مقالات رأى

فرصة لإصلاح الأمم المتحدة

طباعة
بدأ التنافس بقوة على قيادة الأمم المتحدة، خلفاً للأمين العام الحالي بان كي مون، الذي أمضى ولايتين في هذا المنصب، تنتهي ثانيتهما في 31 ديسمبر المقبل. البداية ليست مبكرة، بخلاف ما قد يبدو للوهلة الأولى، وخاصة في ضوء اتباع إجراء جديد في انتخاب الأمين العام، وهو عقد جلسات استماع علنية للمرشحين. يقدم المرشحون خلال هذه الجلسات أنفسهم، وما يعنيه المنصب بالنسبة لكل منهم، وتصوراتهم لمستقبل الأمم المتحدة وكيفية تفعيل دورها. ويسعى كل مرشح لأن يطرح تصوراً يلفت الانتباه، ويعرض قدراته الشخصية «القيادية» والموضوعية المتعلقة بمهام أرفع منصب دولي. ويضفي هذا الأسلوب، الذي يُتبع للمرة الأولى، قدراً من الشفافية على عملية انتخاب الأمين العام، ويوفر لها شيئاً من العلنية افتقدته من قبل، حين كان التداول محصوراً في اجتماعات مغلقة يعقدها مجلس الأمن.
 
وهناك تسعة مرشحين يتنافسون حتى الآن، بينهم أربع نساء هن «أرينا بوكوفا» المديرة الحالية لمنظمة «اليونسكو» (بلغارية)، و«هيلين كلارك» رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، والمديرة الحالية لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، و«ناتاليا جرمان» وزيرة خارجية مولدافيا الحالية، و«فيسنابو سيتش» وزيرة خارجية كرواتيا السابقة.
 
أما المرشحون الخمسة الآخرون فهم «أنطونيو جوتيريس» المفوض السابق للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (برتغالي)، و«دانيلو تورك» رئيس سلوفينيا السابق، و«إيجور لوكسيتش» وزير خارجية مونتينيجرو الحالي، و«سرجان كريم» وزير خارجية مقدونيا السابق، و«يول جريميتش» وزير خارجية صربيا السابق.
 
وتفيد استطلاعات أولية أن البلغارية بوكوفا والنيوزيلندية كلارك هما صاحبتا أكبر فرصة حتى الآن. فهما أقوى المرشحين بمعيار المقومات الموضوعية والذاتية. لكنهما تستفيدان في الوقت نفسه من مزاج دولي عام يُفضِّل منح الفرصة لامرأة هذه المرة. لكن عدم حصول أي من دول شرق أوروبا على هذا المنصب من قبل يُعزِّز فرصة بوكوفا بصفة خاصة، رغم أن معظم المرشحين (ستة) من هذه المنطقة.
 
غير أن الكلمة الأخيرة في تحديد الأمين العام الجديد ستظل لمجلس الأمن، وبالتالي للدول الخمس الدائمة العضوية التي يملك كل منها حق النقض (الفيتو). ومازال الحصول على دعم هذه الدول الخمس أكثر أهمية من تأييد معظم الدول الأعضاء التي يبلغ عددها 193 دولة. وقد حُرم بطرس غالي من الحصول على ولاية ثانية، رغم أن معظم الدول الأعضاء أيدت استمراره عام 1996 عندما اقتربت ولايته الأولى من الانتهاء. لكن الولايات المتحدة أصرت على رفض التجديد له، بسبب عدم امتثاله لطلبها وضع التقرير الخاص بهزيمة قانا الإسرائيلية في الأدراج، وعدم عرضه على مجلس الأمن.
 
ومع ذلك، فالأرجح أن تكون الجلسات العلنية للمرشحين هذه المرة قيداً جزئياً على مواقف الدول الخمس الكبرى. فهذه الجلسات تُظهر الفروق بين المرشحين على الملأ. لذلك لم يعد مجلس الأمن يختار بين مرشحين لا يعرف الناس عنهم سوى عدة سطور من سيرتهم. فهم يتحدثون في الجلسات العلنية، ويحاورون ممثلي الدول الحاضرين. ويتيح ذلك لمن يمتلك مواهب قيادية وقدرات خاصة إظهار تفوقه.
 
وقد يكون من الصعب على الدول التي تملك القرار الحاسم تجاهل هذا كله، عندما يعقد مجلس الأمن جلساته المغلقة في الفترة بين يوليو وسبتمبر المقبلين، ليصدر قراره باختيار مرشح واحد وطرح اسمه للمصادقة عليه في الاجتماع السنوي للجمعية العامة.
 
وربما يفيد ذلك في ترشيد دور مجلس الأمن في عملية انتخاب الأمين العام، ومن ثم إعادة الاعتبار لمعيار الكفاءة في هذه العملية. وإذا حدث ذلك بالفعل، فقد تتوفر فرصة أخيرة لإصلاح الأمم المتحدة، أو بالأحرى إنقاذها، في حالة انتخاب أمين عام قوى يملك مشروعاً لتفعيل دورها في فترة تشتد فيها حاجة العالم لهذا الدور.
 
وربما يبعث انتخاب سيدة لهذا المنصب الأمل في الإصلاح المأمول، وذلك لسببين، أولهما أن وجود سيدة في هذا المنصب للمرة الأولى، يمثل تحدياً لها يفرض عليها إثبات جدارتها وقدراتها، الأمر الذي قد يدعِّم إمكانات نجاحها. ومن الصعب تحقيق أي نجاح في قيادة الأمم المتحدة بدون إصلاحها، وإعادة هيكلة العلاقة بين أجهزتها.
 
أما السبب الثاني، فهو أن تاريخ المرشحتين اللتين تملكان أكبر فرصة في الفوز حتى الآن، يفيد بأن لدى كل منهما من الإمكانات والقدرات ما يُنبئ بأداء قد يكون مُمَّيزاً، على نحو يفتح الباب الموصد حتى الآن أمام إصلاح الأمم المتحدة.
 
-------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، 11-5-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

د. وحيد عبد المجيد

د. وحيد عبد المجيد

مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام