تحليلات - شئون دولية

هل تقود المفاوضات الروسية - الأوكرانية إلى إنهاء الحرب؟

طباعة

عقدت الجولة الأولى من المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، في 28 فبراير، في جوميل على الحدود البيلاروسية، حيث التقى الوفد الأوكراني برئاسة وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، مع ممثلين عن روسيا بمن فيهم مستشار الرئيس فلاديمير ميدينسكي، ونائب وزير الخارجية أندريه رودنكو. واستمرت المفاوضات، حيث عقدت الجولة الثانية، في 3 مارس 2022، في بيلاروسيا، في سياق استمرار الحرب منذ بدء العملية العسكرية الروسية، في 24 فبراير الماضي، وقد تم الاتفاق خلال الجولة الثانية على إنشاء ممر إنساني لإجلاء المدنيين، في الوقت الذى تسيطر فيه روسيا على خيرسون في جنوب أوكرانيا ومدن أخرى في شمال شرق خار كيف وماريوبول في الجنوب الشرقي، وقصف روسيا لمحطة زابوريجيا النووية شرق أوكرانيا، ونزوح ما بين 4 و7 ملايين شخص من أوكرانيا جراء الحرب الدائرة وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

سياق مضطرب:

بالنظر إلى السياق العام للأزمة، فلابد من الاشارة إلى بعض الملاحظات من حيث الدعوة إلى عقد محادثات بين الأطراف المتصارعة، بالرغم من التصعيد في ذات الوقت، وأنه، وفقا لتقدير الفترة الماضية من عمر الأزمة، نجد أنه لم يحقق طرفا الصراع مطالبه المطروحة على طاولة المفاوضات سوى وقف إطلاق النار في بعض المناطق لإجلاء المدنيين. لكن لم تحقق أوكرانيا رغبتها من حيث ضرورة انسحاب القوات الروسية، وهو هدف لن يتحقق ما لم يستجيب الغرب للمطالب الروسية من حيث نزع سلاح أوكرانيا، والاعتراف بسيادة روسيا على شبه جزيرة القرم.

وقد تم الاتفاق بين الأطراف خلال المفاوضات على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وعقد جولات أخرى، ومن ثم من المتوقع عقد جولة ثالثة من الحوار الاثنين القادم، لكن في الوقت نفسه، وخلال المحادثات استمر القصف الروسي، وتحديداً في خاركيف، حيث أصابت الصواريخ الروسية -وفقاً للحكومة الأوكرانية- مناطق سكنية في ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، وقتل حوالي 70 جندياً أوكرانياً، وقتل ما لا يقل عن 102 مدني، وفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان. علاوة على ذلك، تشير التقارير إلى وجود قافلة روسية يزيد طولها على 60 كيلومتراً تحمل عربات مدرعة ومدفعية ثقيلة باتجاه العاصمة.

في السياق ذاته، هناك رد فعل مقابل من قبل الدول الأوروبية، حيث اتخذ الاتحاد الأوروبي رد فعل موحدا، وعمل على تفعيل آلية السلام الأوروبية، حيث اتخذ قرارا غير مسبوق من حيث تولى مسئولية تمويل شراء الأسلحة للجيش الأوكراني مابين أسلحة فتاكة ومواد حربية، مثل الوقود والمعدات الدفاعية، وتقدر التكلفة بنحو 500 مليون يورو، وهى المرة الأولى التي يمول فيها الاتحاد الأوروبي حرباً وفقا لما أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية فون ديرلاين، كما قدمت بولندا نفسها كمركز لوجيستي لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا.

أما فيما يتعلق بقرار الاتحاد الأوروبي، فإنه سيكون له عواقب مهمة بالنسبة لتطورات الحرب الجارية، ويشير إلى استعداد الطرف الأوروبي للتصعيد في حالة سيطرة روسيا على أوكرانيا، كما أن ذلك يعكس التضامن الأوروبي مع أوكرانيا، حيث استجابت 17 دولة أوروبية لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا، منها السويد والتي تعد دولة محايدة حيث أعلنت عن تسليم أسلحة مضادة للدروع، وإرسال خمسة آلاف قاذفة، وهو ما يعد خروجاً عن العقيدة السويدية، بالإضافة إلى القرار الألماني غير المسبوق، حيث أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس إنشاء صندوق خاص لتعزيز المنظومة الدفاعية للجيش الألماني بحوالي 100 مليار يورو، وزيادة الإنفاق العسكري إلى أكثر من 2% من الناتج المحلى الإجمالي، بدلاً من 1.5%، وهو ما يعكس تغير في السياسة الدفاعية الألمانية وعقيدتها.

