها في إطار الدولة الوطنية، في حين يعتبر المناصرون لحزب الله أن مثل هذه التبريرات مجحفة، وتهدف إلى تشويه صورة حزب الله، وإضعاف موجة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن ما يقوم به حزب الله ليس إلا دورًا إغاثيًّا وطنيًّا يساند دور الدولة، باعتباره أحد مكوناتها ولا ينافسها، بيد أن مصدر القلق يتمثل في أن تحركات حزب الله في لبنان لا تحكمها مرجعية سياسية تضمن حدود هذه التحركات، بل إن القلق ينبع من قدرة مثل هذه التحركات في الداخل والخارج على فرض واقع سياسي على باقي الأطراف اللبنانية.

ولا يمكن إنكار أن الداخل اللبناني واجه تهديدات أمنية منذ تورط حزب الله في مناصرة نظام الأسد في الصراع السوري الدائر، بحيث لم يقتصر الأمر على تفجير الرويس، بل تم إطلاق صواريخ جراد على منطقة الهرمل اللبنانية من الجانب السوري، وقد أعلنت مجموعة مسلحة تسمى "سرايا مروان حديد" مسئوليتها عن إطلاق الصواريخ كردٍّ على مشاركة حزب الله في الحرب الدائرة في سوريا، بحيث دخل لبنان في دائرة اقتتال مستمرة لن يكسرها سوى تراجع حزب الله عن الانخراط في الصراع السوري.

تفجيرات طرابلس.. مأزق جديد يواجه حزب الله

اصطدمت محاولات حزب الله احتواء تداعيات ضلوعه في الحرب السورية الدائرة بتفجيري طرابلس -ثاني أكبر مدن لبنان التي تقطنها أغلبية سنية- اللذين وقعا يوم الجمعة 23 أغسطس أمام مسجدي السلام في الميناء، والتقوى في الزاهرية، وأسفرا عن مقتل 42. فقد تعالت الأصوات في أعقاب التفجيرين المناهضة لسياسة "الأمن الذاتي" والرافضة له، والداعية إلى قيام مؤسسات الدولة الأمنية بدورها في حماية الأمن، وضمان الاستقرار، حيث إن مثل هذا النهج الأمني البديل من شأنه أن يهدم آخر احتمالات بناء دولة لبنانية وطنية كاملة الأهلية.

وقد سبق أن أعلن قائد الجيش اللبناني "جان قهوجي" أن الجيش يخوض "حربًا شاملة على الإرهاب"، وأن مثل هذه التفجيرات تهدف إلى بث الفتنة الطائفية عبر استهداف أكثر منطقة تتبع طوائف مختلفة.

فقد أيقظ التفجيران شبح الفتنة والحرب الطائفية في ظل جمود العملية السياسية، وعدم القدرة على التوافق على تشكيل حكومة وطنية شاملة، فضلا عن خرق "إعلان بعبدا" الذي وافق عليه المشاركون في هيئة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية، والذي يضمن تحييد لبنان، ويؤكد على مرجعية الدولة في السلاح.

محاولات الخروج السياسي من الأزمة

ولذلك أصبحت قضية تشكيل الحكومة الوطنية ما بين التزام حزب الله الإقليمي العقائدي المرتبط بالتحالف الشيعي الإيراني العلوي وما بين رفض قوى 14 آذار تشكيل حكومة وطنية في ظل تورط حزب الله في سوريا بما يعطي غطاء سياسيًّا له ولمشاركته في هذه الحرب، في حين تدفع القوى اللبنانية للالتزام بتحييد لبنان عن الصراع الإقليمي الطائفي الدائر.

وقد حاول رئيس الجمهورية اللبنانية "ميشال سليمان" كسر الجمود الذي يسيطر على عملية تشكيل الحكومة من خلال إطلاق مبادرة دعا فيها الأطراف اللبنانية لتشكيل حكومة جامعة، واللقاء حول طاولة الحوار الوطني من دون شروط مسبقة لإنجاز هذه الاستحقاقات داعيًا إلى تجاوز ما أسماه الاعتبارات الخارجية، ومواجهة الخطر الإرهابي في محاولة لمنع لبنان من الانزلاق لصراع داخلي.

ومن هذا المنطلق فقد أصبح حزب الله محاصرًا من أغلب الجوانب، ففضلا عن المأزق السياسي اللبناني الذي وصل ببعض الأطراف لتوجيه الاتهام إلى حزب الله في تفجيري طرابلس، فعلى المستوى الدولي جاء البيان الصادر عن مجلس الأمن الدولي الذي تقدمت به فرنسا ليدين ما سمته "الاعتداءات الإرهابية" ليدعو الأطراف إلى احترام سياسة النأي بالنفس، وعدم التورط في الأزمة السورية، والالتزام بإعلان بعبدا، بالإضافة إلى أنه سبق وأن تم إدراجه ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لكلٍّ من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.

كما أن هناك تراجعا في مصداقية خطاب المقاومة الذي يتبناه الحزب ضد الاحتلال الإسرائيلي في ظل تورطه بجانب قوات الأسد في حربه في سوريا، بحيث لم يعد ثمة مخرج أمام حزب الله سوى المراهنة على الانهيار الإقليمي، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من نفوذ شيعي في سوريا ولبنان.

ومن ناحية أخرى إذا ما استمر تعنت حزب الله فلن يبقى أمامه خيار سوى استخدام السلاح لفرض شروطه، أو لإعادة تشكيل استحقاقات الطائف. بمعنى آخر، أصبحت مكاسب حزب الله الإقليمية غالبة على مكاسبه على الساحة اللبنانية الداخلية، إلا إذا قرر حزب الله المهادنة على الساحة اللبنانية، وجني مكاسب بسبل سياسية لا عسكرية.

طباعة

تعريف الكاتب