تحليلات - مصر

ثمار جهود الدبلوماسية المصرية وعصر جديد من السلام والازدهار "منظمة غاز شرق المتوسط"

طباعة

تخطو السياسة الخارجية المصرية خطوات مُثمرة صوب توازن وترسيخ العلاقات الدولية متعددة الأطراف، وقد أخذت الدبلوماسية المصرية التعاون الاقتصادي مأخذاً لتعزيز أواصر العلاقات والتعاون في منطقة شرق البحر المتوسط. ومن بين إنجازات الدبلوماسية المصرية، نجاح العديد من المفاوضات الدولية المُكثفة مع كافة الأطراف على المستوى الإقليمي والتي استمرات لسنوات؛ مما ساهم في تعميق الحوار الصادق والدبلوماسية المتعاونة ومهد الطريق لمنطقة أكثر أماناً واستقراراً وتكاملاً، بما أنهى فترة طويلة من الحروب منذ السبعينيات وحتى الآن.

 وتجدر الإشارة أن تاريخ الدبلوماسية المصرية حافل بالإنجازات الوطنية الباسلة. إذ يتميز رجالها بأسمى معاني الوطنية، حيث التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والحكمة في إدارة المفاوضات الدولية متعددة الأطراف وفي التعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية، حيث تكمن أسمى معاني الدبلوماسية الوطنية في التعامل الدبلوماسي والسياسي مع  كافة الأطراف المتنازعين بحكمة وصبر ومثابرة طوال أمد المفاوضات وإدارة الأزمات من أجل تحقيق الأهداف المنشودة لصالح الوطن والمواطن على حد السواء، وتوطيد السلم والأمن الدوليين في مجتمع دولي يسوده الاستقرار ويحيا أفراده في أمن وسلام. ويظل الهدف الأسمى هو الارتقاء بالقيم الإنسانية والوطنية الذى يعلو أي صراع يهدد السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي.

وتعتبر مصر قاطرة رسالة السلام السياسي والدبلوماسي والأمني في المنطقة العربية؛ إذ بادرت بتوقيع اتفاقية السلام لكي تكون نواة للسلام الدائم في المنطقة العربية. وقد تحول الآن إلى ما يمكن أن يحسن الأوضاع الاقتصادية عند جميع شعوب المنطقة، من خلال تحقيق تعاون اقتصادي إقليمي بين دول شرق البحر المتوسط؛ إيماناً بأهمية دور الدبلوماسية الاقتصادية في دفع عملية السلام وخلق عصرا جديد من السلام والازدهار.

وفي هذا الصدد، انتهجت السياسة الخارجية المصرية "دبلوماسية متعددة الأطراف" ذات الأطر التوافقية والوقائية لضمان السلام والأمن الإقليمين، فضلاً عن دور القيادة السياسية الرائد في عقد اتفاقات ترسيم الحدود البحرية حفاظاً على الحقوق الاقتصادية لمصر والدول المجاورة في المناطق الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط؛ مما ساهم في تحقيق إنجازات اكتشافات حقول الغاز الذاخرة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وترسيخ مبدأ الاستخدام العادل للموارد الاقتصادية في المناطق الاقتصادية الخالصة.

تكمن أهمية ترسيم الحدود البحرية في تحقيق مزيد من الاكتشافات وفتح آفاق جديدة للبحث والتنقيب عن البترول والغاز في المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية بالبحر المتوسط، نظراً لامتلاك مصر موارد اقتصادية متنوعة ضخمة في البحر المتوسط. وفي هذا الصدد، قامت الحكومة بمتابعة الاتفاقيات الدولية لترسيم الحدود البحرية من أجل إثبات حقوق مصر السيادية على المناطق الاقتصادية الخالصة، مما سمح بمناطق الاستغلال الاقتصادي التي تحكمها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وقد نجحت الجهود الدبلوماسية الحثيثة في إنجاح المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص واليونان. إذ لعبت الدبلوماسية المصرية دورا ريادياً في الوساطة، حتى يتسنى التقاسم العادل للحقوق والالتزامات على الموارد الاقتصادية في منطقة البحر المتوسط ​​دون المساس بالحقوق السيادية لكل دولة على حدة، والتي تضمنتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، خاصة أن الحدود البحرية المتداخلة في البحر المتوسط بين مصر وإسرائيل وفلسطين ولبنان وسوريا وتركيا واليونان وقبرص قد تكون مصدراً للتوترات التي تهدد الأمن الوطني والإقليمي، إذ يلاحظ أن تركيا ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ورفضت اتفاقات ترسيم الحدود التي تم التوصل إليها بين قبرص ومصر وإسرائيل، وذلك على أسانيد تتنافى مع أحكام ومبادىء القانون الدولي.

وعلى مدار السنوات الماضية، نجحت مصر في أن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة من أجل الإنتاج والتصدير، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع دول شرق المتوسط. وبما أن قطاع الطاقة هو المحرك الأساسي للنمو في اقتصادات الدول النامية، اعتمدت استراتيجية تطوير الطاقة على اكتشافات الغاز وتعزيز فرص الاستثمار في المشاريع المتعلقة بمجالات التعدين، وكفاءة الطاقة، والبنية التحتية، والطاقة المتجددة من أجل سد الفجوة بين الطلب المفرط، وضعف إمدادات الطاقة، ومواكبة المعدلات المطردة للنمو السكاني، فضلاً عن  تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط مطلع عام 2019، والذي يضم مصر وقبرص وإسرائيل واليونان وفلسطين وإيطاليا والأردن وفلسطين.  ويقتصر المنتدى على دول حوض البحر المتوسط للتعاون واستغلال البنية التحتية. وتُعد مصر مركز هذا التجمع الإقليمي للطاقة، نظرا لموقع مصر الجغرافي المتميز ولما تملكه من إمكانيات، ويساهم المنتدى في تنسيق السياسات حتى يتم تجميع الغاز وتصديره من خلال مصر بما يحقق منفعة لكل الدول المشاركة.

وفي سبتمبر 2020، تم توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط على الميثاق الخاص بالمنتدى، والذى بمقتضاه يؤسس المنتدى كمنظمة إقليمية دولية مقرها القاهرة. إذ تهدف المنظمة إلى تطوير التعاون فى مجال الغاز الطبيعي، وتعزيز التعاون، وتنمية حوار سياسى منظم ومنهجى بشأن الغاز الطبيعى إسهاماً فى الاستغلال الاقتصادى الأمثل لاحتياطيات الدول من الغاز الطبيعي، وتحقيق الاستغلال الأمثل لموارده باستخدام البنية التحتية الحالية، بالإضافة إلى إقامة بنية تحتية متطورة من أجل تعظيم المنفعة المشتركة ورفاهية الشعوب وضمان توفير أمن الطاقة في المنطقة. ويعتبر التحول من المنتدى إلى منظمة دولية حكومية بمثابة انطلاقة كبيرة فى رحلة تأسيس هذا الكيان الذى تطور تدريجياً ليصبح منظمة دولية حكومية. كما تعد هذة الخطوة بمنزلة نجاح الجهود الدبلوماسية بين دول منتدى غاز شرق المتوسط فى أن تصنع التاريخ والنجاح المشترك، مما يعزز في دفع عملية السلام وخلق عصر جديد من السلام والازدهار من خلال جعل ثروات الطاقة دافعاً لإنهاء النزاع فى المنطقة وتعزيز الاستقرار والازدهار الإقليمى، وخلق مناخ من الثقة وعلاقات  حسن الجوار، من خلال التعاون الإقليمى فى مجال الطاقة.  

 والجدير بالذكر أن أهداف ميثاق منتدى غاز شرق الموسط تتلخلص في عمله كمنصة تجمع منتجى الغاز والمستهلكين ودول المرور لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجى منظم حول سياسات الغاز الطبيعي، والتى ستؤدى لتطوير سوق إقليمية مستدامة للغاز للاستفادة القصوى من موارد المنطقة لصالح ورفاهية شعوبها.فضلاُ عن احترم حقوق أعضائه على مواردهم الطبيعية وفقاً للقانون الدولى، و دعم جهود الدول الأعضاء لاستثمار احتياطياتهم واستخدامهم البنية الأساسية الحالية والمستقبلية للغاز، إلى جانب ضمان التعاون الفعال مع أطراف صناعة الغاز وأصحاب المصلحة، بما فى ذلك المستثمرين وأطراف تجارة وتداول الغاز، ومؤسسات التمويل، علاوة على تشكيل اللجنة الاستشارية لصناعة الغاز منصة حوار دائمة بين الحكومات وأطراف الصناعة، علماً بأن أى دولة أخرى أو منظمة إقليمية أو دولية يمكن أن تقدم طلباً للانضمام كمراقب طالما تبنوا قيم وأهداف المنتدى، ورغبة فى التعاون من أجل سلام وأمن ورفاهية المنطقة.

فى ضوء ما تقدم، يلاحظ أن منطقة شرق البحر المتوسط شهدت تعاونا ثمينا في مجال الطاقة، وأصبح هناك تعاون حتمي بين دول المركز الإقليمي للطاقة في المنطقة، وأن روح الصداقة والتعاون والسلام والازدهار في إطار منتدى غاز شرق المتوسط سوف تساهم بشكل كبير في تعظيم المنافع الاقتصادية وإنشاء بنية تحتية للطاقة مترابطة وقوية فى منطقة شرق المتوسط بهدف تعظيم موارد واحتياطيات الغاز الطبيعى فى المنطقة.وجاء الاجتماع الثنائى بين المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية المصرى ودكتور يوفال شتاينيتس وزير الطاقة الاسرائيلى لدعم التعاون المشترك فى مجال الطاقة فى القدس فى 21 فبراير 2021؛ من أجل بحث سبل دعم التعاون المشترك فى مجال الطاقة، مما يساهم فى دعم أمن الطاقة. وقد تم الاتفاق على عقد لربط حقل غاز ليفاثيان بوحدات إسالة الغاز الطبيعى فى مصر عن طريق خط الأنابيب البحرى.وتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، مما يمثل أكبر تعاون اقتصادي بين مصر وإسرائيل منذ التوقيع على اتفاقية السلام قبل نحو 40 عاما.

والجدير بالذكر أن التعاون فى مجال الطاقة يساهم فى دعم أمن الطاقة وتنويع مصادرها، بالإضافة إلى تعزيز الحوار الإقليمى الحالى من خلال منتدى غاز شرق المتوسط خاصة فيما يخص تنمية سوق إقليمى للغاز لاكتشاف كل موارد الغاز الكامنة فى المنطقة، ووضع منصة للتعاون الإقليمى وتمهيد الطريق لمركز إقليمى متكامل للتجارة، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار عدد من الفرص المختلفة لاستقلال الطاقة للفلسطينين من خلال عدة مشروعات، مثل تنمية حقل غزة البحرى، وإنشاء محطة للطاقة الكهربائية فى مدينة جنين، وإمداد الغاز الطبيعى للفلسطينيين.

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    عائشة غنيمي

    عائشة غنيمي

    خبير اقتصادي ومسئول برامج وعلاقات دولية