تحليلات - شرق أوسط

التهديدات الأمنية المحتملة فى تونس: المخاطر والتداعيات

طباعة

تشهد تونس منذ الخامس والعشرين من يوليو الجاري - والذي يتوافق مع الذكرى الـ 64 لتأسيس الجمهورية - سلسلة من الأحداث المتعاقبة، بدأت بمظاهرات حاشدة في عدة مدن تونسية، طالب فيها المحتجون بتنحي الحكومة وحل البرلمان ورحيل حركة النهضة وزعيمهم في تونس، راشد الغنوشي، وأعقبها مجموعة من القرارات الحاسمة للرئيس التونسي، قيس سعيد، تضمنت تجميد أعمال واختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن كافة أعضائه، وإعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه، وتولي الرئيس "سعيد" السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية حتى تشكيل حكومة جديدة.

كما تضمنت قرارات الرئيس التونسي إنهاء مهام عدد من المسئولين في مناصب عليا بالحكومة، من بينهم: وزير الدفاع ابراهيم البرتاجي، ووزيرة العدل بالنيابة، ووزيرة الوظيفة العمومية والناطقة الرسمية باسم الحكومة حسناء بن سليمان، والكاتب العام للحكومة، ومدير ديوان رئاسة الحكومة، والمستشارون لدى رئيس الحكومة، ووكيل الدولة العام مدير القضاء العسكري، ورئيس الهيئة العامة لقتلى وجرحى الثورة والعمليات الإرهابية، إلى جانب عدد من المكلفين بمأمورية بديوان رئيس الحكومة.

في هذا السياق، نحاول تسليط الضوء على أبرز التهديدات الأمنية المحتملة التي قد تشهدها تونس في خضم أزمتها الأخيرة.

تحديات قائمة:

من المهم بدايةً الإشارة إلى أن اندلاع شرارة الغضب في الشارع التونسي، والقرارات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد أخيراً لم تأت بين عشية وضحاها، فثمة العديد من الدوافع الكامنة وراء انفجار الأزمة في تونس؛ بعضها يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتأزم في الآونة الأخيرة، والبعض الآخر يتعلق برغبة التونسيين في إنهاء ممارسات حركة النهضة، " ذراع جماعة الإخوان الإرهابية في تونس"، وهي الممارسات التي ترقى إلى حد الجرائم في حق الشعب التونسي، فضلاً عن الولاءات الخارجية للحركة وتبنيها لأجندة التنظيم الدولي للإخوان والدول التي تتبنى رؤية التنظيم، بعيداً عن وجود أجندة وطنية تونسية للحركة.

جدير بالذكر أن الدولة التونسية تواجه جملة من التحديات البنيوية العميقة التي تهدد مؤسساتها الوطنية. ويمكن بيان أبعاد هذه التحديات على النحو التالي:

· وضع وبائي كارثي: تشهد المنظومة الصحية في تونس تحديات غير مسبوقة جراء تفشي فيروس كورونا وسلالاته المتحورة (ألفا ودلتا)؛ إذ ارتفع إجمالي الإصابات في البلاد منذ بدء الجائحة إلى نحو 560 ألفاً، بالإضافة إلى أكثر من 18300 وفاة بين السكان، البالغ تعدادهم 11.6 مليون نسمة، لتصبح بذلك الحصيلة اليومية لوفيات كورونا في تونس الأعلى في إفريقيا والعالم العربي، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.

وإثر الزيادة اليومية القياسية في أعداد الوفيات والمصابين، انجرفت المنظومة الصحية في البلاد نحو الانهيار، وبات الوضع كارثياً على حد ما وصفته المتحدثة باسم وزارة الصحة التونسية، نصاف بن علي، يوم 8 يوليو، الأمر الذي دفع الرئيس قيس سعيد إلى إصدار أوامره للجيش بإدارة أزمة تفشي الفيروس في ظل التخبط في أداء الحكومة وفشلها في إدارة الأزمة.

وبطبيعة الحال ألقت أزمة الوباء بظلالها السلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، حيث كانت تونس من بين أكثر  الاقتصادات تضرراً من الأزمة، وذلك مع انكماش الاقتصاد التونسي الذى بلغ نحو 11.4%  بنهاية 2020، وبدورها تسببت الأزمة أيضاً في تفاقم الأزمات بين السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية.

· تردى الأوضاع الاقتصادية: تعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة، كان للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، إلى جانب أزمة تفشي وباء فيروس كورونا بصمات واضحة في تفاقمها؛ إذ بلغ الدين العام في البلاد 87.6% في عام 2020. ووفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يرتفع إلى 91.2% في عام 2021.

كما ارتفعت معدلات البطالة والفقر لتصل إلى 17.8 % في الربع الأول من العام الجاري مقارنةً بـ 17.4 % في الربع الأخير من 2020، في ظل تراجع إيرادات الدولة في عدد من القطاعات الاقتصادية المهمة، على رأسها النشاط السياحي، والذي تراجع بنسبة 80% في يوليو 2021، مقارنةً بالفترة ذاتها في العام المنصرم.

·احتدام الأزمة السياسية: تعصف بتونس أزمة سياسية منذ يناير الماضي، تمثلت في انسداد الحوار بين الرئاسات الثلاث: رئاسة الجمهورية، ورئاسة البرلمان، ورئاسة الحكومة. وتعود إرهاصات هذه الأزمة إلى رفض الرئيس قيس سعيد التعديلات الوزارية التي أجراها رئيس الحكومة، هشام المشيشي، وإصرار الأول على منع إشراك أي من الشخصيات المتهمة بالفساد المالي والإداري في الحكومة. فى المقابل، تمسك المشيشي بموقفه ومعه تأييد من حركة النهضة وحزبا قلب تونس وائتلاف الكرامة، ومنذ ذلك الحين وحتى الوقت الراهن، احتدمت الأزمة السياسية في تونس وانعكس الأمر بطبيعة الحال بصورة سلبية على قدرة سلطات الدولة على إنقاذ البلاد من أزماتها المتفاقمة، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية، وأزمة فيروس كورونا. 

تهديدات أمنية محتملة:

في ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة التونسية، والتحديات القائمة التي تناولناها في السطور السابقة، يمكن القول إن هناك مجموعة من التهديدات المُحتملة التي قد تواجه الدولة التونسية، أهمها تصاعد موجات العنف والإرهاب. وفى ضوء التنبؤ  بهذه الفرضية، تجدر الإشارة إلى أبرز مصادر التهديدات الأمنية لتونس، وذلك على النحو التالي:

أولاً- تصاعد العنف السياسي لحركة النهضة:من الممكن أن تقوم الحركة من خلال جهازها السري، المتورط في عدد من الاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس، باللجوء إلى العنف كأحد الخيارات المطروحة أمامها للتعبير عن وجودها، واستمرارها في دائرة السلطة في تونس، ويُستدل على احتمالية حدوث هذا السيناريو من تلويح زعيم الحركة، راشد الغنوشي، باستخدام العنف في حديث لصحيفة "كورياري ديلا سيرا" الإيطالية، نُشر يوم 30 يوليو. ففي إجابته عن سؤال "هل ترى عنفا في الأفق؟"، قال الغنوشي: "أكيد، إذا استمر الانقلاب وقوات الأمن بدأت في ممارسات دكتاتورية، فسنبذل كل قوانا لتلافي ذلك".

ثانياً- نشاط الجماعات المنتسبة لتنظيم القاعدة: تنشط في تونس عدد من الجماعات المنتسبة إلى تنظيم القاعدة، والتي كانت مسئولة عن بعض أهم الهجمات التي شهدتها البلاد. وفيما يلي نرصد أبرز هذه الجماعات:

·جماعة " أنصار الشريعة":تعبر هذه الجماعة عن التيار السلفي الجهادي في تونس، تأسست كإحدى فروع تنظيم القاعدة في تونس في أبريل عام 2011، وتورطت في مجموعة من الهجمات الإرهابية، أبرزها: الهجوم على السفارة الامريكية في تونس عام 2012، وشن العديد من الهجمات على قوات الامن التونسية بين عامي 2013 و2014.

وفي 2013، صنفت الحكومة التونسية جماعة "أنصار الشريعة" تنظيما إرهابيا، عقب ذلك أعلن عدد من عناصرها مبايعتهم لتنظيم داعش، والبعض الآخر ذهب للانضمام إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في ليبيا ومالي والجزائر.

·كتيبة "عقبة بن نافع": تعتبر الفرع التونسي التابع لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، تأسست في تونس في عام 2012، تقودها في الغالب قيادات جزائرية، وأبرز مقاتليها تونسيون وجزائريون. وتتمركز عناصرها على الجبال الحدودية بين تونس والجزائر المعروفة بالتضاريس الصعبة والوعرة إلى جانب الغابات الكثيفة. وتورطت الكتيبة في عدد من الهجمات الإرهابية ضد قوات الأمن التونسية في المنطقة الحدودية منذ عام 2013، وكان من أبرز عملياتها الهجوم على وزير الداخلية التونسي السابق، لطفي بن جدو، في عام 2014.

ثالثاً- نشاط تنظيم "داعش" في تونس: ينشط لتنظيم داعش فروع داخل تونس، منها جماعة " جند الخلافة"، والتي ظهرت في تونس عام 2014، ويتمركز نشاطها في بعض المناطق الوعرة ذات الغابات الكثيفة في جبال المغيلة وسمامة والسلوم بمحافظتي القصرين وسيدي بوزيد وسط غرب تونس، ويمتد نشاطها إلى الجبال الشرقية في الجزائر على الحدود مع تونس.

وقد شهد عام 2020 عدد من المخططات والهجمات الإرهابية التي تعكس تنامي تنظيم "داعش" في تونس، وإن كان هذا النشاط يغلب علية الطابع الفردي من خلال عمليات "الذئاب المنفرد" التي يقوم بها بعض العناصر المنتمية للتنظيم بشكل لامركزي. 

رابعا- عودة المقاتلين التونسيين من بؤر التوتر:تعتبر تونس من أكبر الدول المصدرة للمقاتلين في بؤر التوتر (سوريا واليمن وليبيا) خلال العقد الماضي، إذ يقدر عدد هؤلاء نحو 3000 مقاتل. وفى ظل الدعوات الدولية المتزايدة لإعادة المقاتلين الأجانب المتعاونين مع التنظيمات الإرهابية في مناطق الصراع إلى بلدانهم، قد تشكل عودة هؤلاء المقاتلين لتونس في ظل التحديات الراهنة، تحديا أمنيا خطيرا للدولة التونسية، ولدول الجوار مع احتمالية قيامهم بعمليات إرهابية مهددة للأمن والاستقرار.

خامسا- تهديدات إرهابية من دول الجوار الجغرافي "ليبيا والجزائر":في خضم الأزمة الراهنة، يمكن أن تمتد إلى تونس تهديدات إرهابية قادمة من الجزائر؛ حيث الحضور القوى لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ومن ليبيا؛ حيث تنشط عناصر تنظيمي "داعش" والقاعدة، والجماعات المتمردة التشادية، وعناصر المرتزقة المتمركزة في الغرب الليبي، إلى جانب الميلشيات التابعة لجماعة الإخوان في ليبيا، والتي يمكن أن تتسرب إلى تونس عبر الحدود بالتنسيق مع حركة النهضة، كإحدى الأدوات التي يمكن أن تلجأ إليها الأخيرة للضغط على مؤسسات الدولة التونسية.

سادسا- انهيار المنظومة الصحية بشكل كامل:من المحتمل أن تأتى الاضطرابات السياسية التي تشهدها تونس حاليا على حساب اهتمام الدولة بمواجهة أزمة وباء فيروس كورونا المتفاقمة في البلاد، وبالتالي نصبح أمام سيناريو انهيار المنظومة الصحية التونسية بشكل كامل، الأمر الذي قد يدفع الجيش إلى المزيد من الانخراط في مجابهة الجائحة، مما يترك فراغاً أمنياً قد تستغله الجماعات الإرهابية لتحقيق مآربها.

بالتالي، فهذا التهديد من جانب، يحمل تداعيات كارثية على البلاد مُرتبطة بتكرار سيناريو دول مثل الهند. ومن جانب آخر، يعزز من قدرة التنظيمات الإرهابية على إعادة تجميع نفسها وممارسة نشاطها، في ظل انشغال سلطات الدولة بما فيها المنظومة الأمنية بمواجهة جائحة كورونا.

سابعا-  تهديدات مرتبطة بمستقبل العملية السياسية: توجد جملة من المؤشرات التي قد تحمل معها -حال تحققها- المزيد من التعقيد للأزمة السياسية في تونس. ومن هذه المؤشرات ما أشار إليه راشد الغنوشي من أن حركة النهضة لن تقبل برئيس وزراء لا توافق عليه الحركة، فضلاً عن تهديده بالحشد ضد الرئيس قيس سعيد، ومن جانب ثانٍ، يوجد تصميم من أحزاب واتجاهات أخرى، مثل الحزب الدستوري الحر على رفض أي وجود لأي عناصر إخوانية أو أشخاص محسوبين على إسلاميي تونس في الحكومة المقبلة. ومن جانب ثالث وأخير، يوجد أيضاً تخوفات كبيرة مرتبطة باستمرار الإجراءات الاستثنائية في البلاد. وتمثل هذه المؤشرات في مجملها تهديداً لمستقبل العملية السياسية في تونس برمتها، وبطبيعة الحال سينعكس هذا الأمر على حالة الأمن والاستقرار في البلاد، وسيعزز من التهديدات المحتملة بشكل عام.

ختاما، يمكن القول إن التخوفات من التهديدات الأمنية المحتملة في تونس هي تخوفات قائمة بالفعل ولكن في المقابل هنالك جملة من المحددات التي تقلل من فرص تفاقم هذه التهديدات والتحديات،على رأسها حالة الضعف التي يعيشها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، والانقسامات الداخلية التي تشهدها حركة النهضة أخيراً، والتأييد الشعبي الكبير لقرارات الرئيس قيس سعيد، إلى جانب توجهه نحو إصدار خارطة طريق للمرحلة الانتقالية المقبلة تضع على رأس أولوياتها ملف مكافحة الفساد، ومعالجة الأزمة الاقتصادية، ومواجهة تفشي فيروس كورونا في البلاد وهي ملفات لو نجح الرئيس فيها ستوجه موازين القوى على المستويين الشعبي والمؤسساتي لمصلحته، في مواجهة حشد النهضة ضده.


 

طباعة

    تعريف الكاتب

    منى قشطة

    منى قشطة

    باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية