تحليلات - شرق أوسط

تطورات المشهد اللبنانى الراهن وتحديات تشكيل الحكومة

طباعة

أظهرت الانتخابات النيابية في لبنان، التي تم إجراؤها في 15 مايو 2022، وقائع سياسية غيرت في مواقع السياسية اللبنانية، حيث شكلت محطة جديدة في مسار من الاستقطاب السياسي الداخلي، ومن الضغوط الرامية إلي إحداث التوازنات السياسية اللبنانية. إن هذا المسار التي شكلت فيه الانتخابات ونتائجها انعطافا مهما كان قد بدأ من لحظة اندلاع مظاهرات 17 أكتوبر عام 2019، وأطلق استقطابا غير مسبوق في المجتمع اللبناني أدي إلي تعزيز الانقسامات والصراعات بين اللاعبين السياسيين، وإلي تعميق الانهيار المالي-الاقتصادي مع تداعيات بالغة الأثر علي المواطنين، وإلي زيادة هشاشة النظام السياسي القائم علي مشاركة القوي السياسية بحسب تمثيلها للطوائف.

تحديات تشكيل الحكومة اللبنانية:

يرتبط هذا المسار التفاعلي في لبنان بالديناميكيات الداخلية والخارجية. أما عن الصعيد العالمي، فالولايات المتحدة عملت علي إحداث تغييرات في المشهد السياسي الداخلي الذي شكل فيه تحالف حزب الله، والتيار الوطني الحر وحلفاؤهما أكثرية راجحة في المجلس النيابي السابق الناتج عن انتخابات 2018، ضمن صراعها، وفي إطار ديناميكية العلاقة التنافسية مع القوى التى تدعم حزب الله وحلفاءه فى المنطقة. وترتبط الديناميكية أو الهيمنة الأمريكية بشكل وثيق أيضا مع السعي إلى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بما يضمن مصلحتها في استخراج الغاز من الحقول المتنازع عليها حاليا.

ويمكن اعتبار هذه الانتخابات محطة للانتقال إلى مراحل جديدة للمستقبل للخروج من الأزمة الأكثر تعقيدا من المراحل السابقة، وفي ظل ظروف داخلية وإقليمية دولية استثنائية. فداخليا، حدث نزاعات طائفية لم تنته حتى الآن، وأجريت انتخابات علي وقع الانهيار الاقتصادي الذي خلَّف -ولا يزال- تبعات اجتماعية كارثية.

ويشكل اللقاء المرتقب هذا الأسبوع بين رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، نجيب ميقاتي، لقاء الفرصة الأخيرة الذي من خلاله يتقرر مصير المساعي الرامية إلى تشكيلها. ويبدو أن ميقاتي يفضّل الإبقاء على الحكومة الحالية مع إدخال تعديلين عليها بتعيين وزيرين للاقتصاد والمهجرين بدلاً من الحاليين أمين سلام وعصام شرف الدين من دون أن يغلق الباب أمام اقتراح عون بتشكيل حكومة موسعة من 30 وزيراً من بينهم 6 وزراء دولة شرط ألا تؤدي التشكيلة الوزارية إلى توزير أسماء فاقعة يصعب عليه تسويقها لدى البرلمان طلباً لمنحها ثقة المجلس النيابي.

واقترح ميقاتي صيغة بديلة تقوم على أن يحل مكان سلام أحد النواب من كتلة الاعتدال الشمالية بذريعة أنها كانت سمته لتشكيل الحكومة، مقابل أن يؤتى بوزير درزي يدور في فلك "اللقاء الديمقراطي" بدلاً من شرف الدين الذي ينتمي إلى "الحزب الديمقراطي اللبناني" الذي لم يعد له أي ممثل في البرلمان بعد رسوب رئيسه النائب طلال أرسلان في الانتخابات النيابية.

ويعتقد أن ميقاتي قدّم تنازلاً بعدم استبداله وزير الطاقة، وليد فياض، المحسوب على رئيس "التيار الوطني الحر" النائب، جبران باسيل، لأنه ليس في وارد استفزازه من جهة، ولعدم الدخول في اشتباك سياسي مع عون من جهة أخرى، واعتبر أن إصرار الأخير على تسمية الوزيرين البديلين لسلام وشرف الدين يأتي استجابة لوريثه السياسي، باسيل، الذي يتحسّب منذ الآن لحصول فراغ رئاسي إذا ما تعذّر انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل انتهاء الولاية الرئاسية للحالي.

ليبقى السؤال: هل يريد عون فعلاً الوصول بتشكيل الحكومة إلى بر الأمان؟ أم أنه يريد تعطيل الجهود لتأليفها ليقحم البلد في اشتباك دستوري تحت عنوان أن صلاحيات رئيس الجمهورية لا تنتقل بالوكالة إلى حكومة تتولى تصريف الأعمال بدلاً من حكومة مكتملة الصلاحيات؟، خاصة أن عون في اجتماعه الأخير بميقاتي، بعد طول انقطاع، تخلّله تبادل أعنف الحملات السياسية بين ميقاتي وباسيل بمشاركة وإعداد الفريق السياسي المحسوب على رئاسة الجمهورية، يواجه حالة من الإرباك والتخبّط على خلفية تباين هذا الفريق مع فريق آخر كان انسحب منه، ويتمثل فى أهل البيت الذين ينصحون بعدم إقحام البلد في فراغ رئاسي ويدعون إلى تمرير المرحلة الانتقالية بهدوء إفساحاً في المجال أمام انتخاب رئيس قبل انقضاء المهلة الدستورية المحددة لانتخابه.

ويبدو أن عون يصر على تشكيل حكومة ثلاثينية، ما دفعه إلى تمسكه بتسمية الوزيرين البديلين لسلام وشرف الدين، وهو يعرف مسبقاً بأن ميقاتي ليس في وارد التسليم له بشروطه، وقال إن عون لم يدخل في الأسماء، وهذا ما أفصح به أمام ميقاتي الذي يرفض توزير من هم من الصقور الذين يدينون بولائهم المطلق لباسيل.

وبذلك، فإن اللقاء المرتقب بين عون وميقاتي سيتناول إصرار الأول على تشكيل حكومة ثلاثينية ليكون في وسع الرئيس المكلف بأن يبني على الشيء مقتضاه مع أن الطريق ليست سالكة أمام ولادتها، ويبقى من الأفضل العودة على تعويم الحكومة الحالية بإدخال وزيرين جديدين، وقال إن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، يحبّذ اقتراح ميقاتي وقد لا يعترض على تشكيل حكومة موسّعة شرط ألا يجتاحها باسيل.

 الفراغ الرئاسي المتوقع ومسار تشكيل الحكومة:

تخيم على المشهد اللبناني هواجس "القلق والخوف" من احتمالية قائمة لتكرار حالة "الفراغ الرئاسي"، وتسترجع الدوائر السياسية والإعلامية في بيروت تاريخ 25 مايو 2014، حينما غادر رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان القصر الجمهوري في بعبدا، ليحلّ الفراغ في الكرسي الرئاسي لسنتين ونصف سنة حتى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في 31 أكتوبر 2016.

فوسط أجواء المماطلة والمناورات السياسية والغموض التصاعدي الذي يغلف مصير سائر الاستحقاقات الداخلية، سواء ما يتصل بها بالاستحقاق الحكومي الذي استفاق عليه فجأة أهل الحكم، أو فيما يتعلق بالأفق شديد القتامة حيال الاستحقاق الرئاسي، عاد الهاجسان المالي والاجتماعي ليطغيا على مجمل المشهد الداخلي في ظل تصاعد الأزمات المعيشية والاجتماعية الخانقة. فهكذا هو دولار السوق السوداء راح يقفز مجددا في الأيام الأخيرة، خارقا سقوفا ملتهبة وأرقاما قياسية جديدة تجاوزت الـ 34 ألف ليرة للدولار الواحد، إذ إن ملهاة التجاذبات السياسية لا تبقي مجالا لاهتمامات أهل السلطة رغم ذرّ الرماد الإعلامي في عيون اللبنانيين وإيهامهم أن مسئوليهم ينصرفون إلى احتواء الأزمات وإيجاد المخارج الممكنة لها.

ورغم هذا المناخ "المناوراتي" في السياسة، لم تحمل الساعات الأخيرة ما يؤكد تفاؤل المتفائلين بإمكان تحريك ملف تأليف الحكومة الجديدة، أو تعويم حكومة تصريف الأعمال، إذ لم تظهر أي مؤشرات عملية بعد لقاء كسر القطيعة بين رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورئيس حكومة تصريف الأعمال في قصر بعبدا، قد تجاوز هذا الإطار إلى إطلاق جهد جهيد مشترك بين الرئيسين نحو محاولة جدية لتأليف حكومة جديدة. في الوقت الذي سادت توقعات حيال لقاء ثان بين عون وميقاتي لاستكمال البحث في الملف الحكومي.

وأفادت معلومات أن ميقاتي سيزور بعبدا، وظل مصير الأجوبة التي تردد أن ميقاتي ينتظرها من عون عالقا في انتظار ما يمكن أن تحمله الساعات المقبلة، إذ إن بعض الأوساط المطلعة على مجريات الاتصالات الجارية في هذا الشأن تحدثت عن إمكان بلورة بعض المعطيات المتصلة بالعادة لتحريك قنوات البحث بين بعبدا والسرايا. ولفتت إلى أن المعطيات التي توافرت حيال التحرك الجديد تشير إلى أن الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أبدى مرونة مفاجئة في مقاربته المستجدة لملف تأليف الحكومة، إذ إنه بعد أن كان لاحظ في التشكيلة التي قدمها إلى رئيس الجمهورية في يونيو تعديلا طال وزارة الطاقة في شكل أساسي عاد وتراجع عنه، واكتفى بتعديل حقيبتين هما حقيبة المهجرين وحقيبة الاقتصاد تاركا لعون حرية التسمية والاختيار. وبحسب هذه المعطيات، فإن ميقاتي يكون بذلك قد قطع الطريق على الاتهامات الموجهة إليه بالمماطلة في محاولة تأليف حكومة ورمى تاليا الكرة مجددا في مرمى بعبدا، وهو ينتظر جواب رئيس الجمهورية على عرضه المعدل، رغبةً في تسهيل عملية التأليف من أجل استعادة صلاحيات حكومة فاعلة ونافذة وقادرة على ملء أي فراغ رئاسي محتمل بعد انتهاء ولاية الرئيس عون.

وتنتهى فى 31 أكتوبر المقبل، ولاية الرئيس عون ويغادر القصر الجمهوري، بعد 6 سنوات من الولاية الرئاسية، على أن يكون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، إذا جرى التزام المهلة الدستورية لهذا الاستحقاق، والتي تبدأ قبل شهرين من انتهاء الولاية الرئاسية، أي في الأوّل من سبتمبر المقبل، وتنتهي مع انتهاء ولاية عون. إلّا أنّ جهات عدة تترقب بحذر هذا الاستحقاق، وتخشى تكرار تجربة الفراغ الرئاسي، خصوصاً أنّ المرشحين المعلنين قلّة، ولا توافق في الأفق حول اسم واحد، فيما يتمسّك رئيس مجلس النواب نبيه بري بأكثرية الثلثين كنصاب لازم لعقد جلسة لانتخاب الرئيس.

فقبل دخول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومرور أقلّ من شهرين على انتهاء ولاية عون، بدأت الدعوات تُوجّه إلى رئيس مجلس النواب ليدعو إلى جلسة لانتخاب الرئيس مطلع المهلة الدستورية ومن دون أي تأخير، ويجري انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التالية.

وظلت المخاوف من عدم توافر نصاب الثلثين بسبب مقاطعة كتل كبيرة لهذه الجلسات.وترى المصادر النيابية اللبنانية أن مجلس النواب يجب أن ينعقد بثلثي عدد النواب، وإذا لم يحصل أي مرشح رئاسي على هذه الأكثرية في الدورة الأولى، عندها يجرى الانتخاب في دورة ثانية، ومن يحصل على الأكثرية المطلقة يصبح رئيساً للجمهورية.

وعلى صعيد الترشيحات وأسماء الموارنة الذين يتمتّعون بحظوظ رئاسية، بات من الملاحظ أنّ الاستحقاق الرئاسي يطغى على تشكيل الحكومة عند أكثر الجهات المعنيّة بهذا الملفّ، في الداخل والخارج، في وقت لم تتبلور بعد معايير الوجه المارونيّ الذي سيخلف عون في هذا المنصب.

ومن الملاحظ أيضا،  أنّ الفرقاء على مختلف أطيافهم وانقساماتهم يعتقدون أنّ استحقاقاتهم الكبرى أصبحت في أيدي ثلاث أو أربع عواصم كبرى تعاين الملفّ اللبنانيّ على مستوى تشكيل الحكومة والمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية، فضلاً عن الاتّفاق الذي يعمل لبنان على إبرامه مع صندوق النقد الدوليّ، بعدما أصبحت أكثر مؤسّسات البلد أشبه بهياكل من دون روح.

وهكذا، يدخل لبنان مرحلة جمود جديدة في انتظار موعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فباتت وتيرة تشكيل الحكومة المُرتقبة بطيئة، وانصرفت قوى سياسية عدة إلى التحضير للاستحقاق الرئاسي على مستوى إجرائه وتحالفاته ومرشحيه.

والتركيز على الاستحقاق الرئاسي ينطلق من أنّه مفصلي ويرسم المرحلة المقبلة للبنان، وعرقلة الاستحقاق في المهلة الدستورية، التى تنتهي في 31 أكتوبر 2022 عند انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تعني أنّ هناك تحضيراً خارجياً – داخلياً لاستحقاقات أكبر، ورسم لمرحلة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، تبدأ من الفوضى وقد لا تنتهي بتغيير النظام ، كذلك يشير اسم الرئيس الجديد وهويته السياسية إلى معالم المرحلة التالية.

أمّا إجراء الانتخابات الرئاسية بلا تأخير فيُترجم الإرادة المعلنة بضبط الوضع في لبنان وعدم أخذه إلى الانهيار التام، حيث يُعتبر استحقاق الرئاسة مفصلياً، لأنّ رئيس الجمهورية رأس الدولة. وانطلاقاً من هذا الموقع المعنوي الكبير والصلاحيات الموجودة بين يديه، فهو قادر على التوجيه وضبط كلّ إيقاع الحياة الوطنية والسياسية، وأن يكون الكلمة الفصل في موضوع القضاء والقوانين والمؤسسات والانضباط والإدارة وطريقة سير الأمور.

تأثير ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل في المجال السياسي اللبناني:

تاريخيًا، مرت العلاقات اللبنانية-الإسرائيلية بمحطات عدة من المفاوضات وسنوات من الخلافات، مفاوضات توقف فيها الجانبان كثيرًا لإيجاد اتفاق أو تفاهم يضع حدًا للنزاع بينهما على الحدود البحرية، غير أن تلك الاتفاقات الهشة سرعان ما تنهار على أرض الواقع، لتبدأ جولات جديدة من المفاوضات والعودة إلى الصراع مجددًا، ولكن هذه المرة عاد ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية إلى الواجهة مجددًا، من بوابة إنرجين باور ودخولها المنطقة المتنازع عليها، استعدادًا لاستخراج الغاز الطبيعي من حقل كاريش وعرقلة المفاوضات بسب وجود حزب الله وتدخله في اتخاذ صنع القرار.

وهناك جدل حول الرهانات الأمريكية وهيمنتها علي الأزمة اللبنانية تؤثر فيها ديناميكيات الصراع الأمريكي حول الملف النووي في المنطقة إذا سعت الولايات المتحدة إلي تغيير موازين القوي في لبنان عبر دعم المعارضة في داخل لبنان وزيادة الضغط السياسي وفرض عقوبات علي لبنان بسبب وجود حزب الله اللبناني المدعوم إقليميا.

استعملت الولايات المتحدة وسائل ضغط في امتلاك أدوات النفوذ في التعاطي مع حزب الله بشأن استغلال الفرص السياسية من أجل تصويب وضع  حزب الله. وهناك العديد من المعوقات والتحديات التي تقف  أمام الجانب اللبناني في مسألة التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، لعل أهمها:

- عدم اتفاق أركان المنظومة اللبنانية الداخلية على تقاسم المنافع والحصص الناجمة عن مردود بيع النفط والغاز الطبيعي.

- الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على شركات الحفر والتنقيب العالمية لعدم مباشرة العمل مع لبنان قبل تسوية نزاعه مع إسرائيل أولًا على ترسيم الحدود البحرية بينهما.

- الخلاف القائم بين أركان المنظومة حول القطاعات Blocksالتي يقتضي البدء بالتنقيب فيها؛ إذ إن بعضهم يريد البدء بالقطاعات الجنوبية كونها تتمتع بالمخزون الأكبر، فيما يريد البعض الآخر البدء بالقطاعات الشمالية، وذلك لتفادي الصراع كونها بعيدة عن منشآت النفط والغاز الإسرائيلية والمحاذية للمياه الإقليمية اللبنانية في جنوب البلاد.

- عزم إسرائيل على المباشرة في إنتاج النفط والغاز الطبيعي من حقل كاريش والذي يقع أكثر من ثلثه في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، وذلك بعدما استحضرت سفينة الإنتاج FPSOلبدء شفط (سحب) النفط والغاز الطبيعي منه وذلك قبل نهاية عام ٢٠٢٢.

- ارتكاب المنظومة اللبنانية خطًأ فادحًا في ترسيم الحدود اللبنانية البحرية مع قبرص؛ وذلك باعتمادها الخط رقم ١ بدلًا من الخط رقم ٢۹، وتهاونت في تصحيح هذا الخطأ بامتناعها عن تعديل المرسوم ٢٠١١/٦٤٣٣ وإبلاغ الأمم المتحدة التصحيح المطلوب بالمرسوم الجديد، وذلك بهدف الحفاظ على حقوق لبنان السيادية في مياهه الإقليمية.

- عدم توافر دراسة سياسية مفصلة في المقام الأول تترافق مع دراسة اقتصادية كبيرة، وذلك لتحديد مكامن القوة لدى لبنان، ثم تحديد خيوط الصراع الكبير التي يمكن له أن يناور ضمنها بغية الوصول إلى ما يمكن أن يقدمه ليكون جزءًا من اللعبة الكبرى ليحفظ حقوقه وثرواته، وحتى يتمكن من استغلال ثرواته الطبيعية من دون أن يشهد صراعا عليه ويتحول إلى بقعة أزمات حادة وطويلة الأمد.

وانتقل ملف الخلاف بين إسرائيل ولبنان حول الحدود البحرية إلى القضاء الإسرائيلي في محاولة لاستصدار قرار يحول دون منح صلاحية لأي رئيس حكومة أو مسئول بالتوصل إلى اتفاق تقدم فيه تل أبيب تنازلات، وفق وجهة نظر إسرائيل.

وقدم ما يسمى منتدى "كهيليت" التماساً إلى المحكمة الإسرائيلية العليا يطالب فيه بتحويل القرار إلى الجمهور لحسمه باستفتاء شعبي. وبحسب الالتماس، يطالب المنتدى بـ"إقرار نتائج المفاوضات بين إسرائيل ولبنان على خط التنقيب البحري في البحر المتوسط في استفتاء شعبي.

وقد زار الوسيط الأمريكي آموس هوكستين، بيروت، ولا يزال لبنان ينتظر رد إسرائيل على اقتراح حمله الأخير من المسئولين اللبنانيين عكس للمرة الأولى وحدة موقف لبنان الرسمي في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية،ما اعتبره هوكستين إنجازاً بحد ذاته بغض النظر عن مضمون الاقتراح اللبناني. ومع انقضاء مهلة  وأكثر على مغادرة الوسيط الأميركي، كثرت التحليلات والتكهنات عن فشل الأخير في إقناع إسرائيل الموافقة على مطالب لبنان، خصوصاً أنه لم يكن قد مضى على مغادرة الوسيط الأمريكي بيروت سوى يوم واحد حتى وقعت إسرائيل مذكرة تفاهم تهدف إلى تصدير الغاز إلى أوروبا بعد تسييله في محطات خارجية معدة لذلك، وهو الغاز الذي سيستخرج من حقل كاريش، الواقع في المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.

مقابل ثقة بعض المسئولين في لبنان في اقتراب موعد الحل في ترسيم الحدود البحرية واستنادهم إلى هذا الملف لإنقاذ الوضعين الاقتصادي والمالي، كخيار ثان مع إنهاء الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، تشكك مصادر دبلوماسية غربية في إمكانية إنهاء هذا الملف قريباً، مؤكدة أنه لن يكون بالسرعة التي وعد اللبنانيون بها. وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن الأميركيين ليسوا على عجلة لإنهاء هذا الملف، وربما ليس قبل بت حل كامل للمنطقة قد يكون على طاولة فيينا، وأي بت في أي موضوع من هذا الحجم لن يكون بمعزل عن الصفقة التي ستتم في المفاوضات الأميركية مع القوة الإقليمية وليس خارجها، بالتالي فإن توقف المفاوضات حالياً لأسباب عدة مرتبط بتزايد المعارضة الأميركية الداخلية، واشتراط موافقة الكونجرس وإلغاء الحرس الثوري  عن لائحة الإرهاب، إضافة إلى تراجع الدور الروسي لانشغاله في حرب أوكرانيا، هذه الأسباب التي أدت إلى توقف اجتماعات فيينا حالياً، ستؤدي حكماً إلى تجميد كل الملفات المرتبطة بالاتفاق النووي. أضف إلى ذلك أن إسرائيل ليست هي الأخرى على عجلة من أمرها ما دامت تعتبر دولياً بأنها لم تخرق حدود لبنان، وما دامت أن الخط المسجل في الأمم المتحدة هو الخط 23، ما يعني أن حقل كاريش الذي تستعد إسرائيل لاستخراج الغاز منه وبيعه هو خارج المنطقة المتنازع عليها.

وتكشف مصادر دبلوماسية أن رئيس الجمهورية ميشال عون سلم الوسيط الأميركي اقتراحاً نص على المطالبة بكامل الـ860 كيلومتراً زائد البلوك 72 الإسرائيلي بما يضمن حصول لبنان على كامل حقل قانا من دون مشاركة حقوقه مع إسرائيل، وعاد لبنان بذلك إلى الخط 23 مسقطاً الخط 29 الذي كان حدده الوفد العسكري اللبناني بتكليف من قيادة الجيش قبل الذهاب إلى المفاوضات غير المباشرة في الناقورة، والتي عادت وتوقفت بعد مطالبة لبنان بمساحة تصل إلى حدود 1430 كيلومتراً للمنطقة الاقتصادية التابعة له. وكشف مصدر مطلع على الملف أن المضي بالتمسك بالخط 29 وتعديل المرسوم 6433، ليصبح حقل كاريش ضمن الخط المذكور، يضع الملف أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الحرب وإما السلم، خصوصاً بعد دخول الباخرة اليونانية إلى حقل كاريش. فإسرائيل التي استثمرت بمليارات الدولارات لاستخراج الغاز لن تقبل أن تتراجع تحت أي تهديد. في المقابل، سيجد لبنان نفسه مكبلاً بين تقديم شكوى إلى مجلس الأمن أو تسليم قرار الحرب مرة جديدة إلى "حزب الله"، وهو الذي توعد أمينه العام، حسن نصر الله، بقصف الباخرة اليونانية إذا استمرت بعملها في المنطقة المتنازع عليها قبل إنهاء المفاوضات.

طباعة

    تعريف الكاتب

    شادي نبيل

    شادي نبيل

    باحث في العلوم السياسية