بالنظر إلي ما باتت تتمتع به الصين من مكانة دولية متقدمة ومتنامية في أهميتها، يعد تحديد رؤيتها لدورها علي الساحة الدولية مسألة بالغة الأهمية في إطار أي محاولة لاستشراف مستقبل العلاقات الدولية.
وبقدر ما قد تتشابه الصين مع غيرها من القوي الدولية الرئيسية في التأثر بمعطيات النظام الدولي الكبري، عند بناء رؤيتها لدورها الدولي، فإنها تتميز بمحددات ثقافية، وتنموية، ومجتمعية شديدة الخصوصية، تجعل لرؤيتها تلك تمايزها وتفردها.
اعتمدت الصين الحالية في بناء رؤيتها وسياستها الخارجية، وتعاملها مع العالم علي مجموعة من الآليات الحضارية التي قامت بإحيائها وتجديدها، أو من المقومات السياسية، والاقتصادية، والمجتمعية التي تطورت خلال العقود الأربعة الماضية. ويمكن إجمال تلك الآليات والمقومات فيما يأتي:
1 - الحضارة الصينية وإشعاعاتها، وهي في المقام الأول إشعاعات إقليمية من المنظور الثقافي، ولكنها تشمل أيضا إشعاعات عالمية من منظور التجارة والاقتصاد. ولعل أوضح نموذج لذلك هو طريق الحرير البري والبحري، وهما خطان رئيسيان في نهضة الصين وعلاقاتها الخارجية، وتأثيرها في الخارج وتأثرها. لا تزال مفاهيم هذه الحضارة العريقة تشكل ركيزة رئيسية للسياسة الخارجية الصينية في القرن الحادي والعشرين.