مقالات رأى

الشبكة العالمية لجماعات الإرهاب المتعددة الأسماء

طباعة
التطور الذي حدث في تكاثر المنظمات الإرهابية التي تحمل كل منها اسماً يخصها، وترفع شعارات تميزها عن غيرها، مع أنها جميعها تحت مظلة القاعدة، من حيث طرق التفكير، وعقيدة العنف وسفك الدماء، هذا التطور أصبح سؤالاً يطرحه الخبراء المختصون في عواصم العالم، بحثاً عن إجابة تحدد ما الذي يربط بين هذه المنظمات وبعضها البعض، وما الذي يربطها بتنظيم القاعدة؟
 
وقد تجدد الاهتمام بهذا السؤال في مناقشات دارت في واشنطن في مراكز بحوث ولدى الدوائر المختصة بمكافحة الإرهاب، في أعقاب الهجوم على المقر الدبلوماسي الأمريكي في بنغازي في ليبيا عام 2012 . ورغم أن وكالات المخابرات لم تعتبر هذا الهجوم من منظمة تطلق على نفسها "أنصار الشريعة"، دليلاً على انتمائها للقاعدة، إلا أن البعض في واشنطن من المهتمين بهذا الموضوع، استخلصوا من طريقة التنفيذ، وتوجهاتها السياسية المناهضة للغرب، أن هذه المنظمة تنتمي للقاعدة.
 
والملاحظ أن خطط مكافحة الإرهاب، التي بدأت بقوة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد أصابت تنظيم القاعدة بضربات تعجيزية، أعطبت خطوط اتصالاته مع المنتمين له خارج أفغانستان، وسدت معظم قنوات التمويل للعمليات الإرهابية . وكان من نتيجة ذلك حدوث تشرذم في الوحدات الإرهابية، وتكاثرها عددياً بحيث أصبحت تدير عملياتها بطريقة لا مركزية، حتى وإن ظلت تتبنى فكر القاعدة .
 
ورأينا - كما يقول الخبراء - تنظيمات تتخذ قراراتها فيما تنفذه من أعمال إرهابية حسب اختياراتها هي، حتى وإن ظلت تحتفظ بشعارات تنظيم القاعدة . وطبقاً لوصف ويليام ماكنتس خبير التنظيمات الإرهابية بمعهد بروكنغز في واشنطن، وأن هوية القاعدة توضح أن لها أيديولوجية فضفاضة، تتحرك في إطارها جماعات، يربط فيما بينها مبدأ سفك الدماء، ونفس أساليب تجنيد الأفراد، والحصول على التمويل، وليس بالضرورة الدخول ضمن عضوية القاعدة، للحصول على هذه المكاسب . 
 
الخبراء يرصدون فروقاً بين بعض هذه الجماعات، منها تلك التي تستهدف المصالح الغربية، وهي موجودة بصفة خاصة عبر شمال إفريقيا، واليمن، والصومال، ومنها ما يركز على الشأن المحلي، ويوجه هجماته المسلحة داخل بلاده، مثلما يجري في سيناء، وفي سوريا . ولكنها في النهاية تحمل عقيدة القتل الجماعي وتكفير من يختلف معها، في الأفكار التي تعتنقها، وتحت مختلف المسميات التي تنوعت ما بين جبهة النصرة، وأحرار الشام، وداعش، والدولة الإسلامية في الشام والعراق، وشباب الصومال، والتنظيم الجهادي في الجزائر، والمسميات المتنوعة والمتعددة في سيناء، فكلها هي وغيرها من الجماعات التي تنتهج العنف والإرهاب داخل بلادها وضد مواطنيها، قد ارتبطت جميعاً عبر خطوط اتصال، بعضها غير مرئي، في إطار شبكة مترابطة، يحدث فيما بينها تنسيق، في تنفيذ عمليات، يعهد بها إلى فصيل من هذه الجماعات، أو تقوم بها إحدى المنظمات لحساب تنظيم آخر، لا يريد أن يظهر هويته الإرهابية صراحة لأسباب سياسية، أو أن تعمل جماعة ما، على تنفيذ هجوم إرهابي لحساب جماعة أخرى، وهو ما شهدناه من قيام منظمات بعمليات في سيناء، لحساب حركة حماس، بينما هذه المنظمات تحمل مسميات أخرى .
 
هناك إذن إطار عام يحوي الهدف المشترك، وهو في الوقت الحالي العمل على إسقاط "الدولة" في العالم العربي . وبالنظر إلى نمط التفكير، وأسلوب العمل، فلم يعد ممكناً من الوجهة العملية، التفرقة بين جماعة وأخرى، من هذه الجماعات . فكلها في النهاية تتحرك في مسار تفكير القاعدة، وإن اختلفت في تفاصيل التنفيذ، وفي تبني أهداف تخصها، وفي لا مركزية اتخاذ القرار .
 
إن هذه الجماعات قد استغلت فوضى ما بعد أحداث الربيع العربي - التي كان لها يد طولى في إشعال نيران هذه الفوضى - للعمل على إضعاف خطوط الحدود، التي تحمي الأمن القومي لأي دولة، وهو ما حدث في ليبيا، وسوريا، وحدود العراق، وفي سيناء مع غزه التي تسيطر عليها حركة حماس الإخوانية، أملاً في أن تكون الحدود مفتوحة أمام تسلل أعضائها، ليمدوا نطاق عملياتهم من بلد لآخر .
 
وقد ظهر ذلك بصورة واضحة في سيناء، التي انتشر فيها أفراد من جنسيات مختلفة، تلقوا تدريبات في غزة، ليبيا، واليمن، وغيرها، فضلاً عن القادمين من أفغانستان يجمعهم هدفهم الذي يطمحون إليه، وهو إسقاط الدولة حسب تصورهم وأحلامهم البعيدة عن الواقع . وهو هدف تلتقي من حوله كل هذه المنظمات الإرهابية، التي انزاحت فيما بينها الحدود، والخطوط، والهويات، بحيث وصلت أوضاعها إلى حد كونها نوعاً من شبكة إرهاب عالمية، حتى وإن تنوعت الأسماء والشعارات .
 
---------------------
نقلا عن دار الخليج، الأربعاء، 26/2/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

عاطف الغمري