تحليلات

إيران وتحديات تشكل خريطة الممرات التجارية الجديدة

طباعة

قديما شكل الموقع الجغرافى لإيران نفوذا سياسيا واقتصاديا على الممرات التجارية ومنها طريق الحرير القديم، وتعاونت الممالك الفارسية القديمة مع الصين فى نقل البضائع والتجارة إلى مناطق آسيا الوسطى وتركيا الحالية.

وفى الوقت الراهن تدرك إيران أن المشاركة أو السيطرة على الممرات التجارية تخفف من آثار العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب والولايات المتحدة، كما أنها ترفض إقصاءها عن أى مشاريع جديدة للتجارة البرية والبحرية قد تشهدها المنطقة تخرج بموجبها من معادلة التجارة الدولية داخل آسيا والشرق الأوسط.

وخلال السنوات الماضية وعقب الحرب الأوكرانية بدأت الدول تبحث عن بدائل لطرق التجارة المتعارف عليها فى آسيا، وحاولت بعض الدول، ومن بينها إيران، تقديم نفسها كمركز لممرات التجارة العالمية عن طريق تطوير الموانئ والسكك الحديدية ورفع كفاءة الطرق.

لكن إعلان قمة مجموعة العشرين (G20) التى عقدت فى نيودلهى فى سبتمبر 2023، عن مشروع للربط التجارى يبدأ من مومباى مرورا بالإمارات، والسعودية، والأراضى المحتلة حتى أوروبا، يدفعنا للوقوف على خريطة الممرات التجارية الجديدة وموقع إيران منها.

طورت إيران خلال السنوات الماضية من علاقاتها التجارية مع دول الجوار عبر توقيع اتفاقيات لتعزيز طرق التجارة فى آسيا الوسطى ورفعت كفاءة الطرق وطورت موانئ لتقديم نفسها كممر تجارى يربط بين آسيا وأوروبا، انطلاقا من موقعها الجغرافى وعضويتها فى مجموعة من التكتلات الاقتصادية، ومن بينها منظمة شنغهاى ومجموعة بريكس.

ففى سبتمبر عام 2000 وقعت إيران، والهند، وروسيا فى مدينة سان بطرسبرج اتفاقية لدراسة جدوى إنشاء ممر نقل يربط الدول الثلاث بهدف تسهيل التكامل التجارى والاقتصادى بين جنوب ووسط آسيا، وفى عام 2002 وقع بشكل رسمى وزراء خارجية الدول الثلاث على أن تتحمل كل دولة تكلفة المرافق على أراضيها.

ويعد ممر الشمال-الجنوب -الذى يضم بشكل رئيسى إيران، وروسيا، والهند وأذربيجان- أهم ممر قيد التنفيذ لإيران والذى اكتسب زخما فى أعقاب التطورات التى تلت الحرب فى أوكرانيا ويمتد على مسافة 7200 كيلومتر، وتعد محطة "رشت-آستارا" لسكك الحديد من المشاريع المحورية ضمن هذا المشروع، إذ ستربط بين روسيا، وأذربيجان، وإيران، مما يسهل حركة البضائع من شمال أوروبا إلى الخليج العربى وجنوب آسيا. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل هذا الخط الحيوى بالكامل بحلول عام 2028 بدعم وتمويل روسى.

وعقب رفع العقوبات على إيران وخلال زيارة الرئيس الصينى شى جين بينج إيران فى يناير 2016، وقع 17 اتفاقا مع الرئيس الإيرانى الأسبق حسن روحانى، تتضمن الاتفاقيات إعادة إحياء طريق الحرير والتعاون فى مجال الطاقة النووية السلمية، وزيادة التبادل التجارى إلى 600 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة.

الصين وإيران وقعتا على شراكة استراتيجية شملت الاعتراف بمبادرة "حزام واحد طريق واحد" تشمل الاستثمارات الصينية فى البنى التحتية، مثل تحديث خطوط السكك الحديدية (طهران-مشهد) بقيمة 1.5 مليار دولار ومحطة قطار بمدينة قزوين، وتعزيز الربط بالسكك الحديدية مع آسيا الوسطى.

وفى العام نفسه، اقترحت إيران مبادرة إقليمية لتطوير النقل والعبور بين الخليج العربى والبحر الأسود، ويشمل أرمينيا، وأذربيجان، وجورجيا، وبلغاريا، واليونان، ينطلق من ميناء بندر عباس من الأراضى الإيرانية حتى أرمينيا وأذربيجان، ورغم عدم تنفيذه يظل ذا صلة فى سياق المنافسة الاستراتيجية على الممرات التجارية العالمية.

 وفى أبريل 2023 أجرت إيران مشاورات اقتصادية مع الهند وأرمينيا، واستهدفت المشاورات إطلاق ممر تجارى يمتد بموازاة ممر الشمال-الجنوب الدولى للنقل، ويقوم بربط مومباى ببندر عباس ثم بأرمينيا ومن هناك إلى أوروبا أو روسيا. ما يقدر بقيمة 250 مليار دولار من المنتجات الهندية والصينية، سيتم نقلها إلى أوروبا من هذا الممر كل عام، ومن المتوقع أن تبلغ حصة إيران فى عبور البضائع نحو 4٪ أى نحو 10 مليارات دولار سنويا، وسيكون لإنشاء هذا الممر تأثير بنسبة 15٪ على الناتج المحلى الإجمالى لإيران على المدى الطويل.

وفى مايو 2024، وقعت الهند وإيران اتفاقية تجهيز محطات الحاويات والبضائع وتشغيلها فى مرفأ الشهيد بهشتى بميناء تشابهار جنوب شرقى إيران، لتحل محل اتفاقية 2016 التى عرقلتها عودة العقوبات الأمريكية بعد انسحاب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من الاتفاق النووى عام 2018.

الهند قوبلت بتحذيرات أمريكية من فرض عقوبات على الشركات الهندية حال استثمرت فى إيران، وعلى ما علق عليه وزير الخارجية الهندى سوبرامانيام جايشانكار أن بلاده ستعمل على توضيح فوائد الاتفاق على تطوير ميناء تشابهار الإيرانى، مضيفا أنه "إذا نظرت إلى موقف الولايات المتحدة تجاه تشابهار فى الماضى، فقد كانت تقدر أن تشابهار له أهمية أكبر".

وفى يونيو 2025 وبعد أيام على مطالبة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، إيران بدعم إنشاء ممر زنغزور لأنه "مشروع تكاملى يربط العالم التركى عبر الأراضى التركية ويفتح آفاقا جديدة للتنمية الإقليمية"، أعلنت إيران على لسان على أكبر ولايتى مستشار المرشد الإيرانى للشئون الدولية إفشال مشروع إقامة ممر زنغزور لربط أذربيجان بنخجوان عبر الأراضى الأرمينية، واعتبر ولايتى أن هدف المشروع هو تقسيم أرمينيا وقطع طريق وصول إيران إلى أوروبا، وهذه التصريحات تعكس رفض طهران لأى تحولات استراتيجية فى منطقة القوقاز خاصة مشاريع الربط الإقليمى التى تقصى إيران.

سعت إيران عبر توازن علاقتها مع المعسكر الشرقى والغربى فى آسيا أن تصبح ممرا تجاريا عالميا لكن العقوبات الغربية والأمريكية وقفت عائقا أمام الحلم الإيرانى وهو ما عطل العديد من المشروعات التى كانت ستجنى إيران بموجبها مكاسب اقتصادية وسياسية ضخمة وهو ما دفعها مرارا وتكرارا بالتهديد بغلق مضيق هرمز فى أعقاب الحرب الإسرائيلية-الإيرانية التى استمرت ١٢ يوما وذلك لأهمية المضيق الذى يسمح بمرور 20 مليون برميل يوميا بقيمة تصل إلى 600 مليار دولار سنويا وفق التقديرات الأمريكية.

وبالعودة لقمة مجموعة العشرين فى الهند عام 2023، عقب إعلان القمة عن ممر مومباى-الشرق الأوسط، خرج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو فى مؤتمر عرض خلاله خرائط لهذا المشروع وأكد مشاركة تل أبيب فى هذا المشروع بطلب من واشنطن.

خلاصة القول، إن ممر مومباى-الشرق الأوسط يقصى إيران من المعادلات التجارية الكبرى فى المنطقة، ومن مصلحة إيران استمرار التصعيد فى المنطقة لأنه يعطل البدء فى الممر التجارى المدعوم أمريكيا وإسرائيليا ضمن مخطط أكبر يعرف إعلاميا بالشرق الأوسط الجديد، وهو ما يحفز طهران للضغط على الشركاء الآسيويين لتفعيل أكبر للممرات المعطلة، أو التوصل إلى اتفاق مع الهند برضاء أمريكى ليصبح لها دور فى خريطة الطرق التجارية المستحدثة على الإقليم.

طباعة

    تعريف الكاتب

    عمرو أحمد

    عمرو أحمد

    مدير وحدة إيران بالمنتدى الاستراتيجى للفكر والحوار