مقالات رأى

نفط الجزائر ومعدلات الفقر

طباعة
وقع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة في 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي قانون الموازنة العامة 2016، بعجز كبير نتيجة تراجع إيرادات الطاقة أكثر من النصف إلى نحو 34 بليون دولار عام 2015، مع توقع تراجع إلى 26.4 بليون دولار هذه السنة. وتبرز خطورة هذا التراجع بانعكاسه السلبي على الاقتصاد الجزائري، مع العلم أن مبيعات النفط والغاز تشكل 95 في المئة من الصادرات وتساهم بنسبة 60 في المئة في موازنة الدولة.
 
وفي وقت حذر بوتفليقة من الأوضاع المالية السيئة بسبب انخفاض إيرادات النفط والغاز، دعا إلى تنويع الاقتصاد والحد من التبعية المفرطة للطاقة، موضحاً أن «من باب الحكمة أن نلتفت اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى قطاعات أخرى كفيلة بإحداث الثروة المستدامة الموفرة لفرص العمل (...)، خصوصاً الزراعة بكل ما توفره من خيرات في الاكتفاء الذاتي والتصدير، ما يؤمّن لبلادنا الاستقرار في موازنتها، ومواجهة المديونية المفترضة، بالاعتماد على الدخل الوطني وتعدد مصادر الاستثمار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين».
 
لكن المعارضة وجهت انتقادات عدة لدى مناقشتها قانون الموازنة، مشيرة إلى عجز الرئيس (بوتفليقة) عن فك ارتباط الاقتصاد بالنفط، على رغم بقائه في الحكم 16 سنة. وفي الوقت ذاته أوضح خبراء أن كل الحكومات المتعاقبة سيرت الاقتصاد بعقلية «التسيير الاشتراكي للمؤسسات»، التي كانت سائدة في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، حيث كان النمط المتبع رسمياً هو اقتصاد السوق، بينما في الواقع تؤكد الممارسة تدخل الدولة في توجيه المسيرة الاقتصادية والسيطرة عليها.
 
عكس الانقسام داخل البرلمان الجزائري خلافاً كبيراً حول النظرة الاقتصادية والمالية، عندما رفع النواب المعارضون لافتات كتب عليها: «لا لنهب الأموال العمومية (...)».
 
وفي معرض البحث عن موارد لسد العجز، حصل سجال كبير حول إمكان تنازل الدولة عن بعض الشركات والاحتفاظ فقط بنسبة 34 في المئة، ما رفضه النواب اليساريون في حزب العمال وجبهة القوى الاشتراكية، والإسلاميون في «تجمع الجزائر الخضراء» و «جبهة العدالة والتنمية».
 
سبق للحكومة الجزائرية أن أعلنت مع بدء تدهور أسعار النفط، وبالتحديد في آب (اغسطس) 2014، أنها ستطلق خطة استثمارية جديدة بـ260 بليون دولار مدتها خمس سنوات تمتد من 2015 إلى 2019 لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع مصادر الدخل بهدف خفض اعتماد الاقتصاد على النفط والغاز. وعلى رغم أهمية هذه الخطة التي لم تر النور حتى الآن، وربما تعرقل تنفيذها في المدى المنظور بسبب صعوبة تمويلها مع تراجع ايرادات النفط، فقد جاءت متأخرة أكثر من 28 سنة. وقد بدأ التفكير بها إثر أخطر صدمة نفطية بانهيار الأسعار عام 1986، وما نتج عنها من آثار سلبية على الاقتصاد الجزائري، خصوصاً في تدهور المستوى المعيشي وارتفاع نسبة البطالة، حتى ان تلك الصدمة كشفت عن هشاشة وضعف المنظومة الاقتصادية التي أصابتها اختلالات هيكلية سواء في الميزان التجاري أو في ميزان المدفوعات، ووصل حجم التضخم إلى 42 في المئة. وانهارت عائدات الصادرات أكثر من 42 في المئة إلى 7.4 بليون دولار عام 1986. وساهم ذلك بارتفاع الدَين العام بحيث قفزت خدمته من الناتج المحلي من 8.27 في المئة عام 1986 إلى 21.7 في المئة في 1991، واضطرت الجزائر إلى طلب قروض ومساعدات خارجية وتبني خيار الإصلاحات من المؤسسات الدولية والتي كانت تعتبر ورقة ضغط خارجية عليها.
 
ولكن الجزائر استفادت من ارتفاع أسعار النفط في السنوات اللاحقة، وتمكنت من تأمين عائدات مالية، لا سيما في 2008 عندما ارتفع سعر البرميل إلى 140 دولاراً، واستطاعت تسديد معظم ديونها التي كانت في العام 2000 نحو 20.4 بليون دولار، وانخفضت تدريجاً إلى نحو 375 مليون دولار بنهاية عام 2013.
 
وفي تلك السنوات، قال خبراء عن الجزائر أنها «دولة فقيرة ولكنها تتصرف كالأغنياء». وبعدما كانت في التسعينات تسعى إلى تسوية ديونها مع دول «نادي باريس»، قامت في 2010 بإلغاء ديون قيمتها نحو 1.6 بليون دولار مستحقة لها في ذمة دول عربية وافريقية.
 
ومع تراجع أسعار النفط، حملت موازنة 2015 عجزاً كبيراً مقداره 52 بليون دولار على أساس تقدير الايرادات بنحو 57 بليون دولار والنفقات بأكثر من 109 بلايين. وسبق إعداد هذه الموازنة، واثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في 2014، أن أطلق بوتفليقة سلسلة وعود لتحسين مستوى المعيشة وتنويع المساعدات. وفي الوقت ذاته كان رئيس الحكومة عبدالمالك سلال، يردد خلال المهرجانات في كل أنحاء البلاد «الجزائر دولة غنية وستستمر في تقديم الإعانات للمواطنين وتمويل مشاريع الشباب، ولو أنهم استخدموا هذه الأموال في شراء السيارات والزواج». وأثارت هذه التصريحات في حينه تعليقات كثيرة، واعتبر ذلك تبذيراً لأموال الدولة.
 
كذلك وعدت الحكومة برفع الدخل الفردي للجزائريين من 5000 دولار إلى 8000 دولار سنوياً، لكنها لم تف بهذا الوعد لأن تحقيقه يتطلب نمواً اقتصادياً لا تقل نسبته عن 8 في المئة سنوياً لمدة خمس سنوات متتالية، بينما يؤكد سلال أن الحكومة تستهدف بلوغ نسبة نمو اقتصادي تصل إلى 4.6 في المئة هذه السنة، في مقابل 4.5 عام 2015، مشيراً إلى أن التحدي الحقيقي يبقى بناء اقتصاد ناشئ ومتنوع ينتج فرص عمل للشباب.
 
وخلافاً لما وعدت به الحكومة، بدأت الجزائر مطلع السنة إطلاق تسمية «معوز» على فقراء الجزائر، وكتابة هذه الصفة في بيانات بطاقة التعريف الوطنية، وكشفت وزيرة التضامن مونية مسلم ان عشرة ملايين جزائري على الأقل سيستفيدون بموجب هذه البطاقة من دعم الدولة لمختلف المواد الغذائية.
 
هنا تبرز خطورة المشكلة في حال استمرت الحكومة في عجزها عن إيجاد الحلول الناجحة والكفيلة بالنهوض الاقتصادي، في ظل تحذير الخبراء من الانهيار الكبير منتصف عام 2017، والاستدانة مجدداً من صندوق النقد، مع العلم أن احتياطات النقد الأجنبي تراجعت من 193 بليون دولار بنهاية عام 2014 إلى 151 بليوناً بنهاية 2015، ويتوقع وزير المال عبدالرحمن بن خالفه أن تستمر في الانخفاض إلى 121 بليوناً بنهاية السنة.
 
----------------------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، 11-1-2016.
 
طباعة

تعريف الكاتب

عدنان كريمة

عدنان كريمة

كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية