تحليلات - شرق أوسط

أصابع طهران:|دلالات اكتشاف خلية الحرس الثوري الإيراني في البحرين

  • 2-12-2011

طباعة

إذا كانت محاولة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير في واشنطن قد كشفت عن تغير في إدارة إيران لصراعها على النفوذ في الخليج مع السعودية، حيث أصبحت أكثر استعدادا للرد المباشر على أي تحرك سعودي تستشعر منه تهديدا حقيقيا لنفوذها في المنطقة، وأصبح الحرس الثوري الإيراني، الذي يتمتع بنفوذ كبير في تحديد سياسة إيران الخارجية تجاه الخليج، أكثر استعدادا لتنفيذ سياسات تهدف الى "تقليم أظافر" السعودية، فإن ما تم الكشف عنه مؤخرا من مخطط إيراني في البحرين، أكد ترسخ هذا الأسلوب كنمط مميز للسياسة الإيرانية تجاه السعودية خلال هذه المرحلة.

فبحسب المؤسسات الأمنية القطرية التي كشفت المخطط، وتصريحات النيابة البحرينية، كان من بين أهداف المخطط تفجير السفارة السعودية في البحرين، إلى جانب جسر الملك فهد الذي يربط السعودية بالبحرين، ومقر وزارة الداخلية البحرينية، واغتيال عدد من الأشخاص في البحرين. ويعتبر استهداف السفارات السعودية سمة رئيسية مميزة للسياسات الإيرانية، خلال هذه المرحلة، فهي القاسم المشترك بين المخطط الأخير، ومخطط اغتيال الجبير، فضلا عن تعرض السفارة السعودية لهجوم في سوريا بعد صدور قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. 

ويؤكد السياق المصاحب لمخطط البحرين، كما أكد من قبل مخطط اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وجود صراع على السلطة في إيران، يميل أطرافه إلى استخدام السياسة الخارجية كوسيلة لحسم هذا الصراع، عن طريق تحقيق انجاز غير مسبوق في صراع إيران المستمر مع السعودية على النفوذ في الخليج، خاصة بعد عدم قدرة إيران على تقديم دعم حقيقي للقوى المعارضة في البحرين أثناء احتجاجات 14 فبراير، وذلك في الوقت الذي قدمت فيه السعودية للأسرة الحاكمة في البحرين دعم مالي وسياسي وعسكري من خلال مجلس التعاون الخليجي، حتى تتمكن من إحباط الاحتجاجات هناك.

ومحاولة تحقيق الانجاز هذه المرة، جاءت في أحد المناطق التقليدية للصراع على النفوذ بين السعودية وإيران، وهي البحرين، وليس في واشنطن، كما كان في محاولة اغتيال الجبير.

دور قطري أمني

تتعلق الدلالة الأولى الخاصة بالمخطط الأخير، بالجهة التي كشفت الخلية، وهي قطر. فمتابعة السياسات القطرية خلال الفترة الأخيرة، خاصة منذ احتجاجات البحرين، تشير إلى أنها تتحرك "بما لا يضر" المصالح السعودية في الخليج ، وربما هناك تنسيق معها، ولعل هذا يكشف عن حقيقة بعد آخر للعلاقات السعودية -القطرية قلما ناقشه المتابعون لشئون الخليج، والذين اهتموا بالتنافس القطري ومحاولة خروج قطر من "العباءة" السعودية، وما يفترضه ذلك من انها قد تتحرك بما يضر مصالح السعودية .

فاستنادا لبيان المؤسسات الأمنية القطرية، التي قامت بالكشف عن المخطط، خرج المتهمون  الأربعة من البحرين إلى السعودية عبر جسر الملك فهد، ومنه برا إلى قطر،  ومرورهم بالسعودية يوفر احتمال توافر معلومات لدى السلطات السعودية حول هؤلاء الأربعة، وطبيعة ما يرمون إليه، خاصة مع ما هو معروف من مهارة في عمل أجهزة الأمن السعودية، والتي  تزايدت مع حملاتها المستمرة ضد الإرهاب عبر الحدود مع اليمن والعراق.

وإذا كان ذلك صحيحا، فإن السعودية إعمالا لسياسة تجنب المواجهة المباشرة مع إيران ، ربما تكون وفرت المعلومات لقطر، في ضوء اتفاقيات التعاون الأمني، لتقوم هي بكشف الخلية، تجنبا لرد الفعل الإيراني لو كانت السلطات الأمنية السعودية هي من أعلن عن هذه الخلية، والذي كان ليؤكد الشكوك حول فبركة هذه المسألة من الجانب السعودي هذه المرة، وليس من الجانب الأمريكي كما ادعت إيران بعد كشف مخطط اغتيال السفير السعودي في واشنطن.

هذا السيناريو يتسق و"الحذر" السعودي في التعامل مع إيران، وحرص السعودية على تجنب المواجهة المباشرة معها، واتجاهها للتحرك بما يجنبها الاحتكاك المباشر مع إيران، من خلال التنسيق مع دول الخليج، خاصة قطر.

وترتبط الدلالة الثانية برد فعل الدولة التي تم التخطيط لتنفيذ العملية فيها، وهي البحرين، حيث قامت بتوجيه اتهام صريح للحرس الثوري الإيراني وللباسيج بتدريب احد المتهمين في العملية، وكشفت عن أن احد المتهمين الخمسة الذين يجري التحقيق معهم في البحرين، تلقى تدريب من قبل الحرس الثوري الإيراني على استخدام المتفجرات، وأنه التقى بأسد قصير احد قادة الحرس الثوري.

وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها توجيه هذا الاتهام بصراحة وبطريقة مباشرة من جهاز أمني في البحرين، حيث دأبت السلطات البحرينية على توجيه الاتهامات إلى "جهة خارجية" او دولة "أجنبية"، دون إشارة صريحة لإيران، وهذا يدل على بداية تطور ما في كيفية إدارة البحرين علاقاتها مع إيران، بتنسيق مع السعودية، خاصة وأن هذا الموقف سيدعم جهود السعودية لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يدين استهداف سفرائها.

" إحراج المعارضة البحرينية"

تنصرف الدلالة الثالثة، إلى تداعيات هذه العملية على الداخل البحريني، الذي هو متأزم منذ احتجاجات 14 فبراير. حيث تسببت هذه العملية في إحراج المعارضة البحرينية بعد الكشف عن المخطط. فمن ناحية، اتهمت السلطات البحرينية اثنين من المعارضين في الخارج، هما عبدالرؤوف الشايب وعلي مشيمع، بالتخطيط والتدبير لهذه العملية، وعلي مشيمع هو ابن المعارض الشيعي حسن مشيمع الذي ألقى القبض عليه أثناء الاحتجاجات التي شهدتها البحرين منذ فبراير الماضي.

من ناحية ثانية، تحدثت النيابة البحرينية عن حصول المتهمين على تمويل من إيران فضلا عن تدريب من الحرس الثوري والباسيج على استخدام الأسلحة والمواد المتفجرة، فهذه الاتهامات ستسمح بمعاودة الحديث عن ارتباطات المعارضة بإيران، خاصة مع غلبة المكون الشيعي على تكوين المعارضة البحرينية، بحكم الكثرة العددية للشيعة في البحرين، وبحكم خبرتهم في العمل السياسي مقارنة بالقوى السنية.

وفي هذا السياق يمكن فهم حجم الهجوم الذي تعرضت له المعارضة، من قبل النواب السنة في مجلس النواب البحريني، بعد أن تم الكشف عن هذا المخطط، حتى أن النائب علي الزايد وجه اتهام صريح للمعارضة بتورطها في هذا المخطط، بحسب ما نقلته جريدتي الوطن البحرينية والرياض السعودية.

وتتعلق الدلالة الرابعة بما تعنيه هذه العملية للدولة المتهمة، وهي إيران. حيث يفيد الكشف عن هذا المخطط، بعد أن تم الكشف عن مخطط الجبير، وبعد اعتقال وطرد عدد من المتهمين بالتجسس لصالح إيران في كل من الكويت والبحرين، ببداية تراجع النفوذ الإيراني في منطقة الخليج. حيث اتضح في هذه المرحلة، خاصة بعد الاحتجاجات في البحرين، استعداد الدول الخليجية، باستثناء عمان حتى الآن، للتنسيق معا من اجل الحفاظ على مصلحة محددة لها، وهي البقاء والتصدي لأي محاولات إيرانية للعبث في داخلها،  فلم تعد هذه الدول تكتفي بغض الطرف عن السياسات الإيرانية، أو استنكارها، أو إدانتها، بل بدأت تتحرك لمواجهتها. وقد اتبعت دول المجلس هذا المنهج بصورة واضحة تجاه الاحتجاجات في البحرين.

الحرس الثوري وشرارة التغيير

ويرتبط بذلك، دلالة خامسة، تتعلق بمستوى الحرفية والمهارة التي أصبح يتمتع بها الحرس الثوري الموجه له الاتهام في العملية الأخيرة، والذي يعتبر هو والمرشد المسيطران على السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة. حيث تم الكشف عن هذه العملية في المراحل الأولى للإعداد لتنفيذها، فالمتهمين كانوا في طريقهم إلى سوريا لتلقي التدريب اللازم لتنفيذ العملية، بينما يعرف عن الحرس الثوري تمتعه بقدرات عالية، فهو من أقدر الأجهزة الأمنية الإيرانية على التخطيط والتنفيذ الدقيق للعمليات، وبالتالي، إن ثبت تراجع مستوى أدائه، فقد يمثل ذلك بداية شرارة التغيير في إيران وفي نفوذها في المنطقة.

من المتوقع أن تكون السمة المميزة للمنطقة خلال هذه المرحلة، هي اعتماد كل من إيران والسعودية سياسة تقليم الأظافر، بهدف تعزيز كل منها نفوذها على حساب الدولة الأخرى، ومن المتوقع أن تستمر السعودية في تنفيذ تلك السياسة من خلال التنسيق مع قطر، وبما يخدم مبدأ تجنب المواجهة المباشرة، بحيث تحقق هدف محدد وهو إضعاف حلفاء ايران وعملائها في المنطقة، وفي هذا السياق يمكن فهم التعامل السعودي مع الوضع في سوريا الحليف الرئيسي لإيران في المنطقة.

كما من المتوقع أن تستمر إيران في الاعتماد على الحرس الثوري في إدارة علاقاتها مع السعودية، والدول الخليجية بصفة عامة، والذي يعتمد في تنفيذ عملياته على وكلاء إيران وحلفائها في المنطقة، وحدوث تغير جذري في هذا النهج مرتبط بحدوث تغير جذري في داخل النظام الإيراني بالدرجة الأولى.

طباعة

    تعريف الكاتب