من المجلة - المقــــــــــــالات

تفكيك العلاقة بين التغير المناخى والنزاعات السياسية

طباعة

«ظاهرة تغير المناخ، التى ستمتد آثارها لعقود ومئات السنين, هى أكبر المخاطر التى تهدد البشرية فى الوقت الراهن، ليست الحروب ولا الوباء، ما لم تتفق دول العالم على خفض انبعاثاتها من الكربون والغازات الملوثة للبيئة»(1). بهذه الكلمات، لخص الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، البروفيسور بيتيرى تالاس، مدى الخطر الذى يحيق بمستقبل البشرية بسبب التغيرات المناخية التى تزداد حدة تأثيراتها فى مختلف مناطق العالم.

فى ضوء هذه الكوارث الطبيعية التى تزداد عددا، وتتسع انتشارا، وتتعمق أثرا، بدأ العالم ينتبه إلى خطورتها، بحثا عن كيفية الحد من تداعياتها وتأثيراتها، حمايةً للبشرية من مستقبل سيئ، ما لم يسرع الجميع إلى وضع الحلول والمقاربات القادرة على التعامل مع هذا الخطر.

فى خضم تلك المساعي، برز بوضوح، فى الآونة الأخيرة، أن ثمة علاقة بين التغيرات المناخية والنزاعات السياسية. تجسدت تلك العلاقات فى حالات كثيرة، يتعلق بعضها بنزاعات داخلية فى نطاق الدولة الواحدة، بينما تجاوز بعضها الآخر حدود الدولة الواحدة. وكان للتغير المناخى انعكاس مباشر على نزاعات على الموارد الطبيعية أو على الأراضى والأنهار وغيرها، خاصة إذا كانت حدودية.

ثمة ضرورة للبحث والاستقصاء عن طبيعة واتجاه تلك العلاقة بين التغير المناخى والنزاعات الداخلية والصراعات الخارجية، خاصة أنها علاقة ذات إشكاليات مهمة. ففضلاً عن مواجهة التغيرات المناخية، صارت تتطلب البحث عن مقاربات جديدة للتعامل مع هذه العلاقة التشابكية.

أولًا- الصراعات والتغير المناخى .. علاقة تبادلية:

كثير من الصراعات والنزاعات الداخلية والإقليمية على الموارد الطبيعية ينجم عن تداعيات التغير المناخى، بغض النظر عن المسئولية الحقيقية عن أسباب حدوث تلك التغيرات المناخية السلبية. فالقارة الإفريقية مثلاً، تشهد الكثير من الصراعات والحروب على الموارد والثروات، فى حين أن إسهامها فى الانبعاثات الحرارية المسببة للتغير المناخى لم يتجاوز 7% من إجمالى الانبعاثات العالمية. كما أن لديها أدنى نسبة انبعاثات للفرد(2)، غير أنها الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، حيث تسببت موجات الجفاف والتصحر فى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وتراجع منسوب المياه فى الأنهار وتدهور مستويات المعيشة، وغياب الحد الأدنى من الاحتياجات المجتمعية، ما يؤدى إلى تأجيج الصراعات والحروب، برغم ما تمتلكه دولها من موارد(3).

وعليه، تتباين الرؤى بشأن طبيعة العلاقة بين التغير المناخى وتفاقم الصراعات والحروب، إذ يمكن أن نميز بين ثلاثة اتجاهات فى هذا الشأن:

الاتجاه الأول: علاقة طردية بين التغيرات المناخية والصراعات المسلحة، إذ يرى أنصار هذا التوجه أنه كلما تزايدت حدة التغيرات المناخية، تنامت الصراعات المسلحة على المستويين الداخلى والخارجي، حيث يترتب على التغير المناخى تحولات عدة فى أماكن الموارد والثروات الطبيعية من الأراضى الصالحة للزراعة وتوافر المياه العذبة وهطول الأمطار، إلى جانب الارتفاع الكبير فى درجات الحرارة. يدفع ذلك الأمر الأفراد والجماعات إلى البحث عن ضمانات استدامة البقاء عبر السعى للسيطرة على أماكن توافر تلك الموارد، ما يؤدى بدوره إلى زيادة حدة المنافسة بينهم، خاصة فى تلك المناطق التى يعتمد اقتصادها وتلبية احتياجات مواطنيها على الموارد الطبيعية.

أما على المستوى الخارجي، فتؤدى المنافسة الإقليمية والدولية للهيمنة على الموارد والثروات الطبيعية إلى حدوث نزاعات وحروب بين الأطراف الدولية والإقليمية المتنافسة فى ضوء التأثيرات التى تحدثها هذه التغيرات فى توزيع الموارد المشتركة أو العابرة للحدود(4). يدلل على ذلك أن دراسات الأمم المتحدة أفادت بأن أكثر من 40% من الصراعات الداخلية المسلحة، على مدى الأعوام الستين الماضية، ارتبطت بالتنافس على امتلاك الموارد الطبيعية كما أشار إلى ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، فى جلسة مجلس الأمن التى خُصصت لمناقشة الأسباب الجذرية للصراعات، ودور الموارد الطبيعية فيها، قائلا إن: «استغلال الموارد الطبيعية أو التنافس على امتلاكها، يمكن أن يؤديا إلى نشوب الصراعات العنيفة»(5).

الاتجاه الثانى: يرى أن ثمة دورا فاعلا للتغيرات المناخية فى حدوث الصراعات والأزمات، وليس سببا مباشرا لها، وأن ثمة عوامل أخرى تؤدى إلى حدوثها، من بينها، على سبيل المثال، غياب التنمية الاجتماعية، وتفاقم الأوضاع الاقتصادية، وضعف وهشاشة المؤسسات، بالإضافة إلى تراجع دور الدولة وقدرتها على احتواء الأزمات. بل الأكثر من ذلك أن أنصار هذا التوجه يرون أن الصراعات والنزاعات التى تقع بسبب دوافع وعوامل أخرى قد تكون أحد الأسباب وراء حدوث التغيرات المناخية بسبب ما ينتج عنها من تدمير للأنظمة البيئية الموجودة (البرية والبحرية ونظم التربة) الناتج إما عن استخدامات الأسلحة الثقيلة أو المجرَّمة دوليا (نووية، وكيميائية، وبيولوجية)، أو عن تدمير المنشآت الصناعية (الكيمائية، والبيولوجية، والنووية)، وانهيار البنية التحتية (صرف صحى، ومياه، وجسور، ومبان)، فضلا عما ينتج عنها من أزمات إنسانية، مثل مشكلة اللاجئين وتزايد الهجرات القسرية للبشر وما تمثله من أعباء جديدة على البيئة (تآكل التربة، وتلوث الأرض والمياه، وإزالة الغابات والأشجار). دفع كل ذلك الأمم المتحدة إلى تخصيص السادس من نوفمبر من كل عام يوما دوليا لمنع استخدام البيئة فى الحروب والصراعات العسكرية(6).

الاتجاه الثالث والأخير: يرى أن العلاقة بين التغيرات المناخية والصراعات علاقة عكسية، بمعنى أن التداعيات والتأثيرات الناجمة عن التغيرات المناخية تؤدى فى كثير من الحالات إلى التعاون والتكامل بين مختلف الجماعات والدول. يدللون على ذلك بما حدث فى تسونامى عام 2004، حيث أسفرت أضراره عن تعاون وتكاتف كبيرين بين دول جنوب شرق آسيا بشكل خاص، والمجتمع الدولى بشكل عام(7).

هذا الأمر ذكره الأمين العام للأمم المتحدة فى جلسة مجلس الأمن السابق الإشارة إليها قائلا إن: «مشاركة الموارد الطبيعية، تقليديا، كانت حافزا على التعاون بين الدول والمجتمعات والشعوب، وإن المصالح المتبادلة، بشكل عام، تحفز الحوار السلمى المستدام بما يمكن أن يولد التعاون والتفاهم»(8). يؤكد الواقع أن الاتجاه الثانى هو الأقرب إلى تفسير طبيعة العلاقة بين التغيرات المناخية والصراعات المسلحة. صحيح أنها لا تمثل -فى حد ذاتها- سببًا صريحًا لاندلاع الصراعات، لكنها تؤثر فى بعض العوامل المحفزة والمؤججة له. فى المقابل، قد تؤدى الصراعات إلى تداعيات خطيرة على البيئة وتدميرها بما ينتج عنه تغير كبير فى نظمها المستقرة.

