من المجلة - ملف العدد

تجارب الدول العربية فى التحول للاقتصاد الأخضر

طباعة

تسارعت وتيرة التنمية التى شهدها العالم فى العقود الأخيرة من القرن العشرين. وعلى الرغم مما وفرته من مزايا اقتصادية ومستويات عالية من الرفاهية، فإنها أدت إلى العديد من التأثيرات السلبية التى انعكست فى بروز وتفاقم العديد من المشكلات البيئية كتغير المناخ، والتلوث، وخسارة التنوع البيولوجي، واستنزاف الموارد، حيث أكد تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) لعام 2018 الضرورة الملحة لمكافحة تغير المناخ واتخاذ إجراءات فورية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى من أجل تحقيق أهداف اتفاق باريس. وأشار التقرير إلى أن الحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى 1.5 درجة مئوية فوق ما قبل العصر الصناعى يحتاج إلى مستوى فريد من الجهد والتنسيق على المستوى العالمي، بمشاركة كل من الجهات الفاعلة العامة والخاصة، ويتطلب استثمارات فى أنظمة الطاقة تبلغ 2.4 تريليون دولار أمريكى سنويًا (ما يعادل 2.5 فى المئة من الناتج المحلى الإجمإلى العالمي) بين عامى 2016 و2025. ويعد رأس المال الخاص أداة أساسية فى تحقيق الحد من انبعاثات غازات الدفيئة.

يأتى هذا بالإضافة إلى تسارع مجموعة من الأزمات العالمية التى أدت إلى بروز وعى دولى بحتمية ارتفاع أسعار الطاقة والوقود الأحفورى وتفاعل أزمة الأنظمة المالية والاقتصادية العالمية التى تعكس الضعف البنيوى للنماذج الاقتصادية الحالية، دفع ذلك الأمر مجموعة من الدول إلى التفكير فى آليات جديدة لرفع النمو الاقتصادى ولإنتاج ثروات تضمن تنمية مستدامة. ومن ثم، جاء اعتماد مفهوم الاقتصاد الأخضر ليشكل أداة مهمة لضبط النمو الاقتصادى وتوجيهه نحو الاستدامة، من خلال إيلاء البعد البيئى قدراً أكبر من الاهتمام بسياسات التنمية الاقتصادية عن طريق وضع تصور اقتصادى مبنى على استراتيجية الانتقال إلى اقتصاد أخضر، يتضمن خمسة عناصر أساسية، هي: أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الوقود الأحفورى المستورد، والأزمة الاقتصادية، وتوظيف الاستثمارات الخضراء كوسيلة للإنعاش الاقتصادي، وسياسات التخفيف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والقناعة القوية لبعض الدول بضرورة وضع نموذج جديد للتنمية المستدامة المرتكزة على تغيير سلوكيات المستهلك والنماذج التسويقية الحالية.

يزداد الحديث حول الاقتصاد الأخضر على المستويين العالمى والعربي، خصوصا أنه من المتوقع أن يُسهم بـ 12 تريليون دولار بحلول عام 2030. فالاتجاه العالمى يسعى لإيجاد اقتصاد أكثر انسجاما مع البيئة. لذلك، فإن كثيرا من الخبراء يعتقدون أن الوقت قد حان لأن يتبوأ الاقتصاد الأخضر مكانة أكثر بروزا فى قيادة الاقتصاد العالمي، مع ضرورة وضع خطط دولية متكاملة لدفع الاستثمارات فى هذا المجال، وضرورة تعزيزها فى الشركات والقطاعات التى تعمل بنشاط على دعم المسئوليات البيئية.

وعلى الرغم من انتشار الاستثمارات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر فى مختلف دول العالم، من بينها الدول العربية، فإنه يحتاج إلى دعم ومساندة من الحكومات بهدف دعم وتحفيز الاستثمارات والإنتاج وتقديم خدمات خضراء، والإسهامات الفاعلة فى النمو الاقتصادى بشكل عام، وتوفير فرص عمل جديدة فى قطاعات حيوية.

فى هذاالإطار، صُممت أدوات التمويل الأخضر -مثل السندات الخضراء، والسندات المستدامة، والسندات المرتبطة بالاستدامة- خصيصًا لمواءمة حوافز الشركات تجاه الأعمال «الأكثر اخضرارًا»، وتم تحديدها كأداة أساسية للشركات لاستخدامها فى تنفيذ استراتيجيات الانتقال نحو انبعاثات منخفضة الكربون.

