مقالات رأى

انتصار لمدنيّة مصر

طباعة
عبّر الشعب المصري الشقيق بصورة سلمية وحضارية عن رأيه الواضح بمشروع الدستور الجديد الذي صاغته لجنة الخمسين المستنيرة في خطوة أولى في خطة خريطة الطريق، والتي ستأتي بعدها تباعاً انتخابات رئاسية وبرلمانية. النتائج الأولية التي أعلن عنها أكدت أن نسبة المشاركة بلغت 55 في المئة وأن نحو 98 في المئة من المشاركين قالوا «نعم» للدستور.
 
ماذا يعني تصويت الأغلبية في مصر على الدستور المدني الجديد بالنسبة لنا نحن العرب؟ وما هي أهم الدروس المستفادة من التجربة المصرية حتى الآن؟
من أهم الدروس أو الفوائد أن ولادة الديمقراطية التعددية في الوطن العربي ليست ممهدة بالزهور، فقد جاءت أولى الخطوات نحو الديمقراطية في مصر عسيرة ومضطربة بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث اختطفت قوى الإسلام السياسي الثورة برفعها شعارات إسلامية خدعوا بها الناس وتاجروا بالدين للوصول للسلطة، لكن عندما وصل «الإخوان المسلمون» للسلطة فشلوا في أول اختبار لأنهم لا يملكون مشروع دولة، بل لديهم طموحات حزبية لا تؤمن بالديمقراطية ولا الحرية ولا التعددية الدينية والفكرية... مما مهد الطريق لسقوطهم. فتصويت الشعب المصري بـ«نعم» هو إعلان جديد وتأكيد للإيمان بالمستقبل.
 
ثاني الدروس هو أن إقرار الدستور المدني يضع حداً للمطالبين من جماعات الإسلام السياسي في الوطن العربي بعودة دولة الخلافة، فأكبر دولة عربية أعلن شعبها بأنه يتطلع إلى المستقبل ولا يريد العودة إلى الماضي.
 
ثالثاً إقرار الدستور الجديد ليس انتصاراً لمصر وحدها بل هو انتصار للقوى الديمقراطية والليبرالية في الوطن العربي كله... فقد طالبت هذه القوى ومنذ فترة طويلة بالتحول الديمقراطي السلمي في الوطن العربي وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان، والأهم من كل ذلك إبعاد الدين عن السياسية. فتصويت الشعب المصري بـ«نعم» قوية هو رد اعتبار للمئات من المفكرين والمثقفين والفنانين والكتاب الذين فقدوا حياتهم وتم اغتيالهم من القوى الظلامية لأنهم رفضوا زج الدين بالسياسة.
 
وأهم الدروس المصرية لنا نحن العرب هو أن الديمقراطية الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إشراك الشعب في إقرار كل الخطوات الأساسية نحو تحقيق الديمقراطية من خلال دولة المؤسسات، ولا مجال للانفراد بالسلطة في عالمنا المعاصر.
 
نحن على ثقة تامة بأن أخوتنا في مصر يعون تماماً بأن إقرار الدستور لا يعني أبداً بأن مشاكل مصر المتعددة والكثيرة قد انتهت، بل بالعكس، فما حصل ما هو إلا الخطوة الأولى في الطريق الطويل والشائك في حل قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية... بمعنى أن إقرار الدستور ما هو إلا بداية بناء الدولة العصرية الحديثة. مطلوب من كل محبي مصر في الوطن العربي الدفاع عن استقرارها ضد الحملات البغيضة التي تحاك ضدها من قوى داخلية وخارجية، وعلى الشعب المصري أن يعي بأن الطريق للتنمية والاستقرار طويل، وهو ليس مقصوراً على الاستفتاء حول الدستور وانتخابات الرئاسة والبرلمان، بل مطلوب من الجميع العمل والإنتاج والإبداع وتحويل مصر إلى ورشة عمل خلاق.
 
---------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الأحد، 19/1/2014.
طباعة

تعريف الكاتب

د. شملان يوسف العيسى

د. شملان يوسف العيسى

رئيس سابق لقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.