مقالات رأى

تحالف الإرهاب والجريمة المنظمة

طباعة
في سياق الاهتمام في العالم، بانتشار جريمة الإرهاب، ومخاطرها المتزايدة، ظهرت مجموعة كبيرة من التقارير والدراسات، لجهات على أعلى مستوى من المهنية، وضعت يدها على جانب بالغ الأهمية من جانب التحويل الضخم، للمنظمات الإرهابية، والذي لا تستطيع البقاء من دونه، باعتباره شريان الحياة لها. 
 
هذا التمويل يأتيها من علاقة خاصة بين منظمات الإرهاب، وعصابات الجريمة المنظمة، وتعاون كل منهما مع الأخرى، ما مكن المنظمات الإرهابية من الحصول على الأسلحة المتقدمة، من دبابات، ومدرعات، وصواريخ، ومدفعية، وبالتالي أتاحت هذه العلاقة فرصة كبيرة لوجود سوق سوداء دولية للتهريب والتجارة في السلاح. 
 
إن المعلومات التي تقدمها هذه التقارير والدراسات، تزيح الغطاء عن جانب خطر في عالم الإرهاب والجريمة المتحالفين معاً. أمامنا التقرير الصادر عن برلمان الاتحاد الأوروبي بعنوان «العلاقة بين الإرهاب وجماعات الجريمة المنظمة». ويقول إن ممارسة منظمات الإرهاب لصنوف الجريمة من تهريب المخدرات، والسلاح، لا تزال تمثل المصدر الرئيس لتمويلها، بالإضافة إلى ما قامت به منظمات مثل «داعش»، و«جبهة النصرة»، من الاستيلاء على موارد البترول وودائع البنوك، وثروات الأهالي في كل من سوريا والعراق. ولا تختلف كثيراً عن ذلك، دراسة إدارة الأبحاث الفيدرالية بمكتبة الكونغرس، التي تكشف - بناء على أدلة موثقة - عن الصلة بين تهريب المخدرات، وتهريب السلاح، والمتاجرة فيه، والنشاط الإرهابي. 
 
ويوضح تقرير معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وجود سوق سوداء دولية للسلاح والمخدرات، تتورط فيها المنظمات الإرهابية، وبعض الحكومات التي تغضّ النظر عنها. وأصبح معروفاً على نطاق واسع، تدفق شحنات السلاح، غير الخاضعة للرقابة، إلى منظمات إرهابية داخل دول تسودها الفوضى، وتستخدم في إشعال العنف والنزاعات الداخلية. وقد تأكدت زيادة تحويل الأسلحة الرئيسية التقليدية، منذ نهاية الحرب الباردة، إلى جماعات مسلحة في أفغانستان، ولبنان، واليمن، وكينيا، وسريلانكا، وظهور شركات عسكرية خاصة، تنتمي إلى نظام المرتزقة، وتمتلك طائرات هليكوبتر، ومدرعات، وأنواعاً أخرى من السلاح. 
 
ووجود السوق السوداء، تحدث عنه مسؤول أمريكي - في جلسة تقصّي حقائق - بقوله إن الجماعات الإرهابية، وعصابات الجريمة المنظمة، لا تجد صعوبة في شراء السلاح من هذه السوق. أيضاً - نشرت مجلة «ناشونال ريفيو» الأمريكية دراسة بعنوان «سباق التسلح العالمي والإرهاب»، كتبها بيتر هوكستر، الرئيس السابق للجنة المخابرات بالكونغرس، وقال إن الفوضى التي انتشرت حول العالم في عام 2014، خلقت نشاطاً إرهابياً مرعباً وغير مسبوق، تجاهلته دول، كان ينبغي عليها أن تهتم به منذ بداية ظهوره. وإن هذه المنظمات صارت تستحوذ على أسلحة متقدمة للغاية، وهي متاحة لمن يدفع الثمن. وقد استولت «داعش»على كميات ضخمة منه، شملت مدرعات، ودبابات أمريكية الصنع، وصواريخ، ووضعت يدها على الكثير منها في سوريا، ثم أخذتها من قواعد عسكرية في العراق. 
 
هذه التقارير تقدر تضخم ثروة «داعش» - نموذجاً لباقي منظمات الإرهاب - بأنها بلغت أحجاماً لم يسبق أن امتلكتها أي منظمة إرهابية من قبل، فهي تحصل من البترول وحده - الذي تبيعه في السوق السوداء الدولية - على مليوني دولار يومياً. وهي التي تمكنها من أن تدفع لكل من ينضمّ إليها حديثاً 400 دولار شهرياً، وهذه الثروة تمكّن «داعش» من التوسّع في تجنيد المغامرين، واستقدام خبراء تستخدمهم في التدريب على الأسلحة المتقدمة. 
 
لقد ثبت أن تردّد قوى كبرى وتقاعسها في مواجهة الإرهاب الدولي، بالرغم من أن قوانينها تنصّ على تجريم أعمال الإرهاب، كانا عنصرين مساعدين على تطور الإرهاب وانتشاره، خاصة أن بعضاً من هذه القوى قد استثنت منظمات إرهابية، من قوائمها الرسمية التي تحدد ما هي المنظمات التي تعدّها إرهابية. 
 
بل إن الأمم المتحدة لم تعلن حتى الآن تعريفاً قاطعاً وملزماً للإرهاب، باستثناء القرار رقم 1566 الصادر عن مجلس الأمن عام 2004، الذي حدد الإرهاب بأنه ممارسات إجرامية تشمل أعمالاً ضد مدنيين، وترتكب بهدف إحداث وفيات، أو إصابات جسمانية أو أخذ رهائن، وترويع الأهالى، بهدف إثارة الرعب بين المواطنين، وكذلك ارتكاب أعمال الهدف منها إرغام الحكومة على القيام بعمل، أو الامتناع عن عمل، يمثل اعتداء، تجرمه الاتفاقات الدولية، لكونها عملاً إرهابياً. 
 
لكن مرور أكثر من عشر سنوات على هذا القرار، كان يستلزم إعادة نظر في المفهوم الدولي للإرهاب، الذي تطورت منظومته، ودخل في شراكة مع عصابات الجريمة المنظمة، وأصبح يهدد الإنسان بوصفه إنساناً، في أي دولة وفي أي مكان، وهو ما أصبح يمثل خطراً جسيماً على المجتمع الدولي الذي يفترض أن الأمم المتحدة قد أُنشئت للدفاع عن أمنه وسلامته.
 
------------------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأربعاء، 17-6-2015.
طباعة

تعريف الكاتب

عاطف الغمري