مقالات رأى

المناصب الدولية... معيار الكفاءة

طباعة

في نهاية أبريل الماضي، انتُخب الدكتور "جيم يونج كيم"، البالغ من العمر 52 عاماً، رئيساً للبنك الدولي. وقد كان من الواضح أنه يشكل اختياراً مناسباً، فقد كان رئيساً لكلية "دارتموث كوليدج" التابعة لرابطة الجامعات الأميركية المرموقة "آيفي ليج". كما أن "كيم"، المولود في كوريا، خبير مميز في الصحة العامة، حيث تولى رئاسة قسم "إتش آي في/ الإيدز" في منظمة الصحة العالمية، وقام بتجارب بخصوص برامج المساعدات قبل أن تصبح عملية عادية، كما أنشأ منظمة "شركاء في الصحة"، التي تعتبر نجاحاً باهراً في هايتي والبيرو. وإذا كان بعض المراقبين قد أعجبوا بتعيين أحد مهنيي التنمية بدلاً من خبير مالي على رأس البنك الدولي، فإن آخرين لا يعتقدون أنها فكرة سديدة.

غير أن اللورد "مالوك براون"، الذي كان نائباً لأمين عام الأمم المتحدة في عهد كوفي عنان، قبل أن يصبح وزيراً للدولة في وزارة الخارجية البريطانية، عبر عن قلقه بشأن الطريقة التي اختار بها البنك الدولي رئيسه الجديد حيث كتب في صحيفة "ذا تايمز" الشهر الماضي أن البنك الدولي الذي سبق أن عمل فيه: "… مازال موجوداً بين ولايات متحدة مستاءة تعتبر البنك الدولي ملحقة تابعة للحكومة الأميركية كثيراً ما تسبب لها الحرج، وعالم نام تخالجه منذ سنوات كثيرة توقعات مرتفعة إزاء هذه المؤسسة باعتبارها المصدر الدولي الرئيسي لتمويل التنمية. وهذا الخلاف يترك تأثيراً كبيراً".

وقال "براون" بعد زيارة أجراها مؤخراً إلى البنك الدولي: "لقد ذهبت المنظمات غير الحكومية إلى الأمم المتحدة من أجل الضغط على العالم وإقناعه بأهداف جديدة للتنمية. ولكن البنك يبدو في حالة ركود وجمود، كما أنه فقد ثقة واهتمام الكثير من زبائنه والمساهمين فيه. وإذا كان يراد له أن يستعيد تعاطف الدول النامية، أو الأهم من ذلك استرجاع احترامها، فإن عملية الاختيار مهمة أكثر من الرئيس الذي يتم اختياره في النهاية. ولذلك، يجب على مجلس إدارة البنك أن يُظهر أنه مؤسسة عالمية قادرة على اختيار أفضل مرشح، بغض النظر عن المكان الذي يأتي منه".

وأضاف "براون" يقول: "لو لم يكن العام الحالي عاماً انتخابياً في أميركا، هناك اعتقاد بأن أوباما كان سيقبل بالحجج المؤيدة لضرورة اختيار الرئيس على أساس الكفاءة والجدارة. ولكن العام عام انتخابات، وخصومه على ما يبدو يعارضون أي تنازل يمكن أن يؤول على أنه اعتراف من قبل أوباما بأفول القوة الأميركية".

والواقع أنه منذ سنوات كثيرة وأنا قلق لغياب نظام عالمي لاختيار مديري المؤسسات والمنظمات الدولية على أساس الاستحقاق والجدارة. ذلك أنه بينما تتعلم الدول التعاون والعمل معاً أكثر، تحت ضغط القوى العالمية الجديدة، تصبح الحاجة إلى الأشخاص الأكثر قدرة وأهلية أوضح. ولذلك، فإننا سنعاني جميعاً إذا نحن لم نغير طرق الاختيار أونقم بتحديثها، وذلك لأن الكثير من بواعث قلقنا الدولية تتعلق بأنظمة وهياكل أنشئت في نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945.

ولنأخذ طريقة اختيار أهم دبلوماسي في العالم كمثال - أمين عام الأمم المتحدة. ففي الواقع، يتم اختيار هذا الأخير بالتناوب بين المجموعات الجغرافية الرئيسية، حيث "يصعد" مرشح ما بعد مداولات في مجلس الأمن الدولي، ثم يُعرض اسمه بعد ذلك على الجمعية العامة من أجل الموافقة عليه. وفي نهاية 2006، اختير وزير خارجية كوريا الجنوبية آنذاك، بان كي مون، ليخلف كوفي عنان. وقد بدا أن التقليد القاضي بمنح التعيين لمجموعة معينة بالتناوب، بدلاً من أن يكون ذلك على أساس الكفاءة والجدارة، هو المطبق، وكان الدور دور آسيا. غير أنه في الكواليس، كانت ثمة مساومات وجدالات حادة وغير مشرفة. وعلى سبيل المثال، فقد اقتُرح في الصحافة البريطانية أن تطالب المملكة المتحدة ببعض المناصب في الأمم المتحدة قبل أن تدعم بان كي مون – الذي فشل في إبهار المجتمع الدولي. وفي هذا السياق، قال أحد الدبلوماسيين: "لقد كان الأمر شبيهاً بتقسيم الدول الأوروبية القارة الأفريقية في ما بينها خلال القرن التاسع عشر". ولكنني أعتقد أن في الأمر مبالغة كبيرة!

ومن المعروف أن هناك اتفاقاً غير رسمي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقضي بأن يكون لدى البنك الدولي منذ إنشائه في 1944 رئيس أميركي، وبالمقابل، يتولى أوروبي رئاسة صندوق النقد الدولي دائماً. وسيذكر التاريخ أن دومينيك ستراوس كان، وهو فرنسي مثير للجدل ولكنه ضليع في مجال تخصصه -في مجال المال والاقتصاد - استقال كمدير للصندوق واستُبدل بفرنسية لا تقل عنه خبرة هي كريستين لاجارد. غير أنه من الواضح أن هذا المنصب المهم ينبغي أن يفتح في وجه قائمة أكبر من الأسماء المرشحة من قبل كل الدول الأعضاء.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، فقد طرح الاتحاد الأوروبي المشكَّل حديثاً نسبياً مشكلةً مماثلة بشأن الطريقة التي "يصعد" بها المرشحون المناسبون لمناصبه العليا. ففي نوفمبر 2010، عُين "هرمان فان رومبوي" رئيساً لمجلس الاتحاد الأوروبي، فيما عُينت الليدي "آشتون" ممثلة عليا للشؤون الخارجية. وكانا كلاهما مجهولين إلى حد كبير ويعتبران على نطاق واسع غير مناسبين لمسؤوليات على هذا المستوى.

وخلاصة القول إن تغيير إجراءات الانتقاء الدولية تأخر كثيراً وطال انتظاره، ولكنه حتمي ولا مفر منها، إذ يجب اختيار رؤساء المؤسسات الدولية الكبرى على أساس الكفاءة والجدارة. ولا بد من إصلاح هذا الوضع غير الطبيعي بشكل عاجل.

-------------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية الإثنين، 21/5/2012.

طباعة

تعريف الكاتب

السير سيريل تاونسيند

السير سيريل تاونسيند

سياسي بريطاني من حزب المحافظين