مقالات رأى

الإمارات والسياسة الدولية

طباعة
من أكثر الحقب الضبابية قحطاً واضطراباً تلك التي تعيشها منظمات التخلف العاصية لسنة الكون في عالم اليوم، تعيش ضرباً عميقاً من الارتباك اللاهوتي والسياسي اللانهائي، مما يُؤذن بتحويل العالم المتحضر إلى متحف لأشباح الرعب والإرهاب، وتكريس التطرف الديني وجعله رمزاً لأساليب التضليل الفوقية التي استهدفت قلب كل الحقائق لإشراك الفواجع الجغرافية، بعد أن انسلخت من تربة الإسلام السمح، وردمت كل منابع الرحمة التي أرسلت للعالمين، فغدت مزيجاً من الفاشية والعرقية والطائفية .
وبما أن بعض الأحداث السياسية اتضحت صورتها وتبين الكثير من نتائجها، والمرة تلو الأخرى تثبت دولة الإمارات أنها قوة إقليمية ذات وزن عالمي، على المستويين السياسي والاقتصادي، خاصة عندما ترتبط ارتباطاً وثيقاً برسالة ديناميكية تحشد وتوجه وتجعل من الفعل تطلعاً إلى المستقبل، وتجعل أيضاً من الحركات والأحداث التاريخية نشاطاً محوره الإنسان . 
 
ومن هذا المنطلق اهتمت الدوائر العالمية والعربية بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة التي قام بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي جاءت ترسيخاً للعلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة، والتي تقوم على أساس المصالح المشتركة لكلتا الدولتين، وتتميز هذه العلاقة بالشفافية، في مختلف الجوانب، سواء منها السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، إضافة إلى التبادل العلمي والمعرفي، وكذلك التشاور بين القيادتين في مختلف القضايا المشتركة، خاصة ما يتعلق منها بالشرق الأوسط، ما يعكس ثقل الإمارات الدولي ومكانتها العربية، ويضع على كاهلها مزيداً من الأعباء والمسؤوليات . وبالتالي فحضور الإمارات لم يأتِ من فراغ؛ بل من خلال الدور الذي قامت- ولا تزال تقوم به- في التعاطي مع ملفات الأمن الدولي، والقضية الفلسطينية، والاستقرار في الخليج العربي، إضافة إلى دورها المحوري في محاربة الإرهاب الذي بات يتمدد وينفث شروره ليس على الدول العربية وحدها، وإنما على العالم أجمع . 
 
ولعلّ المتابع لتحليلات وسائل الإعلام المختلفة يدرك مدى التفاؤل الملقى على عاتق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، للعب دور استثنائي وتاريخي للَمّ الشمل الإسلامي والعربي، وتنقية العلاقات العربية من الشوائب . فالجميع يعرفون أن دولة الإمارات - منذ عهد المؤسس المغفور له الشيخ زايد - تنأى بنفسها أن تكون طرفاً في أية خصومات محلية أو دولية؛ بل كانت حاضرة لأي دعم سياسي ومادي للأمة العربية، والعالم أجمع، ومن منطلق سياسة الاعتدال والدعم الأمني والاستقرار . وهذا ما أشار إليه صاخب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض يوم الاثنين، حيث جرى التشاور في العديد من القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، وبحث تعاون البلدين المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات التي تشهدها المنطقة، وأهمية منع انتشار الأسلحة النووية فيها، واهتمام دولة الإمارات بضمان الإجراءات والتدابير الصارمة، للتحقق من سلامة البرنامج النووي الإيراني عند إبرام الاتفاق النهائي مع إيران، وكذلك أهمية تطبيق قرارات مجلس الأمن، ومبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اليمن بصفتها مدخلاً لتسوية الأزمة فيها، وتم التركيز على مبادئ التسامح والتعايش المشترك في المنطقة والعالم، ونبذ التطرف والتعصب والعنف، لتحقيق التنمية التي تصب في مصلحة الشعوب وتعميق التعاون الدولي . 
 
هذا اللقاء المتعدد الأبعاد، والذي تم في واشنطن يؤكد عمق الصداقة والتعاون المتميز بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في مختلف المجالات، في ظل ما يربط البلدين من صداقة ومصالح استراتيجية مشتركة، ويؤكد أننا أمام تحول دبلوماسي سوف يكون له تأثير في المشهد السياسي في المنطقة، وسوف يؤثر في الممارسة السياسية الدولية، انطلاقاً من القِيم السياسية الثابتة والعادلة والراسخة والعلاقات المتوازنة التي تقيمها دولة الإمارات مع دول العالم بوصفها قدوة لترسيخ الأمن والاستقرار وتوجيه الموارد لخدمة الإنسان في شتى بقاع العالم .
 
عاشت بلادنا الطاهرة أرض الخير والعطاء والنماء، أرضاً لا تشكل مجرد وطن نعيش على أرضه فقط، إنما حياة تهبنا الخير والمجد . حفظ الله دولة الإمارات قيادة وشعباً .
 
------------------------
* نقلا عن السفير، الأحد، 26/4/2015
طباعة

تعريف الكاتب

محمد خليفة