تحليلات - شرق أوسط

تونس: التشكيل الوزارى ومستقبل المشروع السياسى للرئيس

طباعة

تتعامل الجيولوجيا مع ظواهر طويلة الآماد عبر الزمن، إلا أن التشكيل الوزارى للحكومة التونسية الجديدة التى ترأستها الجيولوجية نجلاء بودن جاء سريعا. فقبل مضى أسبوعين على خطوة تكليف الرئيس قيس سعيد لرئيسة الوزراء الجديدة فى 29 سبتمبر الماضى، كان قد تم الإعلان عن تسمية أعضاء الحكومة فى 11 أكتوبر الجارى. وفى سياق "التعجيل الزمنى" يذكر أن هذه الخطوة الحكومية جاءت بعد أحد عشر أسبوعا فقط من عملية التحولات السياسية "من أعلى" عن طريق حزمة التدابير الرئاسية الاستثنائية التى اتخذت بالاستناد إلى مضمون المادة (80) من الدستور بدءا من 25 يوليو، وحتى ألحقت فى 22 سبتمبر بإجراءات تعطيل مواد عديدة من هذا الدستور.

وقد أشار الرئيس التونسى فى وقت سابق وهو بصدد الإعلان عن التدابير الاستثنائية "إنه سيحكم إلى جانب رئيس وزراء جديد سيعينه هو"(1). مما يفسر أن تعيين الرئيس التونسي قيس سعيد لرئيس وزراء جديد وتسمية أعضاء حكومة جديدة بهذه الصورة السريعة، إنما جاءت بمثابة جنوح لتأسيس شرعية جديدة والمضى قدما نحو استكمال مشروع  25 يوليو 2021 السياسى، وبما يؤكد –من وجهة نظر الرئيس ومؤيديه- أنه لا رجوع فى الحياة السياسية فى تونس إلى ما قبل ذلك التاريخ، وبما يدفع نحو المضى قدما فيما يتعلق بتعديل الدستور وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة وإعادة تشكيل نظام الحكم التونسى بشكل عام.

فإلى أى مدى يمكن أن يفضى التشكيل الوزارى الجديد إلى إنهاء الحالة الاستثنائية؟ وهل تتماهى طبيعة التشكيل مع مشروع قيس سعيد؟ وإذا كانت تعد خطوة فى سبيل إعادة بناء المؤسسات الرسمية، فما تداعياتها المتوقعة على مستقبل المشروع السياسى للرئيس التونسى الذى تكشفت معظم أبعاده ومكوناته؟. نحاول الإجابة على التساؤلات المطروحة فى ضوء ما يمكن التعامل معه والاستدلال عليه من إعلان التشكيل الوزارى الجديد، وملامحه، وحدود صلاحيات هذه الحكومة.

التشكيل الوزارى الجديد .. الملامح والتوجهات: 

نشرت الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية على "فيسبوك" (Facebook) صباح يوم الاثنين الموافق 11 أكتوبر 2021 بيانا جاء فيه: "رئيس الجمهورية يصدر أمر تسمية رئيس الحكومة وأعضائها". كما أعلنت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن تشكيلة وزرائها التى ضمت (24) عضوا، إضافة إلى كاتب دولة، منهم (9) نساء(2). وأدى أعضاء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية مباشرة في قصر قرطاج الرئاسى بحضور رئيس الجمهورية، استنادا للأمر الرئاسي عدد (117)، الصادر في 22 سبتمبر الماضى، دون الحاجة للحصول على ثقة البرلمان (المجمد إلى أجل غير مسمى)(3). وتعد هذه الحكومة العاشرة فى الحكومات التى تعاقبت على إدارة البلاد منذ عام 2011. وأعضاء الحكومة هم كالتالى(4):

جدول (1): تشكيلة حكومة 11 سبتمبر 2021

الوزير(ة)

الوزارة

ليلى جفال

العدل (كانت وزيرة فى الحكومة السابقة)

عماد مميش

الدفاع

توفيق شرف الدين

الداخلية (أعيد لمنصبه مرة أخرى فى الحكومة السابقة)

عثمان الجرندى

الخارجية والهجرة وشؤون التونسيين بالخارج (احتفظ بمنصبه فى الحكومة السابقة)

سهام بوغديرى نمصية

المالية

سمير سعيد

الاقتصاد والتخطيط

مالك الزاهى

الشؤون الاجتماعية

نايلة نويرة غندرى

الصناعة والمناجم والطاقة

فضيلة الرابحي بن حمزة

التجارة وتنمية الصادرات

محمود إلياس حمزة

الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري

فتحى السلاوتى

التربية (احتفظ بمنصبه فى الحكومة السابقة)

منصف بوكثير

التعليم العالي

على مرابط

الصحة

كمال دقيش

الشباب والرياضة(احتفظ بمنصبه فى الحكومة السابقة)

سارة زعفرانى

التجهيز والإسكان

ليلى الشيخاوى

البيئة

نزار بن ناجى

تكنولوجيات الاتصال

ربيع المجيدى

النقل

محمد الرقيق

أملاك الدولة والشؤون العقارية

محمد عبدالمعز بن الحسين

السياحة

إبراهيم الشايبى

الشؤون الدينية

آمال بلحاج

المرأة والطفولة وكبار السن

حياة قطاط

الشؤون الثقافية

نصر الدين النصيبى

التشغيل والتكوين المهنى

عايدة حمدى

كاتبة دولة لدى وزير الخارجية مكلفة بالتعاون الدولي

 

يتضح من التشكيلة الوزارية الملامح التالية:

- فى هذه التشكيلة الوزارية أعيد توفيق شرف الدين مرة أخرى لتولى حقيبة الداخلية بعد إقالته من المنصب نفسه من قبل رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في يناير الماضي، وأبقى على كل من عثمان الجارندي وزيرا للخارجية، وكمال دقيش وزيرا للشباب والرياضة، وفتحى السلاوتى وزيرا للتربية. فيما أصبحت ليلى جفال وزيرةً للعدل، وقد كانت قد تولت وزارة أملاك الدولة بالحكومة السابقة.

- تضم حكومة بودن الجديدة (8) وزيرات، بالإضافة إلى كاتبة دولة، مقابل (5) وزيرات فقط فى حكومة المشيشى السابقة.

- تم استحداث حقيبة وزارية جديدة هى وزارة التشغيل والتكوين المهنى.

- تتكون التركيبة الحكومية من شخصيات مستقلة (لاحزبية) سواء الوزراء الذين تم إعادتهم لتولى نفس الحقائب الوزارية السابقة أو من تغيرت حقيبته الوزارية، والآخرين من تم الاستعانة بهم كوزراء لأول مرة. وهم جميعا من المؤيدين أو الموالين للرئيس سعيد ويتماهو بدرجة أو بأخرى مع مشروعه السياسى(5).

وفيما يرتبط بمهام وتوجهات هذه الحكومة، هناك بضع ملاحظات على النحو التالى:

-   "إعادة الأمل": أطلقت رئيسة الحكومة نجلاء بودن على الفريق الوزارى مسمى "حكومة إعادة الأمل"، ومن المؤكد أن أولويات عمل هذه الحكومة التى جاءت فى ظروف استثنائية يجب أن تتمثل فى استعادة الثقة بالدولة من قبل كافة التونسيين، وإعادة الأمل لديهم بمستقبل أفضل وتحسين ظروف المعيشة، لكن طبيعة الحالة الاستثنائية تنعكس بلا شك كمحدد رئيس على عمل الحكومة فى الفترة المقبلة.

- الملفات العاجلة أمام الحكومة: يوجد حزمة من المهام الاقتصادية والمالية والاجتماعية العاجلة تنتظر حكومة بودن، منها زيادة النمو ومعالجة البطالة وفتح المجالات أمام الشباب.

- عدم تغيير المؤسسات الحكومية: من هنا يفهم وفى ضوء متغير سرعة التشكيل الوزارى، أنه سيتم الإبقاء على الهيكلة الحالية للوزارات على أن يتم النظر لاحقا فى تطويرها، حيث تأتى المهام العاجلة كأولوية أولى للحكومة الجديدة.

-صلاحيات الحكومة الجديدة: فى ظل الأمر الرئاسى (117) الذى يتضمن تعليق معظم مواد الدستور، وأن تكون الحكومة الجديدة مسئولة أمام الرئيس الذي يحدد سياساتها، وصلاحياتها وسلطات وزرائها ستكون محدودة بناء على التغييرات التي أقرها الرئيس على السلطتين التشريعية والتنفيذية. لا يعدو دور الوزارة الجديدة على هذا النحو –حتى لا يتم تحميلها مسئولية تراكمات الفترة الماضية أو تردى الأوضاع المجتمعية- لكنه ينحصر فى معاونة رئيس الجمهورية وتسيير الإدارة العامة للدولة، والقيام بالمهام العاجلة التىيأتى فى مقدمتها إعادة التفاوض مع البنك الدولى.    

-مكافحة الفساد: يتماشى مع ما سبق قيام الحكومة الجديدة بتنفيذ توجهات الرئيس سعيد فى هدف وسياسة مكافحة الفساد كأولوية سياساتية بالإضافة إلى التجهيز للاستفتاء على الدستور المعدل وإجراء الانتخابات المبكرة(6).

على مستوى القوى السياسية والمدنية داخليا؛ اختار الرئيس سعيد أن يتحمل المسئولية ويقوم بعملية التغيير فى وجهة تونس السياسية واستبعاد حزب حركة النهضة، دون أن يعبأ لأية مواقف معارضة أو نعت مسار ممارساته الاستثنائية بكونها "انقلاب"، ولاشك فى أن مؤسسات الدولة تقف إلى جواره، لأنه فى طريق انتصاره واحتواء الصراع السياسى وتغيير شكل النظام السياسى قد يكسب مجددا حلفاء فاعلين عبر الحوار والمشاركة –بصورة أو بأخرى- ويرشح لذلك عدة قوى ونقابات مدنية، أبرزها اتحاد الشغل الذى يتمتع بنفوذ جماهيرى واسع، وكذلك التيارات التى تقف على اليسار ويمين الوسط.

أما على المستوى الخارجى؛ فبالفعل هناك ترقب خارجى للأوضاع التونسية، لكن لم يصل الدور الخارجى إلى حد ممارسة الضغوط على رئيس الجمهورية ورئيسة حكومته المكلفة حديثا، إلا أن -فيما يبدو من قرارات وإجراءات- هناك اعتبار للمتغير الخارجى، وهناك رسائل مستمرة وربما اتصالات مع بعض القوى الكبرى خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. فالرئيس التونسى يظهر كمثال يعبر عن "الرجل القوى" من خلال التصميم على المضى قدما نحو استكمال مشروعه السياسى والحفاظ على الدولة، هذا من ناحية، ويبشر بقرب إطلاق الحوار الوطنى "المسيس" ووضع خريطة الطريق للعملية الديمقراطية –ربما هو رسم ملامحها بالفعل-  من خلال مشروع سياسى يتضمن إعادة تشكيل نظام الحكم وتعديل الدستور وعقد انتخابات برلمانية وبلدية مبكرة من ناحية أخرى(7).

فى ختام هذه الخطوة الخاصة بتسمية التشكيل الوزارى؛ يجدر التأكيد أن الإطار الناظم لعمل الحكومة الجديدة مقيد بتوجهات وسياسات الرئيس الذى يحدد أولوياتها، لذا لا تعدو أن تكون حكومة معاونة لإدارة الرئيس لشئون البلاد وتصريف الإدارة العامة للدولة. وينبغى الإشارة إلى أن الرئيس سعيد أكد سواء بالتصريحات والرسائل أو عن طريق محتوى القرارات الاستثنائية أنه لن يتراجع مطلقا عن هذه الإجراءات التي اتخذها يوم 25 يوليو الماضى، والتي عززها بمرسوم رئاسى أصدره فى 22 سبتمبر الماضى. وقد تكشف تطورات السياسة فى تونس، بحسب من يمسك بزمام الأمر –وهو رئيس الجمهورية- عن اللجوء إلى ما يمكن تسميته التسوية الدستورية وإقرار النظام الرئاسى كشكل للحكم فى تونس. أما عن أهمية تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية وإعادة تشكيل النظام السياسى، فهناك أولوية قصوى تتعلق بالأبعاد الاجتماعية والاقتصادية وضرورة تحسينها حتى يشعر المواطن بهذا التحسن فى "أقرب الآجال". 

الهوامش:

1. الاستثناء" التونسي في عنق الزجاجة: سيناريوهات الأزمة؟، Deutsche Welle  (DW) عربية, 26 سبتمبر 2021، متاح على الرابط:  https://p.dw.com/p/3y5Rz

2. تونس: الإعلان عن تشكيل حكومة بعد أكثر من شهرين على "الإجراءات الاستثنائية" للرئيس سعيّد، فرانس24، 11 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://www.france24.com/ar/

3. حكومة تونس تبصر النور.. وتؤدي اليمين في قصر قرطاج، دبي- العربية.نت، 11 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://www.alarabiya.net/north-africa/2021/10/11

4. "العين الإخبارية" تنشر تشكيلة الحكومة التونسية، العين الإخبارية، 11 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://al-ain.com/article/1633942418

5. حكومة تونس الجديدة.. 8 وجوه نسائية و4 وزراء يحتفظون بمناصبهم، وكالة الأناضول، 11 أكتوبر 2021،  متاح على الرابط:  https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3

6. الحكومة الجديدة في تونس تؤدي اليمين الدستورية، ، 11 أكتوبر 2021، Deutsche Welle   (DW) عربية, متاح على الرابط: https://p.dw.com/p/41WVM

7. واشنطن تحث سعيّد مجددا على "الاستجابة لدعوة الشعب التونسي لوضع خارطة طريق واضحة" للمرحلة المقبلة، فرانس24، 8 أكتوبر 2021، متاح على الرابط: https://www.france24.com/ar/

 

 


 

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد عبد الهادى شنتير

    محمد عبد الهادى شنتير

    باحث فى العلوم السياسية