مقالات رأى

موازنة الاهتمام الأمريكي بين آسيا والشرق الأوسط

طباعة
تواجه الولايات المتحدة حالياً مرحلة صياغة أدوارها في الشرق الأوسط، بطريقة لا تقلل من امتلاكها أدوات التأثير والنفوذ، وإن كانت تدرك نتيجة مستجدات عديدة، وإن قدراتها القديمة على التأثير قد انكمشت إلى حد كبير . 
في عام 2005 كان هناك توجه واضح نحو تكثيف مقومات التأثير الأمريكي في الشرق الأوسط، وهو ما عبّر عنه وقتها سفير أمريكا في مقر حلف الأطلسي في بروكسل بقوله: إن الشرق الأوسط سوف يكون منطقة الاهتمام العالمي لعشرات السنين القادمة . 
لكن هذا التفكير قد لحقه تغيير مفاجئ، منذ عام ،2010 بإعادة النظر في الاستراتيجية العالمية للولايات المتحدة، استدعى تكثيف التركيز على آسيا . وقد عبّرت عن هذا هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية وقتئذ، بأن هذه المنطقة (آسيا/ الباسفيك) سوف تكون قاطرة السياسات العالمية، وأن الولايات المتحدة ستركز عليها استراتيجياً . 
 
كان التفوق غير المألوف للتنمية الاقتصادية للصين، والتي زادت معدلاتها على 10% في المتوسط، قد بدأ يتجاوز حدود الصين كدولة، ليتحول إلى عملية يتسع مداها الإقليمي، وتحمل مؤشرات على قرب اكتمال قيام منظومة اقتصادية واستراتيجية، تعرف معا باسم صعود آسيا، أو بداية ما يعرف بالقرن الآسيوي الذي سيحل محل القرن الأمريكي، والذي كان السمة الأساسية للقرن العشرين . حتى إن هنري كيسنجر وصف ما يحدث بأنه بدايات انتقال مركز التأثير العالمي من الغرب، إلى آسيا . 
 
وقد بدأ الفكر الاستراتيجي في الولايات المتحدة يلّح على إجراء تغييرات في مساراته، حتى لا تفقد الولايات المتحدة نفوذها التقليدي في هذه المنطقة من العالم، والتي تتغير الآن من داخلها بإيقاع متسارع . 
 
في هذه الظروف كان الشرق الأوسط، لا يزال يحتوي على جانبين حيويين من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية الأمريكية، وهما "إسرائيل" والبترول . 
 
وبالرغم من القلق الذي أصاب المؤسسة السياسية الأمريكية، عقب ما سمي بالربيع العربي ابتداء من عام ،2011 وإحساسها بعدم اليقين بشأن ما سوف تستقر عليه الأمور في النهاية، إلا أنها لم تضيع وقتاً، للتواصل مع من يقدم ضمانات لحماية مصالحها . ولهذا كان وصول الإخوان إلى الحكم في مصر، يعزز منه حكمهم في تونس، ومساعيهم لمد نفوذهم إلى مختلف الدول التي شهدت أحداث الربيع العربي، قد هيأ للولايات المتحدة ما اعتبرته فرصة تاريخية، تدعم تحركها الاستراتيجي نحو آسيا، ولا تبطئ من حركته، مع قلة الانزعاج من أحداث الشرق الأوسط . خاصة وقد كانت هناك اتصالات مكثفة لسنوات سابقة في الثمانينات، ومنذ بداية الألفية الجديدة، حرص فيها الإخوان على أن ينقلوا إلى الولايات المتحدة، رسالة بأنهم "ضامنون"، لمصالحها في المنطقة، واحترام أي تعاهدات مع "إسرائيل"، في حالة دعمها للمشروع الإخواني، بتمكينهم من الحكم . 
 
لكن ما جرى في مصر من إسقاط حكم الإخوان، قد أحدث صدمة عاتية، بعثرت مكونات التفكير الأمريكي، الذي كان قد شعر بالاستقرار، لوجود الإخوان في السلطة، واستمرارية التواصل معهم، دون توقف طوال فترة حكمهم، وهو ما شهد به دبلوماسيون أمريكيون عديدون . 
 
ولهذا شهدنا رد الفعل العصبي من إدارة أوباما تجاه سقوط حكم الإخوان، الذي تجاوز حدود السلوك السياسي، وكأن مرسي كان مواطنًا أمريكياً في مصر وليس مصرياً اختاره الناخبون في ظروف ما، ثم أسقطوه عندما اكتشفوا حقيقته، وأنه ليس من يحكمهم، بل إنه ينفذ تعليمات قيادات جماعته، تعلوه بحكم الترتيب القيادي، والالتزام بمبدأ السمع والطاعة لمرشده . 
 
وتوالت الضغوط الأمريكية، لكي تفرض على القيادة الجديدة في مصر، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء . وإذا كان خطأ إدارة أوباما يتمثل في سوء تقديرها لقدرة القيادة المصرية على مقاومة هذه الضغوط وإفشالها، فإن الخطأ الأكبر والأشد فداحة، كان في استهانتها بمشاعر الرأي العام المصري، الذي عبر عن إرادته الوطنية بالخروج في 30 يونيو، بأكثر من الثلاثين مليوناً، وبعدد لا يقل عنهم يؤازرهم ويتفاعل معهم في البيوت، وأمام أبواب المنازل . 
 
هذه التطورات تجمعت معاً لتضع الولايات المتحدة، في موقف شعرت فيه بأنها تحتاج لأن توازن بين أولويات التوجه الحاشد بمختلف أنواع القوة والطاقات، نحو آسيا، وبين اعتبارات الإبقاء باهتمامات كافية في الشرق الأوسط . 
لهذا لم تتوقف على مختلف المستويات، المناقشات، داخل الإدارة الأمريكية، حول هذه المسألة التوازن بين التواجد والنفوذ في كل من آسيا والشرق الأوسط؟ وكيفية الوصول إلى الصياغة النهائية لها .
 
---------------------------------------
نقلا عن الأربعاء، دار الخليج، 8/1/2014
طباعة

تعريف الكاتب

عاطف الغمري