ثانيًا- التغير المناخى ولاجئو المناخ:

لم يكن جديدًا على الإنسان أن يواجه الطبيعة وقواها، وإنما تمكّن فى مراحل حياته منذ هبوطه على الأرض من أن يضع الحلول الخلاقة والمهارات المطلوبة للتقليل من مخاطر الطبيعة وأزماتها، فصاغ الخطط، ووضع الاستراتيجيات القادرة على التكيف وتنمية قدراته المتمكنة من إخضاع الطبيعة لمصلحته. إلا أن التطورات المتسارعة فى عالم اليوم كشفت عن مدى احتياج البشرية إلى تطوير رؤاها للنجاة من التقلبات المناخية بآثارها الهائلة وصدماتها المدمرة(9)، التى تتجلى فى العديد من المؤشرات، ليظل من أكثر الآثار المتوقعة ما يطلق عليه بعض المحللين اللاجئين البيئيين أو الإيكولوجيين، أو لاجئى المناخ، أو ضحايا الطبيعية، أو المشردين بيئيا. فالمسميات التى يمكن استخدامها كثيرة لتعبر عن أن ثمة صعوبة فى الاتفاق على تعريف محدد لهؤلاء الضحايا الذين فقدوا حيواتهم أو وطنهم وبيئتهم ورحلوا إلى أماكن أخرى يواجهون فيها مصيرا مجهولا، إما خوض صراعات وحروب أو عبودية وخنوعا.

وتكشف دراسة أجرتها منظمة مكافحة العبودية الدولية عن تلك العلاقة بين الهجرة الناجمة عن المناخ والعبودية الحديثة، واستعرضت وقائع وشواهد على ذلك، منها: زيادة الاتجار بالبشر بعد كارثة تسونامى فى إندونيسيا، وإجبار العديد من النساء الفلبينيات الناجيات من إعصار «هايان» على العمل كبغايا، لأنه لم يكن لديهن مصدر آخر للحصول على المال. وفى بنجلاديش، بسبب إعصار «سيدر»، تم إرغام النساء الأرامل على ممارسة الدعارة أو العمل القسرى. وفى الهند، وتحديدا فى ولاية آسام، تواجه النساء والفتيات عبودية الأطفال أو الزواج القسرى لتغطية نفقاتهن بعد الفيضانات السنوية. كما أُجبر المزارعون الكمبوديون، الذين فقدوا سبل عيشهم بسبب تغير المناخ، على أجيال من عبودية الديون من قِبل مالكى مصانع الطوب الذين اشتروا ديونهم(10).

غنى عن البيان أنه مما يزيد معاناة هذه النوعية من اللاجئين والنازحين أنهم خارج أية حماية قانونية دولية أو إقليمية. فاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين التى تحل ذكراها الحادية والسبعون هذا العام (تم إقرارها عام 1951) لم تضع فى حسبانها الأشخاص الذين يجبرون على ترك أوطانهم أو منازلهم بسبب الفيضانات أو الجفاف. صحيح أن إقرار هذه الاتفاقية كان بمنزلة نقلة نوعية فى تاريخ البشرية، غير أن نصوصها لم تعد كافية لتغطى مختلف القضايا المتعلقة باللجوء، سواء من حيث تطور أنواعه، أو مستوى الحماية المطلوبة(11)، حيث اقتصر تعريفها على اللاجئ بأنه شخص: «يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح -بسبب ذلك التخوف- يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة فى ذلك»(12). يعنى هذا الأمر أن الأشخاص الذين يغادرون بلدانهم لأسباب تتعلق بالتغيرات المناخية لا يمكن عدّهم لاجئين أو نازحين. بل مما يفاقم من أوضاع هؤلاء اللاجئين غياب أية منظمة دولية أو تكتل إقليمى تابع للمنظمة الأممية يعمل على حمايتهم. فالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين يقتصر نطاق اهتمامها على ما حددته الاتفاقية الأممية لعام 1951 وبروتوكولها الإضافى لعام 1967(13). ويرجع هذا القصور التشريعى والتنظيمى فى التعامل مع هؤلاء اللاجئين إلى أنه حتى منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، لم يكن مصطلح «لاجئو المناخ» شائع الاستخدام أو التداول، حتى عرَّفه الخبير المصرى فى برنامج الأمم المتحدة للبيئة، عصام الحناوى، عام 1985 بأنهم «أشخاص أجبروا على ترك موطنهم التقليدى بشكل مؤقت أو دائم بسبب وضع علامة على الاضطراب البيئي»(14). ورغم ذلك، لا تزال ثمة صعوبات عدة تواجه المنظمات والهيئات المعنية فى التعامل مع هذه النوعية من اللجوء أو النزوح، بل ينظر إليهم فى سياق أشمل وأوسع ضمن فئة اللاجئين على النحو المحدد فى الاتفاقية الأممية، ما يُحدث خلطًا كبيرًا فى آليات التعامل مع هؤلاء اللاجئين، بل والمعالجة المتوقعة لمستقبل عودتهم إلى مناطقهم أو توفير بدائل تتناسب مع ثقافتهم وهويتهم.

فعلى سبيل المثال، ورد فى التقرير الأخير، الصادر عن مركز رصد النزوح الداخلى، بعنوان «النزوح الجديد الناجم عن النزاع والكوارث فى عام 2021»، محور متعلق بالنزوح الناجم عن الكوارث ودور تغير المناخ، ضمن إطار نظرة شاملة لملف النزوح واللجوء دون وضع معالجات مفصلة بشأن هؤلاء اللاجئين. وكشف التقرير فى رصده زيادة حالات نزوح جديدة بسبب التغيرات المناخية، كما يتضح من الجدول المرفق.

من ناحية أخرى، كشف تقرير، صادر عن مركز أبحاث الاقتصاد والسلام فى استراليا، أن ما يزيد عن مليار شخص معرضون للتشريد بسبب الأحداث المتعلقة بالمناخ بحلول عام 2050، وأن 19 دولة لديها أعلى عدد من التهديدات البيئية هى من بين 40 دولة فى العالم الأقل سلامًا، منها أفغانستان، وسوريا، والعراق، وتشاد، والهند، وباكستان.

كما ذكر التقرير أن 3.5 مليار شخص قد يعانون انعدام الأمن الغذائى بحلول عام 2050، ما يمثل زيادة قدرها 1.5 مليار شخص عن العام الحالي. مع حلول عام 2040، سيعيش ما مجموعه 5.4 مليار شخص -أكثر من نصف سكان العالم المتوقع- فى 59 دولة تعانى إجهادا مائيا مرتفعا أو شديدا بما فى ذلك الهند والصين(15). ويتفق التقرير فى ذلك مع ما انتهى إليه البنك الدولى بأن تغير المناخ هو أحد عوامل الهجرة التى تزداد قوة، حيث سيجبر 216 مليونا على الارتحال داخل حدود بلدانهم بحلول عام 2050، وأنه بحلول هذا العام أيضا، قد تشهد منطقة إفريقيا جنوب الصحراء اضطرار نحو 86 مليون شخص إلى الهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادى 49 مليونا، وجنوب آسيا 40 مليونا، وشمال إفريقيا 19 مليونا، وأمريكا اللاتينية 17 مليونا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى 5 ملايين(16).

ثالثا- التغير المناخى والصراعات.. نحو مقاربة جديدة:

فى ضوء ترجيح الرأى القائل إن العلاقة بين التغير المناخى واندلاع الصراعات والحروب تتداخل فيها عوامل عدة وتتشابك فيها عناصر عدة لتفسير وقوع الحدث أو الظاهرة بشكل تبادلى، ثمة أهمية للبحث عن مقاربة جديدة تحد من تأثيرات التغير المناخى كأحد العوامل الأكثر أهمية فى الوقت الراهن لتفاقم حدة الصراعات، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، هناك محاولة لمعالجة تداعيات هذه التغيرات غير الإنسانية عبر العمل على تطوير الحلول التكتيكية القصيرة الأجل والاستراتيجيات الطويلة الأجل بهدف تطوير القدرات التكيفية لمساعدة البشرية على البقاء. فى هذا الشأن، تبرز الحاجة للعمل على ثلاثة مستويات:

الأول: فني، من خلال تعزيز نظم الإنذار المبكر بالظواهر الجوية والمناخية الكارثية، مثل الأعاصير والفيضانات وموجات الحرارة الشديدة. فهناك أهمية قصوى لوجود هذه النظم المتطورة فى توفير البيانات والمعلومات التى تساعد بدورها فى وضع الخطط العملية من المساعدات التقنية والمالية الأكثر ملاءمة للتكيف مع التغيرات البيئية، ما يسهم بدوره فى تجنب الخسائر البشرية والاقتصادية الناجمة عن تلك الأحداث الطارئة. بل تسهم هذه البيانات فى وضع خطط أكثر وضوحا بما يجب تنفيذه من خدمات البنية الأساسية، مع الأخذ فى الحسبان أن الصعوبة التى تواجه توافر البيانات تتسع لتأخذ فى حسبانها أن الكوارث والمخاطر البيئية متعددة الأوجه ومتنوعة القطاعات، وهو ما يرتبط بتباين العوالم التى يعمل فيها العلماء والمتخصصون، الأمر الذى يستوجب خلق الجسور بينهم بهدف تأطير المعلومات المتعلقة بهذه المخاطر وتحليلها وإيصالها بشكل سليم بما يضمن اتخاذ القرارات الفعالة القادرة على الحد من مخاطر الكوارث(17).

