تحليلات - شئون دولية

سباق الانتخابات الألمانية، من سيقود ألمانيا بعد ميركل؟

طباعة

تشهد ألمانيا العديد من الحملات الانتخابية في سباق محموم بين الأحزاب السياسية استعداداً لانتخاب المواطنين للبرلمان الاتحادي الألماني العشرين "البوندستاغ" في 26 سبتمبر 2021، والذي سيقوم بدوره بانتخاب "المستشار الاتحادي" لخلافة أنجيلا ميركل، أي أن نتائج هذه الانتخابات ستعلن عن حقبة جديدة في ألمانيا بعد المستشارة أنجيلا ميركل، التي تولت الحكم لنحو 16 عاماً، وقررت عدم الترشح لولاية جديدة علي رأس المستشارية، وتتم هذه الانتخابات في توقيت تواجه فيه ألمانيا مجموعة من القضايا الهامة والملحة التي تحتاج لوضع سياسات قوية وحاسمة، خاصة فيما يتعلق بمواجهة التغيرات المناخية وخطة التعافي من تداعيات جائحة كوفيد- 19، وإدارة العلاقات الاقتصادية مع الصين والعلاقات مع روسيا وشرق أوروبا، وغيرها، وهو ما يدفع للتساؤل حول من سيخلف المستشارة أنجيلا ميركل، وما أبرز التوقعات بشان الائتلاف الحزبي الذي سيتولى السلطة؟

انتخاب المستشار الاتحادي؛ وفقاً للمادة "63" من الفصل السادس بالقانون الأساسي الألماني "الدستور" لا يأتي رئيس الحكومة الاتحادية "المستشار" بانتخابات مباشرة، حيث يقوم الشعب بانتخاب البوندستاغ الذي ينتخب أعضاءه المستشار الاتحادي في أولي جلساته التي تنعقد خلال 30 يوما علي الأكثر بعد الانتخابات، عبر إجراء اقتراع علي الشخص الذي اقترحه الرئيس الاتحادي لتولي منصب المستشار الاتحادي، ويعد فائزاً من يحصل علي أصوات أغلبية أعضاء البوندستاغ، وهنا يتوجب علي الرئيس الاتحادي تعيين الفائز في منصب المستشار الاتحادي.

تشكيل الحكومة؛ نظراً لطبيعة النظام الانتخابي للبرلمان، فمن الصعب علي حزب منفرد الحصول علي الأغلبية وتشكيل الحكومة، لذا التحالف الحزبي هو القاعدة التقليدية لتشكيل الحكومة الفيدرالية الألمانية، حيث يُؤِّمن الحزب، الذي حصد أكبر عدد من المقاعد، حصوله علي الأغلبية في البرلمان بالائتلاف مع حزب أو أكثر، ويقترح المستشار الاتحادي المرشحين للمناصب الوزارية علي الرئيس الاتحادي، ويكون اقتراح هؤلاء المرشحين للمناصب الوزارية خاضع سياسياً لما نتج عن اتفاق الائتلاف من التزامات.

من سيقود ألمانيا بعد أنجيلا ميركل؟

يشارك في انتخابات البوندستاغ العشرين نحو 54 حزبا سياسيا بزيادة عن انتخابات عام 2017، والتي تمت بمشاركة 48 حزبا شارك منهم فعلياً 42 حزبا فقط، وفاز بمقاعد في البرلمان سبعة أحزاب، والتي استطاعت أن تعبر عتبة 5% لتضمن تمثيلها في البرلمان، وقد حددت أكبر ثلاثة أحزاب منهم أفضل خياراتها لخلافة المستشارة أنجيلا ميركل في منصب المستشار الألماني، كما يلي:

1- أرمين لاشيت  (CDU/ CSU)"التحالف الديمقراطي المسيحي":

أرمين لاشيت البالغ من العمر 59 عاماً، هو رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، وكان عضواً في البرلمان الأوروبي منذ عام 1999 إلى 2005، وشغل منصب رئيس وزراء حكومة ولاية شمال الراين-وستفاليا منذ عام 2017حينما فاز بالانتخابات آتياً من الصفوف الخلفية ومخالفاً لاستطلاعات الرأي. وهو مرشح التحالف المحافظ (حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ويشار له باختصار "CDU"، وحزبه الشقيق الموجود في ولاية بافاريا حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي "CSU"، وهما الحزبان الأكثر نجاحاً في تاريخ جمهورية ألمانيا الاتحادية، اللذين يشكلان كتلة برلمانية واحدة في البوندستاغ منذ الانتخابات الفيدرالية الأولي عام 1949، كما أنهما يشكلان مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي"SPD" الحكومة الحالية، ويرمز للاتحاد (CDU/CSU) باللون الأسود.

وفيما يتعلق بالبرنامج الانتخابي؛ يسعي آرمين لاشيت لتحقيق التوازن بين استمرار سياسات ميركل وتجديدها، فأجندته السياسية هي نفسها التي مثلتها المستشارة أنجيلا ميركل، مع تركيز بشكل كبير علي تعزيز التعاون داخل الاتحاد الأوروبي، واحترام الالتزامات التي تعهدت بها ألمانيا داخل حلف الناتو، هذا إلي جانب اتباع سياسة متوازنة تجاه روسيا والاستمرار في مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، واتباع سياسة متوازنة تجاه الصين من خلال السعي إلي التعاون الوثيق مع الصين في إطار المنافسة العادلة مع التصدي لتنامي النفوذ الصيني. أما فيما يتعلق بحماية المناخ، والذي أصبح إحدى القضايا المركزية في الانتخابات الألمانية، فتعهد لاشيت بوضعها ضمن أولويات الحكومة، وأن تصل ألمانيا للحياد المناخي بحلول عام 2045، هذا إلي جانب العمل على التقليل من انبعاثات الغازات الضارة، مع عدم تحميل المستهلكين الأعباء المالية بشكل مباشر، كما يهدف لاشيت لتحقيق التوازن بين التزامات ألمانيا بالحياد المناخي واحتياجات الشركات الألمانية وأرباب العمل، كما أكد علي عدم فرض ضرائب جديدة، وتقديم اعفاءات وتسهيلات ضريبية لأصحاب الدخل الضعيف والمتوسط، هذا إلي جانب العمل علي كبح الديون الحكومية والعودة إلي سياسة الصفر الأسود، كما يتضمن برنامجه الانتخابي خططاً لبناء 1.5 مليون وحدة سكنية حتي عام 2025.

2- أولافشولس (الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPD):

أولافشولس هو مرشح الحزبالاشتراكي الديمقراطي "SPD" لمنصب المستشارية لخلافة أنجيلا ميركل، يشغل حالياً منصب نائب المستشارة أنجيلا ميركل ووزير المالية، ويبلغ من العمر 62 عاماً، وينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي منذ عام 1975، ويحسب علي الجناح المحافظ للحزب الاشتراكي الديمقراطي، ويتمتع بخبرة سياسية عريضة، حيث انتخب في البوندستاغ عام 1998، وشغل منصب عمدة هامبروغ في شمال ألمانيا من عام 2011: 2018، وقد أكتسب أولافشولس سمعة متميزة في إدارة البلاد خلال أزمة جائحة كوفيد-19، خاصة خلال الفترة التي خضعت فيها المستشارة انجيلا ميركل للعزل في مارس 2020، مما منحه فرصة سياسية للظهور بمظهر القائد الذي يناضل من أجل تحقيق التماسك الاجتماعي في البلاد.

أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي "SPD"، فقد تأسس في ألمانيا في القرن التاسع عشر، وهو أقدم حزب في ألمانيا، ويعرف ايضاً باسم حزب الشعب، وهو جزء من الائتلاف الكبير الحاكم منذ عام 2013، ويدافع الحزب عن العدالة الاجتماعية، وهو الحزب الوحيد باستثناء الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي قدم مستشاراً للجمهورية الفيدرالية "غيرهارد كورت شرودر" الذي حكم في الفترة من 1998: 2005 في حكومة ائتلافية مع حزب الخضر، واللون الأحمر هو لون الحزب.

وفيما يتعلق بالبرنامج الانتخابي؛ يتبني أولافشولس فكراً أكثر واقعية في التحول إلي مصادر الطاقة المتجددة، ويعتزم في حالة فوزه بتغيير العديد من القوانين من أجل التحول إلي مصادر الطاقة المتجددة سريعاً، وأعلن أن هذه القضية ستتحول إلي "المهمة ذات الأولوية الأولي" في سياسة الاقتصاد الألماني،وتعهد بأن تصل ألمانيا للحياد المناخي بحلول عام 2045، هذا إلي جانب التوجه لدعم الشركات الرائدة في مجال المناخ وتعزيز مكانة ألمانيا كمصدر للتقنيات الصديقة للبيئة.

وفي مجال رقمنة الاقتصاد؛ يهدف البرنامج الانتخابي للحزب للوصول بألمانيا في مجال رقمنة الصناعة والاقتصاد الى المستوى العالمي بحلول عام 2030. وفي مجال الإسكان؛ تعهد الحزب ببناء 100 ألف مسكن للإسكان الاجتماعي المخصص لذوي الدخل المحدود سنوياً، كما يدعو برنامج الحزب لإصلاح النظام الضريبي بحيث يتم تخفيف الأعباء الضريبة على الشرائح الأقل دخلاً بينما تتحمل الشرائح الأعلى دخلاً مسؤوليات أكثر، ويقترح البرنامج زيادة بنسبة 3% على ضريبة الدخل على الشرائح الأكثر ثراءً، أيضا يسعى الحزب الى تحديد الحد الأدنى للأجور عند 12 يورو في الساعة، كما يسعى الحزب الى الاستفادة من تعليق العمل بمكابح الدين لضخ مزيد من الاستثمارات في الاقتصاد، خاصةً بعد أزمة كوفيد-19، وفي مجال السياسة الخارجية؛ أكد أولافشولس علي مسئولية ألمانيا في إطار الشراكة العابرة للأطلسي لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، واتباع سياسة أكثر حزماً تجاه روسيا مع استمرار التعاون والحوار.

3- أنالينا بربوك (تحالف الخضر/ 90):

أنالينا بربوك هي عضوة البوندستاغ الألمانية البالغة من العمر 41 عاماً، ومنذ عام 2013 تتولى رئاسة حزب الخضر، جنباً إلى جنب مع روبرت هابيك، وتعد هذه المرة الأولى التي يقدم فيها حزب الخضر مرشحاً لمنصب المستشار؛ علاوة على ذلك، فإن بربوك هي ثاني امرأة مرشحة لمنصب المستشارة في تاريخ ألمانيا بعد أنجيلا ميركل.

وقد تأسس تحالف الخضر/ 90 عام 1993، وهو عبارة عن مزيج من حزب ألمانيا الغربيةالذي تأسس عام 1980وحزب ألمانيا الشرقية"Bündnis 90" الذي تأسس في عام 1991، وقد تطور حزب الخضر من حركات اجتماعية مختلفة مثل الحركة المناهضة للأسلحة النووية وحركة السلام والحركة البيئية، كما أن حزب "التحالف 90" كان يتألف من حركات متعددة تطالب بالحقوق المدنية في ألمانيا الشرقية، وبين عامي 1998 و2005 كان الحزب جزءا من الائتلاف الحكومي، جنباً لجنب مع الحزب الديمقراطي الاشتراكي،وظل في المعارضة منذ عام 2005 إلي الآن.

وفيما يتعلق بالبرنامج الانتخابي؛ فمنذ تأسيس الحزب ظلت حماية البيئة ومكافحة التغير المناخي هي القضية الرئيسية للحزب، ويربط برنامج الحزب هذه القضية بالاقتصادفتعهدبخلق ازدهار اقتصادي صديقاًللمناخ، على أن يكون أيضاً عادلاً اجتماعياً ويخلق فرص عمل، حيث يتبني أجندة سياسات صديقة للبيئة لا يتحمل فيها القطاع الخاص التكلفة الاقتصادية بالكامل، كما يركز على وضع برنامج استثماري بقيمة 50 مليار يورو سنوياً في التحول الاجتماعي والبيئي، وتسريع عملية التحول إلى الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المستدامة، هذا إلي جانب العمل علي خفض الانبعاثات الغازية بنسبة 70 % حتى عام 2030، وهي خطة طموح وأكبر مما تهدف إليه الحكومة الحالية، التي تهدف لخفض الانبعاثات بنسبة 55% حتى عام 2030.

علاوة علي ذلك، يرى الحزب ضرورة فرض ضرائب على الشرائح الأغنى والأعلى دخلاً، وفرض ضريبة على الثروات، كما يطالب بفرض ضريبة إضافية على وقود البنزين من أجل تمويل برامج حماية البيئة، في نفس الوقت يعد الحزب بعدم تحميل المواطنين تكاليف سياسة التحول في الطاقة، كما تضمن البرنامج الانتخابي لحزب الخضر إقرار حد أدنى للأجور بقيمة 12 يورو للساعة.

وفي مجال السياسة الخارجية، يسعي الحزب لمزيد من التعاون الدولي في مجال حماية البيئة، ويسعي لسياسة جوار أوروبية نشطة، كما يدعم سياسة توسيع الاتحاد الأوروبي باتجاه دول البلقان ودول أوروبا الشرقية، ويختلف موقف حزب الخضر مع موقف حكومة ميركل تجاه كلاً من روسيا والصين، حيث يري الصين كمنافس لأوروبا وخصمها المنهجي، وأيضاً في نفس الوقت شريكاً تجارياً مهماً، ويطالب برنامج الحزب الصين بوضع حد لانتهاكاتها لحقوق الإنسان، كما أنهم ضد مشروع أنابيب الغاز "نورد ستريم2" الذي تؤيده حكومة ميركل، واللون الأخضر هو لون الحزب.

4- الحزب الديمقراطي الحر FDP؛ "زعيم الحزب: كريستيان ليندنر":

الحزب الديمقراطي الحر  FPDهو حزب ليبرالي صغير نسبياً من يمين الوسط، تأسس عام 1948، وعمل كشريك في الائتلاف مع كلا الحزبين الأكبر على مر السنين، وكان آخرها في حكومة ميركل الثانية عام 2009،وقد  فشل الحزب في الدخول إلى البرلمان الألماني عام 2013، وكانت هذه المرة الأولي التي لا يدخل فيها الحزب الديمقراطي الحر للبرلمان منذ عام 1949، لكنه بدأ تحت قيادة رئيسه كريستيان لندنر بكسب أصوات الناخبين من جديد بشكل متصاعد، وعاد إلي البرلمان الالماني التاسع عشر عام 2017 بـ 80 عضواً، يؤسس الحزب برنامجه على مبدأ الحرية الفردية والحقوق المدنية، والتقليل من السيطرة علي السوق، حيث يدعم اقتصاد السوق الاجتماعي والتجارة الحرة، إلي جانب العمل تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، والتركيز علي التحول الرقمي والتخلص من البيروقراطية، والعمل علي إصلاح النظام الضريبي وكبح الديون الحكومية، وتنمية الاقتصاد للتعافي من تداعيات أزمة جائحة كورونا بدلاً من فرض المزيد من الضرائب، هذا إلي جانب التقليل من سيطرة الدولة على كل مناحي الحياة، ويعد الحزب الديمقراطي الحر من أنصار الوحدة الأوروبية، ومن مؤيدي تعميق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، واللون الأصفر هو لون الحزب.

5- حزب البديل لألمانيا AfD؛ قادة الحزب: يورغ ميوثن وتينو شروبالا:

تأسس حزب البديل لألمانيا عام 2013، كحزب معارض ضد الأحزاب الموجودة، وهو أكبر حزب معارض في البرلمان، ويعد حزب يميني شعبوي يعارض سياسات الاتحاد الأوروبي وينادي بتفكيك منطقة اليورو وعودة كل دولة من دولها لعملتها الوطنية،كما يعارض قبول اللاجئين والهجرة، ويتصدر الحزب عناوين الصحف بانتظام، حيث يبرز العديد من أعضائه بسبب التصريحات العنصرية واليمينية المتطرفة والعضوية في الجماعات اليمينية المتطرفة، ونظراً لسلوك الحزب السياسي تخضع جهات من الحزب لمراقبة الهيئة الاتحادية لحماية الدستور في ألمانيا "الاستخبارات الداخلية"، ويرمز للحزب باللون الأزرق.

وعلي الرغم من أن الائتلافات هي القاعدة في ألمانيا إلا أن الاحزاب التقليدية أعلنت عدم انضمامها إلي أي تحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا، وحتي الآن لم يكن هناك ائتلاف فيدرالي يضم هذا الحزب الذي كان أول وجود لها بالبرلمان التاسع عشر عام 2017، بعد فوزه بنسبة 12,6% من أصوات الناخبين.

6-  حزب اليسار "داي لينك"؛ قادة الحزب: جانين ويسلر وسوزان هينيغ ويلسو:

تأسس حزب اليسار عام 2007؛ وانبثق من اندماج  الحزب الاشتراكي الديمقراطي وبقايا الشيوعيين القدامى من ألمانيا الشرقية والديمقراطيين الاشتراكيين الألمان الغربيين الساخطين علي سياسات الحزب الديمقراطي الاشتراكي، ويعد حزب اليسار حزب يساري صغير ويتركز الدعم له في ولايات ألمانيا الشرقية، ولم ينجح اليسار مطلقاً في أن يصبح جزءا من حكومة البوندستاغ، ويطالب حزب اليسار بالانسحاب من حلف الناتو وإعادة القوات العسكرية الالمانية من الخارج، والعمل علي حظر تصدير الاسلحة للخارج، كما يهدف إلى العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الدخل ورفع الأجور وفرض مزيد من الضرائب على الرأسماليين والشركات وأصحاب الدخول الكبيرة،وفرض ضريبة أزمة على الثروات التي تبدأ من 2 مليون يورو من أجل التغلب على تداعيات أزمة كوفيد– 19، هذا إلي جانب وضع نظام صحي قائم علي التضامن الاجتماعي، وجعل النقل العام مجاناً، ووضع حد أدني للمعاش بقيمة 1200 يورو، وإنشاء 250 الف وحدة إسكان اجتماعي سنوياً،كما يتضمن برنامج الحزب الوصول إلى حالة الحياد المناخي بحلول عام 2035، والأحمر هو لون الحزب، لكنه غالباً ما يكون اللون الأحمر الداكن أو الأرجواني.

السيناريوهات المحتملة لائتلاف الحكومة الاتحادية:

تشير غالبية استطلاعات الرأي إلي صعوبة التنبؤ بالنسب التي قد تحققها الأحزاب للفوز في هذه الانتخابات لتقدم مرشحها لمنصب المستشار الألماني، وكذلك صعوبة التنبؤ بتركيبة الائتلاف الحكومي الذي سيحكم ألمانيا بعد الانتخابات، وعلي الرغم من تباين الآراء حول تأثير استطلاعات الرأي العام علي توجهات الناخبين وقراراتهم الانتخابية وما تعكسه من توقعات قد تتحقق أو لا تتحقق علي أرض الواقع إلا أنها تعطي إشارات إلي الفرضيات الممكنة لتوقعات نسب فوز الأحزاب أو الفرضيات الممكنة لإجراء ائتلافات بين الاحزاب السياسية من أجل تكوين حكومة أئتلافية بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات.

ووفقاً لنتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد "فورسا" لقياس مؤشرات الرأي ونشرت نتائجه في 24 أغسطس؛ تفوق الاشتراكيون لأول مرة منذ 15 عاما على التحالف المسيحي، حيث حصل الاشتراكيين علي 23% مقابل 22% للتحالف المسيحي.

فيما عكست نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه معهد "يوغوف" لقياس مؤشرات الرأي ونشرت نتائجه في 27 أغسطس؛تزايد شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 24% بزيادة نحو 8% عن آخر استطلاع اجراه نفس المعهد في يوليو الماضي، وفي المقابل تراجعت شعبية المحافظين بنحو 6% ليحصل علي 22% فقط، بينما ظل حزب الخضر عند 16%، كما ارتفعت شعبية الحزب الديمقراطي الحر إلى 13%، بينما تراجعت شعبية حزب البديل من أجل ألمانياإلى11%، واستقرت شعبية حزب اليسار عند 8 %.

بينما أظهرت نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته القناة الثانية بالتلفزيون الألماني "زد دي إف  ZDF"يوم 13 أغسطس 2021؛ أن 59% من الناخبين يثقون في أولافشولس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتولي منصب المستشار بارتفاع بمقدار 5% مقارنة بالاستطلاع الذي أجري قبل أسبوعين، وفي المقابل حصل مرشح تحالف ميركل المسيحي أرمين لاشيت على تأييد 28% فقط بتراجع بمقدار 7%، وجاءت في المركز الثالث مرشحة حزب الخضر انالينا بيربوك حيث أعرب 23% ممن شملهم الاستطلاع عن اعتقادهم بأنها مناسبة للمنصب.

بينما عكست نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته المحطة العامة الالمانية "إيه آر دي" في 25 أغسطس؛ تقدما كبيرا لأولافشولس مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي علي مرشح الاتحاد المسيحي أرمين لاشيت، حيث حصل الأول علي نسبة 41% من الأصوات مقابل 16% فقط للثاني.

وفقاً لأخر استطلاع رأي للإيكونيميست في 14 أغسطس، فإن النتائج الأكثر احتمالية للتحالفات المختلفة لتشكيل الأغلبية في البوندستاغ العشرين تذهب إلي تحالف أحزاب "جامايكا"، ويسمي بهذا الاسم لأن الألوان المميزة للأحزاب الثلاثة هي نفس ألوان علم دولة جامايكا، ممثلة في التحالف المسيحي CDU/CSUوالذي يضم التحالف الكبير للحزب المسيحي الديمقراطي، والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري (باللون الأسود)، وحزب الخضر (باللون الأخضر)، والحزب الديمقراطي الحر  FDP(باللون الأصفر)، وأحزاب "اشارة المرور"، والتي تضم "الحزب الديمقراطي الاجتماعي SPD، باللون الأحمر، وحزب الأحرار الديمقراطي  FDP  باللون الأصفر، وحزب الخضر باللون الأخضر، والأقل احتمالاً هو تحالف "الأسودCDU+ CSUوالأخضر حزب الخضر".

فيما يوضح استطلاع الرأي الذي قامت بها الجارديان؛ انخفاض شعبية الاتحاد الديمقراطي المسيحي "CDU/CSU"، وكذلك حزب الخضر لمصلحة ارتفاع شعبية الحزب الاشتراكي الديمقراطيSPD.


-

كما يرجح استطلاع الرأي الذي قامت بها الجارديان؛ فرص التحالف لتشكيل الأغلبية لائتلاف كينيا (ممثلة في التحالف المسيحي CDU/ CSUوالحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني SPD، وحزب الخضر) بنسبة نحو 63.1%، ثم ائتلاف "الأسود والأحمر والأصفر" بنسبة 57.4%، وائتلاف جامايكا بنسبة 52.9 % ، كما يلي:


-

تشير أغلب التوقعات إلي احتمالية فوز الحزب المسيحي الديمقراطي برئاسة آرمين لاشيت بالمرتبة الأولي في هذه الانتخابات كما جرت العادة، يليه الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر إلا أن احتمالية صعود الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر قد يقلب هذه المعادلة، وتجدر الإشارة هنا إلي أن انتخابات البوندستاغ شهدت في تاريخها بعض المفاجأة التي غيرت تركيبة البرلمان والمعادلة السياسية، ومن أبرزها عام 1998 عندما استطاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي SPDأن يقدم لأول مرة مستشار لألمانيا، وهو المستشار كورت شرودر الذي قاد حكومة ائتلافية مؤلفه من حزبه وحزب الخضر حتي عام 2005، وجاء ذلك بعد 16 عاما من حكم الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة هيلموت كول، كما شهدت انتخابات عام 2017 وجودا لحزب البديل من أجل ألمانيا في البوندستاغ لأول مرة، وعودة الحزب الديمقراطي الحر للبرلمان بعد انقطاع لأول مرة في تاريخه في انتخابات عام 2013.

في ضوء ما سبق، قد تكون السيناريوهات المحتملة لائتلاف الحكومة الفيدرالية الجديدة كما يلي:

السيناريو الأول؛ التحالف بين الاتحاد المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطيSPD، الحزب الديمقراطي الحر FDP، ويعتمد هذا السيناريو علي حصد الاتحاد المسيحي لأكثرية الأصوات، وتأمين الأغلبية في البرلمان بالتحالف الحزب الديمقراطي الحر، والاشتراكيين الديمقراطيين.

السيناريو الثاني؛ تشكيل تحالف كبير بين الاتحاد المسيحي والخضر، حيث يلجأ الاتحاد المسيحي إلي تشكيل تحالف مع الخضر، وحزب ثالث لتأمين الأغلبية إلا أن سيناريو تحالف الاتحاد المسيحي مع الخضر علي الرغم من ترجيح بعض استطلاعات الرأي له إلا أنه يواجه عقبة تتعلق بمدي قدرة الاتحاد المسيحي وحزب الخضر علي تحقيق التوافق والتفاهم بشأن العديد من القضايا والملفات المهمة التي تشهد تضادا واضحا في رؤي الحزبين تجاهها.

السيناريو الثالث والأخير؛ تشكيل تحالف بين الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر وحزب ثالث قد يكون الحزب الديمقراطي الحر أو حزب اليسار، حيث قد يخسر تحالف الاتحاد المسيحي الكثير من الأصوات لصالح الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، وهو ما قد يتيح الفرصة للاشتراكيين الديمقراطيين بزعامة أولافشولس بتشكيل حكومة ائتلافية مع الخضر ومحاولة تقريب وجهات النظر معهم في بعض القضايا الخلافية، خاصة أن كلا من الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب الخضر يسعيان لاستبعاد الاتحاد الديمقراطي المسيحي من الائتلاف الحاكم وسيطرته علي السياسة الألمانية، وهو ما حدث سابقاً عام 1998. وهذا التحالف بزعامة أولافشولس قد يشهد استمرار لبعض من سياسات أنجيلا ميركل وتغير جذري في سياسات أخري، أما في حال كان بزعامة "حزب الخضر"، فقد يشهد قطيعة مع أغلب سياسات ميركل السابقة.

وختاماً، قد تأتي نتائج الانتخابات بشكل مغاير لأغلب ما ذهبت إليه استطلاعات الرأي، خاصة أن نتائج استطلاعات الرأي تختلف وفقاً لتغير المزاج العام للناخب الألماني، لذا مازالت الفرصة سانحة أمام الأحزاب الألمانية لكسب مزيد من الناخبين لتأييدها، كما قد تحمل هذه الانتخابات مفاجئة للاتحاد الديمقراطي المسيحي إذا لم يستطع حشد قواه لإنقاذ حملته الانتخابية وكسب مزيد من الناخبين لتأييده خلال الأسابيع القليلة المتبقية قبل إجراء الانتخابات، وربما يشكل دعم المستشارة أنجيلا ميركل لآرمينلاشيت محاولة لاصطفاف الحزب المسيحي وشقيقه البافاري لإيقاف التراجع في استطلاعات الرأي وكسب مزيد من الناخبين، في ظل اقتراب المنافسة أكثر بين المرشحين علي خلافة ميركل.

ومن جانب آخر ربما يقترب الحزب الديمقراطي الاشتراكي أو حزب الخضر أكثر وتحدث مفاجئة خلال هذه الانتخابات تسفر عن تغيير في سياسات الحكومة الاتحادية تكون ضاغطة علي الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أو قد تخرجه خارج معادلة الحكم إلي صفوف المعارضة، وهو ما يعد تغير سياسي كبير بأقوى دولة بأوروبا، وينذر بأن تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة سيكون أمرا معقدا للغاية، وربما يكون أكثر تعقيداً مما واجهته حكومة ميركل الرابعة بعد انتخابات 2017، والتي امتدت مفاوضات تشكيلها لعدة أشهر قبل التوصل إلى اتفاق.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. غادة عبدالعزيز

    د. غادة عبدالعزيز

    باحثة متخصصة في العلاقات الدولية