مقالات رأى

«داعش» في اليمن..منْ سينتصر؟

طباعة
ثمة سباق على التأثير في الأزمة اليمنية بين المشروع العربي، وبين المشروع الإيراني، والمشروع الأصولي الذين يسعيان لنشر الفوضى والحرب الأهلية هناك، والأشمل رؤيةً هو الذي سينتصر
 
لا ينشط تنظيم «داعش» إلا في بلدان استقرار الفوضى، ولا يؤسس قوةً إرهابيةً مؤثرةً إلى بوجود أحد المشروعين الإقليميين المشروع الإيراني، أو المشروع الإخواني، وهما مشروعان معاديان للمشروع العربي الذي ينشد الاستقرار والتنمية للدول العربية، وهو المشروع الذي تقوده المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والأردن.
 
في العراق وسوريا نشط تنظيم «داعش» لتغلغل المشروع الإيراني فيهما، وفي مصر وليبيا نشط التنظيم لقوة التنظيم «الإخواني» فيهما، وفي اليمن ومع استقرار الفوضى ووجود المشروع الإيراني ووراثة تنظيم «القاعدة»، فإن «داعش اليمن» على وشك الظهور.
تنظيم «داعش» هو امتداد طبيعي لتنظيم «القاعدة» وتطور طبيعي له، والخلافات بين «داعش» و«جبهة النصرة» التي تمثل تنظيم «القاعدة» هي خلافات سببها قوة التشابه على التضاد.
 
و«داعش» هي وريث «القاعدة» تنظيمياً لا تنظيرياً، بمعنى أنها تسير على نهج «القاعدة» في بناء تنظيماتٍ فرعيةٍ تابعةٍ لها في عددٍ من البلدان التي تتوافر فيها الشروط المذكورة أعلاه، فلها فروع كـ«داعش» في مصر و«داعش» في ليبيا و«داعش» في بعض الدول الأفريقية، وهو الطريق الذي ابتدأته جماعة «الإخوان المسلمين» بفتح فروعٍ لها في العديد من الدول العربية والإسلامية، ثم في كثيرٍ من الدول الغربية.
 
الفقر التنظيري فقهياً وعقدياً لدى «داعش» يأتي لحساب توحشها وشبه انعدام الحسابات السياسية لديها، وهو ما يوضح أنها أقرب ما تكون إلى الميليشيا المسلحة منها إلى الحزب السياسي، أو الجماعة ذات البناء الإيديولوجي المتماسك والصارم، كما لدى سابقاتها في تنظيم «القاعدة» وفي جماعة «الإخوان المسلمين»، وذلك أنها تجد معيناً خصباً من التنظير الواسع لأعمالها لدى منظري تنظيم «القاعدة» وكتبهم الموسّعة تأصيلاً وجدلاً كما تجده من قبل في تنظيرات رموز جماعة «الإخوان» كسيد قطب وغيره.
 
جماعة« الإخوان» هي الجماعة التي تتحدر منها كل حركات العنف الديني المعاصرة، فتنظيمات السبعينيات في مصر، خرجت من رحم الجماعة وشكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة هو أحد تلاميذ سيد قطب، كما أن صالح سرية قائد ما كان يعرف بـ«الفنية العسكرية» هو «إخواني».وكذلك كان قائد «الأفغان العرب» عبدالله عزّام إخوانياً صرفاً، ومن بعده أسامة بن لادن قائد تنظيم «القاعدة»، فقد كان «إخوانياً» صرفاً تمّ تجنيده لجماعة «الإخوان» في جدة، ثم تمّ فصله من الجماعة في الثمانينيات وطلب منه مرشد «الإخوان» مصطفى مشهور في زيارته لباكستان أن يعود للجماعة من جديد، وقال له بحسب ما نقله عنه أيمن الظواهري «خرجت من إخوانك وتعود إلى إخوانك».وزعيم «داعش» وخليفته أبوبكر البغدادي هو «إخواني» صرفٌ نشأ وتشكل وعيه الديني والسياسي والعنيف في محاضن جماعة «الإخوان» في العراق بحسب تصريحات «الإخواني» المعروف يوسف القرضاوي.
 
فجماعة «الإخوان» وابنتها «القاعدة» وابنتها «داعش» تمثلان خطاً متصلاً من العلاقة والامتداد، والجماعة و«داعش» متحالفتان في مصر وفي ليبيا بحسب تصريحات قناة «الإخوان» التي تبث من تركيا قبل فترةٍ، والتي هددت فيها باستخدام العنف ضد الدولة المصرية، وهي امتداد لتصريحاتٍ سابقة لمحمود البلتاجي بعد 3 يوليو 2013، وتركيا هي التي تتبنى المشروع الأصولي في المنطقة بكامله وبالذات في الدول العربية، وتحتضن رموز «الإخوان» من مصر وكل البلدان العربية وتقدّم لهم الدعم المعلن والقوي، وبحسب تصريح رئيس الاستخبارات الأميركية «جيمس كلابر»، فإن «محاربة تنظيم داعش المتطرف ليست أولويةً بالنسبة إلى تركيا»، وهو ما يشرح ويفسر الكثير في طبيعة العلاقة بين «الإخوان» و«داعش».من السهولة بمكانٍ أن يرث «داعش» تنظيم «القاعدة» في اليمن بمجرد إيصال الأموال المطلوبة وإرسال القيادات الميدانية الفاعلة، ووجود المشروع الإيراني والفوضى الضاربة بأطنابها هناك، أما قيادات «القاعدة» في اليمن، فإما أن يتركوا بيعة أيمن الظواهري وينضموا لـ«داعش» ويبايعوا البغدادي، وإما أن تتمّ تصفيتهم بكل بساطة.
 
المطلوب من «داعش» في اليمن تنفيذ حالةٍ تشبه ما فعلته في العراق وسوريا، أي محاولة احتكار تمثيل أهل السُنة في اليمن وتصعيد الطائفية لأعلى مستوياتها، ما يصنع حالةً تدفع للحرب الأهلية، وتمنح مشروعيةً وغطاءً لميليشيا «الحوثي» وجرائمها.
 
أخيراً، ثمة سباق على التأثير في الأزمة اليمنية بين المشروع العربي، الذي يسعى لاستعادة الدولة وبين المشروع الإيراني والمشروع الأصولي الذين يسعيان لنشر الفوضى والحرب الأهلية هناك، والأشمل رؤيةً هو الذي سينتصر.
 
-----------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين، 3/2/2015.
طباعة

تعريف الكاتب

عبد الله بن بجاد العتيبي