تحليلات - شئون دولية

أضواء على اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة

طباعة

بعد غياب عن الساحة الدولية لما يقرب من عامين بسبب كوفيد-١٩، وفى ظل تفاقم أجواء الحرب المشتعلة بين روسيا وأوكرانيا وانعكاساتها المتعددة، خاصة بالنسبة للغذاء والطاقة وما قد ينجم عن تطورات تلك الحرب إذا تم استخدام السلاح النووي، وما أفرزته بشكل عام من الصراع المتبادل بين الغرب والشرق وآثاره المدمرة في تفتيت العالم وتمزيقه، وفى ضوء مشكلات الجوع والفقر المتزايد على مستوى العالم، وكذا قضايا المناخ وتلوث البيئة والاحتباس الحراري وغيرها من القضايا والمشكلات المعقدة.. انعقد هذا المحفل العالمي "الجمعية العامة للأمم المتحدة "للتو التي تعد بمنزلة برلمان للعالم، حيث اعتاد القادة والزعماء وممثلو الدول المختلفة الإعراب عن آرائهم وعرض وجهات نظرهم في مختلف القضايا المطروحة على أجندة الجمعية العامة، التي في الغالب تعقد جلساتها خلال الأسبوع الأخير من سبتمبر في كل عام.                                                                                                     

وإذا كان مجلس الأمن الدولي لا يعبر عن الضمير العالمي بعدل وحيادية في ظل سيطرة الدول الخمس الكبرى على قراراته وتمتعه بحق الفيتو الذي يمنع تنفيذ القرارات الملزمة، فإنه بالتالي يعنى عدم العدالة في النظام الدولي بشكل عام. ولعل التعثر الذي لازم القضية الفلسطينية على مدار تاريخها منذ نشأة الأمم المتحدة يعد خير على ذلك. لكن تبقى الجمعية العامة للأمم المتحدة ورغم عدم إلزام القرارات الصادرة عنها بمنزلة المنبر الذي يفتح أبوابه للجميع، حيث يستطيع الضعفاء والمهمشون التعبير عن آرائهم وأفكارهم.. وتظل القرارات الصادرة عنها، رغم عدم تنفيذها فى معظم الأحيان، مرجعية دولية يمكن الاحتكام لها والاستناد لفعالياتها. وتظل أهدافها خير تعبير عن مبادئ الأمم المتحدة، وهى تحقيق: السلام والكرامة والمساواة بين الجميع كهدف أعلى خاصة من جانب منظماتها المتخصصة . كما تعد المناقشات العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة لرؤساء الدول والحكومات للالتقاء في مقر الأمم المتحدة "بنيويورك" ومناقشة القضايا العالمية في أروقتها.                                                                                        

أولا- حيثيات وظروف انعقاد اللقاء السنوي:

بدأت يوم الثلاثاء قبل الماضي فى "العشرين من سبتمبر"، وعلى مدار أسبوع جلسات النقاش العام الرفيع المستوى لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة الـ77 التي استمرت لمدة أسبوع، حيث كان من المنتظر أن تستعيد حيويتها هذا العام بعد عامين من غياب المشاركة الحضورية أو خفضها بسبب جائحة كورونا. ووفقا للأنباء، فقد شارك  فيها  أكثر من 150 من رؤساء الدول والحكومات في هذه الجلسات التي تعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وقد أثرت فى ترتيباتها بالطبع وفاة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، إذ أرجأ عدد من القادة -بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدن- مواعيد وصولهم من أجل المشاركة في مراسم جنازة الملكة.                                                                                                  

وقد ناقشت اجتماعات الأمم المتحدة التحديات العالمية المتصاعدة في قضايا الغذاء والمناخ والتعليم، كما كانت قضايا ليبيا واليمن وسوريا وفلسطين وأفغانستان والاتفاق النووي مثار اهتمام ومناقشة. ووفقا لما قالته "بولينا كوبياك" المتحدثة باسم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن "الكثير مما يجري في الجمعية العامة لا يحدث على المنصة"، حيث إن الدول الأعضاء تلقي خطابات مطولة، ولكن العمل الحقيقي يكون في اللقاءات الثنائية خلف الأبواب المغلقة. من ثم, فقد التقي قادة العالم الغارق في الأزمات من الحرب في أوكرانيا إلى الكوارث المناخية، وصولاً إلى انعدام الأمن الغذائي، اعتباراً من العشرين من سبتمبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تشهد انقسامات عميقة. وعلى مدى أسبوع، ألقي نحو 150 رئيس دولة أو حكومة من جميع أنحاء العالم خطابات فى أثناء هذا الاجتماع السنوي الذي يُعقد للمرة الأولى حضورياً بعدما كان يُجرى عبر الإنترنت في العامين الماضيين بسبب أزمة وباء كوفيد-19.                                      

ألقي الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" الخطاب الافتتاحي للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال جوتيريش الاثنين "نجتمع في لحظة خطر كبير بالنسبة للعالم" متحدثاً عن "نزاعات وكوارث مناخية"، إضافة إلى "الريبة والانقسام" و"الفقر وانعدام المساواة والتمييز. وأضاف جوتيريش: مكافحة تغير المناخ مصلحة حيوية للبشرية كافة وعلى كل الدول جعلها أولوية. وأضاف أن الغزو الروسي لأوكرانيا سيكون في صلب هذا الأسبوع الدبلوماسي الرفيع المستوى، مع مداخلة للرئيس الأوكراني زيلينسكي عبر الفيديو بعد حصوله على إذن خاص صوتت عليه الدول الأعضاء الأسبوع قبل الماضي، وكذلك في صلب اجتماع لمجلس الأمن على مستوى وزراء الخارجية الخميس.. إلا أن دول الجنوب تعترض أكثر فأكثر على تركيز الدول الغربية انتباهها على أوكرانيا.                                                                                             

وعلى حد قول رئيسة وزراء بربادوس "ميا موتلي "الاثنين في اليوم التمهيدي الذي خُصّص للتعليم وأهداف النمو، "لا نريد التحدث فقط عن وضع حدّ للنزاع في أوكرانيا. نريد أن تنتهي النزاعات في تيجراي، نريد أن تنتهي النزاعات في سوريا، نريد أن تنتهي النزاعات أينما كانت في العالم. لكن لا شك فى أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد هيمن على اجتماع زعماء العالم بالأمم المتحدة، وأيضا الملف النووي الإيراني. وفي محاولة للاستجابة لمخاوف بعض الدول، نظم الأمريكيون والأوروبيون الثلاثاء اجتماعاً رفيع المستوى حول انعدام الأمن الغذائي، وهو أحد تداعيات هذه الحرب التي تعاني منها البشرية. وشدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي ألقي كلمته الثلاثاء، على ضرورة الحيلولة دون "الانشقاق" بين دول الشمال ودول الجنوب.                                               

 ثانيا- مضمون المشاركة الأمريكية:

جاءت كلمة الرئيس: الأمريكى جو بايدن المطولة يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من سبتمبر كأهم الكلمات التي ألقيت، ولتلقى الضوء على وجهة النظر الأمريكية في معالجة والتعامل مع مختلف قضايا العالم, وحيث أشار للفوضى التي شهدها العالم  في العام الماضي: حيث أزمة متنامية في انعدام الأمن الغذائي؛ وأرقام قياسية في درجات الحرارة؛ وفيضانات؛ وجفاف؛ وكوفيد-19؛ وتضخم؛ وحرب وحشية، لا مبرر لها "بحسب ما أشار", منتقدا الغزو الروسى لأوكرانيا بشكل واضح. موضحا أنه لهذا السبب اجتمعت 141 دولة في الجمعية العامة لإدانة حرب روسيا ضد أوكرانيا بشكل لا لبس فيه. وقد حشدت الولايات المتحدة مستويات هائلة من المساعدات الأمنية والمساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي المباشر لأوكرانيا –أكثر من 25 مليار دولار حتى الآن- كما هب حلفاؤها وشركاؤها في جميع أنحاء العالم أيضا. واليوم، ساهمت أكثر من 40 دولة ممثلة هنا بمليارات الدولارات من أموالها ومعداتها الخاصة لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.                                                                                                

وفيما يخص المناخ, أوضح "إنه منذ اليوم الذي توليت فيه منصبي، مارسنا زمام القيادة بأجندة مناخية جريئة. فقد انضممنا مرة أخرى إلى اتفاقية باريس، وعقدنا مؤتمرات قمة المناخ الرئيسية، وساعدنا في تقديم اتفاقيات حاسمة بشأن أهداف مؤتمر الأمم بالمتحدة السادس والعشرين بشأن المناخ. وساعدنا في وضع ثلثي الناتج المحلي الإجمالي العالمي على المسار الصحيح للحد من ارتفاع درجة الحرارة في حدود 1.5 درجة مئوية". 

في مجال الصحة العالمية، ذكر الرئيس الأمريكى: "قدمنا ​​أكثر من 620 مليون جرعة من لقاح كوڤيد-19 إلى 116 دولة حول العالم، مع توافر المزيد للمساعدة في تلبية احتياجات البلدان. كل ذلك مجانًا، دون قيود أو شروط".   

وأضاف "نحن أيضًا نعالج أزمة الغذاء بشكل مباشر. فمع ما يصل إلى 193 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي -وهي قفزة هائلة قدرها 40 مليونًا في عام واحد- أعلن اليوم عن دعم أمريكي إضافي بقيمة 2.9 مليار دولار للمساعدات الإنسانية المنقذة للأرواح والأمن الغذائي لهذا العام وحده. نحن نؤمن بقوة بضرورة إطعام العالم. وهذا هو السبب في أن الولايات المتحدة هي أكبر داعم في العالم لبرنامج الأغذية العالمي –بأكثر من 40 في المئة من ميزانيته. نحن الداعم الرئيسي لجهود منظمة يونيسف لإطعام الأطفال في جميع أنحاء العالم".                                                                         

ومع شركائنا في الأمريكتين، وإفريقيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، ومنطقة المحيطين الهندي والهادى، نعمل على بناء نظام حيوي اقتصادي جديد، حيث تحصل كل دولة على فرصة عادلة، ويكون النمو الاقتصادي مرنًا ومستدامًا ومشتركًا، وبما أن الحرب الروسية تؤثر تأثيرا سلبيا فى الاقتصاد العالمي، فإننا ندعو أيضًا الدائنين العالميين الرئيسيين، بما فيهم الدول غير الأعضاء في نادي باريس، إلى التفاوض بشفافية بشأن إعفاء البلدان ذات الدخل المنخفض من الديون من أجل تفادي أزمات اقتصادية وسياسية أوسع نطاقا حول العالم.       

وفيما يخص الصين، أوكد إننا نسعى من أجل دعم السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان. وإننا ما زلنا متمسكين بسياسة الصين الواحدة، التي ساهمت في منع النزاع لمدة أربعة عقود. وما زلنا نعارض أي تغييرات أحادية للوضع القائم من أي جانب. إننا ندعم عملية سلام يقودها الاتحاد الإفريقي -لإنهاء القتال في إثيوبيا– وإعادة الأمن لكل مواطنيها. وفي فنزويلا -حيث دفعت سنوات عديدة من القهر السياسي أكثر من 6 ملايين شخص للخروج من البلاد- إننا نحث على إجراء حوار بقيادة مواطني فنزويلا- والعودة إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وإننا نواصل الوقوف إلى جانب جارتنا هايتي – وهي تواجه العنف الذي تؤججه العصابات السياسية – والأزمة الإنسانية الهائلة- ونهيب بالعالم أن يفعل ذلك أيضًا. وعلينا أن نفعل المزيد. سنواصل الدعم للهدنة في اليمن بوساطة الأمم المتحدة- التي حققت شهورًا رائعة وثمينة من السلام- لشعب عانى سنوات من الحرب.                                                                                               

وأوكد إننا سنواصل الدعوة إلى سلام دائم، من خلال التفاوض- بين دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية – والشعب الفلسطيني. إن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن إسرائيل.. ويظل حل الدولتين الذي يتم من خلال التفاوض أفضل طريقة لضمان أمن وازدهار إسرائيل في المستقبل- ويعطي الفلسطينيين الدولة التي يستحقونها. وكلتا الدولتين- تحترم الحقوق المتساوية الكاملة لمواطنيها، وكلا الشعبين يتمتع بالتدابير المتساوية للحرية والكرامة.       

وبينما تبقى الولايات المتحدة مستعدة للعودة المتبادلة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة إذا ارتقت إيران إلى مستوى التزاماتها، فإن الولايات المتحدة واضحة تمامًا: إننا لن نسمح بالحصول على سلاح نووي.. ورغم انتقاده لكل من روسيا والصين وكوريا الشمالية، لكنه أوضح إنه لا يزال على اعتقاده بأن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة للتوصل إلى تلك النتيجة: "إن نظام عدم الانتشار يعد أحد أعظم النجاحات لهذه المؤسسة. لا يمكننا أن ندع العالم ينزلق نحو الخلف، كما لا يمكننا أن نغض البصر عن تآكل حقوق الإنسان منذ إقرار ميثاقه  في الأربعينيات من القرن الماضي.إن الولايات المتحدة ستظل دائما مدافعة ومشجعة على احترام حقوق الإنسان والقيم المتأصلة في ميثاق الأمم المتحدة قي بلدنا، وفي جميع أنحاء العالم".                            

ثالثا- المشاركة الروسية ودلالة كلمة "لافروف":

حتى اللحظة الأخيرة، كانت زيارة الوفد الروسي مصحوبة بمشكلات في إصدار التأشيرات والخدمات اللوجيستية الأمريكية، التي أصبحت أكثر تعقيدا بعد فرض عقوبات على قطاع الطيران الروسي وإغلاق جميع الدول الأوروبية تقريبا، والولايات المتحدة، لمجالها الجوي أمام الطائرات الروسية. وحيث بدأ وزير الخارجية الروسي يوم الأربعاء البرنامج الرسمي لمشاركته في الأسبوع رفيع المستوى من افتتاح الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد عقد لافروف نحو 20 اجتماعا مع قادة ووزراء خارجية الدول الأخرى، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بالإضافة إلى ذلك، فلقد التقي لافروف في نيويورك مع مجموعة الاتصال التابعة لجامعة الدول العربية الخاصة بأوكرانيا. وألقي كلمة من منبر الأمم المتحدة يوم السبت.                      

وقال "لافروف" أنه في مواجهة "عجز" الدول الغربية عن التفاوض و"حرب الحكومة الأوكرانية ضد شعبها" في الشرق، لم يكن أمام روسيا "خيار" سوى شن ما تسميه روسيا عملية عسكرية خاصة، وقال السيد لافروف، إن العملية التي بدأت في 24 فبراير كانت قد نُفِّذت لحماية الروس الذين يعيشون في منطقتي دونيتسك ولوهانسك بأوكرانيا، والقضاء على التهديدات للأمن الروسي، التى نتجت عن الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو العسكري بقيادة الولايات المتحدة باستمرار في الإقليم، منذ ما وصفه بـ "الانقلاب الدموي" من قبل "نظام كييف" الحالي، في عام 2014. واتهم لافروف الغرب بـ "التسبب في نوبة" خلال استفتاءات نهاية الأسبوع في دونباس وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها روسيا بشأن أن تصبح جزءا من الاتحاد الروسي، مشيرا إلى أن الناس هناك كانوا ببساطة يتبعون أمرا من كييف، بـ "الخروج والذهاب إلى روسيا". لكن جاء الاستفتاء فى النهاية لمصلحة ضم تلك المناطق الى روسيا.                                                                       

وقال وزير الخارجية الروسي إن الأزمات المحيطة بالحرب تتزايد، والوضع الدولي يتدهور بسرعة، ولكن بدلاً من إجراء حوار صادق والبحث عن حل وسط، "يقوض الغرب الثقة في المؤسسات الدولية" ويشجع الاتجاهات السلبية بما في ذلك داخل الأمم المتحدة. وقال إن الولايات المتحدة تحاول تحويل العالم كله إلى "فنائها الخلفي"، ومع شركائها، تعاقب المعارضين من وجهة نظرها العالمية، من خلال ما سماه "عقوبات غير قانونية أحادية الجانب" تنتهك ميثاق الأمم المتحدة، وتؤذي المواطنين في البلدان الفقيرة، تستهدف الأدوية واللقاحات والواردات الغذائية. وقال: "اليوم يتم البت في مسألة مستقبل النظام العالمي - وهذا واضح لأي مراقب غير متحيز. السؤال هو: هل نحتاج لنظام عالمي على رأسه قطب واحد يستعبد الآخرين ليمتثلوا إلى قواعده وقواعد استبداده؟ أم نريد نظاما عالميا عادلا وديمقراطيا دون الابتزاز، ودون بث الخوف في النفوس من الاستعمار الجديد؟، إن روسيا تتساءل: من الدولة التي تدخلت فيها الولايات المتحدة بالقوة وتحسنت أوضاعُها؟

وأشاد المسئول الروسي بالأمين العام للأمم المتحدة لحشد الجهود للتغلب على أزمة الغذاء والطاقة العالمية التي أججتها الحرب، لكنه ألقى باللوم على الغرب في سوء الإدارة الاقتصادية، مدعيا أن العقوبات ضد بلاده ترقى إلى "الحرب الاقتصادية ضد روسيا". وأشاد بمبادرة حبوب البحر الأسود لتوفير المواد الغذائية والأسمدة وتصديرها من أوكرانيا وروسيا، للتخفيف من تضخم الأسعار وتسهيل الإمدادات.لكنه قال إن أفقر البلدان لا تزال غير مستفيدة، وانتقد مرة أخرى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعدم إزالة "العقبات" بالكامل أمام الصادرات الروسية قائلا إنها عالقة في الموانئ الأوروبية.                                               

في ختام حديثه بملاحظة تصالحية، وإيماءة إلى مستقبل أكثر إشراقا للتعددية، قال إنه مقتنع بأنه يمكن ضمان استقرار النظام العالمي، من خلال العودة إلى "أصول دبلوماسية الأمم المتحدة"، على أساس المبدأ الأساسي "المساواة في السيادة بين الدول".                                                                          

رابعا- أنشطة مصر فى اجتماعات الجمعية العامة:

رغم عدم حضور الرئيس السيسى  شخصيا،  لكنه وجه كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار الإعداد لقمة المناخ المقبلة بشرم الشيخ. وأوضح الرئيس أنه منذ نحو عام مضى، شاركنا معًا في هذا الاجتماع، في إطار الإعداد لقمة المناخ في المملكة المتحدة، واليوم، ونحن على بعد أسابيع قليلة، من قمة المناخ السابعة والعشرين، التي تستضيفها مصر في شرم الشيخ فإننا نجتمع مرة أخرى، في ظل أحداث جرت على مدار العام الماضي تسببت في أزمات سياسية، وتحديات في الغذاء والطاقة وسلاسل الإمداد، طالت آثارها شتى أنحاء العالم. وأوضح إن هذه التحديات، تمثل دون شك، أعباء إضافية على دولنا جميعًا، خاصة النامية منها، إلا أن علينا دائمًا أن نعتد بالتقارير العلمية الموضوعية التي تؤكد بشكل قاطع أن تغير المناخ، يظل التحدي الوجودي الأخطر، الذي يواجه كوكبنا، وأن تداعياته تزداد تفاقمًا يومًا بعد يوم، مع كل ارتفاع في درجات الحرارة.                                                                                                  

وطرح السيد الرئيس رؤية مصر، على النحو التالى:

أولًا- إننا كمجتمع دولي، وبصرف النظر عن أي ظرف عالمي، أو خلاف سياسي لن نتراجع عن التزامات ارتضيناها، وتعهدات قطعناها على أنفسنا، ولا عن سياسات انتهجناها، حققت بالفعل مكتسبات مهمة في مواجهة تغير المناخ.                                                                                       

ثانيًا- إننا كقادة للعالم، ندرك تمامًا أن حجم الجهد المبذول، لا يفي بالمطلوب تحقيقه، وأننا سنتخذ جميع الإجراءات اللازمة لتنفيذ تعهداتنا، سواءً من خلال رفع طموح وتحديث مساهماتنا المحددة وطنيًا، بحسب اتفاق باريس أو من خلال دعم مختلف الجهود والمبادرات، الهادفة إلى تعزيز عمل المناخ بالشراكة مع جميع الأطراف الحكومية وغير الحكومية من المجتمع المدني والبنوك ومؤسسات التمويل الدولية والقطاع الخاص العالمي، وهي أطراف لا غنى عنها في هذه المواجهة.                                                            

ثالثًا- إننا كمجتمع دولي، نعلم تمام العلم، حجم العبء الملقى على عاتق الدول النامية والأقل نموًا وحجم ما يتعين عليها مواجهته للوفاء بتعهداتها المناخية، مع الاستمرار في جهود التنمية، والقضاء على الفقر، في ظـل أزمتي غــذاء وطـاقـة غيـر مسـبوقتين وإننا نتعهد، الدول المتقدمة منا، بالإسراع من وتيرة تنفيذ التزاماتنا، تجاه هذه الدول، بتوفير تمويل المناخ لمصلحة خفض الانبعاثات والتكيف، وبناء القدرة على التحمل، سواء بالوفاء بتعهد الـ "١٠٠" مليار دولار، وتعهد مضاعفة التمويل الموجه إلى التكيف أو بالإسراع من التوافق على هدف التمويل الجديد، لما بعد عام ٢٠٢٥.                                                                                  

وختم الرئيس كلمته بـ "إننى أثق بأنكم تتفقون معي، حول هذه الرؤية وأعلم أنكم ستأتون إلى شرم الشيخ، محملين بتطلعات وتوقعات شعوبنا جميعًا ولا يساورني شك، أننا كقادة للعالم، سنرتفع إلى قدر المسئولية الملقاة على عاتقنا لوضع هذه الرؤية موضع التنفيذ لكي لا تنظر إلينا الأجيال القادمة لتقول: كانت لديكم فرصة فأضعتموها، وها نحن اليوم ندفع الثمن باهظًا".                                                            

فيما دعا وزير الخارجية المصرى سامح شكري إلى حل دبلوماسي للأزمة الأوكرانية في اجتماع مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف. وقال شكري لنظيره الروسي إن التوصل إلى تسوية سياسية مع أوكرانيا أمر مهم، خاصة "في ضوء التداعيات السلبية لتلك الأزمة على الاقتصاد الدولي، لاسيما تأثير أزمتي الغذاء والطاقة فى الدول النامية، ومن بينها مصر.                                                           

أيضا، حضر شكري اجتماعا لمناقشة إحياء حل الدولتين مع نظرائه من الأردن والمملكة المتحدة وفرنسا، فضلا عن ممثلي الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. جاءت الاجتماعات، بينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، يائير لابيد، "دعمه لحل الدولتين خلال خطابه، ليصبح أول زعيم إسرائيلي يفعل ذلك في السنوات الأخيرة.كما ناقش شكري أيضا زيادة الاستثمار في مصر مع نظيريه البريطاني والأيرلندي.

وأجري محادثات مع الولايات المتحدة وحلفاء إقليميين: حيث شدد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على "التزام الولايات المتحدة بالأمن الإقليمي والازدهار الاقتصادي".

وتصدرت قضايا الأمن الغذائي والمناخ وسد النهضة الإثيوبي كلمة وزير الخارجية سامح شكري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الليلة الماضية.

قال وزير الخارجية المصري إن "أزمة الأمن الغذائي تعد نتاجا لسنوات طويلة من إخفاق المجتمع الدولي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، مطالبا بطرح استراتيجية متكاملة تعالج الأسباب الجذرية للأزمة. وقال "نحن بحاجة إلى تطوير نظم الزراعة والغذاء المستدامة، وتلبية الاحتياجات العاجلة للدول النامية المستوردة للأغذية"، مضيفا أن مصر مستعدة للتعاون مع المجتمع الدولي لإنشاء مركز دولي لتخزين وتوريد وتجارة الحبوب.                                                                                                 

كما تحدث الوزير المصري مجددا عن حاجة مصر وإثيوبيا والسودان لإيجاد مخرج من أزمة سد النهضة، ودعا الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي إلى وقف أي إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، الذي قال إنه يتعارض مع القانون الدولي، مطالبا بضرورة التوصل دون "تأخير أو مماطلة" إلى اتفاق قانوني ملزم.                                                                                    

كما واصلت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولي، لقاءاتها مع ممثلي شركاء التنمية والمنظمات الدولية، ضمن فعاليات الدورة الـ77 من الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيوريورك، حيث التقت وزيرة التعاون الدولي، داميلولا أوجونبيي، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للطاقة المستدامة للجميع، وكذلك كريستينا داورتي، المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإفريقية.                                   

 وخلال اللقاء سلطت وزيرة التعاون الدولي، الضوء على نتائج منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي، الذي عُقد في نسخته الثانية تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمشاركة وزراء الاقتصاد والمالية والبيئة الأفارقة، مشيرة إلى أن المنتدى نجح في لفت أنظار المجتمع الدولي إلى احتياجات قارة إفريقيا للتحول إلى الاقتصاد الأخضر وتعزيز العمل المناخي، والتأكيد على ضرورة انتقال المجتمع الدولي من مرحلة التعهدات إلى مرحلة التنفيذ للوفاء بالالتزامات المالية لتمويل الطموح المناخي في الدول النامية والاقتصادات الناشئة.

 ولفتت أن مصر تعمل في الفترة الحالية على الانتهاء من إعداد الإطار الاستراتيجي للشراكة من أجل التنمية المستدامة بين مصر والأمم المتحدة 2023-2027، والذي يهدف إلى دعم أولويات وجهود الحكومة المصرية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية استنادًا إلى ما تحقق من جهود تنموية في الإطار الاستراتيجي للشراكة للفترة من 2018 إلى 2022، حيث يعمل الإطار الجديد على تحقيق خمسة أهداف رئيسية هي تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري، وتحقيق التنمية الشاملة، والاستدامة البيئية، والشفافية والحوكمة، وتمكين المرأة، حيث تعكس هذه الأولويات الخمسة تحقيق التنمية وبناء مستقبل أفضل.                                               

ختاما، إن هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة عقدت في خضم انقسامات شديدة التباين بين الدول الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن الدولي، على خلفية الحرب الروسية في أوكرانيا وما نجم عنها من تداعيات وأزمات.وبالطبع هيمنت الحرب على أجندة الاجتماعات، حيث أعدّ كلا المعسكرين لمنازلة دبلوماسية لاستقطاب تأييد دول أو تحييدها.. ولعل موافقة الجمعية العامة بأغلبية كبيرة على مشاركة افتراضية للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، رغم اعتراض روسيا وحلفائها، تعكس حجم المعركة واتجاهاتها، وهي خطوة سبقها تقليص وتأخير تأشيرات الوفد الروسي المشارك هذا العام, وهو ما رآه البعض، خاصة الأوربيين "أنه يظهر مدى عزلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن -فى المقابل- وكما ذكر وزير الخارجية الروسى فى  ختام  كلمته: "أيها العالم، أرنا ما لديك"، كما كانت رسالة وزير الخارجية المصري أيضا في نيويورك حول تمويل المناخ، حيث دعا الدول الغنية إلى تكثيف وتخصيص كل من القروض وما يسمى أموال "الخسارة والأضرار" للدول النامية، الأقل مساهمة في تغير المناخ، لكنها تواجه أسوأ آثاره. ولعل هذا هو المهم والمرجو من قادة وزعماء العالم المنتظر مشاركتهم فى قمة شرم الشيخ المقبلة.                                                                   

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. جوزيف رامز أمين

    د. جوزيف رامز أمين

    خبير فى الشئون الإفريقية