بناء عليه؛ تمثل هذه التطورات السابقة تحدياً لمواجهة روسيا، سواء على المدى المنظور أو المتوسط، حيث أسهمت الأزمة الحالية في إحياء مفهوم الأمن الأوروبي، وإمكانية اختفاء بعض الظواهر مثل الحياد الفنلندي والسويدي وانضمامهما إلى الناتو والبحث في فكرة الجيش الأوروبي، وتعميق الشراكة عبر الأطلنطي، وهو عكس ما سعت إليه روسيا من حيث وقف توسع الحلف شرقاً. إضافة إلى ترحيب الدول الأوروبية بجميع اللاجئين الأوكرانيين واستقبالهم من قبل سلوفاكيا والمجر ورومانيا ومولدوفا، وحظر الرحلات الجوية لجميع الطائرات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي، ومنع الأنشطة التحريرية لوسائل الإعلام الحكومية الروسية، مثل سبوتنيك وروسيا اليوم، وتجميد الأصول الشخصية لبوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف واستثناء عدد من البنوك الروسية من نظام سويفت.

أيضاً، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس، قرارًا يدين روسيا لعدوانها على أوكرانيا، وصوت لصالح القرار141 دولة، كما أيدته صربيا حليف موسكو والدولة الأوروبية الوحيدة التي لم تدين العدوان، بينما صوتت 5 دول ضده، من بينها كوريا الشمالية، وسوريا، وبيلاروسيا، وإريتريا، وامتنعت 35 دولة عن التصويت من بينها الصين والهند، ويدعو القرار موسكو إلى "وقف استخدام القوة على الفور، والانسحاب الفوري والكامل وغير المشروط لوحداتها العسكرية. ويعكس هذا القرار العزلة الدولية التي يحاول الغرب فرضها على روسيا جراء الأزمة.

سيناريوهات محتملة:

في ضوء ما تقدم ذكره، يمكن الإشارة إلى سيناريوهين:

السيناريو الأول: هناك مؤشرات تقود إلى القول بعدم جدوى المفاوضات الحالية، وربما استمرارها لفترة ليست بالقليلة، وذلك قياساً على مفاوضات في أزمات أخرى ماضية، سواء الأزمات الدولية في كل من دول سوريا وليبيا، والتي اتخذت وقتاً طويلا ومازالت مستمرة، لذلك من المرجح استمرار المفاوضات بالتوازي مع الحرب حتى يحقق الطرف الروسي أهدافه، وذلك يتوقف على حجم التأييد الداخلي له، والاستراتيجية الموضوعة لتحقيق أهدافه. كما أن روسيا لديها خبرة طويلة في مثل هذه الأزمات كجورجيا وسوريا وتجيد التعامل معها ولن تتخلى عن أهدافها بسهولة، لاسيما بعد أن أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان حالة التأهب لقوات الردع النووي، في 27 فبراير، ردا على التصريحات العدوانية لبعض الدول الأعضاء في الناتو تجاه روسيا وتشديد العقوبات عليها، بالإضافة إلى إطلاق النار على محطة الطاقة النووية زابوريجيا.

من ناحية أخرى؛ هناك صمود من جانب الطرف الأوكراني، بالإضافة إلى الدعم الغربي له حيث تصاعد التسليح الغربي لأوكرانيا -ومحاولة انضمام مقاتلين أجانب إلى صفوف الأوكرانيين، حيث أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في بيان له في 27 فبراير، قائلا إن " كل الأجانب الراغبين في الانضمام إلى المقاومة ضد المحتلين الروس، وحماية الأمن العالمي، مُرحَّب بهم من قبل القيادة الأوكرانية للحضور إلى دولتنا، والانضمام إلى صفوف قوات الدفاع الإقليمية، حيث يجري تشكيل وحدة منفصلة من الأجانب، يطلق عليها اللواء الدولي للدفاع عن أراضي أوكرانيا". لذلك، ستجد روسيا صعوبة في السيطرة على كييف في ظل عدم استسلام الرئيس الأوكراني وقوة المقاومة الأوكرانية، وأن تصور الحرب بالنسبة لروسيا قد لا يتحقق بالصورة المرسومة له من حيث سرعة إسقاط الحكومة والسيطرة على العاصمة كييف.

بالنظر إلى ميزان القوى العسكري بين روسيا وأوكرانيا، تعد روسيا ثاني أقوى جيش في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، لكن تأتى أوكرانيا في المرتبة الـ 22 عالمياً من حيث قوة الجيش، وفقاً لجلوبال فاير باور لعام 2022، ولكن تتبنى أوكرانيا نظام المقاومة الشرس من خلال حروب المدن أو حرب الشوارع والتي قد تربك الطرف الروسي، بالرغم من التقدم العسكري الروسي، فإن حروب المدن تستنزف القدرات النظامية أياً كان حجمها. بالإضافة إلى محاولة الطرف الأوكراني في تدشين وحدات الدفاع الإقليمية، وهي كيان للمتطوعين الأوكرانيين الراغبين في مساعدة قوات الجيش في عملياته القتالية لصد العدوان الروسي، وتوزيع نحو 18 ألف بندقية على متطوعين في العاصمة كييف، وتدريب المتطوعين على تكتيكات حروب الشوارع والمدن والمناطق الحضرية، وذلك وفقاً لما أعلنه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكى.

ومن ثم، فإن استمرار المفاوضات دون تلبية الحد الأدنى من المطالب التي يضعها كل طرف على الطاولة، ينذر بعدم جدوى هذه المفاوضات في حل الأزمة، وباستمرار هذه الحرب، خاصة في ظل التصعيد العسكري الروسي، والتأهب الأوكراني والدعم الغربي المقدم لأوكرانيا، حيث أعلنت الولايات المتحدة تقديم دعم قيمته 350 مليون دولار وصواريخ جافلين المضادة للدروع، وتقديم هولندا 200 صاروخ ستينجر مضاد للطائرات، وتقديم بلجيكا ألفى مدفع رشاش، وكذلك فرنسا أعلنت تسليم أوكرانيا معدات دفاعية إضافية.

وتأتي صواريخ ستينجر المضادة للطائرات وجافلين المضادة للمدرعات في مقدمة الأسلحة التقليدية التي توظفها أوكرانيا حاليّاً لدعم مقاومتها الشعبية ضد الغزو الروسي. كما أن روسيا تمتلك ما بين 170-190 ألفاً من القوات البرية المنتشرة في جميع أنحاء أوكرانيا من المناطق العسكرية في الجنوب والشمال في بحر البلطيق وحتى مناطق الشرق الأقصى الروسي، يضاف إلى هؤلاء قوة قوامها 40 ألف وحدة مكونة من انفصاليين ومرتزقة ومواطنين روس.وعليه إذا نجحت موسكو في السيطرة على كييف، وتنصيب حكومة موالية لها سيكون للأزمة تبعات عديدة، خاصة في ضوء تصريحات بعد محادثة هاتفية بين فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أعلنت مصادر الإليزيه أن "الأسوأ لم يأت بعد في أوكرانيا" وأن الرئيس الروسي قد أعرب عن "عزمه الكبير" على مواصلة الهجوم الذي يهدف إلى "السيطرة على البلدكافة.

السيناريو الآخر، من المحتمل أن تسهم المفاوضات الجارية في تهدئة الأزمة، من خلال وساطة بعض الأطراف القريبة من روسيا وأوكرانيا، ومحاولة التوصل إلى صفقة ترضى جميع الأطراف، من حيث التوصل إلى ضمانات للأمن القومي الروسي وإعادة النظر في ترتيبات الأمن الأوروبي ما بعد الحرب الباردة، وعدم توسع الناتو شرقاً، ونزع السلاح والتوصل لوقف إطلاق النار بشكل كلى، مع انسحاب القوات العسكرية المقاتلة، لكن ربما تستغرق هذه المفاوضات وقتاً طويلاً.

طباعة

    تعريف الكاتب

    رحاب الزيادى

    رحاب الزيادى

    باحثة - المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية