مقالات رأى

إنقاذ "الناتو"... مهمة أوباما

  • 14-5-2012

طباعة

باري بافل: مدير برنامج الأمن الدولي في "المجلس الأطلسي" بواشنطن
جيمس جوينر: مدير تحرير "المركز الأطلسي"


في أعقاب قمة "الناتو" الناجحة في لشبونة (البرتغال) في نوفمبر 2010، بدا كما لو أن أوباما سيجعل من قمة الناتو المقبلة التي ستحتضنها شيكاجو في الحادي والعشرين من مايو الجاري جزءاً مركزياً من حملته الانتخابية، يبرز فيه نجاحات وإنجازات سياسته الخارجية. وكانت قمة لشبونة قد أفرزت مفهوماً استراتيجياً طموحاً ذا رؤية جريئة لمستقل الناتو، ويشمل ذلك تجديد الالتزام تجاه القتال في أفغانستان، واتفاقاً قوياً حول الدفاع الصاروخي، وتعميق التعاون بشأن التحديات الصاعدة، مثل الأمن على شبكة الإنترنت. غير أنه بعد ثمانية عشر شهراً على ذلك، لم يتحقق تقدم كاف تقريباً حول هذه المواضيع، وبدون تأكيد فإنه غير كاف حتى يقوم أوباما بالترويج له.

ومن أجل تجنب تحول قمة شيكاجو إلى فشل كامل، يجب على أوباما أن يدفع زعماء الناتو إلى معالجة المواضيع الثلاثة المدرجة على الأجندة.

أولاً، يبدو أن عدداً من الأحداث الأخيرة في أفغانستان أخذت تسرِّع وتيرة الخروج من هذا البلد. ففي لشبونة اتفق زعماء الناتو على عملية قوية حتى نهاية 2014 يعقبها التزام غير محدود بالدعم والتدريب. أما اليوم، فقد بدأ الحديث يزداد حول إخراج الكثير من القوات بحلول 2013. وإذا كانت الاتفاقية الاستراتيجية التي وقعها أوباما مؤخراً مع أفغانستان تضمن تواصل الدعم الأمني، فإنها تحتاج إلى استراتيجية عسكرية داعمة. ولذلك، فإن الناتو بحاجة إلى مخطط يقوم بتوجيه هذه الجهود ويوفر مخططاً منطقياً للقوات ومهامها ومعدلات انسحابها.

ثانياً، يجب على إدارة أوباما أن تدفع الناتو لتحقيق تقدم أكبر بشأن معالجة مشاكل نقص قدراته التي كان الوزير الأميركي جيتس قد أشار إليها في يونيو الماضي، حيث حذر هذا الأخير من تحالف بين مستويين ذي مستقبل "مظلم، إن لم يكن محزناً" في حال لم يوقف الحلفاء الأوروبيون سنوات من خفض الإنفاق على القطاع الدفاعي. ومشاكل نقص القدرات هذه أبرزتها بشكل واضح عمليةُ ليبيا الناجحة عموماً، حيث وفرت الولايات المتحدة، رغم ما قيل عن قيامها بـ"القيادة من الخلف"، كل عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع تقريباً، إضافة إلى قدرات التزويد بالوقود في الجو.

أمين عام الناتو، أندريس راسموسن، يدفع الحلفاء حالياً نحو الالتزام بمقاربة "دفاع ذكي" تقوم على جمع الموارد ودمج المعدات العسكرية الأوروبية من أجل ضمان محافظة التحالف على القدرات اللازمة حتى عندما تقوم بلدان أعضاء في الحلف بخفض كبير للإنفاق العسكري. وإذا كان ثمة عمل جيد يتم على المستوى التقني، فإن القرارات المرتبطة بالميزانيات الوطنية ما زالت تُتخذ بمعزل عن ذلك، وبدون مقاربة منسجمة وشاملة.

وكحد أدنى، يفترض بالناتو أن يكون مكاناً للتنسيق بشأن تخفيضات قطاع الدفاع. لكن ذلك لا يحدث، مما يقوي المخاوف من أن الحلف قد لن يكون قادراً على القيام حتى بعملية محدودة مثل تلك التي تم القيام بها فوق ليبيا في حال نودي عليه بعد بضع سنوات من اليوم. لذلك، يتعين على إدارة أوباما أن تضغط على زعماء الناتو من أجل تطوير بنية واضحة لتنسيق الموارد والقرارات المتعلقة بالميزانيات الوطنية، كما يتعين عليها أن تكون مستعدة لمساعدتها على القيام بذلك.

ثالثاً، إذا كان إعلان لشبونة قد شدد على الحاجة إلى إقامة شراكات مع البلدان غير الأعضاء في الناتو من أجل زيادة قدرات الناتو، فإن التقدم بخصوص هذه العملية يتم بوتيرة بطيئة جداً بسبب الإجراءات البيروقراطية. والحال أن الوقت لا يسمح بذلك، فالفظاعات متواصلة في سوريا، والاضطرابات ما زالت تطفو على السطح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتهديد إيران يلوح في الأفق، وهو تهديد يطال منذ ظهوره أعضاء في الناتو بالمنطقة (مثل تركيا) أو لديها قوات في المنطقة (مثل الولايات المتحدة وبريطانيا).

في قمة شيكاجو، تستطيع إدارة أوباما ممارسة الزعامة لإحراز تقدم في المجالات التي عليها إجماع. غير أن المضي قدماً بخصوص "الدفاع الذكي" يقتضي اتفاقاً حول أي القدرات يجب على كل الحلفاء الحفاظ عليها وأي القدرات يمكن أن تكون مسؤوليات مشتركة بحيث يقوم البعض بتوفير قدرات يستطيع الجميع الاعتماد عليها إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

وحول موضوع أفغانستان، فإن الإبقاء على تاريخ 2014 الذي تم الاتفاق عليه في قمة لشبونة قد لن يظل ممكناً، غير أن قمة شيكاجو ينبغي على الأقل أن ينتج عنها اتفاق على اتباع جدول زمني للناتو، وليس جدولاً زمنياً تمليه الحسابات السياسية الداخلية لكل بلد عضو في التحالف.

وأخيراً، ينبغي على الناتو أن يعترف بالواقع الذي كشفت عنه عملية ليبيا ويقترح إجراءات لـ"ائتلافات الراغبين" بين أعضاء الحلف من أجل توظيف قيادة التحالف ووسائل التحكم في غياب مشاركة الجميع.

وإذا استطاع أوباما الضغط على الناتو بخصوص هذه النقاط الهامة وساعد على التوصل إلى اتفاق بالإجماع، فيمكن القول إن ثمة بعض الأمل في أن يظل الناتو مهماً لحماية مصالح الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، تماماً مثلما كان مهماً في القرن الأخير.

--------------
نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الإثنين 14/5/2012.

طباعة