مقالات رأى

الانتخابات تمنح المالكي تفويضاً للبقاء في السلطة

طباعة
لو كانت الكتل السياسية العراقية تشكك في سلامة الانتخابات الأخيرة التي جرت في العراق لما شاركت بها بقوة، فالمشاركة الفاعلة دليل قاطع على ثقة المشاركين بوجود الحد الأدنى من الإجراءات الانتخابية السليمة. كما إن استقلال مفوضية الانتخابات جعل المشاركين يعتقدون بأن بإمكانهم الفوز ولذلك قاموا بحملات انتخابية مكثَّفة ومكْلِفة.
 
مع ذلك فإننا سنرى اعتراضات واتهامات بالتزوير مباشرة بعد إعلان النتائج التي قالت مفوضية الانتخابات أنها ستُعلَن أواخر الشهر الجاري. السبب وراء التشكيك بالنتائج هو أن سياسيينا لم يقرأوا الساحة السياسية بواقعية بل ينظرون إلى الجانب الإيجابي ويهملون الجوانب الأخرى. كما إن مجاملات الناخبين تجعل المرشحين يعتقدون أنهم سيفوزون ويشاركون في الحكومة.
 
هذا لا يعني أن احتمالات التزوير مستبعدة، لأن بعضهم، سواء كان ناخباً أو مراقباً أو ربما موظفاً في المفوضية، يعتبر الانتصار للفريق الذي يؤيده واجباً أخلاقياً حتى لو حصل ذلك عبر تغيير إرادة الناخب دون إذنه أو علمه.
 
التقديرات الأولية لنتائج الانتخابات تشير إلى أن اللاعبين الرئيسيين سيعودون إلى الساحة السياسية. فكتل دولة القانون والمواطن والأحرار والفضيلة ومتحدون والوطنية والعربية والتحالف الكردستاني والتغيير، وربما بعض الكتل الجديدة كالتحالف المدني وأوفياء للوطن والعراق والوفاء العراقي، سوف تتمثل في البرلمان المقبل، ولكن بنسب متفاوتة طبعاً.
 
احتمالات فوز مرشحي الحكومة المنضوين في قائمة دولة القانون والقوائم المتحالفة معها أكثر من غيرهم وهذه سمة لمعظم الحكومات ومن هنا جاءت مقولة «الحكومات تخسر الانتخابات والمعارضات تفوز بها»، بمعنى أن الحكومة إن فازت فهذا أمر متوقع وطبيعي، لكن الأمر الاستثنائي هو إذا فازت المعارضة.
 
والسبب وراء فوز الحكومات واضح وهو أن من في السلطة قادر على أن يحقق مكاسب ومنافع لناخبيه الذين سيكافئونه بإعادة انتخابه، وبإمكانه أيضاً أن يزامن إنجازاته وعطاءاته لمؤيديه مع موعد الانتخابات كي تؤثر في خياراتهم لمصلحته وهذا ما تفعله الحكومات حتى في البلدان الديموقراطية العريقة فهي دائماً تزامن إنجازاتها كي تؤتي ثمارها قبيل الانتخابات من أجل أن يدرك الناخب أن خطط الحكومة الاقتصادية ناجحة وأنها تستحق البقاء في السلطة كي تحقق المزيد من النجاحات. من ناحية أخرى فإن الناخب، خصوصاً الحديث العهد بالنظام الديموقراطي، يخشى التغيير، خصوصاً مع وجود أخطار حقيقية كما هي حال العراق الذي تنشط فيه جماعات إرهابية متمرسة في بعض المناطق، لذلك يفضل الناخب أن يبقي على من اعتاد عليهم بدلاً من المغامرة بالإتيان بآخرين جدد يمكن أن يُحدِثوا تغييرات قد تربك الوضع القائم وربما تهدد مصالحه.
 
الاعتراضات الصاخبة على التجديد لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي بدأت بالخفوت والانحسار بعد أن اتضح أنه سيكون زعيم الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان المقبل. زعماء الكتل الصغيرة والمتوسطة سارعوا إلى الإعلان عن عدم اعتراضهم على بقائه في منصبه حتى من السنة والأكراد. آخرون سيعيدون حساباتهم دون شك لأنه ليس في مصلحتهم الاعتراض في وقت سيتمكن فيه من تشكيل حكومة جديدة يمكن أن يستثني منها معارضيه ومنتقديه.
 
أما رئيس الوزراء، الذي كان يطالب بحكومة غالبية سياسية، فأعلن أنه سيتفاوض مع الجميع من أجل تشكيل الحكومة المقبلة، ما يعني أنه لن يصر على حكومة غالبية سياسية إن كان بإمكانه أن يجعل من معارضيه السابقين شركاء وداعمين في الحكومة الجديدة. لكن تجربة السيد المالكي خلال السنوات الثماني المنصرمة ستحتم عليه أن يكون حذراً في تعامله مع من لم يتعاون معه سابقاً.
 
لا يبدو أن العراقيين جاهزون حالياً لأن ينقسموا ديموقراطياً إلى حكومة ومعارضة كما هي حال الدول الديموقراطية الأخرى، والأسباب كثيرة. أولها أن الكتل السياسية قد شُكِّلت على أسس طائفية أو قومية ما يعني أن المعارضة ستكون من مكوِّن معين والحكومة من مكون آخر. وهذا لا يخدم الوحدة الوطنية. الأمر الآخر هو انعدام الثقة بين الكتل السياسية بحيث أنها لا تستطيع أن تبقى خارج الحكومة خوفاً من التهميش. وأخيراً وليس آخراً أن من في السلطة يستطيع أن يخدم ناخبيه وهذا الحافز سيكون في بال الجميع الذين يريدون أن يوسعوا من قواعدهم الجماهيرية.
 
لكن السيد المالكي الذي يبدو أنه سيشكل الحكومة للمرة الثالثة، لديه تجربة مريرة مع شركائه في الحكومتين الحالية والتي سبقتها، فهل يا ترى سيكرر تلك التجربة التي لم تكن ناجحة بكل المقاييس، خصوصاً مع وجود كتل مشاركة في الحكومة لكنها في الوقت نفسه تمارس دور المعارضة؟
 
لقد برهن المالكي خلال السنوات الثماني المنصرمة أنه رجل براغماتي ومستعد للقبول بالحلول الوسطى إن لم يتمكن من الحصول على كل ما يريده، لكنه هذه المرة ليس بحاجة إلى التنازل مع تفوقه انتخابـيـاً على خصومـه. بإمكانه الآن أن يصر على التحالف مع الكتل المنسجمة مع برنامجه والمؤمنة حقاً بقيادته واستبعاد الكتل الأخرى التي عرقلت عمل حكومتـه سابقاً.
 
ما زال خصوم المالكي، وهم تحديداً قوائم متحدون والحزب الديموقراطي الكردستاني والوطنية والأحرار، يمتلكون بعض الأوراق في أيديهم. فبإمكانهم من الناحية النظرية أن يشكلوا ائتلافاً جديداً ينافس الائتلاف الذي سيتمكن المالكي من تشكيله بسهولة، لكنهم فرقاء أكثر منهم حلفاء، ومن هنا لا يمكنهم الاتفاق على الكثير من الأمور المهمة وإن ما يجمعهم هو الخصومة للمالكي وهذه لا تكفي وحدها لتشكيل حكومة متماسكة، وهم يدركون ذلك جيداً ما سيدفعهم إلى مطالبة كتلة المالكي بترشيح غيره لرئاسة الوزراء.
 
لكن هذا لن يحصل أولاً لأن المالكي تمكن من توسيع قاعدته الشعبية التي انعكست الآن على شكل مقاعد برلمانية تسند حكومته المستقبلية. وثانياً لأن حلفاء المالكي (بل حتى منافسيه) لا يستطيعون أن يتخلوا عنه بعد المكاسب الكبيرة التي حققها لهم على مستوى الشعبية والمواقع القيادية التي تمتعوا بها، ما يعني أن كتلة دولة القانون وحلفاءها سيتمسكون بالمالكي رئيساً للوزراء.
 
الخيارات السياسية ما زالت مفتوحة لكن الذي يمتلك معظم الأورواق هو السيد المالكي لأنه حصل على تفويض شعبي يؤهله للاستمرار.
 
-----------------------------
* نقلا عن الحياة اللندنية، الخميس، 15/5/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

حميد الكفائي

حميد الكفائي

كاتب عراقي.