تحليلات - شرق أوسط

ضربة استباقية:|لماذا قررت إيران وقف بيع النفط لفرنسا وبريطانيا؟

طباعة

الأربعاء 22 - 2- 2012

في أقل من شهر ونصف شهر، استبقت إيران تنفيذ قرار أوروبي بحظر استيراد النفط من طهران ، كان من المنتظر أن يدخل حيز التنفيذ خلال شهر يوليو القادم، حيث قررت الأخيرة وقف بيع النفط للشركات الفرنسية والبريطانية، كما وجهت إنذارا لعدد من الدول الأوروبية الأخرى، حال استجابتها للقرار الأوروبي، في خطوة تصعيدية لم تكن متوقعة من حيث السرعة والجدية، إذ لم يسبق لإيران استخدام سلعتها الاستراتيجية "النفط" كأداة سياسية في مواجهة الغرب.

وقد بدا من هذه الخطوة الإيرانية أن معركة النظام الإيراني مع الغرب لم تعد كما كانت في السابق معركة فرض إرادة، وإنما أصبحت معركة بقاء، وهو ما يمكن فهمه في إطار حيوية قطاع النفط بالنسبة للاقتصاد الإيراني الذي طالته العقوبات الغربية بالقرار الأوروبي الأخير، إلى جانب خضوعه منذ زمن لعقوبات أمريكية مماثلة.

ففي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد الإيراني انكماشا، تأتي هذه العقوبات لتزيد من اختناقه، وإن كان أثر وتداعيات مثل هذا القرار مؤجلة للمدى المتوسط وربما البعيد. غير أن آثاره النفسية لا يمكن غض الطرف عنها، وسط ما تشهده الساحة الداخلية من شد وجذب بسبب تدني الوضع الاقتصادي، وانخفاض مؤشرات التنمية، وارتفاع مستويات التضخم والبطالة.

ويمكن القول إن النظام الإيراني خلال هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها، لاسيما مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي البرلماني وما يمثله من أهمية من ناحية تهيئة وتأهيل تيار الأغلبية لترقي أحد كوادره منصب رئيس الدولة في الانتخابات الرئاسية القادمة، إنما يسعى للحفاظ على قوته خارجيا لبقاء استقرار وضعه داخليا، إيمانا منه بأن قدرته على مواجهة الغرب أحد أهم أسباب شرعيته في الداخل، والتي أصبحت على وشك التهديد بسبب الإخفاقات المستمرة في إدارة ملفات عدة ذات اتصال مباشر بمصالح المواطن، وعلى رأسها الملف الاقتصادي.

وعلى الرغم من ذلك، فلا يخفي أن القرار الإيراني قد تمت دراسته في مجلس الشوري الإسلامي قبل صدوره، وأنه حظي بموافقة المجلس وتصديقه عليه، الأمر الذي يشير إلى تماسك الداخل الإيراني، رغم الخلافات بالتوحد في مواجهة الغرب، وإرسال رسالة مفادها أن إيران قادرة على تخطي عقوباتها.

وينطلق القرار الايراني بوقف بيع النفط  لبعض الدول الاوروبية من حسابات عدة أهمها:

-  إمكانية التعويض: ترى إيران أن الاتحاد الأوروبي هو صاحب الخسارة الأكبر جراء تنفيذ قرار حظر النفط الإيراني، ذلك القرار الذي تبنته العديد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، حيث إن حجم الصادرات النفطية الإيرانية لدول أوروبا مجتمعة لا يتجاوز الـ 18 %، أي ما يبلغ 600 الف برميل يوميا، وهي نسبة يمكن تعويضها من خلال فتح أسواق جديدة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، في حين أن النفط الإيراني يمثل 30% من الواردات اليونانية، و13% من الواردات الإيطالية، و12% من استهلاك إسبانيا وتحصل عليه باعتمادات مؤجلة.

في حين أن ارتفاع سعر برميل النفط الإيراني من 102 إلى 123 دولارا ، منذ أن بدأت الدول الأوروبية الحديث عن إمكانية فرض حظر على نفط إيران، من شأنه أن يعوض الكمية المقلصة من حجم التصدير حاليا. كما اعتمدت إيران في هذا الإطار على تحذير صندوق النقد الدولي من تداعيات فرض الحظر على النفط الإيراني الذي سيؤدي إلى رفع سعر برميل النفط بنسبة قد تصل إلى 30 % ، الأمر الذي سيهدد استقرار الإقتصاد العالمي، وبصفة خاصة إذا ما عجزت إيران عن إيجاد بديل لشراء نفطها، حيث ستُجبر على تخزين النفط غير المبيع في ناقلات نفطية، أو تخفيض الإنتاج، وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع أسعار النفط.

بالإضافة إلى أن الأوضاع الاقتصادية الهشة لبعض الدول الأوروبية، والأزمات الخانقة التي يتعرض لها اقتصاد عدد منها ستضاعفان من حجم الضرر الاقتصادي الذي يمكن أن تتعرض له هذه الدول, لاسيما اليونان، في حين أن دولة مثل إيطاليا تحصل على حصتها من النفط الإيراني مقابل ديون. وفي ظل أزمتها الاقتصادية الحالية، يعني خسرانها النفط الإيراني دفع مقابل النفط من مصدر جديد.

فضلا عن فشل الجهود الأوروبية والأمريكية على كل من الصين وروسيا والهند في إطار حظر شراء النفط الإيراني، في الوقت الذي أكد فيه وزير الطاقة الهندي أن بلاده ستقوم بشراء المزيد من النفط الإيراني. ومن ثم، ترى إيران أن قرار حظر استيراد نفطها من قبل الدول الأوروبية تصعيد سياسي في إطار حرب نفسية ضدها، وبدافع من الولايات المتحدة، المستفيد الأكبر من القرار الأوروبي، والذي جاء تلبية لرغبة نشدتها منذ وقت طويل، وهى توقيع عقوبات على قطاع النفط الإيراني.

وبالتالي، فقد وجدت إيران نفسها في موقف قوي يمكن أن تنطلق منه لاستباق الضربة الأوروبية، وتحقيق مكاسب سياسية، وإلحاق الضرر بالطرف الآخر. فلم تنتظر مدة الستة أشهر التي منحتها الدول الأوروبية لنفسها كمهلة لتوفيق أوضاعها، وربما الدخول في مفاوضات مع إيران، يمكن أن يكون من شأنها إلغاء قرار الحظر من أساسه، وبالتالي بدت الدول الأوروبية التي تزعمت إقرار خطوة حظر النفط الإيراني ﻛﻤﻦ أطلق النار على قدميه.

-  محاولة كسب الجولة: كما هي العادة لدى معالجة إيران لملفاتها الخارجية مع الغرب، والتي يصعب معها الفصل بين هذه الملفات، إذ لا يمكن النظر لقرار ضم القطاع النفطي الإيراني إلى العقوبات الغربية المفروضة عليها، بشكل منفصل عن باقي أزماتها مع الغرب، فقد وجدت إيران نفسها وسط حرب نفسية وسياسية مع الأخير بشأن ملفها النووي وعلاقاتها الإقليمية، في الوقت الذي ضعفت فيه قوة بعض حلفائها، وانهارت قوة آخرين، خاصة الإقليميين، الأمر الذي دفعها إلى استخدام أسلوبها التقليدي المتجدد لاستباق التهديد وتصعيده من ناحية، وتجاهله من ناحية أخرى.

حيث لا ترغب إيران في أن تبدو في موقف ضعيف، كما أنها لم تعدم السبل التي تظهرها كطرف قوي في الصراع، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال التهديد بإغلاق مضيق هرمز في بداية الأزمة، والقيام بمناورات بحرية في مياهه، تأكيدا على قدرتها العسكرية على تنفيذ هذا التهديد، وقيامها أخيرا بحظر بيع نفطها لبعض الدول الأوروبية. وقد تجاهلت هذه الأزمة بآثارها وتداعياتها، ولجأت لأسلوب الدعاية السياسية - على سبيل المثال- بتجديد إعلان رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية لدى مصر، مجتبي أماني، عن استعداد بلاده لمساعدة مصر اقتصاديا لمواجهة الضغوط الأمريكية عليها، بالإضافة إلى الإعلان عن الاستعداد لمساعدة الحكومة النيجيرية في محاربة العنف الذي تمثلة جماعة "بوكو حرام" المتطرفة.

حيث أكد المتحدث باسم السفارة الإيرانية في أبوجا، مانوشيلف صديقي برزهاهي، التزام بلادة بمساعدة نيجيريا في التغلب على مشكلاتها مع الإرهاب، ودعم اقتصادها من خلال زيادة التبادل التجاري، وخلق فرص عمل، في الوقت الذي كثفت فيه مساعدتها للنظام السوري، وبشكل علني، من خلال إرسال سفينتين حربيتين – سفينة إمداد "خارك" ومدمرة "شهيد قندي"- إلى ميناء طرطوس السوري بغرض تقديم تدريب للقوات العسكرية البحرية التابعة للنظام. ووفق العديد من الخبراء ، فإن السفينتين الإيرانيتين لن تستطيعا تغيير ميزان القوى، أو ترجيح كفة النظام السوري على الأرض، وإنما تعد هذه الخطوة مجرد تأييد معنوي لنظام بشار الأسد، وتأكيد أن إيران المحاصرة اقتصاديا لا تزال قادرة على الوجودد ودعم الحلفاء.

-  انحسار التهديد العسكري: ربما لم تغفل إيران، في مرحلة الإعداد والإعلان عن قرارها بوقف بيع النفط للشركات الفرنسية والبريطانية، والتهديد بشمول القرار دول أوربية أخري، أن الحديث عن الخيار العسكري في مواجهتها قد بدأ في الفتور مرة أخري، ولو مؤقتا، لاسيما مع السعي للقيام بجولة مفاوضات جديدة بشأن ملفها النووي، وذلك عقب حديث مكثف ساد لفترة عن هجوم وشيك على منشآتها النفطية من جانب إسرائيل، سواء بالوكالة عن الولايات المتحدة، أو منفردة.

فخلال الفترة القصيرة الماضية، أعربت العديد من الدول الغربية عن رفضها لأي تطور عسكري يمكن أن يتخذ ضد إيران، حيث رأى وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيج، أن مهاجمة إسرائيل لإيران لن تكون قرارا حكيما.كما حذر وزير الخارجية الألماني، غيدو فسترفيلي، من تصعيد الخلاف بشأن برنامج إيران النووي للمنحى العسكري، وأنه ينبغي دراسة العرض الإيراني بمواصلة المفاوضات، التي أعلنت إيران بشأنها أنها تسعى لدخولها بروح إيجابية، على حد وصف وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي. بالإضافة إلى الحديث عن مباحثات أمريكية مكثفة مع الجانب الإسرائيلي لإثنائه عن خيار توجية ضربة عسكرية استباقية لمنشآت إيران النووية.

وبالنظر إلى ما سبق من حسابات إلى جانب غيرها، وضعتها إيران نصب أعينها عند اتخاذ قرارها الأخير، فلا ينفي ذلك بالطبع وجود تداعيات سلبية على الداخل الإيراني، لاسيما الاقتصادي، نظرا لما يتعرض له الاقتصاد من هزات متتالية بسبب تدني مؤشراته التنموية، وارتفاع مستويات التضخم، وتراجع سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار. غير أن معركة البقاء مع الغرب تدفع إيران إلى توصيل رسائل، وإن كانت عالية التكلفة، مفادها القول بأنها قادرة على الإيذاء. 

طباعة

تعريف الكاتب

رانيا مكرم

رانيا مكرم

باحثة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام