تحليلات - شرق أوسط

كيف سيتعامل “داعش” مع المفاوضات بين طالبان والحكومة الأفغانية؟

طباعة

في الوقت الذي تتبادل فيه حركة طالبان والحكومة الأفغانية الاتهامات بـ"المماطلة" في إطلاق مفاوضات السلام بين الطرفين، بناء على اتفاق الدوحة الموقع بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية في فبراير 2020، شن تنظيم "ولاية خراسان"-فرع “داعش” في أفغانستان- هجوما إعلامياً كبيراً على طالبان لقبولها مبدأ التفاوض مع الحكومة الأفغانية، خاصة أنها أعلنت تمسكها بالتفاوض، وهو ما كشفت عنه تصريحات المتحدث باسم المكتب السياسي للحركة، محمد نعيم، في 25 فبراير 2021 معلقا على مسار المفاوضات الأفغانية بعد مرور عام على اتفاقية الدوحة، بقوله "هناك التزام من قبلنا بهذه الاتفاقية وبنودها. أما بالنسبة للطرف الآخر فهناك عدم التزام ببعض البنود في الاتفاق".

فقد وصف“داعش” طالبان بالميليشيا المرتدة عن الإسلام التي يُضحى قادتها بالإسلام للحصول على مكاسب سياسية ومادية، جاء ذلك في العدد 252 من مجلتها الأسبوعية “النبأ الداعشية”، تحت عنوان "حسم جدلية العدو القريب والعدو البعيد"، التي أشار فيها الى أن الحركة تهدف من وراء تلك المباحثات الى التقرب الى الغرب الصليبي، مطالباً عناصره وقياداته بضرورة مواصلة شن الهجمات ضد الحركة والحكومة الأفغانية على حد سواء، وهو ما يطرح سؤالا حول كيفية تعامل تنظيم ولاية خراسان مع تلك المفاوضات، وكيف سيحاول استغلالها لمصلحته خلال الفترة القادمة.

توقيت لافت:

في الوقت الذى تحاول فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية اطلاق محادثات السلام المباشرة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، بهدف إنهاء العنف الدائر في البلاد، وبناء دولة مستقرة تضمن حقوق الأقليات والمرأة، يحاول تنظيم ولاية خراسان-ذراع “داعش” في أفغانستان- العودة الى الساحة من جديد، بعد سلسلة من الانكسارات التي تعرض لها منذ مطلع عام 2020 بسبب الضربات المتتالية التي وجهتها حركة طالبان والحكومة الأفغانية، وهو ما دفعه للقيام بهجمات إرهابية نوعية،يثبت من خلالها وجوده على الساحة الافغانية، وأنه لا يزال يمثل الرقم الصعب في معادلة الأمن الأفغاني، كان من أبرزها الهجوم على مجمع للسجون بمدينة جلال أباد بولاية ننكرهار، التي يوجد بها عدد من عناصر التنظيم وقادته الميدانيين، وذلك مطلع شهر أغسطس 2020، مما أسفر عن هروب أكثر من 300 من نزلاء هذا السجن، الى جانب سقوط 24 قتيلا وأكثر من 68 مصابا خلال الهجوم.

لذا، يبدو أن تنظيم ”داعش“ سيحاول خلال الفترة القادمة استغلال المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية في تعزيز وجوده على الساحة، عبر تكثيف هجمات الإرهابية، في ظل ما يتسم به الوضع الأمني في البلاد من هشاشة واضحة، خاصة وأن من المنتظر أن تقلل حركة طالبان من هجماتها اذا ما حققت المفاوضات نتائج ملموسة، وتم التوصل الى تسوية مرضية بالنسبة لها، حيث يخشى “داعش” من حدوث توافق بين الحكومة الأفغانية والحركة في القضاء عليه، خاصة وأن ذلك الهدف أصبح بمنزلة مطلب دولي وإقليمي، وهو ما دفع عدد من القوى الإقليمية الى إقامة علاقات بحركة طالبان، على غرار ايران ورسيا، التي ترغب فى أن تصبح طالبان راس الحربة في القضاء على “داعش” في أفغانستان.

أهداف متعددة:

يمكن القول إن هناك مجموعة من الأهداف التي يسعى تنظيم “داعش” لتحقيقها من خلال هجومه على حركة طالبان بعد دخولها في مفاوضات سلام مع حكومة كابل في العاصمة القطرية الدوحة، لاسيما وأن تلك المفاوضات قد خرجت من رحم اتفاق السلام بين الولايات المتحدة والحركة في فبراير 2020، ويمكن تحديد أهم تلك الأهداف في النقاط التالية:

  • التشكيك في جدوى اتفاق السلام: يدرك قادة تنظيم ولاية خراسان جيداً أن الاتفاق بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان يصب فى مصلحة طالبان أكثر منه فى مصلحة الحكومة الافغانية، خاصة وأن الحركة لديها القدرة على ملء الفراغ الذى يمكن أن يخلفه انسحاب القوات الأجنبية، ومن ثم تفرض سيطرتها على البلاد، خاصة فى ظل الضعف الشديد الذى تعانى منه الحكومة الافغانية، وهو ما أشارت إليه تلميحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 6 مارس 2020، الذى صرح بأن هناك احتمالية بأن يستعيد متمردو حركة طالبان الحكم، بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، وهو ما يعنى أن الحركة ستتمكن آنذاك من توجيه ضربات قوية ضد معاقل التنظيم في البلاد، لأنها ستقاتله في هذه الحالة بمقدرات وإمكانيات دولة وليس بإمكانيات حركة، ومن ثم فإن تنظيم “داعش” يهدف من وراء هجومه الإعلامي الأخير على طالبان الى التشويش الديني والشرعي على تلك المفاوضات، وذلك لكبح جماح عناصر الحركة عن الهجمات المتواصلة  على مواقع التنظيم.
  • استغلال التردد الأمريكي: يبدو أن تنظيم ولاية خراسان سيسعى خلال الفترة القادمة الى استغلال عدم ثقة الولايات المتحدة في التزام طالبان بتعهداتهاالواردة في اتفاق الدوحة، والذي ينص على انسحاب القوات الامريكية من أفغانستان بحلول شهر مايو 2021 مقابل ضمانات أمنية من الحركة والدخول في مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 18فبراير 2021 بقوله "إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقدم على انسحاب متسرع أو غير منظم من أفغانستان"، وهو ما سيشجع تنظيم “داعش” على التوسع والانتشار في مناطق جديدة، لإثبات أن طالبان ليس بمقدورها تحجم نفوذه وتحقيق الأمن والاستقرار، وبالتالي تمنح القوات الامريكية مسوغاً للبقاء في أفغانستان، وهو ما يرده التنظيم حاليا، حتى يشكك في مصداقية طالبان من ناحية، وجذب عناصر من الحركة الى صفوفه من ناحية أخرى.
  • تكثيف الهجمات الإرهابية: على الرغم من أن أعداد مقاتلي تنظيم “داعش” أقل بكثير من مقاتلي حركة طالبان، الا إن عملياتهم تعد الأكثر عنفاً ودموية، خاصة وأنهم غالبا ما يختارون وينتقون هجماتهم بدقة، وبشكل يحدث صدى سياسي وإعلامي، وذلك لتعزيز وجود التنظيم فى البلاد وتصدر المشهد الإرهابي، على غرار الهجوم على مجمع سجون جلال أباد، الذى مثل ضربة قوية للحكومة الأفغانية، التي اضطرت الى الدفع برئيس أركان الجيش الأفغاني الجنرال ياسين ضياء لقيادة عملية تحرير السجن، واحتواء الوضع الأمني المتدهور في المدينة بسبب الهجوم الخاطف، مما يعنى أن التنظيم سيحاول استعراض قوته خلال الفترة القادمة،  ليس أمام الحكومة الأفغانية وحركة طالبان فحسب، وإنما أمام العالم أيضاً، وذلك حتى يثبت جدارته بتصدر مشهد العنف في البلاد، وأنه لن يكون هناك استقرار في البلاد طالما بقى التنظيم على الساحة، على الرغم من إبرام حركة  طالبان للاتفاقيات، سواء مع الحكومة الأفغانية، أو مع الولايات المتحدة الامريكية.
  • استهداف القوات الحكومية والأجنبية: يبدو أن تنظيم “داعش” يتخوف كثيراً من حدوث اتفاق سلام شامل بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، ليس فقط لأنه يعنى تعاظم نفوذ الحركة في البلاد بشكل أكبر خلال المرحلة القادمة، وإنما أيضاً لأن ذلك يعنى توسع الحركة على حساب تنظيم ولاية خراسان، خاصة بعد أن نجحت طالبان فى إبرام اتفاق سلام مع الولايات المتحدة الامريكية، التي اشترطت عليها قتال تنظيم ولاية خراسان وتحجيم نفوذه في البلاد كشرط رئيسي لتنفيذ تعهداتها تجاه الحركة، وهو ما يعنى تكثيف الحركة لهجماتها ضد مواقع التنظيم ومعاقله، لاسيما وأنها تعد القوة الوحيدة القادرة على ذلك خلال تلك الفترة،فى ظل تواضع قدرات الجيش الأفغاني، ومن ثم سيسعى التنظيم خلال المرحلة القادمة الى توسيع نطاق هجماته، خاصة ضد مواقع الجيش والمناطق الحيوية في البلاد،فضلا عن تركيزه على استهداف المصالح الأجنبية في البلاد، حتى يشكك في مدى فاعلية اتفاق السلام بين طالبان وحكومة أشرف غنى على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد.
  • تعميق الانقسام داخل طالبان: يدرك المتابعون لحركة طالبان أن هناك أجنحة داخلها رافضة لمبدأ التفاوض، خاصة مع الحكومة الأفغانية التي تصفها بأنها حكومة غير شرعية، وهو الوتر الذى يلعب عليه تنظيم “داعش” من لجذب تلك الأجنحة الى صفوفه، لاسيما وأن التنظيم قد تشكل بشكل رئيسي من العناصر المنشقة عن حركة طالبان، وذلك من خلال الهجوم على محادثات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية، وتصوير ذلك الاتفاق على أنه بمنزلة تخلى عن مبدأ الجهاد المقدس، وهو ما يمكن أن يلقى قبولا لدى تلك المجموعات التي اعتادت على القتل والعمل المسلح، ولا تسطيع العيش في بيئة مسالمة، خاصة وأن اتفاق السلام يهدف الى نزع سلاح طالبان، وإنهاء مظاهر العنف المنتشر في البلاد، وهو ما يستحيل أن يقبل به كل عناصر طالبان، وهو ما يمكن أن يعمق الفجوة بين الأجنحة المختلفة داخل الحركة خلال الفترة المقلبة.

أخيرًا، على ضوء ما سبق ويمكن القول إن تنظيم داعش“ في أفغانستان يسعى الى قطع الطريق على حركة طالبان لتصدر المشهد في البلاد، سواء من الناحية التنظيمية أو العسكرية، وذلك من خلال شن هجوم على الحركة بسبب دخولها في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية، وهو ما سيشجعها أيضاً على شن العديد من الهجمات الإرهابية،الأمر الذى يشير الى أن الفترة القادمة قد تشهد بعض العمليات الارهابية من قبل التنظيم فى مناطق مختلفة من البلاد، لاسيما في ظل قدرة عناصره على القيام بمثل هذه الهجمات.

 

 

 

 

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة