مقالات رأى

مخاطر الميليشيات العربية

طباعة
يبدو أن الأفق العربي في المرحلة الراهنة أكثر غموضاً من أي وقت مضى، حتى خلال فترة ما يسمى «الربيع العربي»، على اعتبار أن هناك بالفعل حالات مستجدة لتراجع دور «الدولة العربية» في مواجهة الحركات الجهادية في المنطقة: العراق مقابل «داعش»، اليمن مقابل الحوثيين. وللإنصاف، فإن انتشار هذه الحركات، والذي بات «شبه ظاهرة»، هو نتيجة لتكرار حالة لا يقتصر ظهورها على طائفة دينية دون أخرى. فمثلما هناك حركات سنية هناك حركات شيعية أيضاً.
 
وبإلقاء نظرة سريعة على عموم الأرض العربية، فإن حالة العراق هي الأكثر تأثيراً؛ لكونه يقع في منطقة حساسة في الاستراتيجية الدولية، ولقربه من دول جوار لها مطامعها، كما أن لها مصالح في ارتباك الوضع العربي.
 
ليس العراق الحالة العربية الأولى، لأن هناك حالة الدولة اللبنانية في مواجهة مليشيا «حزب الله»، وكذلك حالة الحوثيين في اليمن، والتي تتفوق في كثير من الأحيان على الدولة اليمنية، وتهدد استقرار دول الجوار. أما الحالة الصومالية فيمكن أن يقال عنها الكثير بشأن مسألة «غياب» الدولة العربية، وليس تراجعها.
 
أشك في أن هناك من يمكنه أن يجزم، وفق المعطيات الحالية، بوجود أمل في مواجهة الحركات المتطرفة، لكونها «تتكاثر» بطريقة مخيفة، ما يشير إلى وجود بيئة من «الوحل» مناسبة لها، فهي لا تعمل تحت الشمس لأنها تحرقها. والجديد في هذا الصدد هو حركة «دامس»، التي ظهرت مؤخراً لتمثل المغرب الغربي.
 
وتعطي هذه الحركاتُ نفسَها دوراً يهدد «الدولة» العربية التي تخطو على ما يبدو نحو المزيد من الصعوبات، في مقابل تحقيق إيجابيات للدول الأخرى، مثل إيران التي تُعدُّ أكبر المستفيدين من هذه التطورات، لتكون ورقة استراتيجية في مستقبل العلاقة مع الغرب الذي تخوض معه طهران مفاوضات حالياً تستخدم فيها كل أوراق الضغط.
 
ما سبق يمكن إيجازه في نقطتين: الأولى، أن هناك «تكاثراً» للمليشيات المتطرفة في المنطقة العربية، ناتجاً عن وجود فراغ أمني إقليمي. وليس خافياً على أحد أن الذي بدأ بتجاوز الدولة وفرض قراراته بالقوة في لبنان، على سبيل المثال، هو «حزب الله» اللبناني. والنقطة الثانية، أن هذه الحركات باتت تتدخل باعتبارها لاعباً سياسياً في المنطقة، وتفرض نفسها على الدول، وهي تمارس تجاوزاتها علناً، كما فعل أبوعمر البغدادي الذي ظهر على المنبر وأعلن الخلافة، ما يعني وجود درجة عالية من «الجرأة» ويدل على المأزق الذي تعيشه الدولة العربية.
 
والواقع أن الحالة العربية تسير، منذ نهاية عام 2010، على عكس القاعدة التقليدية المتعارف عليها بأنه كلما اشتدت الأزمة انفرجت، فبعد أن هدأ الوضع المصري وأمل الناس أن نشهد عودة للدور العربي بالشكل الذي «يلملم» ما يتناثر بفعل هذه الحركات التي فرضت سيطرتها في ليبيا، فوجئ الجميع بانفجار الوضع العراقي بطريقة «دراماتيكية»، وكأن هناك من يتلاعب بالدولة العربية ليرهقها تكتيكياً ومالياً في لعبة «النفس الطويل»، كي يقضي عليها بعد ذلك. وصرنا ننتقل من حالة شديدة الحرج إلى حالة أشد غموضاً، خاصة بعدما أصبحت «المليشيات» تفرض وجودها على الأرض العربية.
 
المعضلة الكبرى الآن هي دخول المليشيات المتطرفة في المنطقة ضمن حسابات الحرب والسلام، سواء مع الدول التابعة لها، كما في حالة الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان، أو مع الجوار كما في حالة «داعش» التي شغلت العالم كله.
 
ويحتاج الأمر إلى تنسيق عربي لاستعادة دور الدولة العربية في مواجهة هذه الحركات التي تستغل حالة الفراغ السياسي والأمني، وكذلك حالة «وفاة» النظام العربي عموماً، حيث لم يعد هناك دور لجامعة الدول العربية، ولا للتنظيمات الإقليمية الأخرى، بما فيها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، لأن البديل هو تزايد مثل هذه الحركات وتفاقم مخاطرها وشرورها على الأوطان.
 
في ظل هذا الوضع العربي، هناك كلام عن محاولات من جانب إيران لتكون شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة في القضاء على الحركات المتطرفة في المنطقة. وإذا كانت الولايات المتحدة غير مطمئنة حتى الآن إلى الموقف الإيراني، ربما لمعرفتها أن هذه الحركات تخدم إيران أساساً وأن إيران كثيراً ما استغلتها لمصلحتها بغض النظر عن الطائفة التي تنتمي إليها. فإن هذا الوضع في المقابل ينبغي أن يشجع العمل العربي على لم الصفوف، لأن لغة التصدع والانفصال ستخدم -من دون شك- الدول الإقليمية، خاصة مع قرب الصفقة السياسية في المنطقة التي يرتب لها كل طرف وفق حساباته: إسرائيل بقصف غزة، وإيران بمحاولة استغلال التشرذم العربي للتمدد داخل البلدان العربية.
 
ما أريد قوله هو أن هذه المليشيات طوَّعت القرارات العربية كثيراً، وأجبرت العرب على الدخول في حسابات سياسية إقليمية ودولية خطيرة لأنها لم تجد من يضع لها حداً! والقرار العربي أشبه ما يكون بحالة جسد بلا رأس يقوده، وهذه نتيجة طبيعية لغياب الدولة القائد. ولو أمعنّا النظر سنجد أن هناك تنافساً إقليمياً إسرائيلياً إيرانياً تركياً لاستغلال الوضع. وهناك تسريبات إعلامية بأن «داعش» ودولة خلافتها ليست إلا مؤشراً إلى حلم عودة «السلطان العثماني». والمهم أن ما يحدث على الأرض العربية غير مريح للحكومات العربية أو للشعوب العربية.
 
ويبقى أن هناك تخوفات من أن تترسخ قناعة لدى الغرب، وخاصة الولايات المتحدة التي تعيش فترة «مهادنة» مع إيران، بأن طهران لديها القدرة على ضبط الحركات المتطرفة في المنطقة، بما فيها الحركات السنية في الدول العربية، باعتبار أن الحركات الشيعية المتطرفة أصلا بيد إيران، وبالتالي فإن الاتفاق يتم حسب الرغبة الإيرانية. وهناك تخوفات من أن تتوصل الولايات المتحدة الأميركية إلى أن الدول العربية ليس باستطاعتها فعل الشيء نفسه، وبالتالي يصبح لإيران دور حقيقي.
 
هذه الحالة تذكرنا بالوعود التي قدمتها حركات «الإخوان المسلمين» في العالم العربي للغرب بأنه باستطاعتها السيطرة على الحركات المتطرفة في المنطقة. والوضع العربي القادم حافل بالمفاجآت، والخوف هو من أن يؤدي إلى المزيد من الأزمات العربية أو انتشار «ثقافة المليشيات». ويبقى الأمل في عودة الدور السياسي العربي، ممثلا في جامعة الدول العربية التي اختفت عن الساحة.
 
------------------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأربعاء، 16/7/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

محمد خلفان الصوافي

محمد خلفان الصوافي

كاتب إماراتي.