مقالات رأى

العراق والمهزلة الانتخابية

طباعة
لم يعد بالإمكان نكران أن الانتخابات العراقية هي عبارة عن تكرار فضولي عالمي لآليات ديمقراطية تفضي إلى نتائج إيجابية في الدول الديمقراطية، وإلى أخرى سلبية في الدول المتخلفة وتحديداً في العراق وعلى مستوى التوافقات السياسية فيه، وبالنتيجة كانت النتائج النهائية لتشكيل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 وحتى الآن عبارة عن حكومات تستجيب لمتطلبات المؤثر الخارجي وتحديداً إيران والولايات المتحدة من دون النظر إلى متطلبات الداخل العراقي الذي أنتج تلك الحكومات، وهذه حقيقة يمكن أن يشار إليها ببساطة على مستوى تدني الخدمات الاجتماعية والأمن العام للدولة، وتفشي الفوضى في كل شيء على قاعدة المأثرة التي انطلق منها رئيس الوزراء الصيني (شو آن لاي) عندما سئل عن مستقبل العالم بعد الحرب العالمية الثانية فأجاب: "إن العالم يسير إلى فوضى في كل شيء" . والعراق الآن هو بلد الفوضى في كل شيء، وهو بوابة التغيير الفوضوي في الشرق الأوسط الكبير .
 
الخريطة السياسية للانتخابات العراقية اليوم يمكن أن تقرأ من زوايا ثلاث:
 
الأولى الاصطفافية القائمة على الطائفية والأثنية، وهنا نشير إلى القوائم الشيعية المعروفة والتي هي دولة القانون والأحرار والمواطن ومن لف لفها، ومن ثم القوائم الصغيرة وأمثالها التي تدخل في نطاق الاستفادة من نظام الانتخابات المعدل (سانت ليكو) لغرض رفد الكتل الكبيرة بالنتائج الإضافية التي تمكنها من الفوز بمقاعد برلمانية إضافية .
 
ثم القوائم الكردية المتمثلة بالحزبين الرئيسيين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وهي القادرة على استقطاب المكون الكردي بعموميته لرفد نتائج الانتخابات .
 
ومن ثم القوائم الممثلة للطائفة السنية التي أضحت مشتتة دون سواها من القوائم الأخرى بسبب طبيعة القيادات البائسة لتلك الطائفة، مضافة إلى ذلك طبيعة التدهور في الوضع الأمني في المحافظات التي يغلب فيها الوجود السني والتي يمكن أن تؤثر سلباً في النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية .
 
الزاوية الثانية هي التزوير، والتي يجري الحديث فيها عن شراء البطاقات الانتخابية الإلكترونية وقد أشارت المرجعيات الدينية وكذلك الحكومية إلى وجود توجه لدى بعض الكتل لشراء أصوات الناخبين .
 
أما الزاوية الثالثة فهي قدرة الفاعل الخارجي المتمثل في إيران والولايات المتحدة الأمريكية على التأثير في النتائج النهائية للانتخابات، فإيران تريد الإبقاء على الصبغة الدينية الشيعية في العراق والولايات المتحدة تريد من يحقق أقصى قدر ممكن من الاستجابة للمصالح الأمريكية في العراق .
 
لسنا بهذا الصدد للحديث عن الاستباقية بالنتائج النهائية للانتخابات العراقية ولكننا نقول إنّ من المستغرب حقاً أن ثقافة التمسك بالسلطة السياسية في العراق هو ليس ديدن العراقيين على الإطلاق، بدليل أن المرحوم عبدالمحسن السعدون (رئيس وزراء العراق في الثلاثينات من القرن المنصرم) كان قد ترك رسالة لابنه (علي) ذكر فيها أنه أقدم على الانتحار بسبب عدم قدرته على تغيير نهج الحكومة آنذاك في الاستجابة لمتطلبات الجماهير في العراق .
 
وكذلك الحال فإن الذاكرة العراقية تختزن مآثر لقادة العراق كالزعيم الراحل عبدالكريم قاسم الذي قتل في مبنى الإذاعة والتلفزيون وكان في جيب سترته العسكرية وصل مديونية بثلاثة دنانير إلى خياط بدلته العسكرية . فالتاريخ العراقي مملوء بالأمثلة الدالة على نكران الذات في الشخصية العراقية . فلم هذا التكالب الآن على السلطة السياسية؟
 
وعوداً على بدء، فمن المستغرب الآن وعند النظر إلى حجم الدعاية الانتخابية لن نجد لها ما يناظرها في العالم الآخر، إذ امتلأت الشوارع والأزقة في بغداد والمحافظات العراقية بصور بعض المجرمين والقتلة وذوي التاريخ الموصوم بالعار وكذلك النساء المغريات وأولئك الذين تسترت عليهم الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 وحتى الآن، وبكل وقاحة ترفع صور هؤلاء المتلبسين بأبشع الجرائم لكي يعاد انتخابهم مجدداً ويحتلوا مناصب أساسية في السلطتين التشريعية والتنفيذية .
وهو جرح كبير في الضمير العراقي الذي لم يألف مثل هذه الفواجع الإنسانية في تاريخه الممتد إلى بدايات الحضارة الإنسانية في بابل وآشور وأكد وسومر .
 
وهذه هي الطامة الكبرى في الديمقراطية الأمريكية التي أباحت لكل المشكوك في وطنيتهم وصدقيتهم أن يتربعوا في مناصب سيادية في أرقى بقاع العالم (حضارة وادي الرافدين) .
 
من هنا لابد وأن نشير إلى أن المهزلة الانتخابية في العراق سوف تفضي إلى المستويات المتدنية ذاتها التي دفعت بالعراق إلى حافة التقسيم الأثني والطائفي، وعلى قاعدة الإرادة الأمريكية التي تحدثت عن الشرق الأوسط الجديد كمغزى لنتائج التقسيم في الشرق الأوسط الكبير .
 
---------------------
* نقلا عن دار الخليج، الأربعاء، 23/4/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

د. حسين حافظ