تحليلات - شئون دولية

الانتخابات الرئاسية الفرنسية.. دلالات الجولة الأولى ومحددات التصويت المقبلة

طباعة

عُقدت الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية يوم الأحد 10 أبريل 2022، ولم تشهد مفاجآت كثيرة، حيث صدقت استطلاعات الرأي في تنبئها وتصدر الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون نتائج الجولة الأولى، يليه مرشحة التجمع الوطني ماريان لوبان، ثم جان لوك ميلينشون من اليسار الماركسي أو الردايكالي الذى ارتفعت مكانته  في انتخابات  2022 عن سابقتها فى 2017، بخلاف ذلك فلم تصدق استطلاعات الرأى حول مكانة إريك زمور، وفاليري بيكريس؛ الذين تراجعت مكانتهما في الانتخابات على عكس  ما كان متوقعا لهما بنسب 10 % من أصوات الناخبين .

دلالات نتائج الجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية:

أبرزت الانتخابات الفرنسية في جولتها الأولى عدة دلالات من شأنها المساهمة في قراءة المشهد الداخلى في فرنسا وما ستسفر عنه الجولة الثانية، ويمكن إيضاح ذلك فيما يلي :

1.ارتفاع نسبة الامتناع: بلغت نسبة الامتناع عن التصويت في الجولة الأولى نحو 26,31%، وتعد تلك النسبة هى ثاني أعلى معدل إحجام عن التصويت بعد عام 2002، والتى بلغت فيه النسبة  28.4%، وهى الانتخابات التى شهدت أيضا تنافس مرشح اليمين الجمهورى جاك شيراك في مواجهة جان ماري لوبان –والد ماريان لوبان – مؤسس حزب التجمع الوطنى. ويبدو أن المشهد هنا مقارب إلي حد ما فماكرون في(2017، و2022) وهو من يمين الوسط واجه ماريان لوبان من اليمين المتطرف، وفي عام 2002 كان جاك شيراك من اليمين الديجولي يواجه جان ماري لوبان من اليمين المتطرف، وفي الحالتين شهدت الانتخابات الفرنسية تراجعا كبيرا في نسبة الإقبال على التصويت .

2.غلبة اليمين: تكرر سيناريو 2017 في الانتخابات الفرنسية الحالية، وصعد كلا من ماكرون وماريان لوبان للجولة الثانية، لكن الأبرز هو نسبة التصويت التى وجهت إلي مرشحي اليمين بكل أطيافه كما هو موضح بالجدول التالي :

     المرشح

الترتيب

نسبةالتصويت

  التصنيف السياسي

إيمانويل ماكرون

       1

  27.60%

  يمين وسط

ماريان لوبان

       2

   23.40%

  يمين متطرف

إريك زمور

      4

      7%

   يمين متطرف

فاليري بيكريس

      5

     4.80%

   يمين  (ديجولي)

جان لاسال

     7

   3.20%

يمين وسط

نيكولا ديبون إينيان

    9

   2.10%

يمين  (ديجولي)

 

 ترشح 12 مرشح للانتخابات الفرنسية منهم  6 مرشحين من اليمين مقابل مثلهم من اليسار بكل أطيافه (خضر –يسار وسط –ماركسي –تروتسكى ). على مستوى الترتيب جاء  أربعة مرشحين من  اليمين في المقدمة من أصل خمسة مرشحين، وبلغ ترتيبهم الأول والثانى والرابع والخامس، فيما حل مرشح اليسار الماركسي جان لوك ميلينشون في الترتيب الثالث. أما على مستوى حجم التصويت فإجمالي نسبة التصويت لمرشحي اليمين بصفة عامة  بلغت نحو 68,1 %، مقابل نحو 31,9 % لمرشحي اليسار.

3. تآكل الدعم: سيطر حزبي "الجمهوري الديجولي"، و"الاشتراكي" على الحكم في فرنسا منذ تأسيس الجمهورية الخامسة وحتى عام 2017 حين نجح ماكرون والذى أسس حزبا جديدا بنى على مقاربة" لا يسار.. لا يمين". وفي عام 2017 حل فرانسوا فيون( الجهموري) في الترتيب الثالث بنسبة 20%، فيما جاء بونوا امون (الحزب الاشتراكى ) في الترتيب الخامس بـ6,4 %، ليصبح إجمالي الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب التقليدية في الجولة الأولى نحو 36,4%. في المقابل في الجولة  الأولى من الانتخابات الفرنسية عام 2022 جاءت فاليري بيكريس (الجمهورى الديجولي) في الترتيب الخامس بنسبة 4,8 %، وجاءت آن هيدالجو (الحزب الاشتراكى ) في الترتيب العاشر بنسبة 1,7%، مما يعنى أن إجمالي الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب التقليدية في 2022 فقط 6,5%، ومن ثم تبلغ نسبة التراجع والخسارة لحزبي الجمهورى والاشتراكى نحو 30 % .

4. تصاعد اليسار الراديكالي: مثل اليسار الماركسي أو  الردايكالي ثلاثة مرشحين في الانتخابات الحالية 2022، في مقدمتهم جان لوك ميلينشون الذي ارتفعت أسهمه وترتيبه من الرابع في 2017 بنسبة 19,6% إلي الثالث في 2022 بنسبة 21,9 %. مما يعنى أن هناك ميلا نحو اليسار المتطرف والراديكالي أكثر منه دعما لليسار التقليدي .

5. دعم التطرف:  تشترك الأحزاب المتطرفة الفرنسية من اليمين واليسار في تبنيها أطروحات مناهضة للعولمة وتوجهات ضد المؤسسات فوق القومية مثل الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وهو ما كان واضحا في برامج ماريان لوبان وزمور وميلينشون، حيث حصل مرشحي الأحزاب المتطرفة على نحو 55,4% من إجمالي أصوات الناخبين الفرنسيين، مما يعنى أن أكثر من نصف المجتمع تقريبا يميل نحو هذا التوجه ولديه نوع من التمركز نحو القومية. هذا الأمر بعد انتهاء الجولة الثانية في 24 أبريل 2022، سواء فاز ماكرون أو لوبان، يعنى أننا قد نشهد سيطرة قومية لتلك الأحزاب على مؤسسات الحكم في فرنسا، إما في انتخابات الجمعية الوطنية في يونيو ،2022 أو تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا عام 2027 ، منافسة بين مرشحى اليمين واليسار المتطرف فقط.

محددات تصويت الجولة الثانية:

يحكم سباق الانتخابات الفرنسية في الجولة الثانية ثلاث محددات رئيسية وهى :

1. دعم الجبهات الخاسرة: عقب إعلان نتائج الجولة الأولى وإعلان تصدر ماكرون ولوبان، انقسم المرشحون الخاسرون إلي ثلاث جبهات الأولى سميت "الجبهة الجمهورية"، والتى رأت ضرورة دعم ماكرون في مواجهة لوبان، وتتكون هذه الجبهة من ( يانيك جادوت مرشح حزب الخضر 4,6% من الأصوات + آن هيداليجو مرشحة الحزب الاشتراكى 1,7 % + فابيان روسيل الحزب الشيوعى 2,3 % + فيليب بوتو  0,8 % ) وهى تمتلك إجمالي 9,4%  من أصوات الناخبين . في المقابل الجبهة الثانية التى أعلنت دعمها جبهة -أو تحالف-  مناهضة ماكرون والتى تتكون من (إريك زمور 7% من الأصوات + ديبون إينيان 2,1% ) بجملة أصوات نحو 9,1 %، مما يعنى أن الجبهتين متقاربتين . الجبهة الثالثة هى أصوات ناخبي  ميلينشون والتى تبلغ نحو 22%، وتعتبر هذه الجبهة بمثابة الفيصل الرئيسي والمحدد لنتيجة الجولة الثانية . أوصى ميلينشون بعدم منح ناخبيه أصواتهم للوبان في الجولة الثانية، ولكن في الوقت نفسه لم يطالب بدعم ماكرون، وهذا ما يفسر انقسام جبهته بحسب استطلاع رأى مؤسسة "Ipsos" التى ذكرت أن الثلث من ناخبي ميلينشون سوف يدعم ماكرون، والثلث الثانى سوف يدعم لوبان، والثلث الأخير لا يزال مترددا.

2. الحرب الأوكرانية والقدرة الشرائية: طبقا لدراسة أجراها معهد "Ifop" قبيل الجولة الأولى، فإن ناخبي ماكرون جاءت قضاياهم الرئيسية بالترتيب القدرة الشرائية، ثم الصحة يليها الحرب الأوكرانية، في المقابل اهتم ناخبي لوبان في المقدمة بالقدرة الشرائية، ثم مكافحة الجريمة يليها الهوية الفرنسية. ومن خلال التوزيع الجغرافي للأصوات وكذلك تركيبة السكان وتوجهاتهم، تبين أن المناطق ذات الدخول المنخفضة والتعليم المتوسط مالت نحو لوبان التى جعلت قضيتها الرئيسية القوة الشرائية، وتبنت خطابا مفاده أنها مرشحة العدالة الاجتماعية، مقابل ماكرون الذي كسب دعم المناطق ذات الدخل المرتفع، والتي تمثل لها الحرب الأوكرانية قضية رئيسية كما تمثل قيم العولمة لهم ركنا أساسيا. وبالتالي سوف يكون على ماكرون إقناع الطبقات المتوسطة والفقيرة والتى تضررت بشدة من تداعيات كورونا، ثم ارتفاع تكاليف المعيشة بعد الحرب الأوكرانية، أن برنامجه الاقتصادي قادر على تعويض خسائرهم، على عكس ماريان لوبان التى  تبدو أن مهمتها الرئيسية كسب أصوات ناخبي ميلينشون، خاصة أن 70% منهم قضيتهم الأساسية القدرة الشرائية.

3. دعم الممتنعين: بخلاف طبقات العمال والمتقاعدين عن العمل الذين وعدهم ماكرون بزيادة الحد الأدنى للمعاشات وزيادة سن التقاعد من 62 إلي 65 عاما، فإن تراجع الإقبال في الجولة الأولى نتيجة رفض البعض برامج الأحزاب الحالية، أو بسبب الإحباط من تكرار سيناريو 2017، سوف يكون أيضا عاملا مؤثرا فى خريطة التصويت في الجولة الثانية، لاسيما إن اقتنع بعض الممتنعين عن التصويت بضرورة دعم أحد المرشحين، فإن ذلك سوف يقوى من موقف المرشح المدعوم سواء ماكرون أو لوبان، خاصة أن الدعم المعلن من أنصار ميلينشون، بالإضافة لجبهتي الجمهورية وتحالف مناهضة ماكرون متقارب في الحجم وكلاهما يحتاج لدعم إضافي للذين لم يعلنوا بعد عن رأيهم النهائى .

إجمالا، يمكن القول إنه على الرغم من أن استطلاعات الرأى تدعم فوز ماكرون إما بـ54 % أو 51 % في الجولة الثانية  كسيناريو رئيسي، إلا أن الدعم المعلن تجاه ماريان لوبان يمنحها فرصة أيضا للفوز برئاسة فرنسا، خاصة أن القدرة الشرائية أثرت بشكل رئيسي في نوايا التصويت في الجولة الأولى. لذا، يبقي الرهان الرئيسي على أصوات ناخبي ميلينشون.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    ‬بهاء‮ محمود

    ‬بهاء‮ محمود

    باحث في العلاقات الدولية‮.