مقالات رأى

أحداث باريس والوضع السوري

طباعة
لا شك أن أحداث باريس الدامية، بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء، أحدثت إجماعاً منقطع النظير على ضرورة التخلُّص من «داعش». وتجلى ذلك في التقارب الحاصل بين روسيا وفرنسا على التنسيق في محاربة «داعش» بالطيران في سوريا. وهذا أمرٌ كان متعذر الحصول قبل ضربتي سيناء وباريس. صحيحٌ أن فرنسا ما تزال تذكر الأسد باعتباره جزءاً من المشكلة وليس الحل، لكنّ اعتبارات مكافحة الإرهاب صارت الأَولى لدى الرئاسة الفرنسية. وإذا كان ذلك يمثل مزيداً من الاندفاع من جانب فرنسا، فإنه يمثّل عوامل واعتبارات مختلفة بالنسبة لروسيا. فمن جهة سيؤدي حدث سيناء إلى المزيد من الانغماس في سوريا، ومن جهة أُخرى سيكون لديهم إحراج مزدوج: إحراج تجاه شعبهم بسبب ضربة سيناء، وإحراج تجاه مُحاوريهم في المجتمع الدولي. فهم ما خصّصوا أكثر من رُبع غاراتهم ضد «داعش». وهم مضطرون الآن لزيادة الغارات استجابةً لتحالُفهم المستجد مع الفرنسيين على الأقل. لكنّ الشائع حتى في الصحافة الروسية، أن الروس خاب أملهم بالإيرانيين وميليشياتهم أكثر مما خاب أملهم بجيش الأسد. فقد كانوا يعرفون القدرات المتضائلة لجيش الأسد، لكن سليماني طمأنهم إلى أن هجماتهم على المعارضة ستقابلُها على الأرض، فيالق إيرانية زاحفة إلى جانب «حزب الله» وعصائب العراق وأفغانستان. وبذلك يضرب الروس ويدمِّرون، ويحتل الإيرانيون الأرض المدمّرة والمهجَّرة. إنما الذي حصل باستثناءات ضئيلة، أن دمار الطيران الروسي لم يَعْقُبْهُ استيلاءٌ إيراني على الأرض. فحتى حيّ الوعر بحمص المحاصَر من جانب النظام و«حزب الله» منذ ثلاث سنوات، والذي أراد المقاتلون تسليمه للضيق الذي نزل بهم من الحصار والمجاعة ونفاد الذخيرة، اعتذر النظام عن تسلمه ولو بوساطة الأُمم المتحدة وإجلاء المقاتلين، وقال إنه لا يملك قوات كافية للتمركز فيه!
 
إنّ الأكثر راحةً في هذا الاحتدام هم الأميركيون. فقد وافقوا بعد تمنُّع طويل على المنطقة الآمنة التي تطالب بها تركيا منذ سنتين. وسمَّوها هذه المرة: سد الحدود التركية، مع أنها مسدودة منذ ستة أُشهر. ثم إنهم وفي مفاوضات فيينا والمفاوضات الثنائية مع الروس، يُظهرون ثقةً بالشريك الروسي، ويريدون فقط -كما يقولون- أن يعطي الروس شيئاً للسعودية وتركيا بالنسبة لمصير الأسد.
 
إنما إذا كان الإرهاق قد بدأ يعتري «حزب الله» والإيرانيين والروس. فلا شك أن الكتائب المسلحة المعتدلة وغير المعتدلة، صارت أكثر إرهاقاً. فهي منذ قُرابة الثلاث سنوات تقع بين نارين: نار «داعش»، ونار النظام وميليشيات إيران. ثم إن الغارات الروسية أتعبت بالفعل قاعدتها الشعبية، ودفعت باتجاه موجة جديدة من الهجرة. وهي الآن معرَّضةٌ لامتحان عسيرٍ آخر هو التمييز بين المعتدل والمتطرف خارج «داعش» والنصرة. وقد عهد حاضرو فيينا بذلك إلى الأردن وقال بعض الباحثين الأردنيين إن معظم كتائب المعارضة إرهابية في نظر المخابرات الأردنية. ووضع المعارضة السورية غير المسلّحة ليس أحسنَ حالا. فهناك اليوم ثالث معارضات: معارضة الائتلاف التي تحظى بدعم السعودية وتركيا وقطر. ومعارضة القاهرة التي جمعتها المخابرات المصرية من سوريا وغيرها. ومعارضة موسكو ممن خرجوا من سوريا إلى روسيا من القوميين السوريين والشيوعيين.
 
لكن ماذا عن داعمي الائتلاف والمسلَّحين المعتدلين؟ يقتصر الأمر الآن بعد ضربة باريس على السعودية وقطر وتركيا. أما الفرنسيون فتراجعوا خطوةً إلى الوراء دون أن يقطعوا مع السعودية أو مع الائتلاف. أما الأوروبيون الآخرون فهم عملياً على الحياد مع ميل خفيف للأسد، واهتمام أكثر بقضايا اللاجئين. وهناك امتحانان خلال الأسابيع القليلة القادمة أولهما: اللقاء بفيينا بين النظام والمعارضة، وهل يحصل؟ وثانيهما: الاتفاق على قرار مجلس الأمن ضد الإرهاب، وماذا يشمل القرار؟
 
بعد حادث باريس هناك خسارات بالجملة لدى المعارضة السورية وأنصارها، وأرباح متوسطة للنظام وليس لروسيا وإيران. أما الخسارة الكاملة والمطلقة فهي على العرب والمسلمين وبخاصةٍ منهم أولئك المقيمون بأوروبا والذين يأتون إليها. فالله المستعان.
 
------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية،  22 نوفمبر 2015.
طباعة

تعريف الكاتب

د. رضوان السيد

د. رضوان السيد

مدير المعهد العالي للدراسات الإسلامية، رئيس التحرير المشارك لمجلة "الاجتهاد".