تحليلات - قضايا عالمية

هل تصبح أفغانستان الوجهة القادمة لعناصر "داعش"؟

طباعة
شهدت الفترة الأخيرة تصاعدا ملحوظا في تدفق المقاتلين الدواعش على أفغانستان للالتحاق بتنظيم "ولاية خراسان"، الذي يعد واحدا من أقوى فروع "داعش" الخارجية، وذلك بالتزامن مع  الحصار القوى المفروض على التنظيم في العراق وسوريا، مما دفع العديد من  عناصر التنظيم عن البحث عن معقل جديد، يمكن اللجوء إليه خلال المرحلة القادمة، وهو ما أصبح يمثل قلقاً بالغاً للحكومة الأفغانية ودول الجوار على حد سواء، لاسيما بعد أن أطلق تنظيم "ولاية خراسان" دعوة لأتباع التنظيم بالهجرة إليه، باعتباره رمز الخلافة الجديدة، من خلال إصدار جديد له حمل عنوان "أرض الله واسعة"، نشره في الرابع من مارس الماضي، وهى الدعوة الأولى من نوعها لأحد الفروع، حيث إن الدعوة للهجرة كانت مقصورة على فقط التنظيم الأم، الأمر الذي صار يطرح تساؤلاً مهما حول أهم ملامح تنظيم ولاية خراسان ودوافع المقاتلين الأجانب للالتحاق به.
نفوذ داعشى متصاعد:
شهدت أفغانستان خلال الشهور الأخيرة توافد أعداد من المقاتلين الأجانب للالتحاق بفرع ولاية خراسان، حتى قبل إطلاق دعوته الأخيرة، حيث كشفت العديد من التقارير، خلال ديسمبر الماضي 2017، عن استقبال التنظيم لأعداد من المقاتلين الأجانب من بينهم نساء من جنسيات مختلفة، منها الجزائر وفرنسا وأوزبكستان والشيشان وطاجيكستان، ومنهم أعداد كانت قد أمضت وقتاً في سوريا والعراق، وقد أقام التنظيم لهم معسكرا خاصا جنوب غربي ولاية جوزجان المتاخمة لأوزبكستان، والتى تعد أحد معاقل التنظيم. من جهة أخرى، أعلنت مديرية الأمن الوطني في الحكومة الأفغانية، في الثالث من يناير الماضي، عن اعتقال 13 مسلحا من أعضاء "داعش"، من بينهم عدد من الأجانب، كانوا يخططون لشن هجمات إرهابية داخل البلاد.
 
ودعوة "ولاية خراسان" للعناصر الداعشية للهجرة إليه لم تأت من فراغ، وإنما نتيجة إحساسه بالقوة وتصاعد النفوذ في أفغانستان، في ظل قدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وهو ما جعله واحدا من اقوى فروع التنظيم، إن لم يكن أقواها على الإطلاق، فهو يسيطر على عدد كبير من المناطق، تمكن من انتزاع بعضها من قبضة حركة طالبان، على غرار سيطرته على جبال "تورا بورا" التي انتزعها من الحركة في يونيو 2017، والتي أعقبها بتصريح لأحد قادته بأن الاستيلاء علي تلك المنطقة مجرد بداية للاستيلاء على مزيد من الأراضي التي تسيطر عليها الحركة.
ومن الناحية التنظيمية، فان "ولاية خراسان" يمتلك مجموعة من أفضل المقاتلين، نظراً لأن معظمهم كانوا أعضاء سابقين في حركة طالبان، لذا فهم يملكون خبرة تنظيمية وعملياتية كبيرة، وهو ما مكنه من شن هجمات نوعية وغير تقليدية، على غرار الهجوم على المستشفى العسكري في العاصمة كابول في 8 مارس 2017، وكذلك استهدافه للمحكمة العليا، في فبراير 2017، واستهدافه للسفارة العراقية في العاصمة نهاية يوليو 2017، وإن كان التنظيم يركز بشكل كبير على استهداف الطائفة الشيعية في البلاد، التي يعدها الهدف المفضل لهجماته الانتحارية، مثل الهجوم الذي استهداف مؤخراً أحد المزارات الشيعية في 21 مارس 2018، مما أسفر عن مقتل 26 شخصا وإصابة 18 آخرين على الأقل. 
كما أن التنظيم يملك قدرات إعلامية جيدة، مقارنة بالمجموعات الأخرى في أفغانستان، حيث تمكن من إنشاء عدد من "الإذاعات المحلية"، على غرار "إذاعة الخلافة"، التي كانت تبث بالعربية والبشتوية قبل أن يدمرها الطيران الأمريكي في يوليو 2016, هذا إلى جانب امتلاكه مصادر تمويل متعددة، مثل فرض الضرائب والإتاوات والرسوم على المزارعين والتجار، وهو ما مكنه من الإنفاق على مقاتليه وأنشطته بشكل جيد، وهو ما ساعده على الانتشار في مناطق متعددة مثل وولاية "ننجرهار"، وبعض مناطق ولاية "كونر".
العوامل والمقومات السابقة التي يمتلكها ولاية خراسان تجعله قادرا على استقبال مقاتلين أجانب، سواء كانوا قادمين من العراق وسوريا، أو من مناطق أخرى من العالم، وتوفير الحماية للازمة لهم، والاستفادة منهم بشكل كبير، لاسيما في ظل طموحه بالتوسع في دول الجوار.
 
دوافع التوجه إلى أفغانستان:
من المؤكد أن هناك مجموعة من العوامل التي تدفع المقاتلين الدواعش للتوجه إلى أفغانستان للالتحاق بفرع ولاية خراسان، وترى فيه الخيار الأفضل بالنسبة لهم في تلك المرحلة. ويمكن تحديد أبرز تلك الدوافع  في النقاط التالية:
توافر الحماية: ينظر إلى تنظيم ولاية خراسان من قبل عناصر "داعش" بأنه يتمتع بقوة ونفوذ كبير داخل أفغانستان، في ظل سيطرته على مناطق متعدد داخل البلاد، وإحكام قبضته عليها، خاصة في مقاطعة "ننجرهار" شرقي أفغانستان، وبعض الولايات الأخرى مثل جوزجان وفرياب وسارِه بول، خاصة في ظل ضعف الحكومة المركزية، ووجود حالة من الهشاشة الأمنية المفرطة، وهو ما سيجعله قادراً على استقبال عناصر أجنبية جديدة وتوفير الحماية اللازمة لهم، خاصة الفارين من العراق وسوريا، والذين يبحثون حاليا عن ملجأ آمن بعد أن ضاقت بهم الأحوال، ولا يستطيعون العودة إلى بلادهم.
الصراع الطائفي: تعد الصراعات والانقسامات الطائفية من العوامل التي تساعد تنظيم "داعش" على البقاء والانتشار، فى معظم المناطق التي يوجد فيها، حيث يستغل تلك الصراعات ليس من اجل التجنيد فحسب، وإنما أيضا لجذب المقاتلين الأجانب، تحت شعار الدفاع عن العقيدة والإسلام، وهو ما يتوافر في أفغانستان التي تعانى انقسامات طائفية بين السنة والشيعة منذ عقود، وهو الوتر الذي يستغله "داعش"، حيث يطرح نفسه بأنه المدافع عن أهل السنة في البلاد، وهو ما يمكن أن يمثل ذريعة معتبرة للعناصر الأجنبية للالتحاق بصفوف ولاية خراسان، وربما هذا يفسر الاستهداف المتصاعد من قبل التنظيم  تجاه الطائفة الشيعية في البلاد.
الهشاشة الحدودية: تتسم أفغانستان بحدودها الهشة التي تسمح بانتقال العناصر الداعشية الأجنبية، خاصة حدودها مع باكستان، وهى ما تعرف بالمنطقة الجبلية، التي بها العديد من الدروب والطرق الوعرة، التي يصعب السيطرة عليها بشكل كامل، وهو ما يمكن أن يسمح بتدفق المئات من العناصر الإرهابية، كما تمثل الحدود الإيرانية منفذا آخر لعبور المقاتلين الدواعش، وهو ما كشفت عنه تصريحات رئيس الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار فى الرابع من شهر يناير 2018، والتي اتهم فيها الحكومة الإيرانية بنقل العناصر الداعشية عبر أراضيها إلى أفغانستان، بهدف إيجاد نسخة داعشية جديدة تتخذها كذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد.
تحقيق الأهداف الداعشية: يرغب العديد من المقاتلين الدواعش الفارين من سوريا والعراق بشكل خاص في استكمال الطريق مع التنظيم وتحقيق أهدافه التوسعية، لذا فهم يحتاجون إلى معقل جديد يتمتعون فيه بقدر كبير من الحماية والأمن، يمكن من خلاله الانطلاق للتوسع من جديد، من اجل الإبقاء على شعار "باقية وتتمدد"، وهذا ما يمكن أن يوفره لهم تنظيم ولاية خراسان، الذي سارع باستقبال أعداد من المقاتلين الأجانب، وأنشأ لهم معسكرات خاصة بهم، لاسيما في ظل رغبته فى الاستفادة منهم في توسيع نفوذه، والانطلاق إلى دول الجوار، خاصة أن من بينهم عناصر من تلك الدول. 
المشاركة في الخلافة الجديدة: يعد تنظيم ولاية خراسان خيارا مفضلا للعناصر الأجنبية، نظراً لأنه مرشح بقوة ليكون مقراً للخلافة الداعشية الجديدة، حال الإعلان عن سقوطها بشكل رسمي في  العراق وسوريا.  وبالتالي، فان مسارعة بعض المقاتلين إلى الالتحاق بالتنظيم تأتي في إطار رغبتهم فى أن يكونون السابقين في تأسيس الخلافة الجديدة، وهو ما سيمكنهم من الحصول على أفضل الامتيازات المادية والتنظيمية، لاسيما بعد أن ذاقت تلك العناصر شهية هذه الامتيازات داخل تنظيم "داعش" الأم، حيث كان يتم تفضليهم من جميع النواحي على المقاتلين المحلين (الأنصار)، لذا سيحرص العديد من المقاتلين الأجانب على سرعة التوجه لأفغانستان خلال الفترة القادمة للمشاركة في تأسيس وإدارة الخلافة الجديدة.
 
وأخيرا، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن أفغانستان ستكون الوجهة القادمة لعناصر تنظيم "داعش"، من خلال الالتحاق بتنظيم ولاية خراسان، سواء العناصر الفارة من سوريا والعراق، أو العناصر القادمة من مناطق أخرى، وترغب في الالتحاق بصوف "داعش"، الأمر الذي يشير إلى احتمالية تصاعد قوة التنظيم ونفوذه في البلاد خلال الفترة القادمة، وهو ما سيمثل تهديدا قويا لأفغانستان وكل دول المنطقة، مما سيدفع العديد من القوى الكبرى والإقليمية لمزيد من التدخل في الشئون الداخلية للبلاد بحجة محاربة الإرهاب.
طباعة

    تعريف الكاتب

    علي بكر

    علي بكر

    نائب رئيس تحرير السياسة الدولية وخبير الحركات المتطرفة