أولا- ماهية الاقتصاد الأخضر:

يعرف الاقتصاد الأخضر، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأنه الاقتصاد الـذى يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وينتـج عنـه تحسـن فى رفاهيـة الإنسـان، بالإضافة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون، دون إغفال الاهتمام بالحد من المخاطر البيئية، وندرة الموارد الإيكولوجية.

وتـرى اللجنـة الاقتصاديـة والاجتماعيـة لغربـى آسـيا (الإسـكوا) أن الاقتصاد الأخضـر يعبـر عـن منظـور جديـد لعلاقـة التـرابط بيـن الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، ويهدف إلى الحد من الفقر وتحقيق الرفاهية، كما يفسح المجال لحشد الدعـم لتحقيـق التنميـة المسـتدامة باعتمـاد إطـار مفهوم جديـد لا يحـل محـل التنميـة المسـتدامة، بـل يكـرس التكامـل بيـن أبعادهـا الثلاثـة الاقتصاديـة والاجتماعيـة والبيئيـة.

وعـرَّف كارل بـوركارت (BurkhartKarl) الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يعتمد على سته قطاعات رئيسية، هى الطاقة المتجددة، البناء الأخضر، ووسائل النقل النظيفة، وإدارة المياه، وإدارة المخلفات، وإدارة الأراضي، كما أنه موجه نحو زيادة نمو الفرد وزيادة رفاهيته من خلال التزام الجميع، سواء القطاع العام أو الخاص، بالعمل على استثمار الموارد بالطريقة التى من شأنها تقليل الانبعاثات الكربونية والتلوث، ومنع تدهور النظام الإيكولوجي، وفقدان التنوع الأحيائي.

بذلك، يتميز الاقتصاد بأنه اقتصاد مبنى على الحد من انبعاثات ثانى أكسيد الكربون والتلوث بصفة عامة، إلى جانب دعم كبير لنمو العمالة والدخل وتحقيق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستتدامة، البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتكنولوجية.

الاقتصاد الأخضر هو إحدى الأدوات التى يمكن استغلالها لتحقيق التنمية المستدامة التى تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة. فى الوقت نفسه، إذا تم العمل عليه بالصورة الصحيحة، فسوف تتزايد نسبة الطلب على الخدمات والسلع الخضراء والابتكارات والاختراعات المختلفة فى مجال التكنولوجيا، ما يضمن أن تكون الأسعار ملائمة مع تصحيح سياسات الضرائب على المنتجات.

هنـاك عشـرة قطاعـات مختلفـة، يمكـن أن تسـهم فى عمليـة التحـول إلـى الاقتصاد الأخضـر وهـي: المبانى، والطاقـة، والمياه، والنقـل، والصناعـة، وتدويــر النفايـات، والزراعـة، والغابـات، وصيـد الأسـماك، وأخيــراً قطاع السـياحة.

ثانيًا- خصائص الاقتصاد الأخضر:

يمكن الإشارة إليها من خلال العناصر التالية:

شكل رقم (1)


-

- وسيلة لتحقيق التنمية المستدامة، ولا يعد بديلاً لها.

- تحقيق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة، وهى الأبعاد البيئية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتقنية أو الإدارية.

- مناسب لمختلف أنماط الاقتصاد، سواء كانت اقتصادات تديرها الدولة، أو تحكمها آليات السوق.

- توفير فرص استثمارية خضراء جديدة.

- إمكانية تطويعه مع الأولويات والظروف الوطنية.

- إمكانية تطبيق مبدأ المسئوليات المشتركة بين الأجهزة المعنية للدولة للانتقال الطوعى صوب هذا الاقتصاد.

- استخدامه كوسيلة لفرض قيود تجارية، أو شروط على المعونة، أو على تخفيف الدين، وينبغى أن يعالج التشوهات التجارية، ومنها الإعانات الضارة بيئيا.

- اعترافه بالسيادة الوطنية على الموارد الطبيعية.

- ارتكازه على كفاءة الموارد، وعلى أنماط استهلاك وإنتاج مستدام.

ثالثا- متطلبات التحول نحو الاقتصاد الأخضر:

من المنتظر أن يشهد الاقتصاد الأخضر طفرة كبيرة فى السنوات القادمة، ومن المتوقع أن تنهض الدول بهذا النوع من الاقتصاد وفقاً لما توليه له كل دولة من اهتمام. لذا، يجب الوقوف على متطلبات التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وهى كالتالي:

- إعادة هيكلة السياسات الحكومية لتحفيز التحولات فى أنماط الإنتاج والاستهلاك والاستثمار.

- الاهتمام بالتنمية الريفية بهدف تخفيف الفقر فى الريف مع زيادة الموارد.

- الاهتمام بقطاع المياه وضبط استخدامها وترشيدها، وسن القوانين التى تمنع تلوث مصادر المياه المختلفة.

- العمل على الاستثمارات المستدامة فى مجال الطاقة وإجراءات رفع كفاءة الطاقة.

- وضع استراتيجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، واعتماد تكنولوجيـات الإنتـاج الأكثر نظافة.

رابعا- تجارب الدول العربية:

من المفيد هنا التعرف على تجارب بعض  الدول العربية فى التحول للاقتصاد الأخضر، وذلك على النحو التالي:

1- الجهود المصرية فى مجال التحول للطاقة النظيفة:

فى ضوء توجهاتها للتحول نحو الطاقة النظيفة، وخفض انبعاثات الكربون، وتحقيق التنمية المستدامة فى إطار رؤية مصر 2030 التى تركز على الطاقة كعنصر اقتصادى لتحقيق الاستدامة، واستراتيجية الطاقة فى مصر حتى عام 2035، والتى يجرى تحديثها حالياً حتى عام 2040، واتفاقية باريس للمناخ التى صدقت عليها مصر، والتى تهدف لدعم الاستجابة العالمية لمخاطر التغير المناخي، بادرت مصر بتطبيق خطوات جادة لتطبيق نموذج تنموى مستدام، يأتى تغير المناخ والتكيف مع آثاره فى القلب منه، ويهدف إلى:

- دعم ترشيد وتحسين كفاءة استخدام الطاقة.

- التوسع فى استخدام الغاز الطبيعى.

- التوسع فى استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة من خلال زيادة نسبة إسهام الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة فى مصر لتصل إلى نحو 20% بحلول عام 2022، و42% بحلول عام 2035.

- تحديث استراتيجية الطاقة 2035، لتشمل الهيدروجين كمصدر للطاقة.

- الاعتماد على النقل النظيف، من خلال التوسع فى شبكات المترو والقطارات الكهربائية والمونوريل، وكذلك العمل على توطين صناعة السيارات الكهربائية وتجهيز البنية التحتية اللازمة لذلك.

- الوصول بنسبة المشروعات الخضراء الممولة حكوميا إلى 50% بحلول  2025، و100% بحلول 2030.

- إعداد استراتيجية وطنية للهيدروجين المنخفض الكربون.

- تنفيذ خطط طموح للربط الكهربائى مع دول الجوار على نحو يجعل من مصر مركزا للطاقة المتجددة فى المنطقة.

- العمل على خفض انبعاثات الكربون والميثان فى قطاع البترول والغاز، من خلال تنفيذ العديد من المشروعات فى مجال استغلال الغازات البترولية المصاحبة، واسترجاع غاز الميثان، وجار التخطيط لمشروعات لالتقاط وتخزين واستخدام الكربون وإنتاج الهيدروجين.

كما تعد استضافة مصر لقمة المناخ المقبلة (COP27)، خلال شهر نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ، فرصة كبيرة لتعزيز جهود القاهرة فى هذا الصدد عبر التعاون مع دول العالم والشركات  العالمية والمؤسسات الدولية لإطلاق مبادرات واقعية قابلة للتطبيق لمواجهة ظاهرة تغير المناخ وتحقيق التحول فى مجال الطاقة.

2- دول مجلس التعاون الخليجى:

أشار تقرير البصمة البيئية للمنتدى العربى للبيئة والتنمية (AFED)، إلى أن جميع دول مجلس التعاون الخليجى «مدانة بيئيا» ، نظرًا لارتفاع بصمتها البيئية، ما أدى إلى العديد من الآثار السلبية التى تؤثر بشكل مباشر فى التنمية، وكذلك فى الأمن الاقتصادى والاجتماعي. من الجدير بالذكر أنه تم تصنيف الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت من قبل منظمة الصحة العالمية ضمن أكبر عشر دول مسببة للانبعاثات على مستوى العالم، ما أدى إلى ضرورة الاهتمام بالتحول لنظام طاقة منخفض الكربون كالاقتصاد الأخضر، لخفض الآثار السلبية  المتعلقة بتغير المناخ.

فى هذا الإطار، تعمل دول مجلس التعاون الخليجى على إيجاد طرق لفك الاشتباك بين نمو الطلب المحلى على الوقود الأحفورى ونمو الاقتصاد، ما يستلزم ضرورة الاستثمار فى مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، وتثبيط أنماط استهلاكها، فضلا عن المياه غير الفعالة والمهدرة.

من هذا المنطلق، وضعت دول الخليج العربية أهدافا للتوسع فى استخدام الطاقة المتجددة وزيادة نسبة إسهامها فى مزيج الطاقة الأولية، ومزيج توليد الطاقة الكهربائية، ومزيج الاستخدام النهائى للطاقة بهدف تحقيق استدامة المزيج، ومن ثم تقليل الضغط على البترول والغاز فى تلبية الطلب المحلى على الطاقة لتلبية متطلبات التصدير التى تمثل المصدر الرئيسى للإيرادات العامة فى العديد من الدول العربية. ويمكن الإشارة هنا إلى تجربتى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية.

أ- تجربة المملكة العربية السعودية:

تضاعف اهتمامها بالاقتصاد الأخضر عندما ترأست المجموعة العشرين، والتزمت باتفاقية باريس للمناخ. وكان ملف المناخ والغطاء النباتى الأخضر ومكافحة التصحر على رأس أجنداتها. وعليه، بدأ الاهتمام بالاقتصاد الأخضر، وعدّه نشاطا اقتصاديا صديقا للبيئة، حيث كانت البداية فى قمة الأرض، التى عُقدت فى البرازيل، فى (ريودى جانيرو عام 1992)، وفى مؤتمر الأمم المتحدة (آفاق جديدة نحو تحقيق التنمية الاقتصادية)، حيث تم إلزام حكومات دول العالم بتطبيق الاقتصاد الأخضر، وحماية البيئة.

رغم إدراك المملكة أن البترول والغاز سيستمران فى لعب دور حيوى فى مزيج الطاقة العالمى فى العقود المقبلة، فإن التحول إلى مصادر أنظف للطاقة أمر قيد التنفيذ حول العالم، وستلعب الرياض دورًا رئيسيًا فى هذا التحول، من خلال خطط جريئة وخطوات أولية، تعمل على تنويع مزيج الطاقة لديها، عبر إضافة طاقة الهيدروجين والطاقة المتجددة والطاقة النووية إلى صناعة النفط والغاز الحالية، وكذلك الاستثمار فى تقنيات مبتكرة واقتصادية لإدارة الكربون، ما يجعلها سوقًا جاذبة لشركات الطاقة التى ترغب فى أن تكون جزءًا من هذا التحول الكبير.

تلعب المملكة دورًا رئيسيًا فى عالم التجارة الدولية والعالمية، يمكنها الاستفادة منه فى أثناء عملية التحول إلى مصادر جديدة للطاقة لتحقيق هدفها فى أن تصبح أكبر منتج للطاقة؛ ليس للنفط فحسب، بل أيضًا للغاز والطاقة المتجددة والهيدروجين والاقتصاد الدائرى للكربون ككل، وأن تلعب فى الوقت ذاته دورًا مهمًا فى مكافحة تغير المناخ فى الداخل والخارج.


-

كما أولت الرياض اهتماما كبيرا بمشاريع الطاقة المتجددة، وفى مقدمتها الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية، وقامت بإطلاق العديد من البرامج والمشروعات والمبادرات كالتالي:

- إطلاق حزمة من التشريعات والاستراتيجيات تستهدف الوصول إلى نسبة 50% من الطاقة التى تحتاج إليها المملكة من الطاقة النظيفة بحلول 2030، كما أطلقت مبادرات دولية لحماية الشُعب المرجانية والحد من تدهور الأراضي.


-

- إطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، و«السعودية الخضراء» التى سيكون لهما دور كبير فى رسم توجه المملكة والمنطقة بالكامل نحو حماية الأرض والطبيعة، وتحقيق المستهدفات العالمي، وتجمع المبادرة بين برامج لحماية البيئة، وتحول الطاقة، والاستدامة للوصول إلى ثلاثة أهداف:

- خفض انبعاثات الكربون بأكثر من 4٪ من الإسهامات العالمية.

- زراعة عشرة مليارات شجرة فى جميع أنحاء المملكة العربية السعودية

- رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30٪ من إجمإلى المساحات البرية والبحرية.


-

ب- تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة:

تعد المحرك الأول للاقتصاد الأخضر من بين دول مجلس التعاون الخليجى. وقد تبنت هذا النهج فى يناير2012، من خلال إطلاق استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء، التى تستهدف تحويل الاقتصاد الوطنى إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون، تماشيا مع رؤية 2021، حيث تسعى إلى تنويع اقتصادها القائم على المعرفة والابتكار وتعزيز مكانتها التنافسية فى الأسواق العالمية، خاصة فى مجالات الطاقة المتجددة والتقنيات المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، بالإضافة إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نموا اقتصاديا طويل المدى. وتشمل استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء ستة مسارات رئيسية كالآتى:

- الطاقة الخضراء، وتتضمن العمل على تغزيز إستخدام الطاقة النظيفة والمتجددة، ودعم كفاءة استهلاك الطاقة فى مختلف القطاعات.

- السياسات الحكومية لتشجيع الاستثمارات فى مجالات الاقتصاد الأخضر، وتشمل سهولة تداول المنتجات والتقنيات الخضراء، وتوفير فرص عمل فى تلك المجالات.

- المدن الخضراء، وتشمل مجموعة من سياسات التخطيط العمرانى للحفاظ على البيئة، التى تتضمن تعزيز إنشاء المبانى الخضراء، والنقل النظيف، بالإضافة إلى تنقية الهواء الداخلى للمدن.

- التعامل مع آثار التغير المناخي، عبر سياسات وبرامج تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجارية، بالإضافة لتشجيع الزراعة العضوية.

- الحياة الخضراء، وتتضمن العمل على ترشيد استخدام موارد الماء والكهرباء والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى مشروعات إعادة تدوير النفايات.

- التكنولوجيا والتقنية الخضراء، وسيركز هذا المسار فى مرحلته الأولى على تقنيات التقاط وتخزين الكربون، بالإضافة لتقنيات الوقود الحيوى.

كما أطلقت دولة الإمارات العربية، فى عام 2017، استراتيجيتها للطاقة 2050 التى تعد أول خطة موحدة للطاقة فى الدولة توازن بين جانبى الإنتاج والاستهلاك والالتزامات البيئية العالمية، وتضمن بيئة اقتصادية مريحة للنمو فى جميع القطاعات، حيث تستهدف الخطة رفع كفاءة استهلاك الطاقة بنسبة 40%، ورفع إسهام الطاقة النظيفة فى إجمإلى مزيج الطاقة المنتجة فى الدولة من 25% إلى 50%، وتحقيق وفر يعادل 700 مليار درهم حتى عام 2050. وقد استهدفت الاستراتيجية نموا سنويا للطلب يعادل 6%، وخفض الانبعاثات الكربونية من عملية إنتاج الكهرباء بنسبة 70% خلال العقود الثلاثة المقبلة.

كما أسهمت الدولة بالعديد من الإنجازات فى مجال الطاقة المتجددة، أبرزها:

- شمس 1 التى تعد أكبر محطة طاقة شمسية مُركزة فى العالم.

- محطة إنتاج الطاقة من النفايات فى أبوظبي.

- الحديقة الشمسية فى دبي، كما أعلنت استراتيجية بعنوان «دبى للطاقة النظيفة 2050»، تستهدف تحويلها إلى مركز عالمى للطاقة النظيفة.

3- تجربة المملكة المغربية:

تحتل المركز الأول فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى مؤشر «المستقبل الأخضر» الذى تصدره منصة «إم آى تى تكنولوجى ريفيو» الذى يصنف 76 بلدا وإقليما وفقا للتقدم على درب مستقبل أخضر من خلال خفض انبعاثات الكربون، وتطوير طاقة نظيفة، والابتكار فى القطاعات الخضراء.

وقد أطلقت الرباط منذ عام 2009، استراتيجية الطاقة. وتشمل المحاور الرئيسية للاستراتيجية كلا من الكهرباء والطاقات النظيفة والتوسع فى استخدام الطاقات المتجددة، من خلال تطوير الطاقة الشمسية وطاقة الرياح (52 فى المئة من السعة المركبة من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030)، وكذلك إدخال الغاز الطبيعي، المسال، والغاز الطبيعى فى مزيج الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى اقتصاد الطاقة والبحث العلمى وكفاءة الطاقة، وتهدف إلى ضمان استقلالية الطاقة والإسهام فى خفض الانبعثات الكربونية، حيث تم إعداد خريطة طريق لتحول الطاقة  خلال الفترة من عام (2021 إلى 2030)، تركز على كلٍ من الهيدروجين والكتلة الحيوية والغاز الطبيعي.

وتعتمد خريطة طريق المغرب على رفع حصة مشاركة الطاقات المتجددة فى مزيج الطاقة الكهربائية، وتطوير الشبكة الكهربائية والربط الكهربائى مع الدول المجاورة، بالإضافة إلى إنجاز خريطة الطريق حول الطاقة البحرية والطاقة الحرارية الجوفية.

فى هذا الإطار، أنشأت المملكة شبكة منصات للبحث والابتكار، ويتعلق الأمر تحديدا بـ «جرين إنيرجى بارك»، التى تعد منصة للبحث والابتكار فى مجال التكنولوجيات، و»جرين آند سمارت بيلدينج بارك»، المنصة المخصصة لكفاءة الطاقة والشبكات الذكية والتنقل الكهربائي. كما أن هناك منصات أخرى قيد التطوير، تتعلق بالهيدروجين والكتلة الحيوية، فضلا عن تحلية المياه.

كما أن المغرب يلعب دورا مهما على المستوى الإقليمى فيما يتعلق بتبادل الطاقة الكهربائية، بحسبانه اللاعب الرئيسى فى سوق الكهرباء على مستوى المنطقة الأورومغاربية، ويخطط ليصبح مركزا إقليميا للطاقة، وكبلد عبور لتبادل الكهرباء عبر الحدود بفضل ما يمتلكه من مؤهلات استراتيجية من حيث البنية التحتية للربط، ما يجعله قادرا على إنشاء سوق كهرباء إقليمية إفريقية واندماجها فى السوق الأوروبية.


-

وقد اقترح المجلس الاقتصادى والاجتماعى بالمغرب  توصيات عملية خاصة بكل قطاعات الاقتصاد الأخضر، بما فيها الطاقات المتجددة، وكفاءة الطاقة، ومعالجة مياه الصرف، وتدبير النفايات، بالإضافة إلى توصيات ميدانية بتدابير تتمحور حول ستة مرتكزات كبرى، هي:

1- تحديد استراتيجية شاملة ونمط حوكمة فعلى للانتقال إلى اقتصاد أخضر على الصعيدين الوطنى والاقليمي، تعتمد إدماج مختلف الاستراتيجيات والبرامج القطاعية.

2- ضمان اندماج صناعى فعلى وتنمية داعمة  للمسالك الخضراء الوطنية.

3- وضع مخطط عملى من أجل استباق الحاجات المستقبلية من الكفاءات التى تناسب البرنامج الوطنى لتطوير مسالك صناعية خضراء، بتنسيق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين والأكاديميين، مع الحرص على إدماج البعد الإقليمي.

4- تطوير البعد والسلوك الاجتماعيين فى إطار الاقتصاد الأخضر، مع الارتكاز على «الميثاق الاجتماعي» الذى أعده المجلس الاقتصادى والاجتماعى كمرجعية أساسية.

5- تفعيل الترسانة القانونية البيئية الموجودة بوضع وسائل للمراقبة والتتبع المناسبين، وتطبيق مبدأ «الملوث يدفع»، وإصدار القانون المتعلق بالميثاق الوطنى للبيئة والتنمية المستدامة.

6- تعزيز آليات التمويل العام-الخاص عبر صيغ تفضيلية لتخضير مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصاً بالنسبة إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة.

