مقالات رأى

«الأسد»..هل مازال رئيساً؟

طباعة
وصل تخبط السياسة الأميركية في الشرق الأوسط إلى مستوى غير مسبوق، بينما تزداد الدلائل على أن مشكلتها لا تعود إلى غياب رؤية واضحة فقط، بل ترجع أيضاً إلى الاستهانة بمتغيرات كبرى تشهدها المنطقة الآن.
 
وينطبق ذلك بصفة خاصة على تضارب تصريحات بعض المسؤولين الأميركيين بشأن موقع بشار الأسد من أي حل سياسي محتمل للأزمة السورية، فهناك من يراه الآن جزءاً من الحل، ومن لا يزال ينظر إليه كجزء من المشكلة. وينطوي هذا التضارب على إغفال التغيير الجوهري الحادث في سوريا، ولا يقتصر هذا التغيير على تناقص مساحة المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات المدافعة عن الأسد، وتحولها إلى مجرد «كانتون» بين «كانتونات» عدة متصارعة، فقد تحول نظام الأسد من سلطة مسيطرة على دولة إلى «ميليشيا» أصبح مصيرها مرتبطاً بطهران وقواتها والقوات الشيعية متعددة الجنسيات، لكن التغيير الأكثر أهمية على الإطلاق هو أن الأسد لم يعد الزعيم الفعلي لهذه «الميليشيا»، فقد أصبح آخرون (إيرانيون، ولبنانيون، وعراقيون، وأفغان، وطاجيك..) هم القوة الرئيسية فيها، بعد تراجع دور ما بقي من جيش الأسد.
 
ولذلك أصبح قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري، قاسم سليماني، هو الزعيم الفعلي للقوات المدافعة عن الأسد، وصارت كلمته، والقادة الإيرانيون التابعون له، هي العليا في أوساط المقاتلين تحت راية دولة لم تعد موجودة إلا اسماً، ونظام كان مسيطراً على هذه الدولة، وصار مجرد طرف في الصراع عليها.
وإذ لم يبق شيء من سوريا التي ورث بشار الأسد حكمها عن والده، يبدو المسؤولون الأميركيون الذين يظنون أنه جزء من الحل، كما لو أنهم مغيَّبون عما يحدث في هذا البلد المنكوب، أو مستسلمون لما يظنون أنه تمدد إيراني لا أمل في رده.
 
لقد أصبحت المناطق التي مازال نظام الأسد محتفظاً بها تحت سيطرة طهران. وفي «صراحة» تنتاب أحياناً مسؤولين إيرانيين، وتكشف تطلعاتهم، أفصح رئيس مركز «عمار» الاستراتيجي في طهران، حمادي حبيب، عن أحد هذه التطلعات عندما قال أخيراً، إن سوريا تعد بمثابة المحافظة الإيرانية رقم 35.
 
وكان ذلك في سياق دعوته لدعم المقاتلين فيها، ولكي نستوعب مغزى هذا الخطاب، ينبغي أن نضيف إليه ما قاله مستشار قائد الحرس الثوري، اللواء حسين حمداني، عن أن الإيرانيين وحلفاءهم هم الذين حرروا مناطق كان بشار الأسد فقد الأمل في استعادتها.
 
والمعنى واضح هنا، وهو أن الأسد لا قيمة له من دون إيران، وليس له أن يطمح بعد الآن إلى أكثر من أن يكون واجهة لطهران في سوريا، وحاكماً لمحافظة إيرانية من الناحية الفعلية.
 
هناك حقائق جديدة يجري فرضها على الأرض من خلال توسيع نطاق القوات الموالية لطهران عبر تجنيد «الشبيحة» وشبان سوريين علويين آخرين بمنأى عن أي قنوات مرتبطة بنظام الأسد المتداعي.
 
وارتبط ازدياد أعداد المقاتلين في هذه القوات متعددة الجنسيات بعملية فرز سكاني منهجي لتوطينهم في بعض المناطق الخاضعة اسمياً لنظام الأسد، خاصة في العاصمة وعلى مدخليها الرئيسيين من ناحيتي درعا وحمص، فقد تم توطينهم في البيوت التي هجرها أهلها من السُنة والمسيحيين طوعاً، أو تم تهجيرهم منها عبر التخويف والتهديد.
 
وهكذا، أصبحت سوريا مقسَّمة فعلياً إلى «كانتونات»، ولم يبق من نظام بشار الأسد إلا الشكل، فقد أصبح قشرة على سطح تسيطر «الميليشيا» التابعة لإيران على كل شيء تحته، إلى حد أنه بات ممنوعاً على ضباط جيش الأسد وجنوده دخول بعض المناطق الأكثر استراتيجية والتي تحميها هذه «الميليشيا».
 
وليس هذا إلا بعض ما يصح أن يعرفه من لم يعوا، بعد أن الأسد أصبح مجرد واجهة يقف وراءها قاسم سليماني الذي صار هو الحاكم الفعلي لـ«الكانتون الأسدي» من وراء ستار لم يعد كافياً لحجب هذا الواقع الجديد.
 
--------------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء، 10/6/2015.
طباعة

تعريف الكاتب

د. وحيد عبد المجيد

د. وحيد عبد المجيد

مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام