أصبح الذكاء الاصطناعى (AI)حجر الزاوية فى التقدم التكنولوجى، حيث يسهم فى تعزيز النمو الاقتصادى، وتعزيز الأمن، وإحداث تحولات جذرية فى المجتمعات. لطالما كانت الولايات المتحدة الأمريكية رائدة عالميًا فى هذا العصر الجديد من الذكاء الاصطناعى، وهى مهيأة للحفاظ على هذه الريادة بفضل منظومتها القوية للابتكار. يأتى انتخاب دونالد ترامب لولاية رئاسية ثانية فى لحظة حاسمة بالنسبة للذكاء الاصطناعى، حيث يشهد هذا المجال تطورًا متسارعًا.من المرجح أن يتمحور نهج ترامب فى سياسة الذكاء الاصطناعى حول تسريع الابتكار دون التقيد بالتنظيمات المفرطة، مما سيؤدى إلى حدوث تحول كبير فى حوكمة الذكاء الاصطناعى. كما أشار ترامب إلى أن إدارته تُعطى الأولوية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعى التى تعزز القدرة التنافسية الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة، لا سيما فيما يتعلق بالصين(1). يعتبر دونالد ترامب أول رئيس تنفيذى يتولى حكم الولايات المتحدة فى عصر ما بعد ChatGPTوستمتد الإدارة الثانية لترامب من يناير ٢٠٢٥ إلى يناير ٢٠٢٩، وهى فترة ذات أهمية عميقة للتقدم فى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى وكما ستشهد سياسات الذكاء الاصطناعى تطورًا كبيرًا داخل الولايات المتحدة وخارجها. علاوة على ذلك، فإن سيطرة الحزب الجمهورى، ليس فقط على البيت الأبيض، ولكن أيضًا على مجلس الشيوخ ستضع الرئيس ترامب فى موقع قوى لتعزيز الأولويات التشريعية المتعلقة بالذكاء الاصطناعى(2). كشفت المرحلة التى تلت الانتخابات للرئيس المنتخب دونالد ترامب صورة أوضح بشأن نهج إدارته فيما يتعلق بقطاع الذكاء الاصطناعى، لا سيما من خلال تعييناته الأخيرة فى فريقه الإدارى ومجلس وزرائه، حيث حرص على انخراط شخصيات تقنية مؤثرة فى الحكومة الأمريكية من أجل تطوير سياسات الذكاء الاصطناعى من أجل إحداث تحولات كبيرة فى كل ما يتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعى والحفاظ على الريادة الأمريكية فى هذا المجال(3).
موقف إدارة ترامب من سياسات إدارة بايدن تجاه الذكاء الاصطناعى:
تبنى الرئيس ترامب نهجًا متساهلًا نسبيًا خلال إدارته الأولى فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعى، حيث أصدر أمرين تنفيذيين بشأن الذكاء الاصطناعى فى عامى ٢٠١٩ و٢٠٢٠. وعلى النقيض من ذلك، ركزت إدارة بايدن على تطوير ما يُعرف بـ "الذكاء الاصطناعى المسئول". وفى ظل إدارة بايدن، رسّخت الولايات المتحدة مكانتها كدولة رائدة فى وضع معايير أخلاقية للذكاء الاصطناعى على الساحة العالمية، من خلال شراكات مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة. وشمل ذلك مساهمات نشطة فى "الميثاق الرقمى العالمي" التابع للأمم المتحدة، والذى أقرته الدول الأعضاء خلال "قمة المستقبل" التى عقدتها الأمم المتحدة فى سبتمبر ٢٠٢٤. ولكن بالنظر إلى التاريخ الطويل للرئيس ترامب المناهض للمنظمات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، يمكن استنتاج احتمالية حدوث تحول فى دور الولايات المتحدة ضمن أطر حوكمة الذكاء الاصطناعى العالمية.فى عام ٢٠٢٣، أصدر الرئيس بايدن أمرًا تنفيذيًا بشأن الذكاء الاصطناعى، والذى نص على وضع إرشادات وسياسات اتحادية تتعلق بشراء الحكومة واستخدامها لأنظمة الذكاء الاصطناعى، بالإضافة إلى سياسات الذكاء الاصطناعى المتعلقة بالأمن القومي (BidenAI EO)(4).
كما تفاعلت إدارة بايدن مع الاتحاد الأوروبى، فى إطار التعاون مع الحلفاء بشأن الذكاء الاصطناعى، من خلال مجلس التجارة والتكنولوجيا، كما لعبت دورًا قياديًا فى القمة العالمية لأمان الذكاء الاصطناعى التى استضافتها المملكة المتحدة. كما أجرت الإدارة الأمريكية محادثات رسمية ثنائية مع الصين حول حوكمة الذكاء الاصطناعى لأول مرة، حيث اتفق الرئيس جو بايدن والرئيس الصينى شى جين بينغ على الحفاظ على السيطرة البشرية على الذكاء الاصطناعى فى المجال النووى. وحتى فى المجالات ذات التنافس الشديد، مثل الدفاع والأمن، قادت إدارة بايدن جهود تطوير أطر متعددة الأطراف لحوكمة الذكاء الاصطناعى. فقد صاغت الولايات المتحدة فى عام ٢٠٢٣ "الإعلان السياسى بشأن الاستخدام العسكرى المسئول للذكاء الاصطناعى والاستقلالية"(5).
تركز سياسة الذكاء الاصطناعى فى الولايات المتحدة بشكل أساسى على تعزيز الابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى التوليدى، وتوسيع تطبيقاته عبر مختلف القطاعات، وترسيخ سلسلة توريد ومعايير عالمية للذكاء الاصطناعى تتمحور حول النماذج الأمريكية. وقد قادت شركات، مثل OpenAI، وAnthropic، وMicrosoft، وMeta، وGoogle، وAmazon، وTeslaالتطورات فى هذا المجال، بينما اعتمد العديد من الدول الأخرى بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعى الأمريكية.(6)وفى ظل هذا السياق، اتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة فى اليوم الأول من ولايته الثانية، حيث ألغى الأمر التنفيذى الذى أصدره بايدن عام ٢٠٢٣ بشأن الذكاء الاصطناعى، والذى كان يهدف إلى تعزيز المنافسة داخل صناعة الذكاء الاصطناعى، مع وضع إرشادات لاستخدام الحكومة لهذه التقنية بشكل مسئول. كما وقع أمرًا تنفيذيًا يمنع الحكومة الفيدرالية من التدخل فى قرارات منصات التواصل الاجتماعى المتعلقة بإدارة المحتوى، بالإضافة إلى إلغاء القواعد الفيدرالية الجديدة والمعلّقة التى تؤثر على سياسات التكنولوجيا.تمثل هذه الخطوة تحولًا كبيرًا عن نهج إدارة بايدن تجاه قطاع الذكاء الاصطناعى وصناعة التكنولوجيا(7). انتقدت إدارة ترامب سياسات بايدن بشأن الذكاء الاصطناعى، وادعت أنه يفرض قيودًا على الابتكار ويستند إلى اعتبارات أيديولوجية. فعلى سبيل المثال، يجادل منتقدون، من بينهم نائب الرئيس ترامب، جى دى فانس، بأن هذه اللوائح تعزز هيمنة الشركات التكنولوجية الكبرى، مما يضع الشركات الناشئة فى وضع غير مواتٍ.(8)
سياسات إدارة ترامب تجاه الذكاء الاصطناعى خلال ولايته الثانية:
خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب من عام ٢٠١٧ حتى عام ٢٠٢١، لم يكن استخدام الذكاء الاصطناعي منتشرًا كما هو عليه اليوم. وبناءً على ذلك، كان عدد اللوائح التنظيمية المتعلقة بالذكاء الاصطناعى على المستوى الفيدرالى أو مستوى الولايات أو المستوى المحلى محدودًا نسبيًا. وقد أثرت التطورات التكنولوجية الكبيرة واعتماد الذكاء الاصطناعى خلال السنوات الأربع الماضية على التنظيم الحكومى، ومن المرجح أن يستمر هذا التأثير فى المستقبل.عملت إدارة ترامب خلال ولايته الأولى على تعزيز القيادة الأمريكية فى مجال الذكاء الاصطناعى، حيث أدركت الأهمية الاستراتيجية للذكاء الاصطناعى فى مستقبل الاقتصاد والأمن الوطنى. ولهذا أطلقت الإدارة الأمريكية مبادرة الذكاء الاصطناعى الأمريكية عبر الأمر التنفيذى رقم ١٣٨٥٩ فى فبراير ٢٠١٩، تحت عنوان "الحفاظ على الريادة الأمريكية فى مجال الذكاء الاصطناعي". عمل هذا الأمر التنفيذى على تشجيع الوكالات الحكومية على مواصلة استخدام الذكاء الاصطناعى، عند الاقتضاء، لإفادة الشعب الأمريكى. وقد حددت هذه المبادرة خمسة محاور رئيسية للعمل، شملت: زيادة الاستثمار فى أبحاث الذكاء الاصطناعى، وإطلاق موارد الحوسبة والبيانات الفيدرالية للذكاء الاصطناعى، ووضع معايير فنية للذكاء الاصطناعى، وبناء القوى العاملة الأمريكية فى هذا المجال، وتعزيز التعاون مع الحلفاء الدوليين. وقد تم تقنين هذه الجهود ضمن قانون المبادرة الوطنية للذكاء الاصطناعى لعام ٢٠٢٠. وفى تحركات تاريخية، التزمت الإدارة بمضاعفة الاستثمار فى أبحاث الذكاء الاصطناعى، وأنشأت أول معاهد بحثية وطنية له، وأطلقت أول توجيهات تنظيمية للذكاء الاصطناعى فى العالم، وأقامت تحالفات دولية جديدة فيما يتعلق بمجال الذكاء الاصطناعى، وأرست إرشادات لاستخدامه على المستوى الفيدرالى(9).
أعلن الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية لولايته الثانية عن بعض التوجهات التى ينوى أن ينفذها، فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعى، عند الوصول للحكم مرة ثانية ومنها إلغاء الأمر التنفيذى الصادر عن إدارة بايدن بشأن الذكاء الاصطناعى. وقد انتقد الرئيس ترامب هذا الأمر واصفًا إياه بأنه "رقابة غير قانونية" وتنظيم مفرط يعيق الابتكار فى مجال الذكاء الاصطناعى، مشيرًا إلى نيته إلغائه.كما أعلن عن حملة بعنوان "اجعل أمريكا الأولى فى مجال الذكاء الاصطناعي" (MAGA)، مسلطًا الضوء على أهمية الحفاظ على الريادة الأمريكية فى هذا المجال، لا سيما فى المنافسة مع الصين. وقد أقر بأن الذكاء الاصطناعى يمثل تقنية أساسية لتعزيز الأمن القومى والقدرة التنافسية الاقتصادية.بالإضافة إلى ذلك، ركز على أهمية دعم تطوير الذكاء الاصطناعى من خلال سياسات تنظيمية أكثر مرونة، بما يرسخ مبادئ حرية التعبير ويدعم الازدهار البشرى(10).
عندما تولى الرئيس ترامب الحكم رسميًا فى ولايته الثانية، أصدر فى اليوم الأول من توليه الحكم، أمرًا تنفيذيًا بعنوان "الإلغاء الأولى للأوامر والإجراءات التنفيذية الضارة"،والذى ينص على البدء فى تنفيذ السياسات التى ستجعل الأمة الأمريكية موحدة، وعادلة، وآمنة، ومزدهرة مرة أخرى، وأن سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى استعادة المنطق السليم فى الحكومة الفيدرالية وإطلاق العنان لإمكانات المواطن الأمريكى. وفى هذا السياق، يلغى الأمر التنفيذى أكثر من ٥٠ أمرًا تنفيذيًا سابقًا، بما فى ذلك الأمر التنفيذى رقم ١٤١١٠ الصادر فى ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣، والذى كان يهدف إلى "التطوير والاستخدام الآمن والموثوق للذكاء الاصطناعى" (11). وفى ٢٣ يناير ٢٠٢٥، أتبع الرئيس ترامب هذا الأمر التنفيذى بأمر جديد بعنوان "إزالة العوائق أمام القيادة الأمريكية فى مجال الذكاء الاصطناعي"، والذى يعمل على جعل السياسة الأمريكية تهدف إلى الحفاظ على الهيمنة العالمية للولايات المتحدة فى مجال الذكاء الاصطناعى وتعزيزها من أجل تعزيز الازدهار البشرى، والقدرة التنافسية الاقتصادية، والأمن القومى.وبموجب هذا الأمر التنفيذى بشأن الذكاء الاصطناعى، يقوم مساعد الرئيس لشئون العلوم والتكنولوجيا، والمستشار الخاص للذكاء الاصطناعى والعملات الرقمية، ومستشار الأمن القومى بمراجعة إجراءات الوكالات الفيدرالية الصادرة بموجب أمر بايدن التنفيذى لعام ٢٠٢٣ بشأن الذكاء الاصطناعى، وإصدار توجيهات بتعليقها أو تعديلها أو إلغائها إذا وُجدت غير متوافقة مع بيان سياسة أمر ترامب التنفيذى لعام ٢٠٢٥.كما يوجّه مكتب الإدارة والموازنة(OMB)بمراجعة المذكرتين التوجيهيتين الصادرتين عن إدارة بايدن بشأن استخدام الذكاء الاصطناعى من قبل الوكالات الفيدرالية، وهما:المذكرة المتعلقة بتعزيز الحوكمة والابتكار وإدارة المخاطر فى استخدام الوكالات للذكاء الاصطناعى، الصادرة فى مارس ٢٠٢٤ والمذكرةM- 24-18 بشأن تعزيز عمليات الاستحواذ المسئولة على الذكاء الاصطناعى فى الحكومة، الصادرة فى أكتوبر ٢٠٢٤، بما يتماشى مع بيان سياسة الأمر التنفيذى. كما يكلّف موظفى البيت الأبيض بوضع "خطة عمل" لتنفيذ سياسة الذكاء الاصطناعى الجديدة.(12)
واستكمالا لما تقوم به إدارة ترامب الثانية بشأن تعزيز استخدام الذكاء الاصطناعى، أعلن الرئيس ترامب يوم ٢١ يناير ٢٠٢٥ عن مشروع ستارجيت (Stargate Project)وهو عبارة عن مبادرة وطنية للبنية التحتية للذكاء الاصطناعى بقيمة ٥٠٠ مليار دولار. يبرز هذا البرنامج الطموح إدراك الإدارة لأهمية الذكاء الاصطناعى كعامل حاسم فى الهيمنة العالمية. وبصفته أول سياسة رسمية ضمن إطار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"فى الولاية الثانية لترامب، يتضمن هذا المشروع رسالة واضحة "يجب أن يُصنع الذكاء الاصطناعى أيضًا فى أمريكا."يعتمد هذا المشروع على اقتراح قدّمه الرئيس التنفيذى لشركة OpenAI، سام ألتمان، فى نوفمبر ٢٠٢٤، بهدف تعزيز مكانة الولايات المتحدة فى قيادة الذكاء الاصطناعى. وعلى مدى السنوات الأربع المقبلة، من ٢٠٢٥ إلى ٢٠٢٩، ستُبنى بنية تحتية جديدة للذكاء الاصطناعى، تشمل مراكز بيانات، ومراكز للحوسبة السحابية فى مختلف أنحاء البلاد. يتماشى مشروع "Stargate" مع رؤية الرئيس ترامب لتحقيق تأثيرات اقتصادية إيجابية داخل الولايات المتحدة، وهو موضوع رئيسى تم التأكيد عليه خلال حملته الانتخابية. أكد ترامب أن الريادة فى الذكاء الاصطناعى أمر جوهرى للنمو الاقتصادى والابتكار التكنولوجى، كما أعرب عن عزمه على استغلاله لتحقيق النمو الاقتصادى، وخلق فرص العمل، وضمان استقلالية الطاقة، باعتبارها محركات رئيسية للابتكار المستمر.(13)
أشار الرئيس ترامب إلى أن "مبادرة ستارجيت" سوف يكون لها تأثير كبير على مجالات عدة، منها مجال الرعاية الصحية والدفاع من خلال التمويل الخاص. وقد سلط قادة شركات الذكاء الاصطناعى الممولة لهذه المبادرة الضوء على قدرة الذكاء الاصطناعى على إحداث تحول جذرى فى قطاع الرعاية الصحية، بما فى ذلك استخدامه لتطوير لقاحات جديدة بسرعة، وتحسين أساليب علاج الأمراض وطرق الكشف المبكر عنها.(14)أما بالنسبة لدور الذكاء الاصطناعى فى المجال الدفاعى، فمن المحتمل أن تطلق الإدارة القادمة "مشروع مانهاتن"للذكاء الاصطناعى فى المجال الدفاعى، مما يعمّق التعاون بين الحكومة والشركات الخاصة. وستركز هذه الشراكات على توظيف الذكاء الاصطناعى فى مجالات الاستخبارات، وتخطيط العمليات، والأمن القومى، وذلك لمواجهة التقدم العسكرى الصينى فى هذا المجال.(15)
تعيين قادة التكنولوجيا فى حكومة ترامب:
عملت إدارة ترامب على تأسيس نخبة تكنولوجية جديدة،مما يؤدى إلى تغيّر العلاقة بين شركات التكنولوجيا الكبرى والسياسة فى الولايات المتحدة من مجرد تأثير إلى مشاركة مباشرة. وعليه قام ترامب بتعيين "إيلون ماسك" و"فيفيك راماسوامي" لقيادة وزارة حكومية مقترحة جديدة تُدعى "وزارة كفاءة الحكومة"(DOGE) وصرّح ترامب بأن هذه اللجنة تهدف إلى تقليل القوانين، وتقليص عدد الموظفين الحكوميين، وإعادة هيكلة الهيئات الفيدرالية.كما تشير بعض تعيينات ترامب، مثل اختيار رائد الأعمال الاستثمارى "ديفيد ساكس" ليكون أول "قيصر للعملات الرقمية" فى البلاد، وتكليف الرئيس التنفيذى لشركة تسلا "إيلون ماسك"، بمهمة تقليص الإنفاق الحكومى، إلى رغبته فى جعل التكنولوجيا محور تركيز أساسى. أكد “ماسك"بأنه متفائل بشأن تأثير الذكاء الاصطناعى على الوظائف، حيث صرّح بأن هناك "احتمالًا بنسبة 80٪ أن تؤدى تطورات الذكاء الاصطناعى إلى وضع لن يحتاج فيه البشر إلى وظائف وسيحصلون على كل ما يحتاجونه". كما أكد اعتقاده بإمكانية الوصول إلى"دخل مرتفع عالمي" بسبب اختفاء الوظائف وزيادة كفاءة الاقتصاد.(16)
كان تأثير إيلون ماسك فى الأشهر الأولى من إدارة ترامب، خاصة من خلال قيادته لوزارة DOGE، عاملاً رئيسيًا فى إعادة تشكيل سياسة التكنولوجيا الأمريكية، حيث تم إعطاء الأولوية للقوة الاقتصادية والسياسية على حساب الحوكمة الديمقراطية.عمل "إيلون ماسك" من خلال وزارته على توفير أموال دافعى الضرائب وتقليل الدين الوطنى الأمريكى، الذى يبلغ ٣٦ تريليون دولار.فى البداية، قال إنه يأمل فى توفير ما يصل إلى تريليونى دولار سنويًا، لكنه لاحقًا خفّف من هذا التقدير.كما صرّح "ماسك" بأنه يريد إنهاء "طغيان البيروقراطية"، والتى وصفها بأنها "الفرع الرابع للحكومة"الذى يعمل ضد أجندة ترامب.(17)قامت وزارة (DOGE)بتنفيذ عدد من الإصلاحات الحكومية، مثل: الاستحواذ على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية(USAID)، وهى المنظمة الرئيسية للمساعدات الخارجية الأمريكية التى تموّل مشاريع فى عشرات البلدان – والتى وصفها "ماسك" و"ترامب" بأنها مضيعة للمال، وإلغاء العقود والمنح الفيدرالية، وإقالة عشرات الآلاف من الموظفين تحت التجربة. إلى جانب هذه التخفيضات الجذرية فى عدد الموظفين والموارد الحكومية، قامتDOGE بتسريع دمج الذكاء الاصطناعى (AI)فى العمليات الفيدرالية. ومع ذلك حذر النقاد من أن هذه الخطوة قد تؤدى إلى تمهيد الطريق أمام الذكاء الاصطناعى ليحل محل صانعى القرار البشريين، ليس فقط فى تبسيط الأعمال البيروقراطية، ولكن أيضًا فى إدارة الحكم الديمقراطى نفسه.وبالنظر إلى إدارة بايدن، فقد تبنّت نهجًا حذرًا تجاه استخدام الذكاء الاصطناعى فى الحكومة، مع التركيز على إدارة المخاطر والإشراف التنظيمى، وعلى العكس من ذلك، كان يدفع "ماسك" باتجاه استراتيجية "الذكاء الاصطناعى أولًا"، مما يؤدى إلى نقل سلطة اتخاذ القرار إلى أولئك الذين يصممون ويسيطرون على هذه الأنظمة(18).
الرؤية المستقبلية:
بناءً على التحليلات السابقة، يمكن توقع عدد من السيناريوهات المستقبلية:
1- السيناريو الأول: من المتوقع أن يشهد قطاع الذكاء الاصطناعى فى الولايات المتحدة نموًا متسارعًا مدعومًا بالسياسات الليبرالية لترامب، مما سيؤدى إلى تطورات كبيرة فى مجالات الحوسبة السحابية، والأنظمة الذكية.
2- السيناريو الثانى: تعزيز الهيمنة الأمريكية عالميًا من خلال التركيز على المشاريع العملاقة، مثل "ستارجيت"، ستسعى الولايات المتحدة إلى ترسيخ قيادتها فى مجال الذكاء الاصطناعى، مما قد يؤدى إلى تكثيف المنافسة مع الصين والاتحاد الأوروبى.
3- السيناريو الثالث:نظرًا للتقدم السريع فى الذكاء الاصطناعى، قد تواجه بعض القطاعات تحديات بسبب استبدال الإنسان بالروبوتات، مما يعنى أن ذلك سيؤدى إلى تحولات فى سوق العمل، مما يستدعى استراتيجيات جديدة للتوظيف وإعادة تدريب العمالة البشرية.
4- السيناريو الرابع: فى ظل الانسحاب المحتمل من الأطر التنظيمية الدولية التى دعمتها إدارة بايدن، قد تتراجع جهود التعاون العالمى فى وضع معايير أخلاقية وتقنية للذكاء الاصطناعى.
5- السيناريو الخامس: تعيين شخصيات على شاكلة ماسك فى مناصب رئيسية، يجعل لقطاع التكنولوجيا تأثير مباشر فى صناعة القرار، مما قد يؤدى إلى تحولات فى طبيعة الحكم والبيروقراطية الفيدرالية.
بشكل عام، تشير الاتجاهات الحالية إلى أن المرحلة المقبلة من تطور الذكاء الاصطناعى ستكون محورية فى إعادة تشكيل الاقتصاد، والأمن القومى، والنظام السياسى الأمريكى والدولى.
ختامًا:
تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على تطوير استخدامها للذكاء الاصطناعى وإدخاله فى جميع المجالات، كما تسعى للحفاظ على ريادتها فى مجال الذكاء الاصطناعى باعتباره صنيعة أمريكية، خاصًة فى ظل التقدم الكبير الذى تحرزه الصين فى مجال الذكاء الاصطناعى. تم عقد مقارنة بين نهج ترامب وبايدن، حيث كان الأخير يركز على "الذكاء الاصطناعى المسئول" وتطوير معايير أخلاقية وتنظيمية، بينما يتبنى ترامب رؤية أقل تقيدًا باللوائح، تركز على الابتكار الاقتصادى والتفوق العسكرى. يحرص الرئيس ترامب خلال فترة ولايته الثانية على إحداث طفرة فى مجال الذكاء الاصطناعى، ويتضح ذلك من خلال الأوامر التنفيذية الصادرة عنه منذ اليوم الأول من توليه الحكم وانتقاده لسياسات إدارة بايدن. كما يعمل ترامب على دمج أصحاب الشركات التكنولوجية الكبرى فى الحكومة الأمريكية بشكل رسمى، حتى يتمكن من تحقيق استفادة قصوى من خلال الجمع بين الخبرة والمنصب الحكومى الرسمى. تلعب شركات القطاع الخاص دورًا مهمًا خلال إدارة ترامب الثانية خاصًة فى مجال الذكاء الاصطناعى، ويتضح ذلك من مبادرة "ستارجيت" المقدمة من قبل شركات تكنولوجية متخصصة وبميزانية كبرى، من أجل إحداث طفرة كبيرة فى مجال الذكاء الاصطناعى الأمريكى. إضافةً إلى ذلك، فإن تعيين شخصيات تقنية بارزة فى مناصب حكومية مؤثرة، يعكس تحولًا فى العلاقة بين التكنولوجيا والسياسة.يتضح مما سبق أن ترامب ينتهج نهجا مختلفا تمامًا عن نهج إدارة بايدن السابقة وحتى عن النهج الذى انتهجته الولايات المتحدة خلال الفترة الأولى من حكم ترامب نفسه، حيث إنه يتبنى استراتيجية أكثر انفتاحًا بقيود تنظيمية أقل من أجل إحداث مرونة أكبر تساعد على تطوير الذكاء الاصطناعى، فى ظل بيئة تنافسية عالمية تخصص ميزانيات ضخمة للبحث فى هذا المجال والتوصل إلى إنجازات تكنولوجية غير مسبوقة، والذى يلقى بظلاله على مجالات أخرى بدايةً من المجال الاقتصادى، إلى العسكرى، إلى الصحى وغير ذلك.
قائمة المراجع:
(1) David Krause, “Artificial Intelligence and the Changing Political Landscape: The Impact of Trump’s Return on AI Governance and Policy”, Marquette University, 12 November 2024.
(2) John Villasenor& Joshua Turner, “AI policy directions in the new Trump administration”, Brookings, 14 November 2024, available at: https://www.brookings.edu/articles/ai-policy-directions-in-the-new-trump-administration/, accessed on: 3 March 2025.
(3) Garrett Ferguson, “AI in the Trump Era: Balancing Innovation, Regulation and Competition”, 13 December 2024, available at: https://apcoworldwide.com/blog/ai-in-the-trump-era/, accessed on: 5 March 2025.
(4) HaileleolTibebu, “How Elon Musk’s Influence Could Shift US AI Regulation Under the Trump Administration”, Tech Policy Press, 14 November 2024, available at: https://www.techpolicy.press/how-elon-musks-influence-could-shift-us-ai-regulation-under-the-trump-administration/, accessed on: 7 March 2025.
(5) Brianna Rosen, “The AI Presidency: What “America First” Means for Global AI Governance”, 16 December 2024, available at: https://www.justsecurity.org/105752/ai-presidency/, accessed on: 7 March 2025.
(6) “President Trump’s Initial Executive Orders Signal Significant Regulatory and Policy Changes”, 27 January 2025, available at: https://www.paulweiss.com/media/3985831/president_trump-s_initial_executive_orders_signal_significant_regulatory_and_policy_changes.pdf, accessed at 7 March 2025.
(7) Paige Gross, “How Trump’s tech agenda could impact hiring this year”, Louisiana Iluminator, 22 February 2025, available at: https://lailluminator.com/2025/02/22/repub/trump-tech/, accessed on: 9 March 2025
(8) Angela Luna, “AI Policy in Transition: Trump’s Second Term”, American Action Forum, 15 January 2025.
(9) “Artificial Intelligence for the American People”, The White House, 2021, available at: https://trumpwhitehouse.archives.gov/ai/, accessed on: 8 March 2025.
(10) Juho Yoon, Jeonghee Kang and Jiyoung Sohn, “Ai regulation direction of president trump’s second-term administration”, 31 January 2025, available at: https://www.lexology.com/library/detail.aspx?g=c7c12b03-93c1-45dd-83c3-33d3b1642540, accessed on: 10 March 2025.
(11) Jonathan E. Meer, “Potential Changes in the Regulation of Artificial Intelligence in 2025”, The National Law Review, Vol. 15, No. 76, 22 January 2025.
(12) Duane C. Pozza& Others, “Trump Administration Issues New AI Executive Order”, 24 January 2025, available at: https://www.wiley.law/alert-Trump-Administration-Issues-New-AI-Executive-Order, accessed on: 9 March 2025.
(13) Junghyun Yoon, “Trump's Second-Term National AI Strategy: Insights from the 'Stargate Project”, Issue Brief, Vol.128, No.3, 2025.
(14) Shannon V. Lipham and Garrett M. Reinhart, “President Trump’s Latest Executive Orders Impacting Health Care”, 4 February 2025, available at: https://www.maynardnexsen.com/publication-president-trumps-latest-executive-orders-impacting-health-care, accessed on 10 March 2025.
(15) William Crozer, “Donald Trump on Issues Impacting State & Local Policy”, September 2024, available at: https://bgrdc.com/wp-content/uploads/2024/09/BGR-Second-Trump-Admin-September-2024.pdf, accessed on: 10 March 2025.
(16) Howard W. French, “AI Is Infiltrating the U.S. Government”, Foreign Policy, 13 February 2025, available at: https://foreignpolicy.com/2025/02/13/ai-artificial-intelligence-us-government-elon-musk-doge-trump/, accessed on: 11 March 2025.
(17) James FitzGerald and Holly Honderich, “What is Doge and why is Musk cutting so many jobs?”, BBC, 19 February 2025, available at: https://www.bbc.com/news/articles/c23vkd57471o, accessed on: 12 March 2025.
(18) Rachel Lau, J.J. Tolentino and Ben Lennett, “February 2025 US Tech Policy Roundup”, 3 March 2025, Tech Policy Press, available at: https://www.techpolicy.press/february-2025-us-tech-policy-roundup/, accessed at: 14 March 2025.