مقالات رأى

تصعيد روسي مناور للحرب بعودة بوتين

طباعة

رغم تقرب روسيا الى اميركا بعد احداث 11 سبتمبر واتفاقهما على محاربة الارهاب، فانها استمرت في سعيها لاقامة عالم متعدد الاقطاب، ضمن سياسة متشعبة المهام والاهداف السياسية الخارجية، وبعلاقة جيدة مع اوروبا لتغنيها عن اميركا التي هددت وجودها عند احتلالها العراق، ومن ثم نشر منظومة الدرع المضادة للصواريخ من دون مشاركتها بها! فبدأت روسيا عندها تجييش الاوروبيين (فرنسا والمانيا) ضدها، في محاولة لتفعيل قرار 1441 بعدم شرعية الحرب على العراق، الا انها خرجت خالية الوفاض بتأزيمها العلاقات الاوروبية - الاميركية، ولكنها حاولت المناورة من خلال العالم الاسلامي الذي لم تستطع اختراقه ليس لتوحده، بل لتشتته وتفككه الذي يجعله مواليا تقليديا لاميركا خوفا على عروشه، فكانت ايران العدو المتطرف الاول لاميركا، تشكل مركزا استراتيجيا مهما لروسيا لتبدأ مناوراتها عبره بتسليحه نوويا، للضغط على اميركا لتنفيذ شروطها كلاعب اساسي في المنطقة، ثم عززت موقعها هذا بحلف استراتيجي اقتصادي - عسكري مع الصين والهند تدعمها (مجموعة شنغهاي)، الا انها فشلت في مناورتها مع الهند لكسبها ضد اميركا، بسبب توجس الاخيرة من التطور العسكري الصيني المهدد لها، ومن ثم حاولت روسيا اختراق السد الاميركي المنيع بالتفافها لتأسيس حلف برازيلي - كوبي - فنزويلي، باتفاقيات تجارية مع البرازيل بمليارات الدولارات، الا انها لم تنجح بالتقدم اكثر من علاقة تجارية! وبعد استنزافها المناورات امام اكتساح النسر الاميركي لمنطقتها بتدخله السافر بمولدافيا واوكرانيا وجورجيا، لجأت الى اشهار سلاحها النووي كتهديد، مذكرة اميركا على لسان بوتين بانها دولة لا يستهان بها، متحدية اي تدخل بشؤونها او نشر لمنظومة الدرع التي تهدد وجودها، مما عجل بعودة الحرب الباردة الى الاجواء بحلفاء جدد يسعى بوتين من خلالهم لتحقيق هدفه بخلق عالم متعدد الاقطاب لمنع احادية القرار الاميركي!

جاءت ثورات الربيع العربي في المنطقة لتعجل استنفار العملاقين السابقين اميركا وروسيا بمنافسة حلفائهما (الصين، تركيا، اسرائيل، والحلف الاطلسي)، الذين يريدون اقتسام ثروات المنطقة معهم، بمناورة جديدة لروسيا بتهديدها عبر ايران لحليفها الاستراتيجي التركي بقصف مركز الرادار للدرع الاميركية المتواجدة على اراضيها، وبالتالي توجيه اسطولها للمياه الاقليمية السورية لمواجهة الاسطول الاميركي البحري المراقب هناك، خوفا على قاعدتها العسكرية في ميناء طرطوس السوري، مما يؤزم العلاقات اكثر ليظهر دور اللاعب الروسي كأساس للقرار في الحرب المستجدة الآن بين التدخل العسكري في سوريا او الاتفاق مع اميركا بالمشاركة في منظومة الدرع وقرار الحرب!

وهنا هل تخسر روسيا حليفها التركي مقابل دعمها للنظام السوري؟ يعني خسارة آسيا الوسطى والقوقاز والبوسفور والدردنيل على الصعيد الاستراتيجي والتجاري والعسكري، والسياسي الرائد في حل المسألة الكردية والاسلامية المتشددة التي تشكل لروسيا تهديدا مستقبليا، نظرا لما يجمعه اردوغان من الحداثة العلمانية والاعتدال الاسلامي، وبالتالي خسارة حليفها العسكري الاسرائيلي الذي يهدد بقصف المراكز النووية الايرانية امام دعمها لحزب الله! اذا امام بوتين عدة مواجهات بتسلمه قيادة روسيا، فالى اين سيدير دفتها نحو الحرب ام نحو عالم متعدد الاقطاب؟.

----------------------------------------------

* نقلا عن القبس الكويتية الأربعاء 30/11/2011.

طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد السماك