الثانى: قانوني، من خلال ضرورة التوصل إلى اتفاقية دولية ملزمة للجميع بشأن العمل على خفض الانبعاثات الكربونية، وهى المهمة المأمولة من قمة شرم الشيخ فى نوفمبر القادم Cop27. صحيح أن مؤتمر تغير المناخ فى جلاسكو حقق نجاحا فى وضع برنامج عمل لتحديد هدف عالمى بضرورة الالتزام بـ1.5 درجة مئوية زيادة فى حرارة الأرض، بيد أن الدول الكبرى المصدرة للانبعاثات لم تتمكن من تحقيق مثل هذه الالتزامات بما يستوجب أن يكون ثمة التزام حقيقى على الجميع بالعمل للحد من هذه الانبعاثات عبر استراتيجية متكاملة الأبعاد وشاملة القطاعات كافة، مثل الطاقة، والنقل، والبناء، والصناعة، والزراعة، والغابات، والنفايات، إذ كثيرا ما نركز على الانبعاثات الصناعية والمنزلية. فى حين أشار تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى إلى أن تغيير أنماط استخدام الأراضى فى دول العالم النامية يؤدى إلى تدفق الكربون إلى الغلاف الجوي، مع إزالة الغابات المدارية كمصدر رئيسى لزيادة إنبعاثات الكربون، خاصة فى منطقة الأمازون البرازيلية، وهى أكبر مساحة من الغابات الاستوائية فى العالم(18).

هناك ضرورة أيضا للعمل على ضمان الالتزام الدولى بحماية لاجئى المناخ عبر إعادة النظر فى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولها التكميلى لعام 1967، لجعلهما أكثر التزاما. إذ إن الاتفاقية رغم نصها على أنها «ملزمة من الناحية القانونية»، فليست هناك أية هيئة دولية تلزم الدول المخالفة لأحكامها وتوقع عليهم عقوبات بسبب ذلك. ما تقوم به المفوضية السامية فى حق المراقبة لا يتجاوز حث الدول على الالتزام والشجب والتنديد. الأمر نفسه ينسحب على الميثاق العالمى للدول الأعضاء بالأمم المتحدة للهجرة الآمنة، الموقع عام 2018، وهو ميثاق غير ملزم. وعليه، باتت هناك ضرورة للبحث عن آليات تضمن التزام الدول بما تنص عليه هذه الاتفاقيات والمواثيق وتوقيع عقوبات على الدول المخالفة، بما يضمن أن تؤتى الجهود الدولية والإقليمية ثمارها فى مواجهة خطر يزداد انتشارا.

الثالث والأخير: إنسانى، من خلال العمل على مسارين:

1- توفير الاحتياجات الأساسية بالقدر الكاف لحماية لاجئى المناخ من مخاطر محدقة بهم كما سبقت الإشارة، حيث يواجه هؤلاء اللاجئون واقعا مأساويا، لأنهم موجودون فى الخطوط الأمامية لحالات الطوارئ المناخية أو ما يطلق عليه بعض المراقبين المناطق الساخنة مناخيا، فهؤلاء يفتقرون إلى الحد الأدنى من الموارد الضرورية للتكيف مع التطورات الناجمة عن الكارثة البيئية.

كما يجب الأخذ فى الحسبان حجم الموارد المالية المطلوبة لتوفير كل تلك الاحتياجات، خاصة مع الزيادة المتوقعة فى أعداد هؤلاء اللاجئين على النحو الذى ترصده بعض الدراسات والتقارير، وإن ظلت غير دقيقة، ولكنها مؤشر مهم إلى التوجه المستقبلى لزيادة أعدادهم كما سبقت الإشارة.

2- إقرار السلام والاستقرار، إذ لا يمكن أن يكون الاعتماد على المساعدات الإنسانية أمرا مستمرا، وإنما بشكل مؤقت للتعامل مع تداعيات تلك الكوارث والحروب والنزاعات المرتبطة بها، بما نخلص معه إلى تأكيد أن الحل الوحيد لمواجهة تداعيات التغير المناخى هو التكامل والتعاضد فى سبيل إقرار السلام والاستقرار، وإلا سنكون قد أضفنا عاملا مهما قد يشعل الحروب والنزاعات فى كثير من المناطق، وقد يزيد من وتيرتها فى مناطق ملتهبة بطبيعتها.

الخلاصة:

يظل التغير المناخى التحدى الأكثر أهمية للإنسانية فى الأيام المقبلة. الأكثر صعوبة فى معالجة تداعياته، ليس فقط بسبب جوهره البعيد عن الإرادة الإنسانية، كونه معبرا عن غضب الطبيعة، وإنما بسبب القصور الذى لا يزال يهيمن على سياسات الدول، خاصة الكبرى، فى صراعاتها المستمرة، وكذلك على سلوكيات الأفراد التى تعكس غياب ثقافة التعامل مع البيئة ومكوناتها على النحو الآمن، ما يعنى إجمالا أن نجاح مؤتمر شرم الشيخ القادم 27 Cop  سيظل رهنا بوعى الدول بمسئولياتها، ووعى الأفراد بواجباتهم قبل حقوقهم.

الهوامش:

- نجاح قمة شرم الشيخ مرتبط بالتزام الدول بتعهداتها وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، جريدة الأهرام، 10 يوليو 2022.

https://bit.ly/3Q5n5hO

2- Can Africa be a Continent of Solutions to the Climate Crisis?. https://bit.ly/3Rwp9Rc

3- محمد عبدالله يونس، كيف تسبب تغير المناخ فى أزمات الشرق الأوسط؟

https://bit.ly/3q6oOZC

4- محمود قاسم، التغيرات المناخية والصراعات المسلحة.. حدود التأثير والتشابك، المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، القاهرة، 1 نوفمبر 2021.

https://bit.ly/3CTB9rN

5- التنافس على الموارد الطبيعية يغذى العنف ويطيل أمد الصراعات المسلحة، أخبار الأمم المتحدة، 16 أكتوبر 2018.

https://bit.ly/3cPaLVu

6- طايل محمود الحسن، الحروب وتأثيراتها على البيئة، مجلة الأمن والحياة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، العدد 379، نوفمبر 2013، ص ص63-67.

https://bit.ly/3AKKuzv

7- محمود قاسم، التغيرات المناخية والصراعات المسلحة، مرجع سابق.

8- التنافس على الموارد الطبيعية يغذى العنف ويطيل أمد الصراعات المسلحة، مرجع سابق.

9- الحس المناخى: شرط البقاء على قيد الحياة، مجلة الدوحة، وزارة الثقافة، الدوحة، ع 177، أغسطس 2022، ص34.

10- Ritu Bharadwaj& Others, Climate-induced migration and modern slavery, Anti-Slavery International& International Institute for Environment and Development, London, United Kingdom, September 2021.

11- Alex Randall, Climate Refugees definition: can we define a climate refugee?https://bit.ly/3wTZn1n

12- المادة الأولى من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين.

https://bit.ly/2QsRUCm

13- يذكر أن الاتفاقية حينما أقرت فى أول خمسينيات القرن المنصرم كانت مشوبة بالعنصرية وعدم المساواة، حيث كانت مقصورة فى البداية على توفير الحماية بصفة أساسية للاجئين داخل أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حتى تم إقرار بروتوكول عام 1967 ليوسع نطاق الولاية المنوطة بالاتفاقية خارج حدود القارة، حيث أزال البروتوكول الحدود الجغرافية والزمنية الواردة فى الاتفاقية الأصلية، التى كان لا يسمح بموجبها إلا للأشخاص الذين أصبحوا لاجئين، نتيجة لأحداث وقعت فى أوروبا قبل 1 يناير 1951، بطلب الحصول على صفة اللاجئ.

للمزيد، انظر: رحاب جودة فهيم، اتفاقية الأمم المتحدة.. عجوز بحاجة للرعاية، جريدة «الأهرام»، 6 أغسطس 2022.

14- https://bit.ly/3wUzrCO

15- IEP: Over one billion people at threat of being displaced by 2050 due to environmental change, conflict and civil unrest, 9 September, 2020.       https://prn.to/3AJzmTA

16- تغير المناخ قد يجبر 216 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، البنك الدولى، 13 سبتمبر 2021.

https://bit.ly/3wOmyKk

17- الحس المناخى: شرط البقاء على قيد الحياة، مرجع سابق، ص 36.

18- Volpi, G., Climate Mitigation, Deforestation and Human Development in Brazil, in Fighting climate change: Human solidarity in a divided world, UNDP,2007 p. 2. https://bit.ly/3TBAukF

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أحمد طاهر

    د. أحمد طاهر

    باحث فى العلاقات الدولية