تحليلات - شئون دولية

مسارات مصرية لإعادة الثقة مع حوض النيل بعد قمة "كمبالا"

  • 24-6-2017

طباعة
بعد سبع سنوات من تجميد أنشطتها فى مبادرة حوض النيل في العام 2010، جاءت المشاركة المصرية فى القمة الرئاسية في كمبالا يوم الخميس 22 يونيو 2017، لتؤشر على التطور النوعى فى مستقبل المباحثات المائية بخروجها عن "القولبة الفنية" لترسخ المبادئ السياسية فى التعامل المشترك، إنطلاقا من الإدراك لحقيقة وجود موارد مائية مشتركة كافية في الحوض لم تستغل بالشكل الكامل.
 
وبرغم أن القمة لم تنهي الخلافات حول اتفاقية عنتيبي، فإنها مثلت بادرة أولية لإعادة الثقة وتجاوز هذه الاتفاقية التي تعيق تفعيل مبادرة حوض النيل. إذ طرحت مصر على القمة ورقة مبادئ حاكمة لإدارة مياه نهر النيل، وآليات التعاون المشترك، بما يضمن الحفاظ على حقوق كافة الدول فى مياه النهر، والإستفادة من الفواقد المائية الهائلة، وليس مجرد الصراع على نسبة 4% من النهر. 
 
ولعل التطور النوعى في مواقف بعض دول المنبع بـ"قمة كمبالا" حول أحقية دولتي المصب ( مصر والسودان) في الحفاظ على حقوقهما المائية فى ظل مواجهه اخطار بيئية مشتركة، قد يشكل مدخلا لمصر يمكن لها البناء عليه مستقبلا، دون الإضرار بحقوقها المائية، خاصة وإن القاهرة أكدت في كمبالا بأن "الأمن المائى المصرى خط أحمر"، وتمسكت بضرورة حل خلاف البند (14- ب) في اتفاقية عنتيبى، والخاص بمصطلح الأمن المائي لدول حوض النيل، والذى يأخذ شكلاً مطاطيا ومفتوحا بالاتفاقية. 
 
الجدير بالذكر أن تطرف "التغير المناخى"، والذى تظهر نتائجه تباعا بتذبذب التدفقات السنوية لمياه نهر النيل، يضع الموقف المائى المصرى في نقطة حرجة للغاية قياسا على محدودية الحصة المائية، لاسيما وإن معدل العجز المصري تجاوز بدوره الـ 20 مليار متر مكعب. 
 
وعلى ذلك، تؤكد مصر دوما على أن التهديد المائى لا يتمثل فى كون هناك سد ( النهضة) يتم بنائه في إثيوبيا. فمصر لا تنكر حق دول الإقليم في التنمية، ولكن التهديد الحقيقى يتمثل فى "طول السد"، وحالة "الملء الأول لخزان سد النهضة"، والذى يمثلا موضوعا حرجا لمصر. ويلى ذلك، موضوع "السعة التخزينية"، خاصة مع تذبذب المناسيب الدورية لمياه نهر النيل، إستنادا للتطرف الحرارى وحالة التغيرات المناخية. 
 
لذا، يتمثل التهديد الأمنى للحصة المائية المصرية في نهر النيل فى فرضية تخزين أثيوبيا لـ 74 مليار متر مكعب بمعدل زمنى منخفض (كثلاث سنوات وفقا لما هو مُعلن)، بما يعنى ذلك إنخفاض مخزون بحيرة ناصر بنفس الكمية المُخزنة ( عند سد النهضة) خلال الـثلاث سنوات. كذلك، فعند بدء إثيوبيا تخزين المياه في بحيرات السدود العلوية فوق سد النهضة، فسيعنى ذلك حجز ما يقرب من 70 مليار متر مكعب إضافية، بما قد يمثل حرمانا مائيا لمصر من تلك النسبة خلال فترة التخزين. 
 
كما أن الإنخفاض بمنسوب بحيرة السد العالي، بما يقل عن فتحات التروبينات، لن يؤثر فقط على حجم ونوعية المياه، بل على أمن الطاقة سلبا، حيث سيقلل من قدرة السد العالي في أسوان على إنتاج الطاقة الكهرومائية لتصل قيمة الخسارة بقيمة تقدر بـ100ميجاوات بسبب انخفاض مستوى المياه بالسد بمقدار3م ، بما ينعكس سلبا على إمدادات الكهرباء في مصر بنسبة تتراوح ما بين 25 % و40 %. 
 
وعلى الرغم من عدم خروج  قمة كمبالا ببيان مائى موحد، فإن هناك عدد من الإجراءات يجب الوقوف عليها مستقبلا، بما يستوجب أن تلتزم بها الأطراف المائية لتقليل الأضرار، ومنها ما يتعلق بإمكانية قيام كل من مصر وإثيوبيا مع بقية دول حوض النيل الشرقي بالتعاون لاستقطاب الفواقد المائية، وزيادة إيراد النهر لتغطية الاحتياجات المائية، وتعويض أي ضرر من السد الإثيوبي للحصة المائية المصرية، بل وزيادة الحصص المائية لدول الحوض جميعا، وذلك في إطار تنموي يُشارك فيه الجميع. 
 
ويواكب ذلك، تطوير التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي بين دول حوض النيل، وهو ما يُعرف بـ "الإدارة المتكاملة لنهر النيل"، وتحويله من مصدر للصراع إلى مجال للتعاون بين دوله على قاعدة (win - win).
 
مسارات لإعادة الثقة:
 
فى إطار المراهنة المصرية على حلحلة "الموقف الخلافي" في مبادرة حوض النيل بفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات التنموية بين دول المنطقة، خاصة في مجالات الري، والطاقة، ومواجهة التغيرات المناخية وإنعكاساتها السلبية، فضلا عن إنفاذ أجندة الإتحاد الأفريقى 2063 لتحقيق إستراتيجية التنمية المستدامة - فهناك تحركات مصرية ينبغي تعزيزها لإعادة الثقة بدول الحوض، منها: 
 
(*) تعميق "دبلوماسية المياه" Water Diplomacy، وذلك برسم خريطة تحركات للأجندة المصرية بأفريقيا، عبر حشد الكوادر والجهود البشرية، وتخصيص الإمكانات المادية والرمزية، لتحقيق الاستراتيجية المائية، والتى تسعى الأجهزة الدبلوماسية من خلال أنشطتها الخارجية إلى بلورة أهدافها. وهو ما ظهر من زيارة الرئيس السيسي التاريخية لإثيوبيا وحديثه من داخل العديد من المؤسسات الإثيوبية وفى مقدمتها البرلمان، فضلا عن الزيارات التحضيرية السابقة لقمة كمبالا. 
 
(*) المبادرة المصرية – الأفريقية للتكيف مع المناخ، حيث تسعى تلك المبادرة التى طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مؤتمر باريس حول تغير المناخ إلى تنمية قدرات الدول الأفريقية، ومساعدتها فى وضع أنظمة الرصد، والإنذار المبكر للتنبؤ بالكوارث قبل وقوعها وسرعة الاستجابة لها وطرق التعامل معها، وكذلك تكوين ودعم البناء المؤسسى والسياسات الرامية لدعم القدرة على اتخاذ القرار في مواجهة التغير المناخي. أضف لذلك، تبنى مشروعات وإجراءات محددة للتأكد من النمو المضطرد فى مشروعات التكامل الإقليمي، وأخيرا، التمويل والاستثمار للتأكد من تدفق الموارد المالية لمشروعات التكيف فى المناطق الهشة بيئيا فى أفريقيا. 
 
وينعكس الطرح المصرى على أهداف الورقة المصرية المُقدمة في كمبالا، خاصة وإن التطرف الحرارى يؤثر سلبا في معدلات البخر، ومن ثم حجم المياة المتدفقة. لذا، فالكيان التعاونى والإندماجى ما بين بيئة حوض النيل من شأنه دعم سيناريوهات التكاتف الإقليمى لمواجهه تحديات المناخ، وتهديدات المياه.
 
(*) المبادرة المصرية – الأفريقية للطاقة المتجددة، حيث تهدف تلك المبادرة المطروحة من الرئيس السيسى إلى دفع أجندة تنمية الطاقة المستدامة في أفريقيا إلى الأمام من خلال إضافة ما بين 10 و300 جيجاوات من الطاقة المتجددة في قطاع الطاقة الأفريقية بحلول عامي 2020 و2030 على التوالي، وتحقيق أجندة الإتحاد الأفريقى 2063 عبر تأييد ودعم من حكومات فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وكندا.  
 
إجمالا، فعلى الرغم من أن اتفاقية عنتيبي لم تجسر الفجوة بين دول حوض النيل، فإنها تُعد تحولا سياسيا نوعيا في إدارة الخلافات الإقليمية حول الملف المائي عبر طرح أجندة من المبادرات التنموية من المهم أن تستغلها القاهرة كورقة مستقبلية لإعادة بناء الثقة مع دول حوض النيل. 
طباعة

    تعريف الكاتب