تحليلات - شئون دولية

الاحتجاجاتُ الشعبيَّة في روسيا ومُستقبل العـلاقـات الأمريكية - الروسيـة

طباعة

انطلقت الاحتجاجاتُ الشَّعبيَّةُ الحاشدة في روسيا يوم 23 يناير2021، دعماً لزعيم المُعارضة المُعتقل أليكسي نافالني، وقدَّرت رويترز أن 40 ألف مُتظاهر على الأقل تجمَّعُوا في العاصمة موسكو وحدهـــا، واندلعت اشتباكاتٌ بين الشرطة والمُتظاهرين. وذكر بعضُ المُراقبين: "أنَّ حجم المُظاهرات التي انطلقت في أنحاء البلاد كان غير مسبُوقٍ، وأنَّ العاصمة شهدت التجمُّع الأكبر مُنذُ نحو عقدٍ من الزَّمـــن".

كيف تعاملت موسكو مع هذه الاحتجـاجـــات؟:

بدأت شرطة مكافحة الشغب في المدينة في تفريق الاحتجاج واحتجاز المشاركين قبل الموعد المقرر لبدئها. احتجزت الشرطة يوليا نافالنايا زوجة أليكسي نافالني فور خروجها من محطة مترو في موسكو، وأطلق سراحها بعد احتجازها لمدة 3 ساعات. واندلعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين. وتحدى عشراتُ الآلاف الانتشار الكثيف لعناصر الشُّرطة، بهدف الانضمام إلى المسيرات. وأفاد المُراقبون باعتقال أكثر من 3500 شخص.

وكانت رُدُودُ السُّلطــات الرُّوسيَّــة بشأن تلك الاحتجاجات قــائمةً على عــدَّة حُججٍ، منْ أبـرزهــــــا:

- اتهـامُ الدول الغــربية بالتشجيع على التظاهــــر دعــماً لأشـــد مُعــــارضي بـــوتين أليكسي نـافـــالني.

- التقليلُ من شأن الاحتجاجات وأعداد المتظاهرين، حيث أفاد المتحدث باسم الرئيس الروسي بوتين أن: "عدداً قليلاً" من الناس قد حضر إلى تلك التظاهــــرات.

- الربطُ بين الاحتجاجات و(جائحة كــورونـا)، فقد أكد الرئيس بوتين أنَّ  "الاحتجاجات المُؤيدة للناشط أليكسي نافالني، نشأت على خلفيَّة "تذمُّر الروس المُتراكم بسبب هذا الوبـــاء".

-التأكيدُ أن سوء الأحوال المعيشية يدفع الناس للتظاهر حتى في الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى، حيث ذكر بوتين أنه : "عندما يبدأ الشخص في العيش بشكل أسوأ، يبدأ في لوم السلطات على ذلك".."إنهم يحاولون الاستفادة من ذلك، والأمور ما كانت بهذا الحجم لولا تراكم الإرهاق والتذمر من الوضع المالي بشكل عام لدى المواطنين". وشدد بوتين على أنه "في ظل الوضع الحالي، يجب على السلطات التحلي بالصبر والعمل بشكل متوازن، وليس إغراق المشاكل بالمال".

 رُدُودُ الفعـــل الأورُوبيَّــة تجــاه الاحتجـاجـات الرُّوسيَّـــة:

أدان الاتِّحادُ الأوروبيُّ(European Union) استخدام القُوَّة ضدَّ مُعارضين سياسيين، واعتقال المُعارض الرُّوسيِّ أليكسي نافالني، وعبَّر كبيرُ دبلوماسييِّ الاتِّحاد الأُورُوبيِّ، جويب بوريل، عن أسفه من عمليَّات "التوقيف الكثيفة" التي نفَّذتْها الشُّرطةُ الرُّوسيَّة بحقِّ مُتظاهرين، نزلُوا إلى الشَّارع تلبيةً لدعوة المُعارض أليكسي نافالني. وقال بوريل: إنَّهُ يُتابعُ مُجريات الأحداث في روسيا، ويأسفُ بشدَّةٍ على الاعتقالات، واستخدام القُوَّة المُفرط، وقطع اتِّصالات شبكة الإنترنت والهـواتف. وأكَّد الاتِّحادُ الأورُوبيُّ أنَّهُ يدرُسُ بالفعل حُزمةً من العُقُوبات الجديدة على موسكو. في المُقابل، لوَّحَتْ هذه الأخيرةُ بإمكانيَّة قطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إذا فرض عليها عُقُوبات مُشدَّدة على خلفيَّة اعتقـــال نافالني.

و قد أعلن رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال أنه اتصل بالرئيس الروسي ليطالبه بـ"الإفراج الفوري" عن المعارض نافالني. وأبلغ ميشال بوتين بــ"قلق بروكسل الشديد" إزاء وضع المُعارض، ودعا إلى "الاحترام الكامل وغير المشروط لحقوقه". في حين قرَّرت موسكو طرد ثلاثة دبلوماسيين من سفارات ألمانيا والسويد وبولندا بسبب مُشاركتهم في "مسيراتٍ غير قانُونيَّةٍ" لمُؤيِّدي المُعارض الروسي المحبُوس نافالني، بحسب بيانٍ صادرٍ عن وزارة الخارجية الرُّوسيَّة.وقد وصفت وزارتا خارجية ألمانيا والسويد هذه الخُطوة بأنَّها "غيرُ مُبرَّرةٍ"، ووعـــدت بالرَّدِّ. واتهمت السفارة الروسية في المملكة المتحدة الدول الغربية باستخدام سفاراتها لتشجيع الاحتجاجــات.

  المـوقــفُ الأمـريكيُّ من الأحـداث الأخـيرة في روسيـــا

دعت الولاياتُ المُتحدةُ الأمريكيَّة السُّلطات الرُّوسيَّة إلى إطلاق سراح المُحتجِّين والصَّحافيين المُحتجزين في أنحاء روسيا خلال مُظاهراتٍ مُؤيِّدة للمعارض الروسي المُحتجز ألكسي نافالني، وندَّدت باستخدام: "القُوَّة ضدَّهُمْ". وقال المُتحدِّثُ باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس في بيان: "ندعُو السلطات الروسية للإفراج عن جميع المُعتقلين بسبب مُمارستهم لحُقُوقهم (المُعترف بها عالميّاً"، كما دعـا إلى الإفـــراج "غير المشروط" عن نـافـالـــني. ودعا برايس إلى إطلاق سراح المُتظاهرين، وإلى تقديم تفسيراتٍ للمُجتمع الدَّوليِّ عن استخدام مــواد كيميائيَّة (غــاز نوفيتشوك) لتسميـم نافالني على أراضيهـــا.

وقد أعلنت سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في موسكو، يوم 23 يناير 2021، أنها: "تتابع تطورات التجمعات الاحتجاجية في 38 منطقة روسية". وأكدت السفارة الأمريكية - في تغريدة على موقع (تويتر)- أن "الولايات المتحدة تدعم حق المواطنين (الروس) في الاحتجاج السلمي وحرية التعبير."

من جانبها، علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، وفقا لما ذكرته وكالة أنباء (سبوتنيك) الروسية- بأنه يتعين على السفارة الأمريكية تفسير تصريحاتها حول حق المواطنين في الاحتجاج، السلمي وحرية التعبير. وقالت زاخاروفا: "ما كان هذا: تثبيت أم تعليمات؟، حتى المنظمون لم يعلنوا عن مثل هذه الخطط، يمكننا أن نتخيل ما كان سيحدث إذا نشرت السفارة الروسية في واشنطن خريطة لطرق الاحتجاج تشير إلى نقطة النهاية، على سبيل المثال، في مبنى الكابيتول، كان سينتهي هذا التوجيه بهستيريا عالمية من السياسيين الأمريكيين، بما في ذلك الشعارات المعادية للروس والتهديدات بفرض عقوبات وطرد الدبلوماسيين الروس". وأضافت زاخاروفا، إن الانتقادات الموجهة من الغرب، كانت نتيجة "أزمة عميقة للغاية في طريقة التفكير الغربية ذاتها، والديمقراطية الزائفة والليبرالية الزائفــة". 

من جانبه، انتقد المتحدث باسم بوتين، ديمتري بيسوف، بيان السفارة الأمريكية، واعتبره تدخّلا في الشئون الداخلية. وردت السفارة بأن هذا التحذير "إجراء وروتيني"، بحسب ما نقلت وكالة رويترزوكانت إدارة الرئيس جو بايدن دعت السلطات الروسية إلى إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، وأدانت ما وصفته بـ"الأساليب القاسية" المستخدمة من الشرطة ضدّهم.

جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى لتبني سياسة حكيمة ومتزنة مع روسيا، تزامنا مع مساعيه لتشديد موقف إدارته من بوتين، مع الحفاظ على مساحة للدبلوماسية في حقبة ما بعد دونالد ترامب. وعلى عكس أسلافه المباشرين، لم يعلق بايدن الأمل في "إعادة ضبط" العلاقات مع روسيا، لكنه أشار إلى أنه يريد إدارة الخلافات مع العدو السابق في الحرب الباردة دون حلها بالضرورة أو تحسين العلاقات.

وحول أزمة نافالني، صرح بايدن للصحفيين، بأنه لم يقرر بعد كيفية الرد على هذه الأزمة، لكنه أعرب عن أمله في أن تتعاون الولايات المتحدة وروسيا في المجالات ذات المصالح المشتركة. وقال بايدن: "قادرون على العمل من أجل المصلحة الذاتية المتبادلة لبلدينا باتفاقية ستارت جديدة. أريد أن أوضح لروسيا أننا قلقون للغاية بشأن سلوكها، سواء ما يتعلق بنافالني، أو شركة سولارويندز، أو التقارير عن المكافآت التي رصدتها روسيا لقطع رؤوس جنودنا في أفغانستان". وأمر بايدن أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالفعل ببدء مراجعات لهذه القضايا، حسبما أعلن البيت الأبيض، الذي قال إن اقتراح واشنطن تمديد معاهدة ستارت سيكون مصحوبا بـ "كشف حساب" متعلق بأمور أخرى. ولا ننسى في هذا الصدد أن بايدن أشار إلى أنه سيكون أكثر قسوة مع فلاديمير بوتين من دونالد ترامب، الذي رفض مواجهة الكرملين، وشكّك مراراً بتدخل روسيا في انتخابات عام 2016.

أخيرا، كتب المحلل السياسي الروسي، "الكسندر نازاروف"، في الأيام الماضية ما يشير إلى أن هناك من يعتقد بأن الأمريكيين هم من صدروا نافالني إلى الداخل الروسي، لتحويل أعين الأمريكيين إلى الخارج، وإعادة تكريس الصورة النمطية للعدو الروسي التقليدي. ورغم أن بعض المراقبين تساءل عن: مدى وجود علاقة أو رابط بين واشنطن وموسكو في الوقت الراهن فيما يتعلق بالأحداث التي شهدتها البلدين مؤخرا، إلا أنه يمكن القول إن الاحتجاجات التي تعيشها روسيا حاليا، وإن كانت جزءا من المشهد الداخلي، إلا أن لها تبعات على صعيد العلاقات الخارجية، لا سيما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن ملف حقوق الإنسان سوف ينعكس على عدد من الملفات المهمة الأخرى لروسيا مع أمريكا، خاصة ما يتعلق بمعاهدة ستارت الجديدة، وطبيعة الدور الروسي في أزمات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

طباعة

    تعريف الكاتب

    خالد خميس السحاتي

    خالد خميس السحاتي

    كاتب وباحث ليبي