تحليلات - قضايا أفريقية

ملامح الرؤية المصرية لرئاسة قمة الكوميسا "21"

طباعة


تعد "الكوميسا"، السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا، واحدة من أهم التكتلات  الاقتصادية الإقليمية في إفريقيا، والتي يعترف بها الاتحاد الإفريقي، ويمثل عدد سكان دولها الأعضاء نحو 50% من عدد سكان القارة الإفريقية، ولذلك تعد سوقا واعدة ومفتوحة للتجارة الإفريقية، ولذلك فتفعيل اتفاقية التجارة الحرة في إفريقيا، تدعم العلاقات الاقتصادية بين دول التكتل، وتعمل على تعزيز التبادلات التجارية بين مصر والدول الأعضاء في الكوميسا في مختلف المجالات الاستثمارية والزراعية والصناعية والبنية التحتية، وأيضا تبادل المعلومات وأعمال المقاولات، وتعزز الأمن والسلام بين دول القمة، كما تأمل مصر في تنمية صادراتها إلي القارة السمراء، لأن السوق الإفريقي سوق واعد يستطيع أن يستوعب الصادرات المصرية بلا جمارك، وكذلك إمكانية استيراد مصر من دول الكوميسا بأسعار منخفضة، وبالتالي سيعود بالنفع علي المواطن المصري الذي يستفيد من هذه السلع.

و"كوميسا"، هي اتفاقية مشتركة لدول الشرق والجنوب الإفريقي. ومن هنا تستضيف العاصمة الإدارية الجديدة القمة الـ21 لرؤساء الدول والحكومات للسوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا)، وتعقد القمة تحت شعار "تعزيز القدرة على الصمود من خلال التكامل الرقمي الاقتصادي الاستراتيجي" بهدف تشجيع استخدام أدوات الاقتصاد الرقمي لتيسير ممارسة الأعمال داخل تجمع الكوميسا، وتعزيز قدرة الدول الأعضاء على الصمود لمواجهة التداعيات السلبية لجائحة كورونا على اقتصاداتها.

ما هي اتفاقية الكوميسا وما هي الدول الأعضاء؟

الكوميسا هى اتفاقية السوق المشتركة لدول الشرق والجنوب الإفريقي، وتضم في عضويتها 21 دولة، حسب موقع الكوميسا، وهم: مصر، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ومدغشقر، وملاوي، وبوروندي، وجزر القمر، وجيبوتي، وموريشيوس، ورواندا، وسيشل، والسودان، وسوازيلاند، وأوغندا، وزامبيا، وليبيا، والصومال،  وزيمبابوي، والكونغو الديمقراطية وتونس.
فالتجمع أحد الدعامات الرئيسية للجماعة الاقتصادية الإفريقية التي تم إقرارها في قمة أبوجا (العاصمة النيجيرية) لعام 1991، والهدف من إنشاء التجمع هو إلغاء كافة القيود التجارية فيما بين الدول الأعضاء،  تمهيدًا لإنشاء وحدة اقتصادية للمنطقة، كي تخدم تحقيق هدف الوحدة الإفريقية، وتمّ إنشاء الكوميسا في ديسمبر عام 1994 خلفًا لمنطقة التجارة التفضيلية التي بدأت في عام 1981، وتستضيف العاصمة الزامبية لوساكا مقر سكرتارية الكوميسا.

مصر وتكتل "الكوميسا":

وقعت مصر على الانضمام لاتفاقية الكوميسا في 29 يونيو 1998، وتمّ البدء في تطبيق الإعفاءات الجمركية مع باقي الدول الأعضاء اعتباراً من 17 فبراير من عام 1999على أساس مبدأ المعاملة بالمثل.
ويعتبر إقامة منطقة تجارة حرة بين دول الكوميسا مقدمة لإنشاء السوق المشتركة، فسارعت مصر للانضمام لمنطقة التجارة الحرة للكوميسا التي أعلن عن إنشائها في قمة لوساكا عام 2000، وقد أدى ذلك إلى تحقيق الاستفادة المتبادلة والمصالح المشتركة لكل من مصر والدول الأخرى الشقيقة أعضاء التجمع.
ومن أهم الصادرات المصرية إلي دول الكوميسا مواد البناء، مثل الحديد والصلب، والأسمنت، والمنتجات الكيماوية والدوائية، والصناعات الغذائية والسكر والزيوت.
بينما تتمثل أهم الواردات المصرية من تكتل الكوميسا في الشاي، والبن، والتبغ، والثمار، الزيتية، والسمسم، والحيوانات الحية، والنحاس .
وتسلمت مصر، الثلاثاء 23 نوفمبر 2021، رئاسة قمة السوق المشتركة لدول شرق وجنوب القارة الإفريقية "الكوميسا" بعد غياب قرابة 20 عاما، وذلك في مؤتمر تستضيفه العاصمة الإدارية بالقاهرة بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وعدد من الزعماء وقادة ووفود الدول الأعضاء. ومن الجدير بالذكر أن القمة الأخيرة انعقدت منذ ثلاث سنوات في لوساكا بزامبيا في يوليو 2018.
وعندما ترأست مصر الاتحاد الإفريقي عام 2019، ركزت الرئاسة المصرية علي تسخير مصر إمكاناتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الإفريقي المشترك، لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومد جسور التواصل الثقافى والحضاري بين الشعوب الإفريقية، وتحقيق التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمي، والإصلاح المؤسسى والمالى للاتحاد، والسلم والأمن عبر تعزيز الآليات الإفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، ودعم جهود الاتحاد فى استكمال منظومة السلم والأمن الإفريقية ودفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها، والوساطة فى النزاعات.
ففى عام 2019، تم إطلاق المرحلة التشغيلية لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي تشمل 1.2 مليار نسمة من السكان، ويبلغ مقدار ناتجها المحلي نحو 2.5 تريليون دولار . ومن أهم إنجازات الدولة المصرية فى هذا الإطار:
    • الشروع فى تنفيذ مشروع "القاهرة- كيب تاون" لتقليص مدة شحن البضائع إلى 4 أيام بدلا من 28 يوما، كما قامت الشركات المصرية برفع كفاءة البنية التحتية فى دول الكوميسا.
    • إطلاق منصة "صوت 50 مليون امرأة إفريقية"، وهي أول منصة إلكترونية للربط  بين سيدات الأعمال في مختلف دول القارة، وإتاحة مختلف الخدمات التى تساعد على دعم مشروعاتهن الصغيرة والمتوسطة والتبادل التجاري بينهن، طبقا لما أعلنه جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر المصرى، بالتعاون مع الكوميسا فى 18 نوفمبر 2020، في مصر بحضور وزيرة التجارة والصناعة، والرئيس التنفيذي لجهاز تنمية المشروعات، نيفين جامع، ورئيس المجلس القومى للمرأة مايا مرسى، وسكرتير عام الكوميسا تشيليشى كابويبوى، وذلك ضمن تحقيق تمكين المرأة الذى يعد من أهم أولويات الدولة المصرية، وأيضا الإيمان بأن مستقبل مصر والقارة الإفريقية في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.

أبرز المزايا التي تتيحها الاتفاقية لمصر:

• الاستفادة من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الإفريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات إلى دول إفريقيا .
• تنص المادة 158 من اتفاقية الكوميسا على تشجيع التعاون في مجالات الاستثمار، كما تنص المادة 164 على تحرير التجارة في الخدمات مما يتيح الفرصة لمصر لتصدير الخبرات الفنية، خاصة مع تفوق مصر في مجال التجارة في الخدمات، ولاسيما أعمال المقاولات، وقد تم إنشاء تطبيق برنامج جسور التجارة العربية الإفريقية لرفع وعي المنتجين المصريين بالفرص التصديرية المتاحة .

رؤية مصر فى  رئاسة قمة الكوميسا:

لا شك فى أن من أهم التحديات التي واجهت مصر منذ 2020 تحدى جائحة كورونا، الذى أثر على مختلف القطاعات الاقتصادية، وعلى بيئة الأعمال في مختلف الدول، ولذلك قامت مصر بوضع رؤية لتعميق التكامل بين دول الإقليم لبلوغ التعافي الاقتصادي من أثر كورونا، من خلال تشجيع الأعمال بمفهومها الشامل للأعمال التجارية والاستثمارية والإنتاجية .
ولا بد من استغلال الكوميسا لوضع سياسات وخطط تحرك عاجلة لتيسير الأعمال، وتشجيع القطاع الخاص علي التكامل، وفتح آفاق لتكامل الأعمال في الإقليم لتحفيز الطلب المحلي والإقليمي وزيادة المعدلات الإنتاجية، وينعكس ذلك علي معدلات التشغيل ومستوى معيشة المواطنين في الدول الأعضاء.
واستهدفت الرؤية المصرية لرئاسة الكوميسا طرح عدد من المبادرات للمساهمة في تعميق التكامل في عدد من القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية بين دول الكوميسا على الأجلين القصير والمتوسط، وذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي أهم ملامح رؤية مصر لقيادة الكوميسا من خلال كلمة سيادته بعد تسلمه رئاسة قمة الكوميسا 21.

أولًا - بالنسبة للتكامل التجاري الإقليمي وإزالة العوائق الجمركية:
تسعى مصر لتنمية التجارة البينية الإفريقية، والتنسيق مع الدول الأعضاء والعمل علي إزالة أية عقبات تحول دون قيام الدول الأعضاء بتقديم الإعفاءات اللازمة، واقترحت وضع آلية لمراجعة السياسات التجارية للدول الأعضاء بشكل دوري، وهو الأمر الذي سيساهم في مشاركة الدول بفعالية لتطبيق الامتيازات الجمركية في إطار منطقة التجارة الحرة لإقليم الكوميسا، وستسعى مصر لمتابعة هذه الآلية بالتعاون مع الأمانة العامة والدول الأعضاء.
وتهتم مصر بتعزيز التكامل القاري في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية، والاستفادة من التقدم المحرز في إطار التكامل الإقليمي للكوميسا في دعم التكامل مع التجمعات الإقليمية الثلاثة للكوميسا، وجماعة شرق إفريقيا، ومجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية "سادك"، والعمل على تشجيع الدول الموقعة على اتفاقية منطقة التجارة الحرة للتجمعات الثلاثة على التصديق على الاتفاقية، ليتم تطبيقها ودخولها حيز النفاذ.

ثانيًا- التكامل الصناعي:
قامت مصر بإعداد مبادرة التكامل الصناعي الإقليمي بما يتوافق مع الإستراتيجية الصناعية للكوميسا 2017 – 2026، وأجندة التنمية الإفريقية 2063، وذلك بهدف مشاركتها مع الدول الأعضاء والأمانة العامة لوضع خطة تنفيذية لتحقيق هذا التكامل الصناعي وزيادة الإنتاجية تحت شعار صنع في الكوميسا. وتهدف المبادرة إلى دراسة الموارد المتاحة لدى دول التجمع، والوقوف على المزايا النسبية المتاحة لديهم.

ثالثًا- التكامل في قطاعات البنية التحتية:
تحرص مصر على تكثيف التعاون مع الدول الأعضاء والأمانة العامة ومؤسساتها لدفع التكامل الاقتصادي في قطاعات البنية التحتية، لاسيما النقل والطاقة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومصر مستعدة لتبادل الخبرات وتعزيز التعاون المشترك، لضمان تعزيز التجارة البينية وحركة انتقال البضائع والسلع وعناصر الإنتاج، وستعمل مصر بكل جهد مع الدول الأعضاء والأمانة العامة لتشجيع مشروعات الربط البري بين دول القارة، وفي مقدمتها مشروع القاهرة – كيب تاون الذي يمر بأغلب دول إقليم الكوميسا، كما ستسعى مصر إلى استكمال الجهود المبذولة للانتهاء من دراسة جدوى مشروع الربط بين البحر المتوسط وبحيرة فيكتوريا كأحد المشاريع الطموحة لتسهيل حركة التجارة وانتقال الأفراد بين دول الإقليم، كما ستعمل مصر على نقل خبراتها في قطاع الكهرباء والطاقة للدول الأعضاء، وتشجيع كافة المبادرات الرامية لمواجهة التحديات التي تواجهها الدول الأعضاء بشأن عجز الطاقة.

رابعًا - تشجيع حركة الاستثمارات في الإقليم:
يتطلب تشجيع وجذب الاستثمار في إقليم الكوميسا بذل مزيد من الجهود من الدول الأعضاء والأمانة العامة لاستغلال المقومات الفريدة التي تحظى بها دول الكوميسا في هذا الإطار.

خامسًا - التكامل في القطاع الصحي:
ضرورة وضع خطة واضحة لتنمية التكامل الإقليمي في هذا القطاع، ومواءمة السياسات الوطنية لضمان سهولة نفاذ المنتجات الطبية والدوائية بين الدول الأعضاء، ورفع الوعي لدى مواطني الإقليم للاستفادة من اللقاحات الخاصة بمواجهة فيروس كورونا لمنع تفشيه في دول الإقليم.

سادسًا- تحفيز مجتمع الأعمال بالسوق المشتركة:
 أشار الرئيس السيسى في كلمته إلى إزالة أية عقبات تواجه حركة الأعمال في الإقليم، حيث تؤمن مصر بأن تكامل الأعمال ضرورة ملحة للتعافي من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، ومصر ستعمل خلال رئاستها للتجمع على تشجيع كافة المبادرات التي تساهم في تيسير بيئة الأعمال، خاصة المبادرات الهادفة للتحول الرقمي والشمول المالي لخدمة الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك كافة المبادرات الهادفة لتشجيع مشاركة سيدات وشباب الأعمال في عملية التكامل الاقتصادي، بالإضافة إلى تشجيع حركة الاستثمارات البينية للقطاع الخاص في القطاعات الإنتاجية المختلفة. كما أن مصر ستعمل خلال رئاستها على زيادة انخراط مجتمع الأعمال المصري مع نظرائه من دول التجمع للاستفادة من المزايا التي تتيحها الاتفاقية أمام الشركات المصرية والشركات من الدول الأعضاء، والعمل على تنمية التجارة البينية المشتركة، وفقًا لمبدأ المنفعة المتبادلة التي تحقق المصلحة للجميع.

المصادر:
هباني، سالية فاروق، الكوميسا : السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقى، مجلة المصرفي، بنك السودان المركزي، المجلد/العدد: ع8، 2018.
درياق، محمد هدية، المعوقات السياسية للتكامل الاقتصادي الإقليمي الإفريقي: دراسة في تأثير الحروب الأهلية على التكامل في منطقة الكوميسا،  مجلة الدراسات الاقتصادية، جامعة سرت، 2019.
د.سمر الباجوري، تجارب التكامل الاقتصادي في إفريقيا: الكوميسا نموذجاً، مجلة الديمقراطية، مؤسسة الأهرام، يناير2021.
مصر والكوميسا، الهيئة العامة للاستعلامات، 20 نوفمبر 2021. على الرابط:
https://www.sis.gov.eg/Story/226442/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%B3%D8%A7?lang=ar
 

طباعة

    تعريف الكاتب

    ياسمين مجدي

    ياسمين مجدي

    باحث اقتصادي، طالب ماجستير - كلية الدراسات الإفريقية العليا، جامعة القاهرة.