تحليلات - شرق أوسط

مؤتمر"هرتزليا":|نقاشات إسرائيلية حول تداعيات صعود الإسلاميين بالمنطقة العربية

طباعة

"لم نعد نرى شرق أوسط جديدا، بل شرق أوسط مختلفا".. هكذا لخص دانى روتشيلد، مدير معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية في إسرائيل ورئيس مؤتمر هرتزليا  الثاني عشر للأمن وميزان المناعة القومية، رؤية النخبة لتأثير الثورات العربية في شكل المنطقة ، وما أعقبه من صعود للإسلاميين  إلى سدة الحكم في بعض البلدان العربية.

وبينما تعكس مؤتمرات "هرتزليا  "تقييمات النخبة في تل أبيب للعناصر التى تشكل نظرية الأمن الإسرائيلى، فإنها أيضا ترسم تصورات حول ما ينبغى لإسرائيل أن تقوم به لمواجهة التحديات التى تنتظرها.

وخلافا لمعظم السنوات التي اتخذ المؤتمر لنفسه عنوانا محددا لمناقشة القضايا، مثل التهديد الديموجرافي، والإرهاب الدولى، والخطر النووى الإيرانى، فقد حمل المؤتمر الثاني عشر الذي انعقد في الفترة من 30 يناير حتى 2 فبراير 2012 عناوين أكثر غموضا وعمومية ،إذ احتوى على عنوان " في قلب العاصفة".

وإذا كان تعبير " الشرق الأوسط الجديد" يحمل دلالات تتعلق بدمقرطة العالم العربي واقترابه من قبول تسوية سلمية للصراع العربي – الإسرائيلي، فإن  "الشرق الأوسط المختلف" ، هو تعبير حذر لا ينم سوى عن شعور بعدم اليقين الذى بات يميز تنبؤات السياسيين والخبراء خاصة بعد الفشل في توقع ثورات الربيع العربي، وهو ما نلاحظه في انقسام النخبة الإسرائيلية حول تبعات صعود الإسلاميين لسدة الحكم في أكثر من بلد عربى، وهيمنتهم على مشهد المعارضة في سوريا التى لم تحسم ثورتها بعد.

ووفقا لهذا المشهد، هناك قلة ترى أن صعود الإسلاميين لن يقود بالضرورة إلى ظهور تحديات ضخمة لإسرائيل من الناحية الأمنية، بل قد يؤدى إلى ترشيد "الخطاب الإسلامى المتشدد" ودفعه نحو الاعتدال. في المقابل ، ترى الأغلبية أن هيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي في العديد من الدول العربية، وبالأخص في مصر، قد تقود لتداعيات خطيرة وتقوية مشروع الجبهة الإسلامية الموحدة ضد إسرائيل، أو على الأقل انتشار الفوضى في الجوار الإقليمى لإسرائيل، وتحول بعض دوله إلى دول فاشلة تستغلها الجماعات المتطرفة لتهديد الأمن اليومي للمواطن الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن غالبية الدراسات الإسرائيلية تقلل من قدرة التيارات الإسلامية التي صعدت لسدة الحكم بعد الربيع العربي على القيام بمغامرات عسكرية تهدد الأمن الإسرائيلى، فإن القادة الأمنيين والسياسيين في مؤتمر هرتزليا  ركزوا على احتمال أن يتحول وصول الإسلاميين للحكم في العالم العربى إلى جبهة موحدة تعمل على تهديد وجود الدولة.

هذا الأمر عبر عنه رئيس الأركان الإسرائيلى، بنى جايتس، بقوله "إن الحرب القادمة ستكون قصيرة الأمد، وسيسعى العدو القادم من أكثر من جبهة لغزو إسرائيل، واختراق المدن المزدحمة بالسكان لإحداث الفزع والرعب بين مواطنى الدولة" . بيد أن هذا التقدير لا تسنده معلومات ، لاسيما في ظل الانقسامات المذهبية والعرقية في المنطقة ، فضلا عن أن تقديرات الخبراء الإسرائيليين الذين لا يشغلون مناصب حكومية تذهب إلى العكس بأن الثورات العربية ستزيد من اهتمام كل بلد عربى بنفسه وبمشاكله الداخلية على حساب القضايا القومية عربيا وإسلاميا.

بل إن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" الأسبق، أهارون زئيفي فركش، قدم في مؤتمر هرتزليا  الحادى عشر الذي انعقد العام الماضى تصورا عن النتائج التي قد تفضى إليها عملية صعود الإسلاميين للحكم في أكثر من بلد عربى، ورأى أنها في صالح إسرائيل وليست ضدها.وقال : "ربما تتفتت المنطقة العربية إلى دويلات، ويشهد الشرق الأوسط خريطة جديدة كلية شبيهة بالخريطة الأوروبية بأن تتحول المنطقة إلى ثلاثين دولة".

وطالب فركش إسرائيل بأن تنأى عن الأحداث والتطورات المقبلة، إذ إن -على حد قوله- " على الدول العربية أن تواجه الإسلام الراديكالي  بنفسها، لأن الحل سيتحقق عبر حرب يشهدها الإسلام من داخله، وعلى إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا أن تبقى بعيدا".

ولئن كان الانقسام بين النخب الإسرائيلية حول التطورات المحتملة في المنطقة بعد صعود الإسلاميين لسدة الحكم بعد الثورات العربية أمر مفهوم، ويعبر بشكل طبيعي عن طبيعة المرحلة التي نعيشها، والتي يغلب عليها "عدم اليقين".

تقدير علمي أم رسائل سياسية؟

بيد أنه من المهم التمييز بين التقديرات التي تبنى على معلومات دقيقة، وتلك التى تستهدف إيصال رسائل سياسية معينة،عبر البدء في سياسة عدائية تجاه العالم العربى، تأسيسا على تقدير غير واضح لتأثير صعود الإسلاميين إلى الحكم في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

والواقع أنه رغم أهمية ما يطرح في مؤتمرات هرتزليا منذ انطلاقها من أفكار ومناقشات تتعلق بميزان المناعة الإسرائيلية ، فإنه ينبغى الحذر من التعامل مع هذه المؤتمرات، إذ أن بعض ما يمر فيها على لسان المسئولين الرسميين، سواء وزراء الدفاع أو رؤساء الأجهزة الأمنية، تستهدف التأثير السياسي على خصوم إسرائيل.

فعلى سبيل المثال أيضا ، فإن الحديث المتكرر منذ عام 2008 عن خطورة المشروع النووي الإيراني على أمن إسرائيل والعالم دائما ما يكون هدفه سياسيا بحتا دون الاستناد في التقديرات التي تقف من ورائه لمعلومات موثوق بها. فنجد وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر هرتزليا  الأخير يردد أن إيران على وشك إنتاج قنبلة نووية بعد أقل من عام، ويصف إيران النووية بأنها ستشكل خطرا وجوديا على إسرائيل. فيما يقول رئيس المؤتمر دانى روتشيلد، ومعه رئيس الأركان الأسبق دانى حالوتس "لا ينبغى لنا القول إن إيران النووية تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل".

ورغم أن كليهما لا يقلل من خطورة امتلاك إيران للأسلحة النووية ، فإنهما، ومعهما رموز لا يستهان بها من رؤساء الأجهزة الأمنية السابقين، مثل رئيس الموساد السابق مئير داجان، يتخوفون من استخدام هذه التقديرات غير المؤسسة على معلومات حقيقية لشن حرب استباقية ضد إيران، يدرك الجميع في إسرائيل وخارجها مدى صعوبة التنبؤ بنتائجها ، وتأثيراتها في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط بأكمله.

 لقد احتلت قضية مخاطر المشروع النووي الإيراني مساحة مساوية- في النقاشات العامة داخل مؤتمر" في عين العاصفة" - لقضية أثر صعود الإسلاميين للسلطة في العالم العربى على أمن إسرائيل، رغم أن المؤتمرات السابقة قد تناولت هذه القضية بالتفصيل، ولم يعد هناك جديد يمكن قوله.

وكان من المتوقع ألا تحظى باهتمام مساو للحدث الأكبر الحالي، وهو الثورات العربية، ولكن جاء التركيز عليها من أجل أهداف سياسية بحتة لا علاقة لها بمعلومات جديدة، خاصة مع نجاح إسرائيل في توجيه ضربات تخريبية للمشروع الإيرانى في العامين الأخيرين.

وفي هذا السياق ، من المهم التنبه إلى أن المؤتمرات الثلاثة الأخيرة لهرتزليا   ركزت على خطورة محاولات العرب نزع الشرعية عن إسرائيل دوليا بالتركيز على قضايا السلام، وإظهار التعنت الإسرائيلى في الاستمرار في سياسة نشر الاستيطان، والهيمنة على الشعب الفلسطيني، ومنع تحقيق حل الدولتين، وهو ما حدا بالكثير من الخبراء الإسرائيليين للتحذير من خطورة انتصار العرب في هذه الحرب، وما ستجلبه من عزلة لإسرائيل.

ومن هنا، يغدو مفهوما ما يحاول مؤتمر هرتزليا تمريره من رسائل تستهدف حشد التأييد الغربى لإسرائيل، رغم استمرار رفض الأخيرة  لكافة محاولات استئناف عملية السلام.  ويجئ تركيز مؤتمر هرتزليا في عام 2012 على ضرورة توجيه ضربة عسكرية لإيران بشكل عاجل، والتسرع في الحكم على نتائج الثورات العربية واعتبارها رافعة لتجسيد الخطر الأصولى، كنوع من الهجوم المضاد الإسرائيلى لإيقاف معركة نزع الشرعية عنها، والتى أخذت زخما أكبر مع توجه الفلسطينيين للحصول على اعتراف أممى بدولتهم في حدود الرابع من يونيو عام 1967.

ورغم ذلك، لا ينبغى التقليل من أهمية متابعة مؤتمرات هرتزليا، إذ أنها تتيح فهم كيف تفكر إسرائيل في قياس مناعة أمنها ، ولكن مع ضرورة فرز ما هو علمي وما هو سياسي.

طباعة

تعريف الكاتب

سعيد عكاشة

سعيد عكاشة

خبير في الشئون الإسرائيلية، باحث مشارك في مركز الدررسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام.