من المجلة - ملف العدد

تعظيم دور الإدارة المحلية فى مواجهة التغير المناخى

طباعة

 باتت ظاهرة التغير المناخى واحدةً من مشكلات السياسات التى يقع على عاتق الحكومات واجب مواجهتها وحلها، حيث ينتج عن تقلبات المناخ مظاهر ومخاطر مباشرة، وغير مباشرة، آنية، وعلى المدى البعيد على المكونات البيئية والعمرانية والاقتصادية للمجتمعات وشعوب العالم.  وتتزايد تداعيات التغيرات المناخية وعدم اتزان الطقس كإحدى أعتى التهديدات للتنمية المستدامة فى ظل هشاشة النظم البيئية والجغرافية (طبيعة الموقع الجغرافى)، أو ضعف قدرات التكيف والتخفيف، واعتماد اقتصادات الدول على قطاعات ترتبط بالظروف المناخية، كالزراعة، والصيد البحري، واستغلال الغابات، والموارد الطبيعية والسياحة.

من نافلة القول أن المخاطر الناتجة عن مشكلة التغير المناخى فى الدولة، تؤثر فى مختلف أنواع مناطقها الحضرية والريفية والصحراوية، وإن كانت هذه المشكلة تتعاظم فى المدن بالطبع، مع زيادة معدلات التحضر وارتفاع الطلب على استهلاك الطاقة فى المناطق الحضرية.
تندرج معالجة ظاهرة التغير المناخى تحت فئتين رئيسيتين من السياسات والجهود العالمية والوطنية، هما: التخفيف وإبطاء معدل حدة التغير المناخي، والتكيف مع التداعيات البيئية والمناخية الجديدة. وفى الواقع تمضى الدول قدماً فى الطريقين.
هنا، يبرز دور الإدارات و«السلطات» المحلية فى حل مشكلة التغير المناخي. فوفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يمكن أن تتولى الإدارات المحلية (المحليات) أعباء ما يقرب 70% من تنفيذ إجراءات السياسات الموضوعة للحد من أضرار التغير المناخي، ونحو90% من برامج مساعدة المواطنين على التكيف مع الآثار المترتبة عليه(1).
تماشياً مع قرب استضافة وتنظيم مصر لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP 27، يتأتى الحديث عن مساهمة المحليات فى التصدى لظاهرة تغير المناخ، والدور الذى يمكن أن تلعبه المحليات فى تسريع التخلص من انبعاثات ثانى اكسيد الكربون، وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والتخلص من فقر الطاقة، والمساهمة فى حلول لمشكلة الفقر المائي، ومراعاة البعد البيئى والمناخى فى المشروعات المحلية. خاصة مع التحذيرات العلمية للمشكلات التى تتعرض لها المحافظات نتيجة التغيرات المناخية، ومن هذه النداءات التحذيرية تعرض الإسكندرية والدلتا وبعض مناطق الوجه البحرى للغمر أو الغرق، وزيادة معدلات التلوث، وتآكل الأراضى الزراعية. فما حجم الدور الذى تساهم به المحليات المصرية فى الاستجابة للتكيف المناخى أو التخفيف من آثاره؟ وما سبل تعظيم هذا الدور؟.

أولا- التنظيم الإدارى للدولة ومفاهيم الإدارة المحلية والحكم المحلي:
تتكون الدولة من عنصرين أساسيين هما الإقليم والشعب، ينتج عن التفاعل بينهما عنصر ثالث هو السلطة أو الحكومة  التى تتولى تنظيم وإدارة الدولة(2). وتتمتع الدولة بالسيادة الوطنية والاعتراف الدولى حتى تستكمل وجودها الفعلى وتتمكن من مباشرة سيادتها وإقامة علاقات مع المجتمع الدولى(3)،  يعنى هذا أن الدولة هى الشخصية المعنوية التى تفرض سيادتها على إقليمها فلا تقوم الدولة بدون عناصر تكوينها(4).
وتنامت أهمية التوجه نحو اللامركزية كنظام فرعى محلى ينبثق عن النظام السياسى للدولة الوطنية، كما أنها ضرورة لمواكبة التحولات والتحديات الراهنة التى فرضتها العولمة، وتطوير قدرات المجتمعات المحلية على حسن إدارة الموارد الطبيعية والتصدى للمشكلات البيئية، واقتناع المواطنين بالمشاركة الشعبية والمجتمعية، والاستفادة من جميع الطاقات والجهود الذاتية وتسخيرها فى تحقيق النهوض والتنمية فى الدولة.
وتجدر الإشارة إلى أن تفعيل دور النظام اللامركزى (المحلي) والوصول إلى الأهداف المبتغاة فى التنمية المحلية والمستدامة يتطلب توافر التمويل المحلى اللازم، حيث تعتمد التنمية المحلية بالدرجة الأولى على التمويل المحلى وتعبئة الموارد المالية المحلية لإحداث زيادات فى مستويات النمو المحلى وإنجاح السياسات التنموية للدولة(5).       
ويقصد باللامركزية العملية التى تتضمن إعادة تقاسم الصلاحيات والمسئوليات بين الحكومة المركزية والوحدات الإقليمية المحلية المكونة للدولة مثل المحافظات أو الولايات، من خلال الدستور والقوانين المنظمة لذلك، وبالصورة التى تضمن تحقق التوزيع العادل للموارد بين الأقاليم من جانب، وتحقيق الكفاءة فى العمل وتحسين أداء المرافق العامة من جانب آخر، وتقريب الخدمات الأساسية من الناس وتلبية احتياجاتهم اليومية من جانب ثالث. وتتمتع هذه الوحدات الإقليمية بالشخصية الاعتبارية أو المعنوية(6).
وتعنى الإدارة المحلية وجود وحدات محلية تقوم بإدارة شئونها المحلية بنفسها من خلال هيئات أو مجالس محلية لها صلاحيات محددة لإدارة المجتمع المحلي، وتلعب دوراً أساسياً فى عملية التنمية الشاملة والمستدامة وتساعد فى تقوية الوحدة وتحقيق الانتماء الوطنى فى الدولة. إذ تعد الإدارة المحلية تنظيمًا إداريًا تخضع فيه السلطات المحلية للتعليمات والسياسات العامة الصادرة من الحكومة المركزية والمتعلقة بإدارة شئون منطقة جغرافية معينة وتكون جزءًا من الهيكل الإدارى للدولة،  وهى بالتالى جزء من التنظيم الإدارى العام للدولة، وإيجاد إدارة محلية فعالة تقوم بممارسة نشاطاتها يتطلب تقسيم الدولة جغرافيًا إلى أقاليم حتى يتم تحديد صلاحيات الوحدات المحلية الواقعة ضمن كل إقليم منها، ويؤخذ فى الحسبان عند إجراء هذه التقسيمات عامل الكفاءة الإدارية والتنظيمية، بحيث تكون هذه الوحدات ذات حجم معقول تستطيع معه تقديم الخدمات للسكان المحليين بكفاءة(7).
بينما يعنى مفهوم الحكم المحلى :  نظام محلى تتنازل بموجبه الحكومة المركزية عن بعض صلاحياتها التشريعية والتنفيدية والقضائية لفائدة جماعات محلية مستقلة، تمارس مهامها على إقليم جغرافى محدد. ويعتبر البعض أن الحكم المحلى والحكم الذاتى لبعض المناطق المعترف لها بذلك فى درجة اللامركزية السياسية والاستقلالية بمثابة تطور للإدارة المحلية. (8)
ویتداخل مفهوم الإدارة المحلیة مع مفهوم الحكم المحلی،  مما يتطلب التمييز بين المفهومين (9) .

ثانيا- النظم المحلية وتغير المناخ:
عكس الارتفاع المستمر منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين فى تناول قضايا البيئة فى السياسة وحقولها العلمية، القلق المتزايد من أزمة بيئية واسعة النطاق تواجه كوكب الأرض(10).
فقد أصبحت التحديات التى تواجه التنمية بسبب ظاهرة تغير المناخ كبيرة التأثير، وتزداد معها تكلفة التدابير والآليات التى يمكن اتخاذها للحد من أسباب هذه الظاهرة أو التخفيف من آثارها(11). وبرز اهتمام بالمدن والمكون المحلى فى الاستراتيجيات والبرامج المناخية والبيئية، وذلك  من خلال اتباع سياسات وخيارات النمو التى يمكن أن تساعد فى الحد من محركات تغير المناخ. يعنى هذا بناء قدرة المجتمعات المحلية على الصمود فى جميع أنشطة التنمية وزيادة المساندة المالية لها للاستعداد لتغير المناخ والعمل على الحيلولة دون تفاقمه(12). وذلك لكون المدن مناطق جذب هائل للمواهب والاستثمارات، مما جعلها المحرك الرئيسى للنمو فى العالم، وتولد أكثر من 80% من الناتج المحلى الإجمالى العالمي، ومع ذلك، فإن تحديات هائلة تنشأ عن سرعة توسع المدن وزيادة حجمها. ويزيد تغير المناخ من تعقيد التحديات التى تواجه المدن. وبحلول عام 2030، قد يكلف تغير المناخ والكوارث الطبيعية المدن فى جميع أنحاء العالم 314 مليار دولار سنويا، ويدفع 77 مليون شخص من سكان المدن إلى دائرة الفقر. لذا،  هناك اهتمام عالمى للعمل على تحقيق الهدف «رقم 11» من أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، الذى يتعلق ببناء مدن ومجتمعات مستدامة. وتنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة لجعل المدن شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة للجميع، وكذلك تعزيز القدرة على الصمود فى المدن إزاء تغير المناخ ومخاطر الكوارث(13).
لذا، فالنظم المحلية لاسيما المدن و«السلطات المحلية»، تلعب دورا كبيرا فى التكيف مع والتخفيف من آثار التغير المناخي، من خلال إعداد وتطوير وتنفيذ وتقييم إجراءات مناخية محلية لتسريع التخلص من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون، وزيادة القدرة على التكيف مع تغير المناخ، والانتقال إلى مجتمع منخفض الانبعاثات، وتطبيقات الطاقة النظيفة والمتجددة(14).
تجدر الإشارة إلى جهود المنظمات الحضرية والبيئية ومؤسسات التمويل العالمية فى هذا الصدد، بغية توفير الدعم والتمويل اللازمين لزيادة صمود المدن ومساعدة «السلطات المحلية» فى مواجهة التغيرات المناخية، ومن هذه الفعاليات والمنظمات، على سبيل المثال لا الحصر مؤتمر «الموئل» والذى أقر جدول الأعمال الحضرى الجديد، والمنتدى العالمى للمدن، وميثاق رؤساء المحليات والمدن العالمى للمناخ والطاقة، وميثاق رؤساء المحليات والمدن فى البحر المتوسط (أوروبا)، فضلا عن البنك الدولي... إلخ(15).  وتعد النظم المحلية بشكل عام أو المدن بصورة أكثر تحديدا «فاعل بيئيا» وكذلك «عبر وطني» أحيانا كثيرة فى العمل المناخي، وبرزت جهود عالمية و«عبر وطنية» لدعم  الإجراءات الطموحة لمكافحة ظاهرة تغير المناخ وبناء مجتمعات محلية شاملة، وقادرة على الصمود ومنخفضة الانبعاثات. إلا أن هذه الجهود لا تزال يواجهها إشكالية سد الفجوة بين طموحات سياسات المناخ الجديدة للمدن إلى تنفيذ الإجراءات التى تتطلب دون شك وجود تمويلات مناسبة تفى بالغرض من وراء الخطط والاستراتيجيات المناخية على الصعيد المحلي، إعمالا لمبدأ  «تعزيز تناسق المناخ العالمي».

ثالثا- مشاركة النظم المحلية فى مواجهة التغير المناخي.. بعض التجارب والدروس المستفادة:
أدرك عدد كبير من الدول أولوية دور الحكم المحلى أو الإدارة المحلية -باختلاف تطبيق نظام اللامركزية وتفاوت درجتها بين الدول- فى مواجهة ظاهرة التغير المناخي، لذا طورت هذه الدول سياسات إقليمية ومحلية بهدف تعزيز الجهود المحلية لهذه الإدارات، فضلا عن جهود المنظمات العالمية التى تعنى بمساعدة المدن والمحليات(16). ويمكن استعراض بعض تجارب سياسات وبرامج تفعيل وتعظيم دور «الإدارة المحلية» وزيادة صلاحياتها فى التصدى لتغير المناخ على النحو التالي:
فى السويد؛ تلقى مسئولية التخطيط الحضرى والتخفيف من وطأة التغير المناخى على عاتق المجالس المحلية. أما الحكومة المركزية، فتكون مسئولة عادة عن اتخاذ وإقرار توجهات السياسة العامة للإدارات المحلية، للتأكد من أن الأولويات والأهداف الإنمائية للإدارات المحلية تتسق مع الأهداف الوطنية العامة. كما تحصل المجالس المحلية على دعم مادى وفنى كبيرين من الحكومة المركزية حتى تتمكن من تنفيذ خططها فى مكافحة التغير المناخي.
كذلك، قامت الحكومة السويدية المركزية بإنشاء برنامج استثمارى للطقس من أجل دعم تنفيذ برامج مكافحة التغير المناخى فى البلديات والمناطق المختلفة. وفى إطار هذا البرنامج تتنافس المجالس المحلية على تأمين منح من الحكومة المركزية، عبر تجهيز استراتيجيات محلية خلاقة للتكيف مع مشكلات التغير المناخي.
فى فنلندا، تم تطوير آليات مؤسسية مشابهة فى الحالة السويدية لدعم المدن والأقاليم التى تطور برامج مناخية مصممة خصيصاً للأوضاع المحلية. كما تقوم المراكز البيئية على المستويات الإقليمية والمحلية بإنشاء ومتابعة قواعد البيانات البيئية. وهذه المراكز تولى الاعتبارات البيئية أهمية قصوى أثناء عمليات التخطيط الحضري، والتخطيط لاستخدامات الأراضي، والتخطيط العمرانى وتشريع قوانين البناء. كما تضطلع هذه المراكز البيئية الإقليمية بنشر الوعى البيئى بين المواطنين.
فى اليابان، تقوم الحكومة المركزية بتشريع السياسات البيئية والسياسات المرتبطة بالطاقة. كما تقوم الحكومة ببسط سلطاتها على مؤسسات الإدارة المحلية، ورؤساء البلديات، والمجالس البلدية. كل ذلك، مع إتاحة الفرص للإدارات المحلية بأن تقوم بإصدار مجموعة من القرارات والإجراءات الخاصة بها فى حدود نطاقها المحلي، التى عادة ما تكون مستقلة فيما يتعلق بالقرارات المرتبطة بمشكلة التغير المناخى على المستوى المحلي.
كما تقوم الحكومة المركزية بتنفيذ البرامج الصديقة للبيئة فى المناطق الحضرية، بالتنسيق مع الإدارات المحلية، لتعزيز دور الإدارات الإيجابى فى المحافظة على البيئة والوقاية «المناخية».
ويمكن النظر لتلك الدول كنماذج تطبق نظام الإدارة المحلية -بدرجات متفاوتة- وكيفية تعزيز دور تلك الإدارات المحلية فى مواجهة التغير المناخى والتداعيات الناتجة عنها.  واستخلاص عدة دروس للاستفادة منها على النحو التالي: - البدء باستعراض وتقييم الوضع الراهن للبيئة الحضرية والتغير المناخى وفقاً لتأثيرهما فى بعضهما بعضا. وهذا المنظور سيجعل ممارسات التخطيط الحضرى أكثر تكاملاً وشمولاً فى التعامل مع الآثار البيئية المحتملة، مثل التخطيط لاستخدامات الأراضي، وتصميم وسائل النقل، وإدارة موارد المياه، والتنمية الخضراء الصديقة للبيئة، والصحة العامة وتقديم الخدمات،   فرص المحليات كى تشارك فى زيادة الوعى العام بمشكلة التغير المناخي، والجهود الوطنية والمحلية المبذولة لخفض آثار هذه المشكلة، ومحاولة التأقلم معها، وتشجيع الأسر والأفراد على أساليب الحياة الموفرة للطاقة، وخفض الانبعاثات الكربونية على مستوى الاستخدامات المنزلية والصناعية المحلية(17).
ـــ يستخلص أن التغير المناخى أدى إلى زيادة التحديات البيئية فى العالم. وبالتالي، فإن المبادرات والجهود المحلية للتخفيف من حدة آثار التغير المناخى أو للتأقلم معها أصبحت أمراً ضرورياً. وكما أظهرت تجارب العديد من الدول، أنه يمكن للإدارة المحلية أو الحكم المحلى أن يكون لهما دور مهم فى التخطيط والتنفيذ فى العمل المناخى وتعظيم دور الإدارات أو الحكومات الإقليمية فى هذا الشأن.
ــ  يلاحظ أن تعزيز دور الجهود المحلية المبذولة لا يعنى نقل العبء التام لمواجهة مشكلة التغير المناخى من المستوى المركزى للمستويات المحلية، خاصة بالنسبة لنظام الإدارة المحلية. ففى الواقع، أن العمل المركزى للإدارة العامة هو أمر حيوى وضرورى لتعزيز ودعم دور الإدارات المحلية فى الدولة.

رابعا- الإدارة المحلية والتغير المناخى فى مصر.. تحركات ومهام:  
تقوم وزارة التنمية المحلية، بتنفيذ توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى والحكومة، والتكليفات التى بادرت القيادة السياسية بوضعها على قمة سلم أولويات سياسات الدولة المصرية خلال المرحلة الحالية، فيما يتعلق بالآليات المؤسسية والاستراتيجية المناسبة لمواجهة والحد من الآثار الخاصة بالتغيرات المناخية والتكيف مع تغير المناخ. ومن نماذج ومهام دور المحليات فى التصدى لقضية المناخ ما يلي:

- إدارة المخلفات البلدية الصلبة:
تلعب وزارة التنمية المحلية أدوارا تنسيقية وإشرافية وتنفيذية فى هذا الاتجاه، لتوطين الاستراتيجيات والسياسات الوطنية للتنمية المستدامة على مستوى وحدات الإدارات المحلية فى المحافظات والمراكز والأحياء والقرى والمدن، كما أنه على الصعيد التنفيذي، بدأت وزارة التنمية المحلية منذ العام المالى 2018/2019 تنفيذ برنامج وطنى طموح بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبالتعاون مع وزارات التخطيط، والبيئة، والإنتاج الحربي، لوضع منظومة متطورة لإدارة المخلفات البلدية الصلبة والتى كانت تمثل أحد أهم ملامح المشكلات البيئية وثيقة الصلة بالانبعاثات الكربونية ورفع درجة حرارة الأرض، حيث يستهدف البرنامج استثمار نحو 30 مليار جنيه لدعم البنية الأساسية اللازمة لإدارة المخلفات البلدية وعمليات التشغيل وبعض البرامج المرتبطة بتحسين البيئة وجودة الهواء وتقليل مخاطر المخلفات الصلبة على البيئة والمناخ(18).
وتجدر الإشارة إلى أن صدور قانون تنظيم إدارة المخلفات الصلبة ولائحته التنفيذية وما تضمنه من دور لوزارة التنمية المحلية والمحافظات، بمثابة نقلة مهمة فى جهود التعامل مع مشكلة المخلفات البلدية والمخلفات الخطرة والتعامل معها بصورة تتوافق مع سياسات مواجهة المتغيرات المناخية، وبدأت الوزارة تنفيذ التزاماتها الواردة فى القانون ولائحته التنفيذية.
- حل مشكلة حرق قش الأرز والاستفادة من ورد النيل:
تضافرت جهود وزارات التنمية المحلية، والبيئة، والزراعة، فضلا عن المحافظات لمواجهة مشكلة السحابة السوداء وحرق قش الأرز وخفض معدلات الحرق المكشوف للمخلفات الزراعية، وعوادم المركبات، والتلوث الناجم من المنشآت الصناعية وحرق المخلفات الموجودة على الترع والمصارف، بالإضافة إلى حرق القمامة فى المقالب العشوائية فى المحافظات.
وذلك من خلال وتوفير معدات من جرارات ومكابس ومفارم باشتراطات ميسرة وقيمة إيجارية رمزية. وفتح مواقع لتجميع المخلفات الزراعية بحسب اشتراطات فتح المواقع من حيث البعد عن الكتل السكنية وكهرباء الضغط العالى والقرب من مصدر مياه. وعقد ندوات التوعية للمزارعين، وحرص «الفلاحين» على كبس قش الأرز، واستخدامه فى علف الماشية، وعمل كومات سمادية، وتوفير نقاط ومواقع تجميع القش، وهكذا بدأ المزارع فى الاستفادة من «القش» لبيعه وأصبح «القش» مورداً من موارد دخل المزارع يساعد فى تحمل نفقات المعيشة.
كما تمت الاستفادة من «ورد النيل»، فى تحسين نوعية مياه المصارف، علاوة على استخدامه كسماد عضوى ووقود حيوي. حيث نجح المركز القومى لبحوث المياه فى الاستفادة من نبات «ورد النيل»، واستخدامه فى إنتاج الغاز الحيوى والسماد العضوي، بعدما كان يعد واحدًا من أكبر المشكلات التى تواجه شبكتى الرى والصرف وحماية نهر النيل. وذلك باستخدام تقنيات نسبيًّا لتحويل الحشائش المائية بعد خلطها بالمخلفات الحيوانية لإنتاج الطاقة، والتى يمكن استخدامها فى الأغراض المختلفة، بالإضافة إلى إنتاج سماد عضوى عالى الجودة لرفع الإنتاجية الزراعية(19).
- مشروعات محلية تراعى البعد البيئي:
تنفيذ حزمة من المشروعات ضمن برامج الإدارة المحلية وبرنامج التنمية المحلية بصعيد مصر والمرحلة التمهيدية لمبادرة حياة كريمة وما سبقها من برامج الاستهداف الجغرافى للفقر، وإشرافها على تحويل أتوبيسات هيئتى النقل العام بالقاهرة والإسكندرية لتعمل بالغاز الطبيعى والطاقة الكهربائية، وزراعة 100 مليون شجرة(20). لأنها مشروعات تراعى الجوانب البيئية وتحرص على تبنى نمط يقلل الانبعاثات الكربونية، سواء من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، أو تقليل استهلاك الطاقة، أو تطوير منظومة الطرق المحلية والنقل لتصبح منظومة صديقة للبيئة، إضافة الى مساهمتها فى تنفيذ مشروعات البنية الأساسية لقطاع مياه الشرب والصرف الصحى التى تهدف للقضاء على أحد أهم مصادر التلوث البيئي(21). مثل برامج ومشروعات التخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية ، والتى تبلغ نحو 46 مشروعا لتخفيف آثار التغيرات المناخية وتعزيز  تبنى الممارسات الصديقة للبيئة وذلك فى قطاعات رئيسية، مثل الطاقة المستدامة، والنقل المستدام، والصناعة، والمياه، والزراعة، وتربية الأسماك، والتكيف المناخى وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذه المشروعات نحو 7.8 مليار دولار(22).
- دعم الحرف التراثية:
تولى وزارة التنمية المحلية اهتماما كبيرا بدعم الحرف التراثية والبيئية واليدوية والتكتلات الاقتصادية وسلاسل القيمة التى تعتمد على الإنتاج الأخضر، وهذا الاهتمام يشمل دعم أصحاب هذه الحرف بالمعرفة العلمية والمعونة الفنية والتكنولوجية، وتقديم التمويل من خلال صندوق التنمية المحلية وبرنامج مشروعك، إضافة للمساعدة فى التسويق من خلال المعارض التقليدية داخل وخارج مصر، أو من خلال المنصات الرقمية وبينها «أيادى مصر» التى أطلقتها الوزارة فى إطار تعاون الوزارة مع برنامج الأغذية العالمي(23).
وتتسم الحرف التراثية بأنها الصناعات المتوارثة فى مناطق ومجتمعات محلية معينة عبر عصور وحقب زمنية متعاقبة، وتعد من الإرث الحضارى المادى، وتدل على الهوية الوطنية للدولة/ والمناطق المنتجة لهذه الحرف أو الصناعات، وتمثل قيمة مضافة للاقتصاد القومي، حيث يكون لكل مجتمع محلى رقعة جغرافية محددة وواضحة، تعين حدود التجمع البشرى لتكوينات المجتمع، وتحدد الموارد الطبيعية والأنشطة الحرفية والاقتصادية الأولية، والتى تعد من عناصر استمرار المجتمع المحلي، وتمييز المجتمعات المحلية عن بعضها البعض، وتعرف المحافظات العديد من الصناعات والحرف التراثية ذات البعد البيئي، وقد يكون أكثرها شهرة: صناعات  الحفر وتشكيل أخشاب البيئة المحلية كأثاث وأوان أو استخدامات أخرى (خاصة جريد النخيل، والسرسوع)، ويوجد «الفــركِة» من أهم الصناعات البيئية والحرفية، لكنها لم تحز على الشعبية الواسعة(24).
يتطلب دعم وتشجيع تلك التحركات والمشروعات المحلية فى تعزيز مواجهة الدولة للتغير المناخي، وضع حزمة من السياسات المتوازنة التى تهتم بالوصول لمعدلات التنمية البشرية العادلة والكرامة الإنسانية والتنمية الاجتماعية، وحل المشكلات التى تواجه المحليات.

خامسا- الإدارة المحلية وتغير المناخ فى مصر.. حدود الدور والفاعلية:
تمثل التغيرات والتقلبات المناخية مشكلة بيئية رئيسية فى الحالة المصرية -نظرا لخصوصية موقعها الجغرافى، ووقوع أغلب أراضيها فى مساحات صحراوية وشبه جافة- من حيث التأثير فى ارتفاع منسوب مياه البحر، وجودة التربة والأنشطة الزراعية، وازدياد نسبة ملوحة التربة، خاصة فى المناطق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط(25)،  مما قد ينعكس على تدنى جودة المياه والهواء وتلوثهما، وتقلص نصيب الفرد من الحدائق والمساحات الخُضر وارتفاع نصيبه من الانبعاثات الحرارية وملوثات الهواء وتهديد جودة الحياة واستمرارها آمنة صحيا(26) وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات والبرامج والسياسات الجادة والفعالة للتكيف مع التغيرات المناخية المُستجدة، ومجابهة انعكاساتها السلبية على مختلف القطاعات الاقتصادية والتنموية الرئيسية كالزراعة والسياحة(27).
دستوريا، وهيكليا تعد الإدارة المحلية بجناحيها التنفيذى والمحلى فرعا من السلطة التنفيذية، وتتمتع الوحدات الإدارية المحلية بالشخصية الاعتبارية، وتساهم فى تحقيق التنمية من خلال دورها فى تولى إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة للدولة وتحسين الخدمات المحلية الواقعة فى نطاق دائرتها، وفى حدود السياسة والخطة العامتين للدولة، هكذا تلعب الإدارة المحلية دورا فى التنمية والعمل المحلى فى مصر.
وللتعرف على موقع الإدارة المحلية فى سياسات المناخ فى مصر، يمكن استعراض ذلك على النحو التالي:
1- فى رؤية مصر 2030:
حددت الرؤية المستدامة لمصر فى البعد البيئى دور الإدارة المحلية فى المحور العاشر الخاص بقطاع التنمية العمرانية(28)، وذلك يتمثل فى؛ تفعيل دور المحليات فى تنفيذ وإدارة المخططات العمرانية، وكذلك ما يتعلق بالاقتصاد الأخضر والنقل فى المدن(29).
هكذا، يمكن تطوير الإدارة المحلية لإحداث التنمية البيئية المستدامة، فللإدارة المحلية أن تقوم بالمساهمة فى الاقتصاد الأخضر وحماية البيئة من التلوث وتجنب الإهدار البيئي، وتباشر دورها فى تدعيم الحرف والصناعات التراثية القائمة على موارد البيئة المحلية وتعزيز دور أنشطة الجمعيات والمبادرات التى تهتم بهذه المجالات(30). وتجدر الإشارة إلى أن استراتيجية التنمية المستدامة قد استخدمت مصطلح «الحكم المحلي» فى حين أن مصر تطبق نظام «الإدارة المحلية»، مما يحتاج إلى إعادة ضبط المفاهيم الخاصة بالعمل المحلى فى رؤية مصر 2030. كما أنه فى تقارير «توطين أهداف التنمية المستدامة بالمحافظات» التى أصدرتها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية فى عام 2020، وتقدم من خلالها الوزارة قراءة لمؤشرات التنمية المستدامة فى المحافظات المصرية، لم تتضمن هذه التقارير إشارات أو تقييم الهدف رقم 13 -العمل المناخى من أهداف خطة الأمم المتحدة (2015-2030).
2- على مستوى آليات وسياسات العمل المناخي:
اتخذت مصر العديد من السياسات والإجراءات لمواجهة تحدى التغيرات المناخية، والتكيف مع تداعياتها، انطلاقًا من كونها تهديدات تنموية واقتصادية أكثر منها مجرد تهديدات بيئية. فمن الناحية التنظيمية: تم إنشاء «المجلس الوطنى للتغيرات المناخية» تحت رئاسة رئيس مجلس الوزراء مباشرة، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015، كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية التغيرات المناخية، وتعمل على رسم وصياغة وتحديث الاستراتيجيات والسياسات والخطط العامة للدولة فيما يخص التكيف مع هذه التغيرات، وذلك فى ضوء الاتفاقيات الدولية، والمصالح الوطنية(31). بينما من ناحية السياسات، جاءت «الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050»، كواحدة من أهم قرارات المجلس الوطنى للتغيرات المناخية، لرفع مستوى التنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية فى الدولة بشأن مجابهة مخاطر وتهديدات التغيرات المناخية، من خلال رسم خارطة طريق لأكثر السياسات والبرامج كفاءة وفعالية فى التكيف مع تداعيات تلك التهديدات بما يضمن تحقيق تنمية اقتصادية مُستدامة(32).
يلاحظ أن تحركات وسياسات العمل المناخى تصطبغ بصبغة مركزية، ويأتى دور الإدارة المحلية محدودا فى هذه الاستراتيجيات والسياسات، وهذا أمر يمكن تفسيره فى إطار طبيعة النظام المحلى كونه قائما على الإدارة المحلية كفرع من السلطة التنفيذية فى مصر، بالإضافة إلى مشكلات التمويل ومحدودية قدرات المحليات على تدبير الموارد المحلية فى مصر (33).  

ختامـــًا:
لا يكف فهم مخاطر التغيرات المناخية التى تهدد التنمية فى العالم،  وإنما أيضا تستوجب سياسات معالجة هذه المخاطر أن تخرج بشكل منصف وعادل للجميع على مستوى الدول والشعوب. حيث يمكن القول إن تغير المناخ ليس مجرد تهديد بيئى يتعين احتواؤه، بل يتعين إدراكه بوصفه عملية مواجهة اجتماعية وسياسية فى جوهرها تتعلق بسياسات جودة الحياة، مع الاعتراف بأنه يبقى أمام الدول طريق شاق ما لم تشارك معها مكونات نظامها ومجتمعها المحلي، وبشرط توافر آليات الدعم والمساندة لعناصر النظام المحلى فى الدولة.
وتركز خطط العمل والسياسات البيئية الوطنية على أولويات توحيد جهود الهيئات المصرية فى عرض مشروعات معدة جيدا للدول المانحة بهدف تحقيق فوائد متبادلة، وضمان توفير الموارد المالية اللازمة لتحقيق أهدافها بصورة تعبر عن انسجام أولويات السياسات العامة الوطنية مع الحق فى التنمية على المستوى العالمى، لذا تظل هناك حاجة لعدد من الإجراءات المُكملة، خاصة على المستوى المحلى تتعلق بتعظيم دور الإدارة المحلية، وتنمية الوعى المجتمعي، وتفعيل دور القطاع الخاص، المجتمع المدنى الوطنى والمحلى كشركاء ضروريين فى مواجهة هذه التداعيات. من هنا، تجب تنمية قدرات الإدارة المحلية لتتناول القضايا الخاصة بالتنوع البيولوجى والتصحر وتغير المناخ بطريقة فنية سليمة مع التركيز على ربط ذلك بالتنمية المستدامة حيث إن قضايا البيئة مترابطة فيما بينها، فيمكن تحقيق ذلك من خلال تنمية قدرات المؤسسات المحلية (الديوان العام للمحافظات والوحدات الإدارية المحلية، والمجالس المحلية عند انتخابها وإعادة تشكيلها)، مع مراعاة الأبعاد البيئية وتغير المناخ فى إصلاح وتعديلات قانون الإدارة المحلية.

المصادر:


-


-

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد عبد الهادى شنتير

    محمد عبد الهادى شنتير

    باحث فى العلوم السياسية