4-  تجربة المملكة الأردنية:

يعد الأردن من أكثر مناطق العالم تقلباً، ويواجه تحديات  كبيرة نظراً لافتقاره إلى المصادر المحلية للطاقة واعتماده على الاستيراد، حيث استورد نحو 93% من احتياجاته من الطاقة الكلية عام 2018، مقابل 97 % عام 2014، ما أدى إلى تبنى سياسة واضحة فى قطاع الطاقة، تهدف ً أساسا إلى تحقيق أمن التزود بالطاقة، من خلال التنوع فى مصادر وأشكال الطاقة المستوردة، وتطوير مصادر الطاقة المحلية، التقليدية والمتجددة، واستغلالها، والتوجه نحو طاقة مستدامة، وتبنى سياسة تحرير أسواق الطاقة بما فيها سوق المشتقات البترولية، وتهيئة الفرص للقطاع الخاص وتشجيعه للاستثمار فى مشروعات البنى التحتية لقطاع الطاقة، وكذلك تعزيز مشروعات الربط الإقليمى للطاقة.


-

فى ضوء ما سبق، ولمواجهة تلك التحديات، أطلقت عمان الاستراتيجية الوطنية الشاملة للطاقة خلال الأعوام من (2020 إلى 2030)، وذلك للإسهام فى تحقيق الأهداف الوطنية. وقد تم تحديد الأهداف الاستراتيجية لقطاع الطاقة على النحو التالي:

- تنويع مصادر الطاقة وأشكالها.

- زيادة إسهام مصادر الطاقة المحلية فى خليط الطاقة الكلي.

- زيادة كفاءة استخدام الطاقة فى مختلف القطاعات.

- خفض تكلفة الطاقة على الاقتصاد الوطني.

- تطوير منظومة قطاع الطاقة لجعله مركزاً إقليمياً لتبادل الطاقة بمختلف أشكالها.

وقد تبين أن سيناريو «زيادة الاعتماد على الذات» هو الأنسب والأكثر تحقيقا لأهداف الاستراتيجية المتمثلة فى تنويع مصادر الطاقة وأشكالها، وزيادة إسهام مصادر الطاقة المحلية فى خليط الطاقة الكلي، إضافة إلى زيادة كفاءة استخدام الطاقة فى مختلف القطاعات مع الأخذ فى الحسبان خفض تكلفة الطاقة على الاقتصاد الوطني، مع تطوير منظومة قطاع الطاقة فى الأردن لجعله مركزا اقليمياً لتبادل الطاقة بمختلف أشكالها.

وتضمن السيناريو المعتمد ما يلي:

- اعتماد النمو فى الناتج المحلى الإجمالى وفقا للوضع الحالي.

- تنويع مصادر توليد الطاقة الكهربائية.

- توليد الطاقة الكهربائية فى المملكة اعتمادا على الغاز الطبيعى والطاقة المتجددة والمشروعات الملتزمة بها.

- زيادة مشاركة مشروعات الطاقة المتجددة فى تغطية احتياجات المملكة من الطاقة الكهربائية لترتفع من 2400 ميجاوات عام 2020 إلى 3200 ميجاوات عام 2030.

- تحسين كفاءة استخدام الطاقة فى القطاعات المختلفة بنسبة 9% من متوسط الاستهلاك فى عام 2018 بحلول عام 2030.

- تحسين كفاءة الطاقة فى قطاع المياه بنسبة 15% حتى عام 2025 بحساب سنة الأساس 2018.

- تنفيذ مشروع التوسعة الرابع لمصفاة البترول الأردنية.

- زيادة كميات الزيت الصخرى المخطط إنتاجها من مشروعات تقطير الصخر الزيتي.

- زيادة إنتاج حقل الريشة.

- ضبط المحددات الفنية لتشغيل النظام الكهربائى وفقا لخطط شركة الكهرباء الوطنية والتزاماتها.

- زيادة اعتماد قطاع النقل على الغاز المضغوط واستخدام وسائط النقل الكهربائية.

الهوامش:

• وزارة التغير المناخى والبيئة الإماراتية.

• رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

• الاستراتيجية الطاقة الوطنية الشاملة للأردن.

• استراتيجية الطاقة الوطنية الشاملة 2050 لدولة الإمارات العربية المتحدة.

• The International Relations of the Green Economy in the Gulf: lessons from the UAEs State-Led Energy transition.

• UAE Green Development strategy.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. سمير القرعيش

    د. سمير القرعيش

    نائب رئيس الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية