تحليلات - شئون دولية

الأبعاد الاستراتيجية للجولة الإفريقية للرئيس السيسي

طباعة
يبدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأثنين 14 أغسطس 2017، جولة إفريقية تستغرق أربعة أيام، يزور خلالها كل من: تنزانيا، ورواندا، والجابون، وتشاد. وحسب البيان الرئاسي، فإن الجولة تأتي في إطار "انفتاح مصر على القارة الإفريقية، وحرصها على مواصلة تعزيز علاقاتها بدول القارة في كل المجالات، وتكثيف التواصل والتنسيق مع أشقائها الأفارقة".
الدائرة الأولى:
تعد هذه الجولة الرئاسية استمرارا للحركة المصرية النشطة تجاه قارة إفريقيا في السنوات الأخيرة، والتي أصبحت الدائرة الأولى للسياسة الخارجية المصرية، وهو الأمر الذي تؤكده العديد من المؤشرات والشواهد السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية، ومن أبرزها:
 أولا- حرصت الدساتير والمواثيق المصرية على إعلاء شأن انتماء مصر الإفريقي، حيث أكدت ديباجـة دستور 2014 أن "مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية" .. مصر العربية –بعبقرية موقعها وتاريخها- قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهي رأس إفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها نهر النيل".
ثم جاءت المادة الأولى من الدستور لتؤكد هذه القيم والمبادئ بإعلانها أن "الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمي إلى القارة الإفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية".
ثانيا- مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في أغلب القمم الإفريقية، منذ توليه الحكم في مصر عام 2014، والتي بدأها بحضور قمة مالابو .. وليس بخاف مدى أهمية الحضور الرئاسي في هذه القمم، وهو الأمر الذي انعكس في الدعم الإفريقي لتمثيل مصر للقارة في منصب العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، ورئاسة لجنة تغير المناخ في الاتحاد الإفريقي، وعضوية مصر في مجلس السلم والأمن الإفريقي، ودعم الاتحاد الإفريقي ترشيح السفيرة مشيرة خطاب كممثلة للقارة على رأس منظمة اليونسكو.
 ثالثا- استضافة مصر العديد من القمم والفعاليات الإفريقية المهمة، مثل مؤتمر التكتلات الثلاثة (الكوميسا، السادك، شرق إفريقيا)، ومنتدى الاستثمار في إفريقيا 2016، واجتماع وزراء  دفاع دول الساحل والصحراء.
 رابعا- تنوع المبادرات والإسهامات المصرية في التجمعات السياسية والاقتصادية لدول القارة،  وإعلاء مبادئ التعاون الإقليمي مع دول القارة، وتبنى دور مصري في مجال التنمية البشرية والاقتصادية، بحيث يمكن القول إن شعار "التنمية والتكامل الإقليمي" أصبح الرسالة المصرية لدول القارة من ناحية، والمنهج المصري في المحافل الدولية من ناحية أخرى.
خامسا- إيفاد آلاف الخبراء المصريين، واستقبال الآلاف من المواطنين الأفارقة للتدريب في مصر في مجالات التعاون القضائي، والتعاون الشرطي، والتعليم، والمساعدات الطبية، والمساعدات الغذائية، ودورات للدبلوماسيين الأفارقة، والتعاون والتدريب الإعلامي.
سادسا- زيارة العديد من رؤساء إفريقيا لمصر السودان، وجنوب السودان، والكونغو، وغينيا الاستوائية، وتشاد، وإفريقيا الوسطى، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي، وجنوب إفريقيا، وموريتانيا.. علاوة على عشرات الزيارات للوزراء والمسئولين الأفارقـة لمصر.
دلالات الجولة:
تحمل جولة الرئيس السيسي للدول الإفريقية الأربع العديد من الدلالات على مستوى التحرك الاستراتيجي المصري إفريقيًا، وعلى مستوى القضايا والمجالات المختلفة، ومن أبرزها:
أولا- تدحض الجولة الإدعاءات بأن مصر تتحرك في قارة إفريقيا، وفقا لملف مياه النيل فقط؛ حيث تكشف دول الجولة عن تعدد محاور التحرك المصري: تنزانيا في شرق إفريقيا، ورواندا من دول حوض النيل، وتشاد والجابون من دول وسط إفريقيا .
 ثانيا- تعدد أجندة الجولة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية والتعليمية، بما يرسخ تكامل واستراتيجية التحرك المصري إزاء هذه الدول، وفق رؤية "التنمية والتكامل الإقليمي".
ثالثا- إيلاء الملف الاقتصادي أهمية خاصة على أجندة التحرك الاستراتيجي المصري، حيث تكشف أرقام التبادل التجاري بين مصر وقارة إفريقيا عن ثغرات في علاقات مصر بدول القارة. فبرغم العلاقات التاريخية والسياسية المتميزة، والجوار الجغرافي، فلم يتجاوز حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الإفريقية 4.8 مليار في عام 2016، في حين لم يتجاوز حجم الاستثمارات المصرية المباشرة في قارة إفريقيا 8 مليارات دولار.
صياغة رؤية استراتيجية
تفتح الجولة، بتعدد محاورها ودولها، الحديث مجددا عن أهمية صياغة رؤية استراتيجية مصرية تجاه القارة الإفريقية، تنهض على العديد من الآليات والمرتكزات:
أولا-  "إنشاء مجلس أعلى للشئون الإفريقية" بقيادة رئيس الجمهورية، يضم جميع مؤسسات الدولة المصرية العاملة في إفريقيا، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، وجمعيات رجال الأعمال، ومجالس الأعمال المصرية – الإفريقية، علاوة على النخب الفكرية والثقافية المعنية بقضايا القارة الإفريقية .. بحيث يكون هذا المجلس بمنزلة مخطط استراتيجي للتحرك المصري الشامل في قارة إفريقيا.
ثانيا- توسيع اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية ومتعددة الأطراف، وإنشاء وحدة خاصة بالسوق الإفريقي، وتخصيص خط تمويلي للصادرات المصرية للسوق لتغطية مخاطر الائتمان.
ثالثا- أهمية صياغة سياسة ثقافية مصرية تكون جزءا من استراتيجية مصرية متكاملة تجاه القارة الإفريقيـة.
رابعا- تفعيل أدوات القوة الناعمة المصرية في إفريقيا، وإعادة إحياء دور مؤسستي الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، خاصة في منطقتي شرق وغرب إفريقيا.
خامسا- تفعيل الدور التنويري والتعليمي للجامعات المصرية في المحيط الإفريقي من خلال فتح فروع لها في القارة، وتفعيل بروتوكولات التعاون العلمي.
سادسا وأخيرًا- التوسع في فتح المكاتب الثقافية والتجارية والإعلامية المصرية بإفريقيا.
 
طباعة

تعريف الكاتب

رمضان قرني محمــد

رمضان قرني محمــد

خبير الشئون الإفريقيـــة