مقالات رأى

الأهمية المتعاظمة لمنطقة الخليج

طباعة
عندما تختلف الأهداف الحقيقية عن الأطروحات المعلنة تتحول القضية برمتها إلى (دوغمائية) ممجوجة، وتعزيزاً لمقابلة القادم من الأيام بالأوهام وحسابات التوقع والاحتمال لأن التعايش في الزمن المتواكب من دون الاستعداد هو نوع من الارتباك الذي يقود في نهاية الأمر إلى الضياع، وليس في هذا سدور في خيال، وإنما امتلاك واقعي يصون التصرف من التخبط والارتجال، والوقوع في العثرات والمآزق، ويجعل التعامل مع الزمن بواقعية تمكن من السيطرة على الزمام بمقدرات ما تختزنه من عطاء، من أجل الانصياع التلقائي الذي يجعل العقل يتعود التلقي السلبي المخيف، وقبوله للامتلاء العفوي والاستسلام، ويصبح دمية تتحرك بإرادة الغير ومع طول الاستجابة، خصوصاً عندما يجري الحديث في خضم الأزمة العالمية عن استراتيجية النفط، ويتواتر الحديث في دوائر صنع القرار الأمريكي منذ عام 2013 عن قرب استغناء الولايات المتحدة عن نفط الخليج، نظراً للقدرات المتنامية فيها، كما ورد في التقرير السنوي للوكالة الدولية للطاقة (توقعات الطاقة العالمية)، الذي نشر العام الماضي، من أن أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط القابلة للاستغلال تقنياً لم تعد متمركزة في الوطن العربي (1200 مليار برميل) وإنما في أمريكا الشمالية (2200 مليار برميل)، من بينها 1900 مليار برميل من الطاقة غير التقليدية.
 
ويقول التقرير، إن «التحول يجري بالفعل في الولايات المتحدة، حيث أصبحت عمليات التنقيب فيها كثيرة من داكوتا الشمالية إلى تكساس، ومن كاليفورنيا إلى بنسلفانيا. وبحسب وزارة الطاقة الأمريكية، فقد أمنت الولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2012، 83%من احتياجاتها من النفط، أي بزيادة قدرها 8 نقاط في غضون أربع سنوات. وبحسب الوكالة الدولية، فإن الولايات المتحدة ستصبح أول منتج عالمي للنفط ما بين عامي 2017 و2020، وستتجاوز المملكة العربية السعودية».
 
ويعتقد خبراء الوكالة الدولية للطاقة «إن الولايات المتحدة ستحقق الاكتفاء الذاتي تقريباً في مجال الطاقة بحلول عام 2030». ويقول محللون أمريكيون، إنه من السخافة رؤية الأسطول الخامس الأمريكي مجمداً في منطقة الخليج العربي من أجل حماية نفط سينتهي به المطاف في الصين أو أوروبا. 
 
الواقع أن هذا التقرير يوحي بأن منطقة الخليج العربي تشكل عبئاً استراتيجياً على الولايات المتحدة، وأن هذه الأخيرة على وشك تحقيق الاكتفاء الذاتي من النفط، وبالتالي، ترك منطقة الخليج لمصيرها. 
 
والذي يسمع هذا الكلام يصدر عن وكالة الطاقة الدولية لا يشك في مصداقيته، نظراً لأن هذه الوكالة - من المفترض- أنها وكالة أممية تعمل تحت مظلة المجتمع الدولي، لكن في الحقيقة، تُعد هذه الوكالة إحدى أدوات الهيمنة والسيطرة الغربية على العالم، فهي مستعدة لفبركة، واختلاق الأكاذيب في سبيل تمرير أية فكرة من أجل تحقيق أهداف استراتيجية للولايات المتحدة. فمن المؤكد أن منطقة الخليج مهمة جداً للعالم أجمع، ليس فقط لغناها بموارد الطاقة، بل لموقعها الاستراتيجي الذي يتوسط العالم ويشكل عقدة مواصلات بين شرق الكرة الأرضية وغربها، وتدرك الولايات المتحدة هذا الأمر، ولذلك فهي تضع قيادة الأركان العالمية الوسطى في هذه المنطقة ويقع المقر في قطر، وللولايات المتحدة ثلاث قيادات أخرى للأركان العامة، واحدة لأوروبا ومقرها في ألمانيا، والثانية لمنطقة الشرق الأقصى ومقرها في اليابان، والثالثة لإفريقيا ومقرها جيبوتي.
 
ولا شك في أن الولايات المتحدة من الدول الكبرى في إنتاج النفط، فهي تنتج نحو 6.4 مليون برميل يومياً، لكنها في الوقت نفسه، أكبر مستهلك للنفط في العالم حيث تستهلك وحدها نحو ربع الإنتاج العالمي المقدر بنحو 80 مليون برميل يومياً. ويمكن القول إنها تعتمد على استيراد النفط بنسبة 75% لتغطية حاجتها البالغة 21 مليون برميل يومياً، ولهذا فهي لن تتمكن من التخلي عن نفط الخليج لعقود طويلة في المستقبل. وأيضاً فللولايات المتحدة مصالح استراتيجية في المنطقة وهي لن تتسامح مع أية دولة تريد زحزحة رسوخ علاقاتها مع دول الخليج. والواقع أن النفط العربي ليس مجرد سلعة، إنما هو صناعة ضخمة تقوم على رؤوس أموال هائلة وتديره وتسوقه مجموعة من الشركات العملاقة التي، في معظمها، أمريكية، وبما يعود بالنفع والفائدة على الاقتصاد الأمريكي. ومن هنا فمن المحال أن تستغني الولايات المتحدة عن منطقة الخليج، خصوصاً بعد أن ظهرت الصين كقوة عالمية عظمى وراحت تعمل على عقد تحالفات مع دول الخليج بهدف تأمين حاجتها من النفط والغاز. وقد سبّب الدخول الصيني إلى سوق النفط الخليجية قلقاً متنامياً للولايات المتحدة لأنها لم تعد قادرة على الاستمرار في سياسة الباب الموارب والادعاء بأنها غير مهتمة بنفط الخليج، فالمسألة اليوم أصبحت تطال استمرار هيمنتها على العالم. 
 
لكن، وبسبب الأهمية المتنامية للمنطقة، فإن الدول الكبرى ستعمل على الحفاظ على الأمن والاستقرار فيها وتجنيبها القلاقل التي تنتشر في الدول المحيطة، فأمن العالم الاقتصادي يتوقف على أمن دول الخليج العربية.
 
----------------------------------
* نقلا عن السفير اللبنانية، 23-1-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

محمد خليفة