تحليلات - شرق أوسط

الحدود السياسية في الوعي قبل الجغرافيا بين التجربتين المصرية والسودانية

طباعة

يعمد المحللون السياسيون في العالم إلى إغفال أهمية دراسة البيئة السياسية الداخلية للبلدان عند الحكم والتحليل على بلدان الثورات وعمليات انتقال السلطة غير السلمية. فنرى توصيف مكرر للحالات، ووصم الجميع بإكليشيهات سابقة التجهيز، مأخوذة من الكتب والمناظرات أبعد ما تكون عن وصف وتحليل الحالات بشكل موضوعي مدروس، فراحوا يتحدثون عن الأنظمة والثورات الإفريقية بلهجة واحدة، ويصنفون الدول بحسب منظور ضيقِّ للتصنيفات. فتارة، يشبهون تجارب الدول بعضها بعضا، وتارة أخرى يفرقونها بحسب تصنيفات ذات المنظور المذكور. من هذه الحالات اخترنا الحالتين المصرية والسودانية في طريقة تداول السلطة لتحليل الظروف التي شكلت انتقالها في كلا البلدين، وعقد المقارنة بين كل منهما بطابعها وخصوصيتها.

يحاول هذا الطرح أيضا تفسير المراحل التاريخية للبلدين، خصوصا بعد الاستعمار، وصولا لما بعد الثورات التي لحقت بالمنطقة منذ عام 2011. كما نحاول رصد تشوه الصورة في التحليل المتبادل بين الشعبين، مفسرين الظروف السياسية التي أدت لتفجُر الأحداث، ونعرض لمحات من العلاقات السياسية المصرية السودانية لتوضيح الفرق بين التجربة المصرية والسودانية.

كان السودان تحت الحكم المصري منذ عهد أسرة محمد على، ثم شاركت في إدارة ذلك الحكم بريطانيا حتى استقلاله فى عام 1956 بعد استفتاء أقره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ومنذ أن حصلت على استقلالها ، تعرضت لعدد من الانقلابات العسكرية المصحوبة بعمليات تداول للسلطة بين المدنيين والعسكريين أكثر من أي بلد في العالم. وكانت سيناريوهات الخروج من كل انقلاب والتحول إلى المدنية هى سيناريوهات ذات طابع سوداني خالص الصبغة والهوية والإنتاج. ولكي لا نطيل في سرد تاريخ عدد الانقلابات العسكرية التي تعرض لها السودان، وهى تقترب من خمسة عشر انقلابًا! بواقع 86% من عمر السودان السياسي بعد الاستقلال قضاها تحت حكم عسكري.

نعم، منهم من نجح، ومنهم من فشل وتم إعدام قادته. كان أولهم تلك التي وقعت بعد الحصول على الاستقلال بسنة واحدة، وآخرهم انقلاب 25 أكتوبر الماضي! وكان يصاحب أغلب هذه الانقلابات تأييد شعبي جارف، وبعضها كانت تتم مدفوعة بضغط الشارع على العسكريين لكي يقوموا بالانقلاب!

فما الذي تغير هذه المرة؟ الشعب السوداني صاحب خبرة سياسية مريرة مع الحكم العسكري، فقد قام بثورة عارمة ضد أحد أعتى الأنظمة العسكرية التي بدت في سياسات فاسدة أدت إلى تراجعه وعزلته، بالإضافة إلى تجويعه وتجريف إمكانياته على مدى ثلاثين عاما كاملة.

شرارة الثورة:

حدثت أزمة اقتصادية كبيرة في أواخر 2018، تسببت في رفع أسعار الخبز والوقود، ثم ندرتهما، الأمر الذي أدى لخروج مئات المتظاهرين في مسيرات بمناطق مختلفة في السودان محتجين على غلاء المعيشة وندرة السلع. بدأت من مدينة بورتسودان، شرق البلاد، مظاهرات شارك فيها طلاب المرحلتين الثانوية والجامعية في سوق المدينة، لكن الشرطة نجحت في تفريقهم مستخدمين الغاز المسيل للدموع بعد ما كانت شرارة الثورة انتقلت لمدينة عطبرة، ومنها للخرطوم وباقي الولايات. ومع ارتفاع أعداد المشاركين، ارتفع سقف المطالب لحد إسقاط النظام.

كان في هذا الوقت يتم تشكيل قوى ثورية منظمة من الأحزاب والحركات السودانية المختلفة والتى عرفت باسم قوى الحرية والتغيير.

هنا، تغير المشهد تماما؛ إذ لابد من التنويه إلى أن نظام البشير كان يترك شُراعة للشعب السوداني يتنفس منها، وهي المظاهرات. كانت هناك ممارسة للتظاهر في العاصمة والمدن بشكل مستمر في السودان، على عكس القاهرة مثلا في عصر مبارك؛ التي كان من الصعب جدا القيام بالتظاهر، إلا بعض التظاهرات المحدودة على سلم نقابة الصحفيين تحت سيطرة أمنية مشددة، ومظاهرات أخرى في الجامعات، وكان أغلبها لدعم للقضية الفلسطينية، وليس سخطا على الحالة المصرية.

ما هى قوى الحرية والتغيير؟

حركة أعلنت عننفسها على فيس بوك عبارة عن ائتلاف عدد من الأحزاب والكيانات والحركات السياسية المسلحة، وصل عددهم لـ17 حزبا وكيانا. قاموا بقيادة المظاهرات وترتيب الصفوف وتولي التحدث باسم الثورة السودانية، حتى في الخارج من باريس ولندن وواشنطن؛ لأن قادتهم كانوا منفيين للخارج في حكم البشير.

برعاية أربعة قوى رئيسية: «تجمع المهنيين السودانيين»، و«الإجماع الوطني»، و«نداء السودان»، و«التجمع الاتحادي المعارض»، أصدر الكيان البيان الذي عُرف بإعلان قوى الحرية والتغيير. جاء البيان مُطالبًا في بنود واضحة بإسقاط البشير، وتحقيق سلام شامل وعادل، وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 4 سنوات، ثم في 11 أبريل 2019، أعلن الجيش بيانه الذي يُعلن فيه الانقلاب على الرئيس السوداني عمر البشير، وتشكيل مجلس عسكري يقود البلاد لمدة عامين. والجهات الموقعة على إعلان الحرية والتغيير كررت رفضها للبيان، وأعلنت أنها لن تترك الميدان إلا بعد أن تتولى قيادةٌ مدنيةٌ مقاليد الحكم.

وأبرز الحركات، التي تتحكم حاليا في الحراك الثوري على الأرض فى أكبر ائتلاف سياسي عرفه السودان، أعضاؤه هم:

*تجمع المهنيين السودانيين:

جمعية تضمّ 17 نقابة سودانية مختلفة؛ لكن غير مسجلة رسميا بسبب تعنت نظام البشير. هدفها كان القيام بعمل نقابي مواز للنقابات المسجلة، والتي كان يسيطر عليها حزب المؤتمر الإسلامي الحاكم، وتحظى بشعبية كبيرة، خصوصا بعد تمكنها من التسجيل في عام 2016، وانضم لها أعداد كبيرة من مختلف المهنيين، وأصبحوا قوة سياسية في المجتمع السوداني لا يستهان بها.

*قوى نداء السودان:

تم تأسيسه في عام 2014 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وهو تحالف سياسي من أقوى أحزاب المعارضة السودانية، قام بالنداء لتكوينها حزب الأمة السوداني. ضم التحالف أحزاب : "المؤتمر السوداني"، والحركة الشعبية قطاع الشمال، وحركة تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة، وحزب التواصل، وحزب البعث السوداني، وحزب التحالف الوطني السوداني. برغم عملها المتنامي في عهد البشير وتمتعها بالتنظيم الحزبي والقواعد السياسية الواسعة، إلا أنها قبلت بالائتلاف داخل قوي الحرية والتغيير منذ بداية الثورة، وجندت كافة قواعدها الحزبية لخدمة الهدف الأهم، وهو التخلص من حكم عمر البشير، ثم سارت في محازاة باقي أهداف الثورة من داخل عباءة قوى الحرية والتغيير.

*تحالف قوى الإجماع الوطني:

تكتل من الأحزاب المعارضة لنظام البشير، كانت ترفض المشاركة في الحياة النيابية، وهى تضم 17 حزبا ويتزعمها فاروق أبو عيسى.

*الإتحاد النسائي السوداني:

بلورت المرأة السودانية العمل النضالي النسائي المنظم "المستمر" في وقت مبكر عن باقي الدول العربية.

نراه بوضوح في هيكل قوي اسمه "الاتحاد النسائي السوداني"، وهو الاتحاد النسوي العربي الوحيد الذي ناضل من قبل الحصول على الاستقلال في السودان، وتم إعلان إنشائه بشكل رسمي في عام 1952 تتويجاً لحركة نسويَّة وطنيَّة استهدفت مقاومة الاستعمار البريطاني بدأت منذ عام 1946. تخطت قدرات الحشد للاتحاد عضواته المسجلات على الورق، واستطاع استقطاب النساء من المتعلمات والنقابيات والعاملات في البيوت وربات المنازل. كان تركيز الاتحاد موزعا بين المطالبة بحقوق النساء والحريات العامة، إلى جانب النزعة السياسية والحراك القوي من أجل الديمقراطية. كان لنساء الاتحاد تأثير في ثورات السودان على مر تاريخه الحديث، نذكر منها: ثورة أكتوبر 1964، وأبريل 1985 ضد النميري، وبالطبع ثورة ديسمبر 2019. ويذكر أن الاتحاد النسائي السوداني كانت له معارك دامية مع الإسلاميين بسبب القهر وإجبار قوانين سبتمبر 1983 اللي فرضها جعفر النميري تحت اسم (قوانين الشريعة الإسلامية)، فكانت النساء تلاحَق في الشوارع للتحقق من هوية من يصاحبها بالشوارع وتوقيع عقوبات فورية بالسجن والتعذيب، غير محاكمات بتهم من اختراعهم نأخد منها: تهمة الشروع في الزنا وقد تصل عقوبتها للجلد.ولعلنا لازلنا نحتفظ بصورة آلاء صلاح بثوبها السوداني الأبيض "الذي كان مفروضا على النساء العاملات في أوقات حكم الإسلاميين" على منصة اعتصام القيادة العامة أيقونة للثورة، واشتهرت باسم "الكنداكة"، وبرزت أيضا في وسائل الإعلام المحليَّة والعالميَّة. دفع الصوت النسائي السوداني الاتحاد النسائي السوداني لأن يصدر بيانا يطالب فيه الحكومة الانتقاليَّة بأن يكون للنساء السودانيات 40٪ من هياكل السلطة طبقاً للوثيقة الدستوريَّة، وهي نسبة لم ترقَ إليها المطالبات النسويَّة في كل المنطقة العربيَّة، إذ لا تتجاوز مشاركة النساء العربيات في هياكل السلطة نسبة الـ30٪.

وهنا نقف ونقارن بين مشهد الإسلاميين في الحياة السياسية المصرية ونفس المشهد في الحياة السياسية السودانية؛ سنجد أن عقيدة الجيش المصري لم تسمح بانضمام المتحزبين أو أصحاب الأنشطة السياسية، سواء من اليمين أو اليسار، ومنعت نفس العقيدة عن أبناء الجيش ممارسة العمل السياسي تماما. بالتالي، لم يكن هناك مجال لاستقطاب رجال الجيش إلا في الخفاء، ولم يظهر داخل الجيش المصري أي عضو انضم إلى جماعة سياسية أو حزبية، إلا بتوقيع عقوبة الطرد من المؤسسة. إن أولئك الذين أقدموا على الخيانة في العلن -مثل قاتل السادات- خالد الإسلامبولي، وقاتل الضباط والجنود في مصر؛ هشام العشماوي، كان مصيرهم الإعدام. وحتى عندما تولي التنظيم الإرهابى السلطة في 2012، استجار الشعب المصري من حكمهم بجيشه الوطني، وتمت الإطاحة بهم بلا رجعة.

لكن الوضع في السودان كان أكثر تعقيدا؛ لأن الحكام من العسكريين كانوا إسلاميين. ومن كوارث تلك الأنظمة المتعاقبة أنها تسببت في توسيع الفجوة بين السودان شمالا وجنوبا، ومارست فظائع بين أبناء الشعب السوداني الواحد، هذه الأنظمة كانت باليمين تحمل سلطة الدين وباليسار تبطش بالبندقية.

إذا قمنا بالمقارنة  بالعمل النسائي المنظم في السودان، خصوصا في أثناء وما بعد الثورات، سنجد أن الجميع ينظر للمرأة السودانية كونها رائدة فى التجارب التقدمية النسائية في الوطن العربي، رغم أن النساء في مصر صاحبات مسيرات وكفاح أطول وأقدم كثيرا، يعود في العصر الحديث لثورة 1919 والاتحاد النسائي المصري الذي تكون في عام 1923. وتحتفظ مصر على الأرض بنصيب الأسد في عدد المؤسسات النسائية، سواء الحكومية أو الأهلية، لكن الفارق يتمثل في المشاركة فى الحياة السياسية، حيث لا يوجد كيان نسائي "مسيس" موحد يتحرك أو يتكلم بلسانها. على عكس السودان الذى تميزت الحركة النسائية فيه بخاصية نشطة بشكل واقعي. ورأينا نتائج ذلك في مكتسبات حقيقية، مثل؛ نسبة تمثيل النساء في حكومة ما بعد الثورة بواقع 4 سيدات في الوزارة، وتعيين أول قاضية، وإقرار تعيين اثنتين من النساء في منصب "والي" في ولايتين من 18 ولاية سودانية. ومع هذا، لا تزال الحركة النسوية غاضبة من التمثيل الضعيف الذي لم يتناسب مع مشاركتها القوية بالنضال الثوري، بينما لا تزال المرأة المصرية تحصد مكاسب متتالية فى التمكين السياسى والاقتصادى والاجتماعى بإرادة واعية من الدولة المصرية بعد عام 2014، يتناسب مع مشاركتها الفاعلة فى الحراك الجماهيرى فى عام 2011، ثم الأبرز فى ثورة 2013.

نعود لمكونات قوى الحرية والتغيير، ونتعرض لواحد من الكيانات السياسية التي لم يعرفها المجتمع المصري، لكن اختبرها بعنف المجتمع السياسي، وهو الجماعات المسلحة. وشكلت الصبغة السودانية العمل السياسي بحكم الظروف الخاصة لمكوناته الأيديولوجية والاجتماعية الداخلية، لذا فإن الجماعات المسلحة كانت حاضرة في:

*الجبهة الثورية السودانية:

مجموعات مسلحة متحالفة بهدف إسقاط نظام البشير، تأسست في نوفمبر2011 كان سبب تحالفها الصراعات المسلحة التي تسبب فيها نظام المؤتمر الوطني التى انتهكت خلالها الكرامة الإنسانية من خلال ممارسات الفساد المالي والإداري وارتكاب الفظائع بإقليم دارفور وجنوب كردفان عن طريق إحداث جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي ، أوصلت رأس النظام عمر البشير إلى أن يكون مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية. ولم تعد المبادرات ولا الوساطات الدولية والإقليمية تقدم حلا لنزيف الدم بتلك الأقاليم؛ وعليه اندمج كلَ من حركة العدل والمساواة السودانية، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة منى مضاوي، والحركة الشعبية لتحرير السودان "شمال"، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور. وبعد ارتفاع وتيرة المظاهرات في ثورة 2019 دخلت في تحالف مع قوى الحرية والتغيير.

نلاحظ هنا أن الساحة الداخلية السودانية ما قبل ثورة 2019 وما بعدها تضم جماعات مسلحة في مختلف أقاليم البلاد من النيل الأزرق  في وسط السودان إلى جنوب كردفان، وموجودة باتساع إقليم دارفور والأقاليم الأخرى المهمشة بالسودان، بالإضافة إلى صراعات الشرق السوداني المتحكم في حركة الملاحة بميناء بورتسودان. وباندلاع الثورة انتشرت مجموعات مسلحة داخل شوارع العاصمة الخرطوم والمدن الرئيسية في السودان، وكانت سببا في مخاوف من حدوث عمليات انفلات أمني وتصادم أدى إلى مواجهات عنيفة بعض الشىء، في الوقت الذي تعالت فيه مؤشرات التحذير من تداعيات انتشار المظاهر المسلحة على المرحلة الانتقالية الهشة بالفعل في البلاد، حيث تحدثت المصادر الأممية والصحفية عن وجود أكثر من 5 ملايين قطعة سلاح بأنواع وأحجام مختلفة في أيدي المواطنين والمسلحين في السودان، ووصلت إلى الخرطوم مجموعات من قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية السلام، هي حركة قوات تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، وقوات الحركة الشعبية شمال برئاسة مالك عقار، وتجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، و"التحالف السوداني".

هذا المشهد يحرم المكون المدني من الاحتفاظ بالمدنية الخالصة، أو القدرة على الاستمرار في السلمية المنشودة للتفاوض مع المكون العسكري. وهنا لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن أحداث الثورة السودانية شهدت مشاهد عنيفة بالفعل، لم تستطع جهات التحقيق نسبها لأي من مكونات الصراع في السودان، وإلى الآن هى معلقة على ذمة "الطرف الثالث". وتلك الأحداث التي تسببت في سقوط أعداد كبيرة من الشهداء كانت سببا مباشرا في تراشق الاتهامات بين القوى الثورية المتمثلة في المكون المدني والمجلس السيادي السوداني الذي تكون خلفا للمجلس العسكري المؤقت كتبعية لإسقاط حكم البشير.

نريد هنا إلقاء الضوء على أن العكس هو الحاصل في الحالة المصرية، فالدولة المصرية على مر تاريخها الحديث، وإن اعتبرنا هذا التاريخ الحديث منذ بداية حكم محمد على، فالدولة المصرية لم تسمح للمدنيين بحمل السلاح إلا تلك الأسلحة المرخصة للبعض. لكن الحياة السياسية المصرية لم تحتو على جماعات مسلحة سوى تنظيم الإخوان، والتي كانت تدير شئون جناحها المسلح في الخفاء، وترتكب جرائم أغلبها في إطار الاغتيالات السياسية لأبرز رجال الأمن والقضاء، وعندما طورت من هجومها كانت تقوم بتفجيرات محدودة. عاشت تلك الجماعة تتأرجح بين الملاحقة الأمنية والاحتواءالمقنع من الأنظمة المختلفة؛ ولكنها في كل مرة كانت تفشل في إطالة عمر الهدنة بينها وبين النظام المصري. فكلما نجحت الجماعة في الإيحاء بتقليم مخالبها، تبرهن أفعالها العنيفة عن عقيدة فاسدة لا ترقى للمستوى السياسي المطلوب للمشاركة في الحالة السياسية المصرية، وبالتالي ففكرة الجماعات المسلحة بعيدة عن ممارسة السياسة في كل مراحلها، خصُوصا بعد المعاناة التي عاشها المجتمع المصري من ويلات إرهاب تيار الإسلام السياسى بعد 2013.

نعود إلى تحليل الحالة السودانية بعد أن ذكرنا معظم المكونات المدنية المشاركة في المشهد السوداني حاليا. ونذهب إلى المكون العسكري، والمتمثل في المجلس العسكري بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، ونائبه رئيس قوات الدعم السريع حميدتي. ولابد من توضيح طبيعة تشكل المكون العسكري داخل السودان كالآتي:

*المجلس السيادي:

كان لابد للمجلس العسكري السوداني اتخاذ موقف من الاحتجاجات الطويلة الممتدة على كافة ربوع وأطراف السودان، والذي تم اتخاذه في 10 أبريل عام 2019، بإزاحة الرئيس السوداني بالانقلاب عليه. ولكن لم تقبل القوى الثورية في الشارع السوداني، بالتعاون مع المجلس العسكري المؤقت بتشكيل يحمل تعيينات البشير، فطالبت بإقصاء وزير الدفاع أحمد عوض بن عوف؛ نائب الرئيس الذي كان سيتقلد حكم السودان بحكم الدستور، ليخلفه عبدالفتاح البرهان الذي دعا المتحدثين باسم الثورة السودانية والتيارات السياسية المختلفة لطاولة المفاوضات من أجل تشكيل ما عُرف بالمجلس السيادي السوداني.

أعضاء المجلس العسكريين هم:

  الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيساً، وعضوية كل من الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائبا، والفريق أول شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، واللواء إبراهيم جابر، وحسن شيخ إدريس، ومحمد الفكي سليمان ومحمد حسن التعايشي، وصديق تاور كافي، وعائشة موسى، ورجاء نيكولا عبد المسيح، وهم جميعا أبناء المؤسسة العسكرية السودانية، ومتخرجين في الأكاديميات العسكرية، فيما عدا الفريق أول حميدتي رئيس قوات الدعم السريع.

وقع المجلس العسكري الانتقالي في السودان وممثلو المعارضة اتفاق تقاسم السلطة، الذي ينص على تكوين مجلس حاكم انتقالي من المدنيين والعسكريين، يمهد الطريق نحو انتخاب حكومة مدنية. وفي 5 يوليو 2019؛ وافقَ المجلس العسكري وقوى إعلان الحريّة والتغيير على اتفاقٍ يقضي بتشكيلِ مجلسٍ سيادي مكون من 11 عضوًا، يضمُّ خمسة أعضاء عسكريين، وخمسة أعضاء مدنيين، بالإضافةِ إلى مدني واحد يتمّ اختيارهُ بالإجماع، واتفقت قوى إعلان الحرية والتغيير على ترشيح د.عبد الله حمدوك لمنصب رئيس الوزراء.

*قوات الدعم السريع:

 لم يعرف السودان هذه القوات إلا في التسعينيات،  مع شهرة حميدتي تاجر الإبل والماشية المسلح الشهير بين دول الإقليم؛ تشاد ومالي وليبيا، الذي ينحدر من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية  في إقليم دارفور غربي السودان. ونظرا لاتساع تلك التجارة؛ طور من استخدامه للسلاح لتأمين تجارته المتشعبة بإنشاء ميليشيا كبيرة وصلت إلى 40 ألف مقاتل بحسب تقارير وإحصاءات سودانية، فقربه البشير إليه ومنحه امتيازات غير مسبوقة، وأطلق  اسم "قوات الدعم السريع"  على قوات حميدتي وزودها بسيارات دفع رباعي وأسلحة، لتُعين نظام البشير في مهمات خاطفة، والتي عرفها الرأي العام باسم "الجنجويد". كانت معظم مهمات تلك القوات  في إقليم دارفور، وتم اتهامها بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وتطويعها لمصلحة ردع المعارضين لنظام البشير. لم تتناغم تلك القوات مع قوات الجيش النظامية الأخرى بالجيش السوداني وظلت بعيدة عن المشهد بالداخل السوداني المشتعل، ثم عادت لتظهر فى بؤرة أحداث الثورة السودانية بقوة، بعد أن أعلنت تخليها عن البشير ولم تقدم له الدعم اللازم، ثم انحازت إلى الثورة السودانية. وتولى حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي العسكري، إلا ان الاتهامات عادت لتلاحق قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم قتل المتظاهرين في أحداث فض اعتصام القيادة العامة بوسط الخرطوم.

وعلى المستوى الداخلي، بالمؤسسة العسكرية، تشير بعض التقارير الصحفية إلى صراع مسكوت عنه بين قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي والجيش السوداني. فما زالت القوات النظامية تنظر إلى تلك القوات بعين الشك، خصوصا وأنها باتت تنازع الجيش في اختصاصاته وتشكل تهديدا على الأمن القومي لما تتمتع به من أرضية وتسليح كبير. كما نصت اتفاقية سلام جوبا الموقعة بخصوص وضع الجماعات المسلحة على ضرورة دمجها داخل الجيش السوداني الموحد ضمن ترتيبات أمنية طويلة المسار قد تتسبب في زيادة حالة السيولة الأمنية بالبلاد. ولكن على الجانب الآخر نجد حميدتي هو المفوض من قبل المجلس السيادي بحل أزمات الشرق السوداني المشتعل، وهو المُوقع على معظم الاتفاقات التي عقدت.

ونقف أيضا هنا لنعقد مقارنة جديدة بين تركيبة المكونات العسكرية في البلدين لنجد عدة نقاط تستوجب الوقوف بالتحليل.

من المتعارف عليه عن الكيان العسكري في دول العالم في العصر الحديث أنه يتبع لمؤسسة عسكرية ، وهى التي عرفها العالم في المدارس والكليات العسكرية، والتي تكون وظيفتها تخريج كوادر عسكرية تحصل على وظائفها ضمن عملية منظمة شديدة الانضباط والإحكام. إلا أن السودان على يد عمر البشير ألحق قوات الدعم السريع، التي لم تمر عبر تلك المرحلة من الإعداد المهني، على أنها تابعة للجيش. فكانت هذه سابقة لم تحدث بالجيوش النظامية، الأمر الذي أثار حفيظة الكثير من قادة الجيش في السودان. وكانت خبرة الرأي العام بهم تنحصر في قيامهم بعمليات لقمع معارضي البشير، لكن مع إعلان قائد القوات حميدتي انحيازه للثورة وتمسكه بضرورة الانتقال الديمقراطي للعملية السياسية المتعثرة في البلاد، وفي نفس الوقت طالت قواته اتهامات بقتل المتظاهرين في أحداث فض الاعتصام، مثَّل ذلك بابا جديدا للتشكك في النوايا بين الشعب والمكون العسكري برمته.

أما في المؤسسة العسكرية المصرية، التي عُرفت بالانضباط والحسم الشديد مع أعضائها، فلم تختبر على مدار تاريخها انضمام أي جماعة مسلحة أو مدنية إلى صفوفها. فالانتساب إلى المؤسسة حصري على أبنائها المؤهلين عبر اختبارات بدنية وأمنية وقدرات نفسية شديدة الخصوصية.

دخلت البلاد في دوامة من الفوضى بعد صعود التيار الإسلامي العنيف المتمثل في وجود الجماعة الإرهابية في السلطة، وتخطت الأمور تنفيذ جرائم العنف ضد المعارضين للحد الذي وصل إلى تهديد قادة الجيش أنفسهم بالمواجهة المسلحة، حال انحيازهم لضغط الشارع. كما حاولت الجماعة صناعة صورة من الانقسام داخل المجتمع المصري بتقسيمه إلى أنصار الإسلام وأعدائه، إلا أن الشعب المصري في التفافه حول الجيش ومطالبته بخلع الجماعة الإرهابية من الحكم فوَّت عليهم تلك الفرصة، فظهر مشهد ثورة 30 يونيو كاشفا لحجم وجودهم المحدود على الأرض في بؤرة المظاهرات.

توالت ضربات الجماعات الإرهابية لرجال الجيش والشرطة والمدنيين على حد سواء، مما استعدى الكل ضد مسعاهم، ووحد الكلمة على ضرورة التخلص من القلاقل الأمنية التي تحدث جراء دعواتهم الخفية للتيار المدني وتصديره لمشهد الخروج إلى التظاهر في كل مرة ينجحون فيها في استقطاب الوعي الجمعي للمعارضة. كما جر الإسلاميون على التيارات المدنية الأخرى سُخط القطاع الأكبر من الشعب المصري عندما رآهم يرتمون في حواضن إقليمية أعلنت العداء للدولة المصرية.

اتفاق التسوية:

توصل المجلس العسكري السودانى وممثلو المعارضة إلى عدة تفاهمات، واتفق على النقاط التي شكلت الوثيقة الدستورية التي نصت على 70 مادة قانونية، تحدد تفصيليا كيفية نقل السلطة من المجلس العسكري إلى المدنيين فيما بعد. كان أبرز ما جاء فيها :

·  يستمر اقتسام السلطة لمدة 39 شهرا.

·  تتولى شخصية عسكرية رئاسة مجلس السيادة لمدة 21 شهرا، ثم تترأسه شخصية مدنية لمدة 18 شهرا الباقية.

·  يختار الجيش وزيري الدفاع والداخلية.

وأُتمِم الاتفاق على الإعلان الدستوري في الرابع من أغسطس بعد مفاوضات  طويلة مشوبة بعدم الثقة بين الطرفين بسبب أحداث عنف ضد المحتجين، والتي كان من شأنها تعليق الكثير من جولات المحادثات بين الجانبين.

 وتمت تلك العملية الدقيقة من تاريخ السودان بين ممثلي قوى المعارضة والمجلس العسكري برعاية من الاتحاد الإفريقي، وحضور رئيسي وزراء مصر وإثيوبيا ورئيس جمهورية جنوب السودان، لتمضى دولة السودان ما بعد الثورة في مسارات جديدة لم يسمح نظام عمر البشير بالحركة في مضمارها الواسع، وكانت مصر على رأس المُستقبلين لسودان ما بعد الثورة. وتأكيدا على استراتيجية الملف المصري – السوداني، ظهر التنسيق والتعاون بين المكونين المدني والعسكري مع القاهرة؛ فكانت مصر أولى المحطات في زيارة  رئيس الحكومة السودانية، بعد جنوب السودان، فور رئاسته الحكومة، وفي  أكتوبر 2020، قام الفريق عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني بزيارة إلى مصر، حيث التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي وتعددت بعدها أشكال التنسيق واللقاءات. أيضا، كان  السودان هو أول زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسي، عقب انتخابه رئيسًا للجمهورية عام 2014، وبعد إعادة انتخابه لولاية ثانية عام 2018، توجه إلى الخرطوم في أول زيارة خارجية يقوم بها.

وفي سبتمبر2020، ومع تعرُض السودان لفيضانات مدمرة، أعلنت مصر التزامها بدعم السودان؛ وهو ما جرى تطبيقه عمليًّا بإرسال مصر المساعدات اللازمة إلى السودان. كما قام الجانبان بتفعيل اللجنة الفنية الدائمة المصرية السودانية المشتركة، والاتفاق على زيادة قدرات مشروع الربط الكهربائي بين البلدين. كما اتفقا على إعادة هيكلة هيئة وادي النيل للملاحة البحرية، فضلا عن مشروع ربط السكك الحديد بين البلدين. وتم أيضا الاتفاق على استقبال مصر لعدد من مصابي الثورة السودانية للعلاج في مستشفياتها، وعلاج 250 ألف سوداني من فيروس سي في إطار مبادرة الرئيس السيسي لعلاج مليون إفريقي. 

كان التفاعل والزخم الإيجابى في العلاقات المصرية-السودانية يشير إلى أن هناك إرادة سياسية واقتصادية تتشكل بين مصر والسودان، تنبئ بأن المرحلة المقبلة ستشهد دورا متزايدا في التنسيق والتعاون المتبادل، خاصة في المجال الاقتصادى والأمني في ظل التحديات التي تواجه البلدين، والمخاطر التي تطل على القاهرة والخرطوم من سد النهضة الإثيوبى، والذي شهدنا قمته في التنسيق والتكامل في تطابق موقف البلدين في جلسة مجلس الأمنيوليو 2021. وعلى المستوى العسكري، كان التنسيق على أعلى مستوى لم تشهده البلدان في فترات سابقة، وشهدنا اتفاقيات بالتعاون العسكري لا محدودة، وعززتها مناورات عسكرية ضخمة، مثل نسور النيل1 و2، وحماة النيل1و2.

وبالعودة إلى الحالة السودانية؛ استقر الوضع الداخلي في السودان بعد الاتفاق نسبيا حتى 25 أكتوبر 2021، حتى أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ بالبلاد، وتعليق العمل بمواد من الوثيقة الدستورية، وحل مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، وهو ما وصفه تجمع المهنيين السودانيين بـ "الانقلاب". خرجت المظاهرات الرافضة لتلك الخطوة من الشعب السوداني، ونددت القوى الدولية والمنظمات الدولية، كما علق الاتحاد الإفريقي عضوية السودان، وحثت القوى الإقليمية، ومنها مصر، الجميع على ضبط النفس بعد أن وقعت أعمال عنف أدت لسقوط شهداء في الساحات.

حمدوك وحميدتي والبرهان، أضلاع مثلث قاد السودان خلال العامين الماضيين، لكنه كان مثلثا مختلفا غير متساوي الأضلاع، شهد توترات طيلة الفترة الماضية، لكن التراشق بين أضلاع المثلث الحاكم وصل لمرحلة العلن بشكل شجع الشارع على التململ من الاستمرار في المرحلة الانتقالية، فجاءت المواقف متداخلة وردود الأفعال من المكونين المدني والعسكري سريعة ولا تزن حجم تأثيرها فى الشارع السوداني، وتسارعت ردود الأفعال الغاضبة من تلك الخطوة.

 وانتهى الأمر بعودة الدكتور عبدالله حمدوك إلى رئاسة الوزراء، ولكن بعد أن استقال 12 وزيرا من حكومته. ولكن عودة حمدوك لم تساعد على تهدئة الشارع الذي أصبح يتشكك في نية العسكريين من تسليم السلطة واعتبر حمدوك خرج بصفقة لا تضمن الانتقال إلى المدنية المنشودة. كما أن القوى المدنية هى الأخرى داخل تحالف الحرية والتغيير كانت قد انقسمت على نفسها قبل اتخاذ المجلس العسكرى لهذه الخطوة؛ مما أعاد الحالة السياسية إلى مربع القلق. والآن، في ظل وجود الآلاف من المتظاهرين بالشوارع، وانقسام المدنيين في موقفهم من الاتفاق الجديد لم يعد أمام حمدوك إلا تشكيل الحكومة من غير الحزبيين، والذي من شأنه أن يفرغ السلطة الانتقالية من المكونات الحزبية ويساعد على تصاعد الغضب السياسي من شكل إدارة البلاد. وبعد أن كانت الأحزاب تمارس السلطة في الحكومة يمنيا وتلوح بها في الشارع يسارا، خرجت خالية الوفاض من أية مكاسب سياسية، وقد تشهد الفترة القادمة تصعيدا ثوريا جديدا يعرقل سير العملية الإنتقالية ويطيل من أمد عدم الاستقرار في البلاد، نظرا لأن مكونات السلطة المتمثلة في المجلس السيادي بمكونيه المدني والعسكري والأحزاب والشارع جميعا في مواجهة مفتوحة عنوانها انعدام الثقة.

ونعود هنا لنعقد مقارنة جديدة بين الحالتين لنجد أن الحالة المصرية لم تعرف تحول السلطة من المدنية إلى العسكرية إلا عندما احترقت القاهرة في عام 1952 وعم الفساد في الحكومات وتغول الأجانب على القصر الملكي فكان على الجيش المصري لعب دوره الوطني في تغيير نصاب الأمور والتحول من الملكية إلى الجمهورية بإزاحة الملك فاروق من الحكم. وبالرغم من تولي السلطة حكام أصحاب خلفيات عسكرية؛ إلا أن الظروف التي أحاطت بمصر على مدار تاريخها لم تكن تسمح بغير ذلك. أوضح وأكبر تلك الظروف هو الحروب المتعاقبة التي انخرطت فيها مصر دونا عن باقي بلدان المنطقة. فلقد تعرض الجيش المصري للحروب الطاحنة مع الجانب الإسرائيلي بداية بحرب 1948، والعدوان الثلاثي في 1956، ونكسة 1967، وأخيرا الانتصار في 1973. حروب متتالية استنزفت القدرات الاقتصادية وأزهقت الأرواح البشرية، إلا أنها جعلت الجيش المصري يواجه الجيش الإسرائيلي باسم العرب جميعا. وحتى بعد الانتصار في 1973، كانت الدولة المصرية على موعد مع مواجهة إسرائيل في معركة تفاوض للحصول على باقي الأرض وتثبيت حقيقة انتصارها بالحرب والسلام.

 كما أننا نجد الجيش المصري بعيدا عن الحياة السياسية للمصريين، ولم يتدخل في المشهد السياسي طوال الأعوام الستين التي تلت ذلك التاريخ، حتى طالبه المصريون بالتدخل فى يناير2011، ثم بخلع محمد مرسي. لكنه لم يُقدم من تلقاء نفسه على إزاحتهم من الحكم ليتولى بديلا عنهم حاكم عسكري. كما أن الجيش كان قد سلم إدارة البلاد بحسب الدستور إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور. أُجريت الإنتخابات الرئاسية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والمرشح المدني حمدين صباحي، لتظهر النتائج متخطية كل التوقعات في نسب المشاركة المرتفعة والفوز الكاسح للرئيس عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع السابق، لتأتي تلك النسبة كحقيقة دامغة على أن عموم المصريين هم من طالبوا الجيش بالإطاحة بالتنظيم الإرهابي.      

ختاما، كل شعب من شعوب المنطقة العربية يحمل تجربة سياسية شديدة الخصوصية والتفرد وإن تماثلنا في العادات والديانة واللغة فنحن سنتباين في اللهجات والسياسات والأساليب. حتى عندما اشتعلت منطقتنا بالثورات والحروب والانهيارات، احتفظت كل دولة بمعالجتها الخاصة النابعة من بيئة سياسية داخلية تحمل مُفردات التاريخ والهويات المتعاقبة في ذلك البلد. فلا يليق بنا أن نُعمم واقع فرضه الظرف السياسي ببلد على بلد آخر حتى وإن كان كلُ منهم امتدادا جغرافيا واستراتيجيا للآخر، وإن حمل النيل نفس الماء لكليهما، يظل لكل بلد حريته التي يمارسها أبناؤه في تحديد مصيرهم وإلا فلما خلقت الحدود السياسية. تلك الحدود السياسية لابد لها أن تتخطى الجغرافيا، وتصل إلى الوعي السياسي داخل عقول المحللين.

طباعة

    تعريف الكاتب

    شيرين هلال

    شيرين هلال

    باحثة فى العلوم السياسية.. متخصصة فى العلاقات الدولية والشئون الإفريقية