مقالات رأى

الانتخابات اليمنية بين سلاحين

طباعة

بعد غد (الثلاثاء) سيكون اليمن على موعد مع إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في خطوة يفترض أنها أخيرة من المرحلة الأولى للمبادرة الخليجية .

تجري الانتخابات دونما منافسة بين مرشحين ويخوضها المرشح التوافقي للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه من جهة، وتكتل أحزاب اللقاء المشترك وشركائه من جهة ثانية عبدربه منصور هادي الذي يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام منذ سنوات غير قليلة من عهد الرئيس صالح المتواصل على مدى 33 عاماً، والذي دخل منذ مطلع فبراير/شباط العام المنصرم عدّاً تنازلياً انهيارياً إثر زلزال الثورة الجماهيرية الشعبية السلمية التي أطلقتها الحركة الشبابية بهدف الخلاص من الاستبداد والاستئثار والفساد وانتزاع الحرية والكرامة، وإحداث تغييرات جذرية لبناء اليمن الجديد وإعادة الاعتبار إلى ما عرف ب”اليمن السعيد” .

في ضوء هذه التطورات سارعت الدول الخليجية إلى إطلاق مبادرتها، واندفعت الأطراف الدولية وبخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتأييدها، وجاءت ولادة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي كانت مثار خلافات لسنا بصدد تناولها، لكنها تبقى الآن الحاضرة في الحياة السياسية اليمنية، ومن هنا، تقرر أن تجري الانتخابات في الحادي والعشرين من الشهر الجاري في نهاية المرحلة الأولى من هذه المبادرة والمحددة بإجراء انتقال سلمي للسلطة والدخول في المرحلة الثانية التي تمتد لسنتين تبدأ منذ انتخاب المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية .

السؤال هنا : ما المشهد الذي ستكون عليه الانتخابات الرئاسية؟

إن توقف المتابعين والمراقبين والمحللين أمام أية أحداث مفترضة لا يحكمون ولا يحسمون بما ستكون عليه مجرياتها ونتائجها، بل يأخذون في الاعتبار الاعتقاد والافتراض والتوقع والاحتمال لوضع لوحة تقريبية للمشهد .

في الشأن اليمني ربما تكون الأمور استثنائية، هذا الاستثناء يتمثل بأن كل شيء في البلاد صار مكشوفاً وعارياً ومقعّراً، بمعنى آخر صار اللعب والتلاعب على المكشوف، والاستثناء يمتد إلى الانتخابات المزمعة في ظل فلتان أمني كبير، وهي إذا تمت فإنه يكون قد سبقها تنفيذ خطوات وأبرزها تلك المنوطة باللجنة العسكرية العليا التي عجزت حتى الآن عن حل الوضع العسكري المتداعي في العاصمة، فضلاً عمّا هو متفجر من صراع بذرائع مذهبية في شمالي البلاد، وما يتداعى يومياً في عديد محافظات وخاصة الجنوبية منها، وينسب إلى مسميات لجماعات دينية يقال إنها على ارتباط بتنظيم القاعدة، بمثل ما عليه إحدى أكبر المحافظات هي أبين المجاورة لمحافظة عدن منذ قرابة عام، وما ترتب عن السيطرة على أهم مدنها ومناطقها، على أبنائها من أوضاع كارثية، والفلتان الأمني ضرب أهم المحافظات الحضارية بإرثها المدني وهي عدن التي انتشر فيها السلاح عشوائياً وبات أمنها مخطوفاً بأعمال بلطجية وانتقامية ومواجهات بين ما هو أقرب إلى عصابات عديمة المسؤولية .

في هذه الأجواء الأمنية غير الآمنة والأوضاع الصعبة والمتردية والمتدهورة العاصفة بحياة الناس المعيشية، ستجري الانتخابات الرئاسية المبكرة، واللافت أن طبيعة هذه الانتخابات “التوافقية” وليست “التنافسية” ألقت بظلالها وبنتائج مباشرة ومفتوحة على احتمالات غير متوقعة .

في الخريطة هناك المشاركون والمقاطعون والرافضون، المشاركون في ركون على “توافقهم”، والرافضون مراهنون على دورهم، والمقاطعون يقفون على حقهم المشترك بين هذا المثلث، إن كل طرف لا يواجه الأطراف الأخرى في الشارع الانتخابي بل يعاني حضورها في إطاره .

بعد هذا المرور السريع على الأوضاع التي ستجري في ظلها الانتخابات والأطراف المفترض أنها ناشطة في هذه العملية، من المناسب الإشارة إلى المرشح الرئاسي محور هذه العملية، فعبدربه منصور هادي يخوض الانتخابات منفرداً كمرشح للتوافق الوطني، ويعود هذا إلى أن الأطراف كافة أجمعت عليه، كونه رجل المرحلة الانتقالية .

وحسب ما أوردته وسائط إعلامية فإن الرجل “يتمتع بشخصية هادئة ومتوازنة مكّنته من جمع كل الأطراف اليمنية حوله وهو يحظى بدعم دولي وخليجي كبير” .

شخصياً أرى أن هادي يجمع بين الانضباط العسكري وبين الهدوء والمرونة المدنية، وسياسياً صبور بدهاء الرجل الاستراتيجي، وهذا ما مكّنه أن يعيش ويتعايش مع شخص مثل علي عبدالله صالح الذي عاش مع الجميع لكنه لم يتعايش حتى مع نفسه .

هادي وفي تدشين حملته الانتخابية قال، إن “الانتخابات المبكرة أولى خطوات العبور إلى المستقبل الآمن باعتبارها الحل الأمثل والممكن لليمن” .

ويضيف إن “اليمن اجتاز المرحلة الأصعب مهما اختلف البعض في تقدير نسبة نجاحها ومهما حاول البعض أن يمثل حجر عثرة في الطريق، والمضي صوب الإنجاز ظل وسيظل أقوى من التردد والمواربة انطلاقاً من تغليب المصلحة الوطنية العليا” .

ويؤكد تصميمه على “تجاوز محنتنا عبر حوار مفتوح يعيد الأزمة إلى سياقها الطبيعي المحكوم بسلاح المنطق لا بمنطق السلاح، لأن شعبنا يستحق أن ننكر ذواتنا لأجله ونرهن قدرتنا لإعادة بناء البلد بما يستحق خالياً من الإرهاب والتطرف والفساد، معافى من نزعات المناطقية والعنصرية”، إلى أن يؤكد أن “الأرض لن تكون معبدة ومفروشة بالورود، ولذا فنحن بحاجة إلى أن نكون أقوياء وصبورين” .

---------------------
* نقلا عن الخليج، الأحد 19/2/2012.

طباعة

    تعريف الكاتب

    هاشم عبدالعزيز