تحليلات - عالم عربى

الأبعاد الإقليمية والدولية لمعركة "جرود عرسال"

  • منى سليمان

  • 6-8-2017

طباعة

بعد أسبوعين من المعارك العنيفة، أعلن الأمين العام لحزب الله اللبناني "حسن نصر الله" يوم 4 أغسطس 2017، في خطاب متلفز، إنتهاء معركة "جرود عرسال"، والقضاء علي وجود "جبهة النصرة" في المدينة التي سيطرت عليها منذ 3 سنوات.

وجدد نصر الله استعداده لتسليم المناطق التي سيطر عليها الحزب إلى الجيش اللبناني،الذي لم يشارك بدوره في المعارك ضد "النصرة"، لأنه يستعد لمعركة طويلة ضد عناصر "داعش"، حيث يسيطر 500 عنصر من التنظيم الإرهابي علي نحو 200 كم2 في شمال شرقي عرسال وجرود رأس بعلبك، وصولاً إلى جرود بلدة القاع شمالا.

أهمية معركة "عرسال":

"جرود عِرسَال" هي مدينة لبنانية على الحدود السورية، وتعد معبرا لمدينة "القلمون" السورية، وتتحكم في عدد من المنافذ الحدودية بين لبنان وسوريا، وهي منطقة غير مُستقرة ومضطربة بشكل عام، وقد سيطرت عليها عناصر جبهة "النُصرة" عام 2014، واختطفوا عدداً من الجنود اللبنانيين في المنطقة، ولم يعلن عن مصيرهم حتى الآن.

بدأت معركة عرسال يوم 21 يوليو 2017  بين طرفين: الأول هو ميليشيات "حزب الله" اللبناني، والطرف الثاني هو عناصر تنظيم "جبهة النصرة"، و"فتح الشام"، و"أحرار الشام"، وبعض مقاتلي "الجيش السوري الحر".

وقد حقق "حزب الله" انتصارًا سريعًا في المعركة. فبعد أربعة أيام فقط من بدءها، أعلنت "جبهة النصرة" موافقتها على هدنة ليوم واحد لإتمام عملية تبادل الأسرى والجثث، عبر وسيط سوري يدعي "أبو طه". ثم أعلنت سحب عناصرها إلى مدينة إدلب السورية التي سيطرت عليها مؤخرًا، وبدأ جسر بري من عرسال اللبنانية لأدلب السورية لنقل نحو 7777 عنصر من عناصر النصرة، بينهم أميرها في لبنان "أبو مالك التلي" ومسلحوه وعائلاتهم.

ولا يتحرك "حزب الله" اللبناني عسكريًا بمفرده. فهناك الدعم اللوجيستي والسياسي الإيراني له، ويشكل نجاحه في طرد "النصرة" وتحرير جرود عرسال مصلحة لبنانية بالطبع، لكنه أيضا مصلحة إيرانية -سورية، لأن سيطرة الحزب على "جرود عرسال" ستمكنه من إحكام سيطرته على المنطقة الحدودية اللبنانية السورية، مما سيُتيح له إرسال المزيد من القوات للتوغل في شرق سوريا بدعم إيراني، لاسيما وأن عرسال ترتبط بطريق بري مع القلمون السورية.

أيضا ستُمكن سيطرة حزب الله على عرسال من الاقتراب أكثر من المناطق السورية الجنوبية التي أعلنت فيها موسكو وواشنطن عن منطقة "تخفيف التوتر" في مدن (درعا، والقنيطرة، والسويداء)، مما سيتيح له وجودا ميدانيا في تلك المدن للضغط على القرار الروسي والأمريكي بما يحقق المصالح الإيرانية في تلك المناطق، ومن هنا تنبع أهمية عرسال الاستراتيجية، وإصرار "حزب الله" على إنهاء وجود "النصرة" بها فى هذا التوقيت.

في الوقت نفسه، يستعد الجيش اللبناني لمعركة طرد "داعش" من شمال عرسال، عبر هجوم مزدوج سينفذه من جهتين: الأولي هي الجيش السوري وميليشيات "حزب الله" الموجودة داخل الأراضي السورية، والثانية عبر الجبهة الموازية من المعركة، حيث سيشن الجيش اللبناني هجومه على عناصر "داعش" من داخل الأراضي اللبنانية. ويؤكد الجيش اللبناني أنه على أتم استعداد لتلك المعركة منتظرًا ساعة الصفر. وهذه المعركة ضد "داعش" ما كان مقدرا لها أن تبدأ قبل القضاء علي جبهة "النصرة"، حتى لا تقدم الأخيرة دعما إضافيًا لعناصر "داعش".

ويبقي ميدانيًا ترتيب أوضاع اللاجئين السوريين بعرسال، حيث يوجد فيها 110 مخيمات تضم ما يزيد على 80 ألف نازح سوري، خاصة بعدما أصبحت ملجأً للإرهابيين، إذ اعتقلت قوات الجيش اللبناني 50 إرهابيا بداخلها، وبالتالي فيجب التنسيق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة لفتح مكتب لمفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بتلك المخيمات، وإتاحة الإشراف الأمني اللبناني عليها بشكل مستمر لتجنب تكرار أزمة مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين الذي دخل في اشتباكات مسلحة ضد الدولة اللبنانية.

ردود الفعل اللبنانية:

عكست المواقف السياسية من معركة "جرود عرسال" الانقسام السياسي الداخلي في لبنانبين قوى 14 آذار الممثلة في (تيار المستقبل، وحزب القوات اللبنانية) بزعامة رئيس الوزراء "سعد الحريري"،  وقوى 8 آذار الممثلة في "حركة أمل" بزعامة رئيس مجلس النواب "نبيه بري"، والجناح السياسي "لحزب الله". وقد عبرت كل القوى السياسية اللبنانية عن موقفها من المعركة. فقد أيدها رئيس الجمهورية "ميشال عون"، وأعلن أنه لا تراجع أمام الإرهاب، ودعا لكشف مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين منذ 3 سنوات. وأشاد بنجاح المعركة رئيس مجلس النواب اللبناني "نبيه بري" ووصفها بالإنجازٍ ضد الإرهابيين.

علي الضفة الأخرى من النهر، فقد تزامن مع المعركة، زيارة "سعد الحريري" لواشنطن ولقائه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، حيث انتقد الطرفان الوجود العسكري "لحزب الله" على الحدود اللبنانية-السورية، وكذلك تدخله في الشأن السوري، وجددا دعمهما للجيش اللبناني، بوصفه الجهة الوحيدة المخول لها حمل السلاح داخل لبنان والدفاع عن أراضيه. ويتسق هذا الموقف مع "تيار المستقبل" الذي رفض بدوره مباركة مشاركة "حزب الله" في معركة "جرود عرسال" أو في النزاع السوري.كما استنكرت كتلة "المستقبل" النيابية قرار "حزب الله" خوض المعركة منفردا وخارج إطار الدولة اللبنانية وشرعيتها، وكذلك مؤسساتها الدستورية، والعسكرية، والأمنية.

كما دعا رئيس "حزب القوات اللبنانية" "سمير جعجع" الجيش اللبناني لتولّى عملية إخراج عناصر "داعش" من جرود القاع ورأس بعلبك، لأن المعارك التي خاضها "حزب الله" في جرود عرسال ليس انتصاراً للبنان، بل دعم لبقاء "بشار الأسد" بالحكم.

أبعاد إقليمية ودولية:

كان من أهم أسباب الأزمة القطرية الحالية هو التقارب بين الدوحة وطهران، وواجه هذا التقارب حجر عثرة في معركة عرسال، حيث إن إيران تؤيد "حزب الله"، وقطر تدعم "جبهة النصرة"، وفضلت الأخيرة سحب عناصر، بعدما تأكدت من هزيمتها في عرسال والعودة لـ "إدلب" داخل العمق السوري التي سيطرت عليها مؤخرًا لتكون مقرًا جديدًا للتنظيم.

 مثل هذا التفاهم القطري-الإيراني هو الذي عجَّل بانتهاء المعركة سريعًا في أسبوعين فقط، وهي التي كان منتظر لها وقتًا أطول من ذلك.والمصلحة الإيرانيةمعروفة بالطبع، وهي ربط جرود عرسال اللبنانية بالقلمون السورية ليمر جسر بري إيراني من طهران، مرورا ببغداد وعرسال بلبنان ثم القلمون السورية حتى تصل البحر المتوسط، وهو الحلم الإيراني ببناء هلال شيعي في وسط الدول السنية.

كما عزز انتصار "حزب الله" اللبنانيالسريع والواضح في معركة عرسال من نفوذه في الداخل اللبناني والسوري، وبين الأوساط الشيعية في سوريا ولبنان والعراق. فتلك المعركة حملت بعدًا طائفيَا نظرًا لكون "حزب الله" تنظيما شيعيا وجبهة "النصرة" والتنظيمات الإرهابية سنية. ولن يترك الحزب ذلك الانتصار العسكري دون مكاسب سياسية جديدة يحصل عليها في لبنان، مما ينذر بحدوث أزمات سياسية في الداخل اللبناني يكون بطلها "حزب الله" قبل موعد الانتخابات البرلمانية فى العام المقبل.

علاوة على ذلك، فإن تصاعد القوة العسكرية "لحزب الله" تقلق إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الذي وصف رئيسها "دونالد ترامب" الحزب بأنه تهديد للبنان والشرق الأوسط. وهذا يطرح سؤالًا مهما: هل ستلجأ تل أبيب وواشنطن إلى توجيه ضربة لمعسكرات وقواعد "حزب الله" في لبنان أو سوريا للحد من قوته المتصاعدة؟، وهل ننتظر معركة جديدة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بعد 11 عاما على حرب صيف 2006 التي يؤكد الحزب انتصاره فيها؟. لا شك فى أن هناك مواجهة عسكرية قادمة بين الحزب وإسرائيل، بيد أن توقيتها سيتم تحديده، وفق الترتيبات الإسرائيلية والإقليمية.

ويبدو أن المعركة المنتظرة ستكون بيد الجيش اللبناني الذي يسعى إلى القضاء على عناصر"داعش" المتمركزين بشمال عرسال في جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك، وكذا معركة الجيش السوري للقضاء على وجود "جبهة النصرة" في إدلب، وستحدد نتائج المعركتين الكثير من الترتيبات الأمنية والسياسية في الملفين السوري واللبناني.

 
طباعة