تحليلات - شرق أوسط

الخريطة الحزبية الحاكمة للانتخابات الإسرائيلية

طباعة

تجرى انتخابات الكنيست الـرابع والعشرين فى 23 مارس القادم، وهى الانتخابات الرابعة فى غضون عامين فقط. وقد أدت جميعها إلى الجمود السياسى بين حزب الليكود اليمينى بزعامة نتنياهو وائتلاف يمين الوسط أزرق - أبيض بقيادة بينى حانتس. ولم يتمكن أى حزب من جمع ما يكفى من الحلفاء لتحقيق أغلبية فى الكنيست، مما ترتب عليه إجراء انتخابات جديدة. لكن فى أبريل 2020، توصل الخصمان إلى اتفاق بعد تغيير جانتس لموقفه ووافق على تشكيل حكومة وحدة مع  نتنياهو الذى يواجه اتهامات جنائية بالفساد.

وبموجب الاتفاق، يكون نتنياهو رئيسًا للوزراء لمدة 18 شهرًا قبل التناوب مع جانتس فى نوفمبر 2021. وقد انهارت تلك الحكومة وتم حل الكنيست فى 22 ديسمبر 2020، حيث منع نتنياهو وحلفاؤه المسيطرون على الملف المالى الموافقة على الميزانية بشكل متكرر على الرغم من اشتراط اتفاقية الائتلاف أن تقوم الحكومة بتمرير ميزانية لمدة عامين. والأرجح أن نتنياهو تسبب عمداً فى الانهيار على أمل تشكيل ائتلاف جديد يمكن أن يحميه من الملاحقة القضائية، ويطالب فريق دفاعه فى الوقت الراهن بألا يُسمح للادعاء باستمرار المحاكمة إلا بعد الانتخابات، وهو تأخير لصالحه فى العملية القانونية التى استمرت لسنوات. ويتنافس فى الانتخابات القادمة 39 حزبًا يتمتع منها ثلاثة عشر حزباً فقط بفرص واقعية للفوز بمقاعد فى الكنيست.

أولاً- الخريطة الحزبية للانتخابات:

تتسم الخريطة الحزبية بالتغير السريع والانشقاقات المستمرة لطبيعة النظام الانتخابى، حيث تنحصر المنافسة بين الأحزاب فقط، وتتعدد المعايير التى يمكن بناء عليها تقسيم الخريطة الحزبية، ومنها الأيديولوجية:

1- الأحزاب اليمينية:

  •  اليمين العلمانى:
  • الليكود:

يقود الحزب بنيامين نتنياهو الذى يشغل منصب رئيس الوزراء منذ عام 2009، ويسعى لتمديد حكمه، وهو يحاكم حاليًا فى ثلاث قضايا بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. ويرفض سحب السيادة على أى مساحة تم احتلالها عام 1967 أو إقامة دوله فلسطينية مستقلة. يظهر الليكود فى جميع استطلاعات الرأى كأكبر حزب فى الانتخابات القادمة، لكن آماله فى تشكيل حكومة تظل على المحك بسبب مشاكله القانونية، حيث يرفض عدد متزايد من الأحزاب العمل تحت رئاسة رئيس وزراء متهم بارتكاب جرائم خطيرة. ويركز نتانياهو على نجاحاته فى السياسة الخارجية "كصانع سلام" مع دول عربية. ومن ناحية السياسة الداخلية، يراهن على حملة التلقيح ضد فيروس كورونا، ويتزايد الحديث فى وسائل الإعلام عن إسرائيل بسبب حملة التطعيم السريعة والواسعة. فقد تلقى ما يقرب من نصف السكان الجرعة الأولى من اللقاح. وبدأت الإصابات الشديدة والوفيات فى الانخفاض.

  • تكفاه حدشاه  "أمل جديد":

أسسه جدعون ساعر السياسى السابق الذى انشق عن حزب الليكود بداية ديسمبر 2020، والتحق به سياسيون آخرون من الليكود، مثل زئيف إلكين المقرب السابق من نتانياهو، مما يمنح الحزب الجديد قوة سياسية، وانضم إليهم عدد من الأعضاء فى أحزاب اليمين الأخرى، الذين تعهدوا جميعاً باستبدال نتنياهو بعد الانتخابات القادمة. وقد ترشح ساعر عام 2019 لرئاسة الليكود وفشل أمام نتنياهو، لكنه يتفق معه فى الأيديولوجية القومية المتشددة ويرفض حل الدولتين، ومؤيد قوى لمستوطنات الضفة الغربية، ويدعو لضم إسرائيل أحادى الجانب للضفة الغربية.

  • إسرائيل بيتنا:

تأسس لإعطاء صوت للمهاجرين من الاتحاد السوفيتى السابق، يقوده وزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان، الذى انتقل فى السنوات الماضية من كونه شريكًا في ائتلاف نتنياهو إلى خصم قوى. يتهم نتنياهو أنه ضعيف أمام الحريديم وفشل فى وقف فيروس كورونا، ويستخدم ليبرمان شعار إنهاء حكم الحريديم.

ب-يمين الوسط:

  •  كاحول لافان "أزرق وأبيض":

تعمقت أزمة التحالف منذ قبول جانتس الانضمام لحكومة الوحدة مع نتنياهو وتفجرت الخلافات داخله، فقد أيد جانتس وجابى أشكنازى الانضمام إلى حكومة الوحدة، بينما رفض يائير لبيد وموشيه يعلون بشدة أى تعاون مع الليكود؛ لأن لديهما هدفا واحدا هو إخراج نتنياهو من مكتب رئيس الوزراء. وانسحبا رسمياً من الحزب، ووافق الكنيست على انفصال حزب "هناك مستقبل" بقيادة لابيد، وحزب "تيليم" بقيادة يعلون. يتواصل تفكك الحزب بعد انتقال بعض وزرائه ونوابه لحزب جدعون ساعر "أمل جديد"، وانشقاق وزير القضاء آفى نيسان كورن عنه، وانسحاب أحد أقطابه وزير الخارجية جابى أشكنازى الذى أعلن تنحيه عن السياسة لفترة معينة.

  • يش عتيد "هناك مستقبل":

برئاسة يائير لابيد يقدم نفسه كبديل لنتنياهو ينهى الفوضى السياسية. ويقيم تعامل نتنياهو مع فيروس كورونا على أنه فشل أودى بحياة الآلاف.

ج- اليمين الدينى:

شاس ( اتحاد السفارديم حراس التوراه):

بزعامة الحاخام أرييه درعى، كان حزب الحريديم المتطرف شريكًا طويل الأمد فى حكومة نتنياهو، وقد دعمه مرارًا وتكرارًا باعتباره مرشحه المفضل لرئاسة الوزراء.

  • يهدوت هتوراه:

هو اتحاد من حزبين ديجل هاتوراه بقيادة موشيه جافنى، وأجودات يسرائيل بقيادة يعقوب ليتسمان. يمثل الحزب اليهود الأشكناز الأرثوذكس المتشددين، وكان شريكاً مستمراً لنتنياهو فى تشكيل الائتلاف الحكومى.

  • يمينا:

بقيادة الوزير السابق نفتالى بينيت، وشارك فى الانتخابات السابقة بتحالف مع فصائل اليمين الدينى المتطرف. يروج بينيت أن بإمكانه تحقيق حكومة أكثر كفاءة تركز على احتياجات المواطنين، لاسيما فى مكافحة الأزمات الصحية والاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا. ويتجنب بينيت تعريف حزبه بأنه معسكر مؤيد لنتنياهو أو مناهض له من أجل الحفاظ على الدعم من كلا المعسكرين.

  • الصهيونية الدينية

بزعامة بتسلئيل سموتريتش خاض الانتخابات الأخيرة فى تحالف مع حزب يمينا تحت مسمى الاتحاد القومى، لكن هذه المرة انضم إلى الحزب المتطرف" عوتسما يهوديت " بقيادة إيتمار بن غفير الذى يضم فى عضويته تلاميذ الحاخام الراحل مئير كاهانا، وقد تم حظر حركة كاهانا من ممارسة السياسة فى إسرائيل لاعتبارها حركة عنصرية. يركز الحزب على الأيديولوجيا والتمسك بالمثل العليا لليمين الدينى.

2- الأحزاب اليسارية:

  • العمل:

يمثل يسار الوسط، وكان الحزب المهيمن فى إسرائيل لفترة طويلة،يلفت النظر تراجعه الملحوظ فى استطلاعات الرأى فلا يتجاوز نسبة الحسم، والتى تبلغ ٣٫٢٥٪ من الأصوات الانتخابية التى يتم الإدلاء بها، ويرجع ذلك لعدة أحداث متراكمة آخرها سلوك رئيسه السابق وزير الاقتصاد، عمير بيرتس، الذى تنكر لوعوده قبيل الانتخابات الأخيرة بعدم الانضمام لأى حكومة برئاسة نتنياهو، لكنه سرعان ما غير موقفه مما أفقد الحزب مصداقيته. وقد أجريت انتخابات لرئاسة الحزب فازت فيها عضو الكنيست ميراف ميخائيلى التى تعهدت بإعادة بناء الحزب، وهى من أشد المعارضين لانضمام الحزب إلى حكومة نتنياهو للاختلاف الأيديولوجى بينهما وتقدم نفسها كبديل صادق للناخبين اليساريين.

  • الإسرائيليون:

حزب جديد أسسه روني خلدئى عمدة تل أبيب أعلن عن اهتمامه الكبير بمكافحة الفساد والسعى للتخلص من حكم بنيامين نتنياهو. ويعرف نفسه بأنه حزب اليسار الصهيونى، ولم يتطرق للقضية الفلسطينية.

  • ميرتس:

بقيادة نيتسان هوروفيتس، تخلى فى اللحظة الأخيرة لانتهاء موعد تقديم القوائم عن الاندماج مع حزب العمل. يؤيد ميرتس المساواة الاجتماعية، ومنح العرب الإسرائيليين حقوقًا متساوية، وحل الدولتين.

3- القوائم العربية:

انقسمت القائمة العربية المشتركة بسبب الخلافات بشأن العلاقات مع حزب نتنياهو والقضايا الدينية، واتفقت ثلاثة أحزاب، هى "الجبهة"، و"التجمع"، و"العربية للتغيير" على البقاء تحت اسم القائمة المشتركة وخوض الانتخابات معاً دون "القائمة العربية الموحدة" التى تمثل التيار الإسلامى وتفضل المشاركة فى الانتخابات منفردة، مما يزيد من احتمالات عدم اجتيازها نسبة الحسم اللازمة لدخول الكنيست. فقد زادت التوترات بين الأحزاب العربية، فى إطار سعى منصور عباس، رئيس القائمة الموحدة، لتوثيق العلاقات مع نتنياهو، وصرح بأنه من أجل الدفع بالأولويات التشريعية للمجتمع العربى، فإنه سيفكر حتى فى التصويت لصالح قانون يمنح نتنياهو حصانة من الملاحقة القضائية فى قضايا الفساد التى يواجهها، أو العمل كوزير فى حكومة بقيادة حزب "الليكود"، مما لقى استنكار باقى الأحزاب العربية.

ربما يكون منصور عباس سئم من الدور الهامشى الذى تلعبه الأحزاب العربية فى إسرائيل، ويأمل أن تحافظ مجموعته على ميزان القوى بعد الانتخابات، وأن تثبت أنها شريك لا مفر منه لأى زعيم يهودى يسعى إلى تشكيل ائتلاف، إلا أن تلك البراجماتية السياسية قد تأتى بنتائج عكسية تؤدى إلى تقسيم الأصوات العربية وخفض عدد النواب العرب فى البرلمان بعد الأداء القوى فى الانتخابات الأخيرة  التى فازت فيها الأحزاب العربية، بـعدد 15 مقعدًا، لتصبح ثالث أكبر تحالف في البرلمان، لكنها لم تشارك فى الائتلاف الحاكم.

 

ثانياً- تفاعلات المشهد الانتخابى:

  • استمرار الاحتجاجات الأسبوعية المناهضة لحكومة نتنياهو:

استمرت المظاهرات لأكثر من ثلاثين أسبوعاً، حيث يواجه نتنياهو غضبا شعبيًا بسسب تفشى الإصابة بكورونا، وارتفاع نسبة البطالة بشكل غير مسبوق، واتهامه فى قضايا الفساد، لكنه يصف المحتجين بأنهم خصومه من اليسار. وتُعتبر الانتخابات المبكرة بالنسبة للكثيرين استفتاء جديداً على مستقبل نتنياهو السياسى.

  • احتدام المنافسة داخل معسكر اليمين:

أصبحت السمة الأساسية للانتخابات الإسرائيلية الرابعة الصراع على السلطة داخل أحزاب معسكر اليمين، فى ظل تراجع اليسار، وفقد رموزه للمصداقية، وثقة الناخب الإسرائيلى. ولأول مرة يواجه نتنياهو منافسة فى المعسكر اليمينى قد تأخذ منه أصواتاً، وأبرز منافسيه جدعون ساعر، ويائير لابيد. وقد تكون النتيجة الوصول إلى طريق مسدود يعوق تشكيل ائتلاف على غرار ما حدث فى الانتخابات السابقة.

  • تغيير نتنياهو استراتيجيته تجاه المواطنين العرب فى إسرائيل:

للمرة الأولى فى تاريخه السياسى، سعى نتنياهو الى استمالتهم أو على الأقل الى تشتيتهم رغم أنه لم يتردد خلال الحملات الانتخابية الثلاث الأخيرة بوصم العرب بعبارات اعتبروها عنصرية،  وتحريضية ضدهم، مطلقاً عليهم صفة داعمى الإرهابيين. وأدرج نائل الزعبى على قائمة الليكود، بزعم أنه سيقود جهود الحزب بشأن السياسة المتعلقة بالعرب فى إسرائيل. وقام بزيارة لمدينتى أم الفحم، والطيبة، حيث توجد أعداد كبيرة من العرب تفقد خلالها العيادات التى تجرى فيها حملات التطعيم ضد كورونا، ثم زار الناصرة واعتذر عن تصريحاته السابقة تجاه العرب. وصرح "أعتقد أن عرب إسرائيل يجب أن يكونوا جزءا كاملاً يتساوى مع المجتمع الإسرائيلى"، ووعد "بالقضاء على الجريمة فى المجتمع العربى، وزيادة الميزانيات للمجالس البلدية والمحلية.

  • تركيز المرشحين على مواجهة تداعيات جائحة كورونا:

بذل المرشحون جهدًا لتسويق سياساتهم من أجل استمالة الناخبين، فقدم ساعر خطة للتعليم، ودعا بينيت إلى عقد مجلس الوزراء بشأن فيروس كورونا، وكشف يائير لابيد عن خطة لمساعدة كبار السن. وجعل نتنياهو حملة التطعيم الإسرائيلية محور حملته الانتخابية، وتفاوض شخصيًا بشأن توفير اللقاح، وأكد المتحدثون باسمه أنه ترك محاكمته بعد 15 دقيقة فقط لمتابعة قضايا خطيرة مثل محاربة فيروس كورونا.

  • إحجام حزب البيت اليهودى عن خوض الانتخابات:

تسبب الحزب فى مفاجأة اللحظة الأخيرة بإعلانه أنه لن ينضم إلى القائمة المشتركة للأحزاب الدينية ولن يخوض الانتخابات بشكل مستقل، ولكنه بدلاً من ذلك  يدعم حزب يمينا بقيادة نفتالى بينيت. وقرر هاجيت موشيه، زعيم الحزب، توقيع اتفاقية مع بينيت، سيمنح بموجبها منصبًا وزاريًا في الائتلاف القادم إذا كان يمينا عضوًا.

مجمل القول، توضح الخريطة الحزبية أن التهديد الأساسى لنتنياهو هو زميله جدعون ساعر الذى يشاركه أيديولوجيته ونظرته للعالم. ويمثل هذا نوعًا مختلفًا من التحدى الذى سيزيد من بلورة الانقسام الأساسى الجديد فى السياسة الإسرائيلية. وبعدأن فقد جانتس، الذى كان يُنظر إليه أنه المنافس الأقوى ضد نتنياهومعظم شعبيته بعد اتفاقه مع نتنياهو قد يلجأ العديد من ناخبى جانتس إلى انتخاب جدعون ساعر، خاصة المعارضين للبقاء طويل الأمد لنتنياهو المتهم بالفساد، حيث يسير ساعر على خطى نتنياهو بشأن المستوطنات والقضية الفلسطينية. ومن وجهة نظر أيديولوجية، لن يواجه حزب يمينا بقيادة نفتالى بينيت مشكلة فى الجلوس فى حكومة مع ساعر، لكن إدراجه سيعنى بالتأكيد خسارة أحزاب ذات ميول يسارية، مثل الإسرائيليين، وميرتس.

 من جانب آخر ، لن تكون قدرة ساعر على الإطاحة بنتنياهو سهلة، لأنه سيتعين عليه إقناع الأحزاب الدينية المتشددة بالانشقاق عن نتنياهو. وفى تلك الحالة، يكاد يكون من المستحيل تشكيل حكومة تضم حزبى يش عتيد، وإسرائيل بيتنا، لأن لابيد وليبرمان لديهما أجندات سياسية تتعارض بشكل أساسى مع الأحزاب الدينية. والبديل الاستعداد للجلوس مع أحزاب القائمة المشتركة غير الصهيونية، التى تستمد معظم دعمها من المواطنين العرب فى إسرائيل، وإذا كان جانتس لم يستطع تشكيل حكومة تعتمد على القائمة المشتركة فمن غير المرجح أن يكسر اليمين الأيديولوجى، مثل ساعر هذا المحظور، وبالتالى يظل أقل من 61 مقعدًا المطلوبة لتشكيل الحكومة.

 

 

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. حنان أبوسكين

    د. حنان أبوسكين

    أستاذ العلوم السياسية المساعد بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية